قراءة تحليلية لدوافع وتداعيات الموقف التركي من الحرب الإسرائيلية على غزة
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
بقلم د. *منى سليمان
(زمان التركية)_نظمت في مدينة إسطنبول التركية تظاهرة حاشدة بأول أيام العام الجديد 2024، للتضامن مع قطاع غزة والمطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية عليه، غداة ذلك أعلنت أنقرة اعتقال 33 شخص يشتبه في تجسسهم لصالح “الموساد” وهذا بعد يومين من تصاعد “الحرب الكلامية” بين الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” ورئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” على خلفية إنتقادات الأول للحرب الإسرائيلية على القطاع التي بدأت في 8 أكتوبر 2023 للرد على عملية “طوفان الأقصى” وقد تجاوز ضحايا الحرب 22 ألف قتيل (70%) منهم من الأطفال والنساء، مما أدى لتوتر العلاقات بين أنقرة وتل أبيب وتبادل سحب السفراء، الأمر الذي يلقي الضوء على طبيعة المواقف التركية الرسمية والمعارضة من الحرب لا سيما وأنها اتسمت بالتصعيد المستمر والانتقاد اللاذع لتل أبيب والمطالبة بوقف فوري للحرب ومحاكمة المسؤولين عنها، وصولًا لاحتمالات قطع العلاقات بينهم وتداعيات ذلك على العلاقات بين أنقرة وواشنطن والدور التركي الإقليمي.
أولًا: ملامح المواقف التركية من حرب غزة:
المواقف الرسمية للرئيس التركي:اتخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته موقفا متوازنا عقب عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة “حماس” الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023 على المستوطنات الإسرائيلية وأسفرت عن 250 قتيل طالب أردوغان “بضبط النفس”، ثم سرعان ما تحول موقفه للتصعيد ضد إسرائيل عقب بدء حربها ضد قطاع غزة المستمرة حتى اليوم، وفي 11 أكتوبر2023 وصف “أردوغان” ما يحدث بغزة بأنه “ليست حربًا إنما جريمة إبادة جماعية” وذلك بعد تكثيف القصف الإسرائيلي على شمال القطاع، وبعد قصف مستشفى “المعمداني” بغزة في 17 أكتوبر 2023، تصاعدت نبرة الانتقادات التركية للحرب الإسرائيلية ووصفتها “بالجنون”، وبنهاية الشهر أعلن “إسرائيل مجرمة حرب”، كما عقد البرلمان التركي بعد أسبوع من بدء الحرب جلسة مغلقة لبحث التطورات المتعلقة بالاشتباكات الإسرائيلية الفلسطينية قدم خلالها وزير الخارجية “هاكان فيدان” تقرير شامل للنواب عن الوضع بغزة، وشدد رئيس البرلمان التركي “نعمان كورتولموش”، في كلمته على ضرورة “إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ووقف الحرب على غزة لتمهيد الطريق أمام سلام عادل”، ليسجل البرلمان التركي بذلك موقفًا واضحًا للمرة الأولى من القضية الفلسطينية بإجماع نواب الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة.
مع بداية نوفمبر 2023، أنخرط “أردوغان” في الجهود الدبلوماسية العربية والإقليمية والدولية لحل الأزمة والدعوة لوقف إطلاق النار وكثف اتصالاته بنظرائه في مصر وروسيا والإمارات، كما شارك بفعاليات “القمة العربية الإسلامية” الاستثنائية بالعاصمة السعودية الرياض في 11 نوفمبر 2023، لبحث تطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ثم انضم وزير الخارجية التركي “هاكان فيدان” لمجموعة الاتصال التي شكلتها قمة الرياض العربية – الإسلامية عقب القمة، والتي بدورها قامت بزيارة بعض العواصم الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، لطرح حقيقة الموقف في قطاع غزة، وحث المجتمع الدولي لممارسة الضغط على تل أبيب لوقف الحرب.
كما أعلن “أردوغان” عن إعفاء الطلاب الفلسطينيين من غزة من رسوم الجامعات الحكومية في تركيا، وقام بزيارة المرضى الفلسطينيين القادمين من غزة والمتواجدين بمستشفى “بيلكنت” بأنقرة، بعد نقلهم من قطاع غزة عبر مصر على متن الإسعاف الطائر، ثم طرح مبادرة لحل الأزمة عبر خلالها عن استعداد بلاده لتولي المسؤولية في الهيكل الأمني الجديد الذي سيتم إنشاؤه بعد انتهاء الحرب بغزة، وبنهاية الشهر رحّب بتبادل المحتجزين بين إسرائيل وحركة “حماس” وبالهدنة في غزة باعتبارها “وقفًا لإراقة الدماء” بصورة مؤقتة، معتبرًا أن “نتنياهو” سيُذكر في التاريخ على أنه “جزار غزة”، كما استقبل “أردوغان” رئيس الوزراء اللبناني “نجيب ميقاتي” في إسطنبول، ودعا “لهدنة مستدامة في غزة، وأكد أن أكثر الدول تأثرًا بحرب غزة هي لبنان”، ويهدف من ذلك لتعزيز دوره الإقليمي والقيام بدور في التسويات اللبنانية الخاصة بانتخاب رئيس جديد للبلاد، لا سيما بعد تصاعد النفوذ التركي بشمال لبنان لا سيما في مدينة طرابلس الشمالية ذات الأغلبية السنية.
