يقدّم المجلس الانتقالي الجنوبي بتعامله مع الاتفاق الابراهيمي كأساس لحل الدولتين في فلسطين مستوى مختلفًا ومقلقًا في تعامله مع القضايا الجوهرية، ليس لبلده، وإنما أمته أيضًا.

 

صنعاء ـ «القدس العربي»: ما جاء في بيان مجلس العموم التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) الثلاثاء، وتحديدًا ما له علاقة بالقضية الفلسطينية فقد تم إقحام الاتفاق الابراهيمي في نهاية البيان بشكل مثل استفزازا لليمنيين شمالًا وجنوبًا؛ وفي ذات الوقت أثار استغرابًا واستنكارًا في آن لهذا المستوى من التبعية التي يمارسها «الانتقالي» في علاقته بالخارج؛ وهي إن صارت مشكلة للمكونات السياسية اليمنية الفاعلة إلا أن الأمر لم يصل إلى حد المطالبة بالتطبيع في خضم موقف شعبي عربي ويمني تجاوز ما كانت عليه المواقف العربية الرسمية بما فيها علاقتها بالتطبيع.

 

جاءت الفقرة الأخيرة من البيان تقول: «يدعو مجلس العموم لوقف فوري لإطلاق النار وحرب الإبادة الجماعية على سكان قطاع غزة المدنيين، ويدعو إلى العمل لتطبيق حل الدولتين على أساس المبادرة العربية والاتفاق الإبراهيمي».

 

يقدّم المجلس الانتقالي الجنوبي بتعامله مع الاتفاق الابراهيمي كأساس لحل الدولتين في فلسطين مستوى مختلفًا ومقلقًا في تعامله مع القضايا الجوهرية، ليس لبلده، وإنما أمته أيضًا، علاوة على أن هذا يأتي في خضم أنشطة مكثفة يقوم بها في الآونة الأخيرة لتعزيز حضوره السياسي الاستحواذي على المشهد السياسي في الجنوب في سبيل ذر الرماد بالعيون قبيل التسوية، وذلك من خلال تأسيس مزيد من الهيئات التابعة للمجلس بما نفهم معه أن ثمة خلطا واضحا لديه بين هيكلية التنظيم السياسي في حال نظرنا للمجلس الانتقالي باعتباره مكونًا سياسيًا كأي مكون وحزب في المناطق الجنوبية، وبين هيكلية الدولة؛ إذ يستحدث بين فترة وأخرى هيئات لا تعزز من ديمقراطية مكونه السياسي، بقدر ما تعزز من ديكتاتورية صنع القرار داخل هذا المكون؛ وما سيكون عليه وضعه مستقبلًا في حال الاستقلال كدولة؛ وهو أمر تراجع كثيرًا، ويضع في ذات الوقت الانتقالي في موقف محرج؛ باعتباره عجز عن تحقيق ما قدّم في سبيله المزيد من التنازلات؛ لكن يبدو أن الطموح الشخصي يطغى على الطموح الوطني في إدارة هذا المشروع؛ ولهذا يتخبط في مساراته ورؤيته وعلاقته بالقضية الوطنية والقضية القومية أيضًا.

 

يقول رئيس تحرير صحيفة «النداء» سامي غالب: «مثير للعجب بيان ما يسمى مجلس العموم الجنوبي، ومؤشر على انحسار الحراك الجنوبي، وتبعية بعض قياداته العمياء للخارج. في الحد الأدنى لمبادرات السلام العربية وآخرها مبادرة السلام التي أقرّها أغلب الحكومات العربية قبل عقدين، فإن قرارات الشرعية الدولية بشأن فلسطين- وليس الاتفاقات الابراهيمية- هي المرجع والدليل». وأضاف في تدوينة على صفحته في فيسبوك: «وإذا أراد حزب سياسي أو حركة سياسية في العالم العربي أن يُظهر اعتدالاً وواقعية يلتزم ذلك الحد الأدنى (وهو بالطبع ما ترفضه الشعوب العربية وأثبت الزمن صحة موقفها) لكن أن تقفز حركة سياسية إلى تضمين بيانها ما يُظهر تبنيها ما يسمى الاتفاق الابراهيمي فذلك يؤشر على درجة تبعيته وبؤسها!».

