مزحة كئيبة في سيرك عجائبي
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
آخر تحديث: 7 يناير 2024 - 12:04 مبقلم:فاروق يوسف يتمنّى المرء ألاّ تكون هناك دولة فاشلة في بلاده، ألاّ تُقدم بلاده باعتبارها مأوى لأكثر الفاسدين في التاريخ فسادا، ألاّ تتألف النخب الحاكمة في بلاده من أولاد شوارع سابقين، لم يتعلّموا سوى لغة السلاح.غير أن الواقع لا يلتفت إلى الأماني الطيبة. فما جرى ويجري في أجزاء من عالمنا العربي لا ينبئ بالخير.
هناك قوة شريرة في مكان مّا من العالم تجد أن ليس في مصلحتها أن تعيش شعوب بعينها الحياة التي تستحقها انسجاما مع ما وهبتها الطبيعة من ثروات وخيرات وعقول. لقد انقلبت كل الموازين، فصارت الثروة والرفاهية والترف والمكانة العالية من حصة اللصوص والأفاقين والفاسدين وعديمي الضمير والمزوّرين والمهرّبين. أما الشرفاء والمفكرون والعلماء وأصحاب الضمائر الحية والأرواح الوطنية النزيهة والبناة الحقيقيون فإن مصيرهم أن يشقوا ويعزلوا وتنقطع أخبارهم ويُشرّدوا وتُكتم أصواتهم. إنه عالم مقلوب صار يتاجر بالموت على حساب الحقيقة، وهو ما يتم تسويقه من خلال تنظيمات وأحزاب وميليشيات احتكرت القضايا الوطنية في إطار صفقات تتعاون شركات محلية وعالمية على إدارتها. الشعوب التي ترفع من شأن أحطّ أبنائها تزداد تخلفا مع مضي الوقت فهي أشبه بحجر انزلق إلى هاوية لا قاع لها، وهي عن طريق الانقلاب على الحقائق التي تحكم التاريخ وإدارة الظهر لأسباب التقدم التي أخذت بها شعوب أخرى إنما تحفر قبرها بنفسها. لا تنفع الشعارات المدعومة بالسلاح التي يتم تداولها من أجل رفع المعنويات في إخفاء عمليات التضليل والاحتيال والخداع والتزييف والكذب.فعلى سبيل المثال يمكن النظر إلى دول تهيمن عليها الميليشيات باعتبارها دولا خارجة على القانون، لا تملك مجتمعاتها القدرة على بناء حاضرها فهي مجتمعات محكومة بالسلاح، تبدأ به وتنتهي إليه. والسلاح، إن كان بديلا للعلم والكفاءة والخبرة والثقافة، فإنه لن يصنع إلا وهما لقوة يمكن فناؤها في أيّ لحظة. الشعوب التي ترهن حيويتها للسلاح هي شعوب تقضي على نفسها بنفسها وليس الأمل الذي يتداوله بلغاؤها سوى موقد نار يحرق ما لديها من أفكار عن الغد. الأمل خرافة أما الغد فإنه يكون أشبه بالعدو إذا ما سيطر التفكير في الماضي على خيال الشعوب. ألا يعيش الجزء الأكبر من شعوبنا في الماضي؟ ما من أحد يمكنه أن يعترض على حق الشعوب في أن تقاوم. المقاومة حق تفرضه الطبيعة والقوانين. كان الرئيس الأميركي جورج بوش الابن قد اعترف يوم احتلت بلاده العراق بحق العراقيين بالمقاومة. قال ذلك بكلام صريح. والمقاومة فكرة وطنية وإنسانية نبيلة. أما أن تشهر الميليشيات سلاح المقاومة من أجل فرض أجندتها على الشعوب لتضعها ومعها الدولة تحت سيطرتها فذلك أمر يخرج عن المنطق ويبتذل الفكر المقاوم. ذلك ما يحدث اليوم في العراق واليمن ولبنان. فبعد أن استولى المقاومون على تلك الدول ونهبوا ثرواتها