وقد شهد ديسمبر 2023 تصعيدًا متواصلًا في الموقف التركي من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث دعا “أردوغان” لمحاكمة “نتنياهو” ومسؤولي حكومته أمام المحكمة الجنائية الدولية على المجازر التي ارتكبوها في غزة، وكشف عن وجود نحو 3 آلاف محامٍ تركي رفعوا دعاوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد “نتنياهو” وغيره من السياسيين الإسرائيليين، واتهم “أردوغان” إسرائيل بأنها “تضيّع فرص السلام” ولا تركز على “حل الدولتين”، وجدد وصفه لحركة “حماس” بأنها “ليست منظمة إرهابية” ولا يمكن استبعادها من أي حل محتمل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، كما أهتمت أنقرة بتفاقم الأحداث في الضفة الغربية وأصدرت وزارة الخارجية التركية بيانًا في منتصف ديسمبر 2023 للتنديد “بالاستفزازات” التي قامت بها قوات إسرائيلية خلال مداهمات لمخيم للاجئين بمدينة جنين بالضفة الغربية، والمواجهات بين المستوطنين والضغط الكثيف والهجمات التي تشنها قوات الأمن الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، مما أدى لمقتل عشرات المواطنين نتيجة المواجهات مع القوات الإسرائيلية.
واختتم الشهر بتلاسن حاد مع “نتنياهو” ووصفه بأن ما يفعله “أفظع بكثير مما فعله هتلر”، بدوره رد “نتنياهو” عليه بمنشور على (منصة التواصل الاجتماعي X) وصف فيه “أردوغان” بأنه “صاحب الرقم القياسي العالمي في ارتكاب إبادة جماعية بحق الأكراد وسجن الصحفيين المعارضون وآخر شخص يمكن أن يعظ إسرائيل بالأخلاق”، ثم أصدرت الرئاسة التركية بيانًا تؤكد فيه أن تلك الاتهامات “لصرف الانتباه عن جرائم الحرب التي يرتكبها في قطاع غزة”.
مواقف المعارضة التركية:تعد أزمة قطاع غزة هي القضية الوحيدة التي اتفقت فيها مواقف الرئيس التركي “أردوغان” مع أحزاب المعارضة على مختلف انتماءاتها السياسية، حيث أدانت بالإجماع الحرب الإسرائيلية على القطاع بل وزايدت أحيانًا على مواقف “أردوغان” من الحرب، وهذا سيؤدي لتعزيز شعبية “أردوغان” قبل الانتخابات المحلية المقبلة المقررة في مارس 2024 لأنه سيوظف ذلك لحشد الأصوات له ورفع شعبيته في ظل تراجع شعبية المعارضة وتحالف “الأمة” (مكون من ست أحزاب معارضة هي الشعب الجمهوري، السعادة، الخير، الديمقراطية والتقدم، المستقبل، الديمقراطي).
وكان من أبرز مواقف الأحزاب المعارضة موقف رئيس حزب الشعب الجمهوري “أوزجور أوزال”، الذي أكد أن “القضية الفلسطينية لا تزال في بؤرة اهتمام حزب الشعب الجمهوري، كما كان الوضع قبل نحو 50 عامًا، وانتقد الهجمات الإسرائيلية في غزة لأنها غير مقبولة”، وبنهاية ديسمبر 2023 دعا “أردوغان” لمرافقته إلى غزة لدعم القضية الفلسطينية ولفت انتباه العالم إليها، بدورها أدانت رئيسة حزب “الخير” “ميرال أكشنار”، القصف الإسرائيلي الذي استهدف مستشفى “المعمداني” بأكتوبر الماضي في قطاع غزة وخلف 800 شهيد، ووصفت “نتنياهو” “بهتلر القرن الحادي والعشرين”، ليشهد ذلك الاتفاق للمرة الأولى بينها وبين الرئيس “أردوغان” حيث يعرف عنها أنها دائمة الانتقاد لسياساته في شتى المواقف الداخلية والخارجية، بينما أيد المرشح السابق للرئاسة التركية “محرم إنجه” مواقف “أردوغان” من المواجهات المندلعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأثنى عليها، وانتقد رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق “أحمد داوود أوغلو” تصدير المواد الغذائية والنفط من تركيا لإسرائيل خلال استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فيما أصدر زعيم حزب “النصر التركي” “أوميت أوزداغ” المعروف بمناهضته للمهاجرين تصريحات ضد القضية الفلسطينية، بيان أكد فيه أن “القضية الفلسطينية ليست قضية إسلامية، وليست قضية الشعب التركي، ونحن في حزب النصر لا نقبل القدس عاصمة لإسرائيل.