 

رؤية غير واضحة

 

فيما يتحدث أمين عام حزب التجمع الوحدوي اليمني، عبد الله عوبل، لـ«القدس العربي» عن عدم وجود رؤية واضحة للمجلس الانتقالي للمرحلة المقبلة علاوة على كون إيراد الاتفاق الابراهيمي هو نوع من الاستجداء لإسرائيل بعدما استنفد المجلس كل وسائله وعجز عن تحقيق وعوده لأنصاره.

 

وقال: «المتابع للاجتماع وخطاب رئيس المجلس عيدروس الزُبيدي، والبيان الصادر عنه، يستنتج أن المجلس غير قادر على تحديد رؤية واضحة للمرحلة المقبلة، فهو لم يحدد ما هو موقعه في الاتفاق السعودي الحوثي الجاهز للتوقيع، ولم يحدد خطواته للمرحلة المقبلة، ولم يبشر أنصاره بأن شيئًا من وعوده لهم قد تتحقق. لذلك بدأ البيان يلوك ذات العبارات والشعارات التي يرددها قادة المجلس في كل المناسبات».

 

وأردف: «والحقيقة أن رئيس المجلس الانتقالي لم يُصارح أنصاره إنه لم يحقق شيئاً من تلك الوعود، وأنه يجد صعوبات كبيرة من المجتمع الدولي والإقليمي الذين فرشوا له الأرض ورودًا عندما كانوا يحتاجون إليه في تحقيق أجندتهم، وأنه الآن بعد أن تحقق للتحالف ما خطط له، فلم يعد يبالي بما يريد المجلس الانتقالي (أي حكم الجنوب) وإن هدف الانفصال يبتعد بمرور الوقت، وإن دول التحالف أخذت من هذا الهدف وسيله لتحقيق أجندتها هي، فيما تسوء أوضاع المواطن لدرجة لا تُطاق، بل حتى الرواتب صارت الآن مشكلة بلا حل».

 

وتابع: «في هذا السياق يمكن فهم البيان الذي لم يقل شيئًا سوى إعادة الشعارات السابقة وترديد ذات الوعود التي لا حدود زمنية لتحقيقها. إنها حالة التخبط وانعدام البصيرة والوسائل خصوصًا في ظل تآكل شعبية المجلس وانكماشه وعدم قدرته على تجاوز الحالة المناطقية وتصدع تحالفاته القبلية التي أضرت به كثيرا».

 

وذهب عبدالله عوبل إلى القول إن «حالة الاحباط تبدو جلية من بين سطور البيان وخطاب رئيسه، فقول الرئيس عيدروس الزبيدي: أما استعادة الجنوب أو الشهادة، يعني إنه قد وصل إلى طريق مسدود عن طريق السياسة والركون على الحلفاء في استعادة الجنوب، وبالتالي صار من الصعب عليه مصارحة أنصاره بهذه الحقيقة، كما إن هذا القول يشبه القول السابق: الوحدة أو الموت، الذي ينتقده المجلس وقياداته. وفي ذات السياق يمكن فهم حديثه في آخر فقرة في البيان عن الاتفاقية الابراهيمية، فهي نوع من الاستجداء، باعتبار إسرائيل بما لها من تأثير على القرار الأمريكي يمكنها المساعدة في انفصال الجنوب. والحقيقة إن إسرائيل لم تستطع مساعدة أصدقاءها القدماء الأكراد في العراق، فقد خذلت البرزاني، ولم تسعفه أيضًا الإمارات التي كانت داعمه له عبر أحد مراكز الأبحاث، حيث تم إعادة قضية استقلال كردستان العراق مئة سنة إلى الوراء».

