قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، إن الله عز وجل لم يُطلع عباده على ما في قلوب بعضهم بعضا‏،‏ فليس من سنته سبحانه وتعالى أن تنكشف القلوب للناس‏.

 وأضاف أن‏ من أطلعه الله من الأنبياء على قلوب عباده فإنه لم يأمره أن يعمل بذلك‏،‏ بل أمره بالعمل بالظاهر، ولذلك أبى رسول الله ﷺ أن يقتل من علم أن في قلبه نفاقا, وقال: إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس, [البخاري], ووجه ﷺ أصحابه رضي الله عنهم إلى معاملة الغير بما يظهر من حاله, وعدم العمل بالظن والقرائن غير الجازمة الدالة على باطن مخالف للظاهر, عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - فِى سَرِيَّةٍ ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلاً فَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.

فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِى نَفْسِى مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِىِّ - ﷺ - ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - : « أَقَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ ». قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاَحِ. قَالَ : « أَفَلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لاَ ». وعلى ذلك وجب على المسلمين العمل بالظاهر والتثبت من الحقيقة, فلا تكون أحكامهم مبنية على ظنون وأوهام أو دعاوى لا يملكون عليها بينات, وهذا من رحمة الله وتيسيره على عباده, ومن باب تكليفهم بما يطيقون ويستطيعون.

وأشار إلى أن خلاف الظاهر هو الظن وقد قال تعالى: (وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)، ومحاولة الكشف عن الباطن ضرب من التجسس، وقد قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا) .

وبذلك تعلم أن قاعدة الحكم بالظاهر قاعدة عظيمة ؛ لو وعاها المسلمون وعملوا في جميع الميادين في الحكم بين الناس وفي الحكم عليهم وفي تقويم إعمالهم ، لأثر ذلك أكبر الأثر في استقامة المجتمع بإزالة البغضاء ونشر الأخلاق الفاضلة, ولكن من الناس من يحسبون أنهم أذكياء ومن ذوي البصائر النافذة التي تخترق القلوب فتستخرج ما فيها, وتقرأ الغيب في ملامح الوجوه, ولا يعترض هنا معترض بأن الفراسة والتوسم حق; لأننا نقول إن الفراسة أهلها من الذين نور الله قلوبهم بالعلم والإيمان, وهي مع ذلك لا يجوز الحكم بها; لأن صاحب الفراسة مهما علا شأنه فلن يبلغ رتبة النبي ﷺ الذي كان يقضي ويحكم بالظاهر، قال الإمام النووي –رحمه الله-: (القاعِدةُ المعروفةُ في الفِقهِ والأصولِ: أنَّ الأحكامَ يُعمَلُ فيها بالظَّاهِرِ، واللهُ يتولَّى السَّرائِرَ) [المنهاج شرح صحيح مسلم] ، قال ابن حجر العسقلاني –رحمه الله - : (وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر) [فتح الباري شرح صحيح البخاري]. فاللهم وفقنا لما يرضيك عنا، واجعلنا ممن يطيعونك فيما تأمر وتنهى. 

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

جمعة: ليلة النصف من شعبان تجلٍّ إلهي واستجابة لدعاء النبي

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، أن ليلة النصف من شعبان من الليالي المباركة التي تحمل في طياتها معاني عظيمة في العقيدة والتاريخ الإسلامي، فهي محطة فارقة في مسيرة المسلمين، إذ شهدت تحوّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، وهو الحدث الذي استجاب الله فيه لدعاء النبي ﷺ.

موعد ليلة النصف من شعبان 2025.. فضلها وأحب الأعمال فيها فضل شهر شعبان ومكانة ليلة النصف من شعبان تحول القبلة.. استجابة لدعاء النبي ﷺ

واستشهدا جمعة بما جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} [البقرة: 144]، وهو تعبير عن تشوُّف النبي ﷺ وانتظاره للاستجابة الإلهية في أمر القبلة.

 وتابع جمعة أن النبي عندما كان في مكة، كان يصلي متوجهًا إلى بيت المقدس، بحيث يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، ولكن بعد الهجرة إلى المدينة، أصبحت قبلته بيت المقدس شمالًا والكعبة جنوبًا، فظل على ذلك نحو ثمانية عشر شهرًا، حتى جاء الأمر الإلهي بتحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة، ليجمع الله بين رضاه ورضا رسوله ﷺ، كما قال تعالى: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}.

وفسر جمعة أن "تَرْضَاهَا" مقام دلال وحب، يبرز في هذا التعبير القرآني سرٌّ عظيم، حيث لم يقل الله "نرضاها" بل قال {تَرْضَاهَا}، وهو ما يشير إلى مقام الدلال والمحبة بين الله ورسوله ﷺ، فقد كان مراده ﷺ يوافق مراد الله، ولذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «إني أرى الله يسارع في هواك»، أي أن الله تعالى يستجيب لدعاء النبي ﷺ لأنه الحبيب المصطفى، والمختار من بين العالمين.

اغتنام ليلة النصف من شعبان

تشكل ليلة النصف من شعبان فرصة عظيمة للمؤمنين للتقرب إلى الله تعالى بالدعاء والاستغفار، فهي ليلة تفيض بالنفحات الإلهية، ويُرجى فيها العفو والمغفرة. 

وكما أشار الدكتور علي جمعة، فإنها ليلة لا ينبغي للمسلمين أن يدعوها تفلت منهم، بل عليهم اغتنامها بالصلاة، وقراءة القرآن، والاستغفار، والدعاء بأن يتجلى الله عليهم بعفوه ورحمته.

رسالة روحانية من ليلة مباركة

إن تحول القبلة لم يكن مجرد تغيير في اتجاه الصلاة، بل كان درسًا في الطاعة، والتسليم لإرادة الله، واستجابة لدعاء النبي ﷺ. 

وكذلك ليلة النصف من شعبان، هي فرصة لنجدد نيتنا في الطاعة، ونطلب من الله أن يبدّل أحوالنا للأفضل، وأن يمنّ علينا بالرحمة والمغفرة، لنستقبل رمضان بقلوب نقية عامرة بالإيمان.

كيف يساعدنا شهر شعبان على بلوغ رمضان.. الأزهر يوضح موعد صيام الأيام البيض في شهر شعبان وفضلها العظيم اغتنم نفحات شعبان.. فرصة لمحاسبة النفس وزيادة الطاعات أدعية للرزق في شهر شعبان

مقالات مشابهة

  • حكم صيام النصف من شعبان منفردا إذا وافق يوم جمعة
  • ميريت عمر الحريري لـ "البوابة نيوز": "كان نعم الأب والفنان"
  • صور عن الجمعة الاخيرة في رمضان 1446
  • علي جمعة: يغفر الله لكل عباده ليلة النصف من شعبان إلا لهذا الشخص
  • قناة الناس تنعى الشيخ سلامة كامل جمعة عضو لجنة مراجعة المصحف بالأزهر الشريف
  • فضل ليلة النصف من شعبان.. هل حقا يغفر الله فيها لجميع عباده؟
  • جمعة: ليلة النصف من شعبان تجلٍّ إلهي واستجابة لدعاء النبي
  • شقيق أصالة عن حذف أغانيها: “لن تُمحى من قلوب الناس”
  • (القحاتة) يا برهان لن يرضوا عنك مالم تسلمهم الحكم بدون انتخابات
  • «الإفتاء» تكشف عن أهمية الاستعداد لشهر رمضان: تطهير القلوب ومحاسبة النفوس