وصادروا القرار السياسي فيها لم يعد للشعوب مكان على أرضها. لقد تحولت دول إلى ثكنات عسكرية لا عمل لها سوى بث الرعب والفزع والخوف في قلوب مَن لا يملكون بطاقة للدخول إليها. لقد صار العدو الخارجي مجرد حكاية دعائية يغلب عليها التهريج، وهو ما يعني أن كل دولة استولت عليها المقاومة قد تحولت إلى سيرك تديره عصابات متخصصة في نهب الأموال واغتصاب الأراضي وتهريب المخدرات. في المقابل ليست إسرائيل وهما. ولكن مقاومتها عن بعد هي أشبه بمزحة سوداء كئيبة. هل علينا أن نصدق أن لبنان والعراق واليمن هي دول يتهددها عدوّ خارجي؟ تلك دول فُككت من داخلها وغُيبت إرادتها الوطنية من أجل أن توضع على خارطة المشروع التوسعي الإيراني. المخططون لذلك لمشروع يكذبون حين يتحدثون عن فلسطين. فلا وجود لفلسطين على خارطتهم. تلك خارطة تحاشى واضعوها الوصول إلى إسرائيل أو التماس بها. أما محاولات إيران لإزعاج إسرائيل فهي تعبر عن رغبتها في تذكير الولايات المتحدة بوجودها إذا كانت نسيتها. تضحي إيران بعملائها من خلال الزج بهم في حرب بالوكالة لكي تقول “تذكروني”. فشل العراقيون في إقامة دولة على أنقاض الدولة التي هدمها الاحتلال الأميركي، وفشل اللبنانيون في الحفاظ على وفاقهم الطائفي الذي مزقته الحرب الأهلية وزاده حزب الله تمزيقا، وفشل اليمنيون في الاستفادة من فرصة سقوط النظام السياسي القديم حين ذهبوا إلى ظلامية طائفية لم يتعرفوا عليها من قبل، وعبر كل ذلك أفنيت دول حين صار فاسدوها عناوين لمجتمعها ومُحي غدها حين صار الالتفات إلى الماضي نوعا من المقاومة. أما حين صار الفاسدون سادتها فقد صار عليها أن تخرج من العصر بمحض إرادتها.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
الطغاة لا ينتصرون : هل اقتربت محاكمة بشار الاسد ونظامه ؟
#الطغاة لا ينتصرون : هل اقتربت #محاكمة #بشار_الاسد ونظامه ؟
بقلم : ا د محمد تركي بني سلامة
مهما بلغ جبروت الأنظمة المستبدة، ومهما أحكمت قبضتها على الشعوب، يبقى التاريخ شاهدًا على أن الظلم لا يدوم، وأن إرادة الشعوب تظل القوة الحقيقية التي تحكم مصير الأمم. لقد أكدت الأحداث الكبرى في التاريخ أن الأنظمة القمعية قد تتمكن من البقاء لعقود، لكنها لا تستطيع الصمود أمام إرادة الشعوب حين يقرر الناس أن يقولوا كلمتهم الأخيرة. واليوم، تشير تقارير مطلعة إلى أن موسكو تستعد لتسليم بشار الأسد وأسماء الأسد وماهر الأسد إلى السلطات السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، في خطوة قد تشكل نهاية فصل طويل من الاستبداد والقمع الذي عانى منه الشعب السوري لعقود. هذه الأنباء تأتي ضمن صفقة بوساطة تركية، تهدف إلى ضمان مصالح موسكو الاستراتيجية في سوريا، مقابل تقديم رأس النظام السوري إلى العدالة. وبحسب المعلومات المتداولة، فإن الاتفاق يسمح لروسيا بالاحتفاظ بمنفذ بحري في اللاذقية على البحر المتوسط، مقابل تخليها عن دعم الأسد وتسليمه للمحاكمة أمام القضاء السوري الجديد.