 

لابد من حراك شعبي بديل

 

ويرى عوبل أنه يبدو من البيان عدم الفهم للسياسة ومقتضياتها، فقد أقحم الاتفاقية الابراهيمية كشرط لحل القضية الفلسطينية إلى جانب مبادرة الملك عبدالله، وهو الشرط الذي لم تطلبه حتى اسرائيل نفسها. إنه أمر مضحك أن يختم البيان بهذا الخلط بين التطبيع والقضية الفلسطينية، ومبكي في نفس الوقت، إنه حتى بعد أن سقطت نظرية الأمن الإسرائيلية، وانهيار جيشها في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، يأتي هنا مَن يذكّر الناس بالتطبيع؛ وهو نوع من الإفلاس السياسي والأخلاقي. كما أنه يبين إلى أي حد صارت تبعية المجلس الانتقالي وعدم احتفاظه حتى بهامش صغير للمناورة».

 

وقال: «إن المكونات السياسية اليمنية أحزابا وكيانات كلها صارت جزءا من الاستقطابات بين دول الأقليم، وقد صارت تابعة تمامًا؛ وهي لا تستطيع أن تخرج من هذه الحالة، وبالتالي لابد من حراك شعبي بديل، خصوصًا وإن انتصارات المقاومة الفلسطينية تشجع الشعوب للقيام بمبادرات من قبل الشباب العربي واليمني خصوصا لتغيير أنظمة الفساد والاستبداد العربية التي خذلت الفلسطينيين، وتعاونت مع العدو الصهيوني، فيما لم تقدم حتى الإغاثة لغزة، التي تدافع عن شرف الأمة كلها، وتقدم تضحيات وملاحم أسطورية من البطولة».

 

وعلى الرغم من ذلك يؤكد أمين حزب التجمع الوحدوي اليمني، وهو وزير ثقافة سابق: «نعم أنا متفائل بأن اليمنيين يستطيعون أن ينهضوا ويسقطوا قوى الحرب والكيانات السياسية الهزيلة التي تربحت من الحرب، وانتفخت، حتى صارت عبئا على المواطن ودمرت معيشته وسوّدت واقعه».

 

الاعتراف بإسرائيل

 

في قراءته للموقف يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بمركز الدراسات والبحوث اليمني، عبد الكريم غانم، ان المجلس حرص على إبقاء الباب مفتوحًا أمام الاعتراف بإسرائيل. وقال لـ «القدس العربي»: «يعتقد المجلس الانتقالي الجنوبي أن التماهي مع توجهات أبو ظبي في إظهار العداء لحركات المقاومة والتقرب لإسرائيل هو أقصر السبل لنيل غايته في فصل جنوب اليمن عن شماله، والواقع أن الشعوب هي مَن تقرر مصيرها، فالعلاقات الجيدة مع إسرائيل والولايات المتحدة لم تجد نفعًا في تمكين كيانات أخرى في المنطقة من الانفصال، وإقليم كردستان مثال على ذلك».

 

واستطرد: «ولأن قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، تغرد خارج السرب، وتفتقر للمتابعة الدقيقة والإحاطة الكافية بمجريات الحرب في غزة ومآلاتها، فقد نحت منحًا معاكسًا لاتجاهات الشارع الجنوبي، المؤيد لنضال الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه وإقامة دولته، وتبنت موقفًا تقليديا تجاوزته الأحداث، ولم يعد يؤمن به حتى من روج له يومًا ما. وهو ما يجعل هذا البيان يبدو مفصولًا عن السياق الزمني للصراع مع إسرائيل، بعد 7 أكتوبر». ويرى غانم أن الانتقالي حاول أن يمسك العصا من المنتصف لتأكيد الولاء للإمارات التي روجت لاتفاقية ابراهام، كما حاول البيان التظاهر بالولاء للمملكة العربية السعودية صاحبة المبادرة العربية، وقال: «لقد حرص على إبقاء الباب مفتوحًا أمام اعتراف المجلس الانتقالي بإسرائيل مع إظهار الحرص على استعادة ثقة الشارع الجنوبي بمواقفه القومية، التي تصدعت جراء تصريحات رئيسه عيدروس الزبيدي غير المحسوبة، من خلال إبداء الاستعداد للتطبيع مع إسرائيل والإعلان في أكثر من مناسبة عن استعداد القوات الجنوبية للانضمام للتحالف الدولي الذي تشكل عقب استهداف الحوثيين للسفن الإسرائيلية».

 

التبعية المخيفة

 

على صعيد علاقة المكونات اليمنية بحلفائها ومموليها في الخارج يقول عبد الكريم غانم «إن الحرب أدت إلى تعميق تبعية المكونات اليمنية لحلفائها ومموليها في الإقليم تحت تأثير الحاجة الاقتصادية للمكونات اليمنية، التي أوصلتها الحرب إلى حالة من انسداد الأفق الاقتصادي، تحت تأثير المطامع الجيوسياسية لبعض القوى الإقليمية الثرية، على نحو يكرس التبعية إلى أبعد مدى».

 

لكنه قال إن «علاقة التبعية هذه ليست مطلقة بأي حال، فالظروف التي أدت إلى ظهورها ستؤول إلى زوال، لتكشف المكونات السياسية اليمنية الفعلية، غير القابلة للارتهان للخارج، عن جوهرها وعن مواقفها الحقيقية تجاه القضايا الوطنية والقومية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية».


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن اسرائيل المجلس الانتقالي انفصال المجلس الانتقالی الجنوبی الاتفاق الابراهیمی

إقرأ أيضاً:

كيف نفهم الموقع الطبقي من خلال تصاميم ال profile pictures وتنويعاتها لمجموعة لا للحرب؟!

كيف نفهم الموقع الطبقي من خلال تصاميم ال profile pictures وتنويعاتها لمجموعة لا للحرب؟!
أما التصميم القبيح ذو الخلفية الخضراء -بثلاث تدرجاتٍ للون الأخضر- مع بوند ضخم مزعج بصريًّا باللغة العربية فغالبًا ما يضعه قحاتي الأقاليم الرث؛ درس في جامعة ولائية أغلب الظن، لكنه يخدم ضمن القضايا الثقافية المطلبية لجمهور البرجوازية الصغيرة في الخرطوم. فنجده يشدُّ الرِحال من قريته النائية لندوة سياسية في بري ويفغر فاهه لمن يحدثه عن “التحوّل الديمقراطي” بينما لا يُتوفّر عنده مصل العقارب في مركزهم الصحي بالقرية.

وبالطبع لا يترقى لمصاف المواقع المُتقدّمة في مؤسسته الحزبية؛ إذ يُترك له العمل السياسي الهامشي: كتنظيم الندوات، أو حراسة صناديق الاقتراع، أو الإشراف على المهام التأمينية،.. أو غير ذلك من الأنشطة التي تتطلّبُ تعافٍ بدني مع عاطفة بدائية صادقة مُخلصة.