أن دروس التاريخ تقدم لنا حقيقة لا تقبل الجدل، وهي أنه لا يوجد حاكم يستطيع أن ينتصر على شعبه، ومهما استبد الطغاة، فإن نهايتهم تأتي حين تنتفض الشعوب وتقرر مصيرها بيدها. ونشيد بالثورة السورية العظيمة التي قدمت نموذجًا للصمود والتضحية، أن هذه اللحظة، إن صحت التوقعات، تمثل انتصارًا لإرادة الشعب السوري وتأكيدًا على أن العدالة قد تتأخر، لكنها لا تضيع. لقد كان النظام السوري مثالًا صارخًا على الاستبداد والقمع، فمنذ اندلاع الثورة عام 2011، واجه الشعب السوري أفظع أنواع التنكيل، من القصف والاعتقال والتشريد، إلى المجازر التي وثقتها منظمات حقوق الإنسان. ومع ذلك، لم تفلح آلة القمع في كسر إرادة السوريين، الذين واصلوا نضالهم رغم كل التحديات والصعاب.
إن مسار العدالة قد يكون طويلاً، لكنه لا يعرف التراجع، فكل طاغية، مهما بلغ جبروته، يلقى مصيره المحتوم عندما تسنح اللحظة المناسبة. إن ما يجري اليوم قد يكون بداية لمرحلة جديدة في تاريخ سوريا، حيث يتم تصحيح المسار السياسي، ومحاكمة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب. إن محاكمة الأسد ونظامه، إن حدثت، لن تكون مجرد حدث سياسي، بل ستكون لحظة تاريخية تعكس انتصار الشعوب على الاستبداد، وتؤكد أن المظالم لا تسقط بالتقادم، وأن الحقوق المسلوبة ستعود لأصحابها يومًا ما. قد يرى البعض أن هذه الأنباء مجرد تكهنات، أو أن المصالح الدولية قد تحول دون تنفيذها، لكن الحقيقة الثابتة هي أن الشعوب لا تنسى، والتاريخ لا يرحم، وأن النظام الذي حكم سوريا لعقود بالقوة قد يواجه اليوم مصيره المحتوم.
إن أي تحول سياسي كبير في سوريا لن يكون مجرد شأن داخلي، بل سيكون له تداعيات إقليمية ودولية واسعة، فروسيا، التي كانت الحليف الأبرز للنظام السوري، تسعى اليوم لضمان مصالحها الاستراتيجية في المنطقة عبر هذه الصفقة، التي قد تمكنها من الاحتفاظ بنفوذها العسكري والاقتصادي في سوريا دون الحاجة إلى دعم نظام أصبح عبئًا سياسياً عليها. في المقابل، ستراقب القوى الإقليمية الأخرى، مثل إيران وتركيا، هذه التطورات بحذر، حيث ستسعى كل منها إلى ضمان عدم الإضرار بمصالحها في سوريا بعد سقوط النظام.
مقالات ذات صلة الدويري : ترمب إنسان مصاب بانفصام الشخصية 2025/01/30أما بالنسبة للشعب السوري، فإن هذه اللحظة تمثل نقطة تحول فارقة، فقد عانى السوريون على مدى أكثر من عقد من الدمار والقتل والتهجير، وكانت مطالبهم بالحرية والكرامة تواجه بالقمع والوحشية. اليوم، إذا صحت هذه التقارير، فإن سوريا قد تكون أمام فرصة لإعادة بناء نفسها، والتخلص من إرث الاستبداد الذي دمر البلاد.
إن إسقاط نظام الأسد ومحاكمته، إن تم بالفعل، لن يكون نهاية المطاف، بل سيكون بداية لمرحلة صعبة تتطلب جهدًا كبيرًا لإعادة بناء الدولة السورية على أسس ديمقراطية تحقق العدالة والمساواة للجميع. فلا يكفي التخلص من الطاغية، بل يجب العمل على بناء نظام جديد يحترم حقوق الإنسان، ويحقق تطلعات السوريين الذين قدموا تضحيات جسيمة من أجل حريتهم.
في النهاية، يبقى السؤال المطروح: هل نحن أمام لحظة تاريخية حقيقية في سوريا، أم أن هذه التطورات مجرد تكهنات لم تترجم بعد إلى واقع؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة، لكن الحقيقة الثابتة التي لا يختلف عليها أحد هي أن الشعوب لا تنهزم، وأن الطغاة مهما استبدوا، فإنهم لا يستطيعون الوقوف أمام عدالة التاريخ وإرادة الأحرار.