وهذا لطبيعة شعوره الدائم بالخِذْلان والحنق يتبنى المواقف السياسية المضرّة بمصالحهِ المادية المباشرة، ويضع في بروفايله الشخصي “لا للحرب” لأنه ناقِم على كل شئ، ليمضي ما تبقى من حياته ساخطًا ولسانُ الحال: “أدافعُ عن فكرة كسرتها هشاشة أصحابها”!
في الشعار الأزرق الكحلي مع اليد الحمراء المبسوطة المُتقطر منها الدم مع دارجية أمدرمانية سمحاء مضبوطة بالشكل “سكونٌ على الميم في لازمْ مع فتحة على التاء وكسرة على القاف: تَقِيف” ينشطُ أبناء الطبقة الوسطى المدينية المُتطلّعة؛ أصحابُ الطموح السياسي والنزعة الاستحقاقية العالية. وهؤلاء -لا شعوريًا- يعتبرون أنفسهم -سياسيًا- الوريث الشرعي ل(ثورة) ديسمبر و(الثورات) السابقة أيضًا، وأي ترتيب عنيف للمشهد لا يضمنُ حضورهم البارز لن تتم مباركته من قِبلهم؛ إذ اعتادوا دعوتهم ومشاورتهم للبتّ في الأمور جليلة الشأن؛ وبما أنّ الحرب أشعلها الإسلاميون -حسب تصورهم- وهم المُستفيد الأول منها فلا بد إذن من تجريمها وإحاطة المشهد بدعاوى فساد القضية وبطلانها. وهنا تجدرُ الإشارة للتصوُّر الثقافي لأبناء أحياء الخرطوم العريقة، إذ أنّ الإسلامي مكروه في دخيلتهم لأنه في صورة ذلك الريفي المُتطفِّل الكريه الذي غزى المركز؛ وسرعان ما سيطر على المؤسسات بإبعادهم عبر ما عُرف بالصالح العام، وبسط يده على منابع الثروة، وقام بتوسِعة مظلّة التمثيل السياسي وإغراقها بأصحاب الولاء من نطاقات جغرافية واسعة.

في ميدان الطبقة الوسطى المدينية يلعب صُناع البروباغندا أمثال ناس سيد الطيب، لكن مع انفجار ثورة الاتصال بالعالم ناس سيّد العجايز البستثمروا في التحشيد عبر استثارة الذاكرة الجماعية -الكارهة للقمع والاستبداد بطبيعة الحال- ببيوت الأشباح، وهولوكست العشرية الأولى للإنقاذ باتوا في نهاية المطاف old school؛ وما يقدروا يبيعوا بضائعهم التعبانة مع عالم جنوني جديد كليًّا فيه خطابات جندر، وidentity politics متنوّعة. مع هيمنة منصات نتفليكس، وسوشال ميديا متمركزة حول الذات ضمن أنشطة العولمة المتأخرة. ومع بُزُوغ شمس ال Ai هرولت حوائطهم الكئيبة التي كانت تضرب سياجًا على الخيال السياسي.
بل تبدّلت حتى أنماط العرض دعك من محتواه؛ فالسياسي الكلاسيكي الغارق في عوالم خطابات الراكوبة وسودانيز اونلاين ليس في مقدوره مواكبة عصر المدونات الصوتية/ بودكاست الساحر والمُستحث لانتباه الجمهور المعاصر.

وهذا فرصة لنقدم النصح لسيد الطيب والراجل العوير الاسمه ود قلبا داك -بجي في بالي في صورة المغترب البرسل يقول لأمه شوفي لي عروس وبعداك يرسلوا لي عروسته طرد- إنهم ياخدوا المعاش بعد كدا. حقيقةً إنتو outdated ومع الأسف مضت الكرة إلى ملاعب أخرى بعد أن “كان الزمان أَقَلَّ جموحاً من الآن”!
أما من يضعون (البوستر) ذو التصميم العصري باللونين الأزرق والأحمر القرمزي فهم نفس الطبقة التي شاركت في السابق في الحملة الملوّنة: “blue for Sudan”. وهم أصحاب تأهيل علمي رفيع، فهم الطبقة المرفّهة ممن يتمتعون بنفوذ وقوة سياسية واقتصادية. غالبية هؤلاء يُحسبون على الكوادر العاملة في منظمات المجتمع المدني وسلك السفارات. خطابهم ليس لأبناء جلدتهم؛ يكتبون بطبع لمن هم في الخارج لذا يكتفون بالأوسام باللغة بالانجليزية. وهم قناصة بارعون وصائدو الجوائز المحترفين؛ يتواجدون عند النبع ويهيمنون على مصادر “الفندات” والمنح. وبالتأكيد فإن أسلافهم إما رجال أعمال وأصحاب توكيلات تجارية ما قبل حقبة التحرير الاقتصادي، أو موظفو خدمة مدنية في مواقع متقدّمة على أيام الحقبة المايوية.. وهؤلاء يطوف خيالهم بفردوسٍ مفقود اسمه “الخرطوم القديمة”؛ وتحوم أشواقهم بأطلال المدينة الكولونيالية التي حدّثهم عنها الأجداد، إذ يذكُرون لهم بإفتتان شارع الجمهورية ومعالمه المندثرة: السوق الأفرنجي، بابا كوستا، ساحة اتنيه، الحفلات الساهرة، الملاهي الليلية مع أبناء الجاليات الأجنبية من الإغريق والشوام، بيرة أبو جمل، ..

طبعا تجدرُ الإشارة لمسألتين الأولى: إنه ما نقدر نأسس مطمئنين على حقبة مايو؛ بإعتبار إنه حصل صدام عنيف واضطرابات سياسية عظمى. إذ معروف أنّ نميري بدأ برنامج للتأميم والمصادرة، ثم قذف بالتوجه اليساري خارجًا وقرّب القوى التقليدية، وأخيرًا قرر إعلان قوانين الشريعة في أعظم انزياح يميني على خواتيم سنوات حكمه.

الثانية: إنه بفعل الازدهار الاقتصادي على أيام تدفق أموال النفط نشأ تحالف بين أبناء أثرياء الاسلاميين والجماعة الهاي بتوع blue for Sudan. ومنشأه بالطبع ثقافي أو لتطابق طبيعة النظر للعالم وما يجب أنْ تكون عليه الأمور في الداخل؛ وهي: هيا نبرال كل شئ بما في ذلك المفاهيم الدينية، والتقاليد الاجتماعية، والحراكات السياسية، واحتجاجات الشارع.. إلخ
وأكيد وصلوا لتفاهمات حول مسألة الحجاب هه، وتأييد الثورات والاحتجاجات الملوّنة، وخفض مناسيب اللهجة قومية النزعة في مقابل الترحيب بمجتمعات سوروس المفتوحة ههه هه!
طبعا في الآخر قحاتي الريف الرث قمعه القرويون، وبتاع الطبقة الوسطى المشرّد فهم إنه يرجع بيته بأي وسيلة وتنازل عن تبني سردية تقدم. أما ناسStop war ديل شغالين القصة دي مقطوعية وبزنس ضمن آلة عولمية
محمد أحمد عبد السلام

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • في موقف غريب: المجلس الانتقالي الجنوبي يطالب بعودة الحكومة اليمنية والمجلس الرئاسي إلى ممارسة مهامهما من العاصمة المؤقتة عدن
  • الانتقالي يدعو الرئاسي والحكومة إلى العمل من عدن ويحملهما مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية
  • “المجلس الانتقالي” يدعو الرئاسي والحكومة للعمل من عدن
  • الانتقالي يؤكد على ضرورة عودة مجلس القيادة والحكومة للعمل من عدن
  • وزير الخارجية الأمريكي يُوجه بإتمام المساعدات المنقذة للحياة التي جرى الاتفاق عليها مسبقًا
  • الانتقالي يهدد “حكومة عدن” بالفيتو
  • الحراك الثوري الجنوبي يرفض سياسة الإذلال والتعذيب المفروضة في عدن
  • كيف نفهم الموقع الطبقي من خلال تصاميم ال profile pictures وتنويعاتها لمجموعة لا للحرب؟!
  • ما البنود الإنسانية التي نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟
  • “المجلس الانتقالي” في أبين… صراع المناطقية وأحقية التمثيل