وفي سياق متصل قدم “فاتح أربكان” رئيس حزب “الرفاه من جديد” طلب إلى البرلمان التركي بشأن تكليف القوات المسلحة التركية بالتواجد في قطاع غزة المحاصر، للعمل في الممر الأمني المزمع إنشاؤه لإيصال المساعدات الإنسانية، وذلك وفق المادة (92) من الدستور التركي ودعا لبقاء تلك القوات في القطاع لمدة عام، وذلك على غرار القوات التركية التي أرسلت لسوريا وليبيا من قبل، ورغم عدم مناقشة البرلمان التركي حتى الآن ذلك المقترح، إلا أنه يكتسب أهميته نظرًا لكون حزب “الرفاه” عضو في الائتلاف الحاكم، وموافقة بعض الأحزاب عليه ومنهم حزب الحركة القومية بزعامة “دولت بهجلي”، وحزب المستقبل برئاسة “أحمد داود أوغلو”.
ثانيًا: الدوافع التركية:
هناك عدد من الدوافع التي ستعود بالنفع على تركيا و”أردوغان” جراء الموقف التصعيدي الرافض لحرب غزة والمناهض لإسرائيل والمتوقع له أن يستمر لفترة حتى بعد وقف إطلاق النار بالقطاع حال تم نتيجة حالة التصعيد الإقليمي الراهنة، حيث يعمل “أردوغان” على توظيف دعمه للقضية الفلسطينية لتحقيق عدد من المكاسب منها:
– الترويج لفشل المؤسسات الدولية بمعالجة القضية: حيث انتقد “أردوغان” ضعف المؤسسات الدولية ومنها الأمم المتحدة التي عجزت عن وقف الحرب الإسرائيلية على القطاع أو اتخاذ أي موقف ضد تل أبيب، دعا لضرورة إصلاحها، وهو ما يتناسب مع دعوات سابقة لأنقرة بضرورة إصلاح الأمم المتحدة وتوسيع العضوية الدائمة لمجلس الأمن الدولي، وطلب انضمام تركيا له ممثلة عن الدول الإسلامية والآسيوية.
-الاضطلاع بدور في إدارة قطاع غزة: أبدى “أردوغان” في نهاية نوفمبر 2023 استعداد بلاده لتولي المسؤولية مع دول أخرى في “الهيكل الأمني الجديد الذي سيتم إنشاؤه بعد انتهاء الحرب بغزة، بما في ذلك آلية الضامنين”، وطرح بديسمبر 2023 التوسط لتحقيق المصالحة بين حركتي “فتح” و”حماس” الفلسطينتين وذكر بأنه جمع بين رئيس المكتب السياسي “لحماس” “إسماعيل هنية” والرئيس الفلسطيني “محمود عباس” بمكتبه في يوليو 2023، وجدد موقفه من “حماس” لأنها “ليست منظمة إرهابية، بل هي حزب سياسي، أقولها مرة أخرى؛ كحزب سياسي، هم يناضلون من أجل الحقوق التي سيحصلون عليها”، وهذه المواقف تمهيد للدور التركي الذي يرغب “أردوغان” في القيام به في قطاع غزة بعد وقف الحرب حيث يسعى لتصبح أنقرة ضمن مجموعة دول إقليمية وعربية سيعهد إليها بإدارة القطاع أو الإشراف عليه، لا سيما في ظل إصرار تل أبيب على إنهاء حكم “حركة حماس للقطاع” المستمر منذ عام 2006.
– تعزيز الدور التركي الإقليمي: تعد تركيا من الدول الإقليمية المحورية التي تضطلع بدور هام في ملفات عربية منها الملف(السوري، الليبي، العراقي)، وحاليًا أصبحت طرفًا في معالجة القضية الفلسطينية، وهو ما يعزز دورها الإقليمي، كما أنه سيعزز التنافس الإقليمي مع الأطراف الضالعة بالملف على الصعيد الإقليمي مثل إيران حيث تم إرجاء زيارة الرئيس الإيراني لتركيا التي كانت مقررة في نوفمبر الماضي ليناير الحالي نتيجة للخلافات بين طهران وأنقرة على حل أزمة قطاع غزة، وعلى الصعيد العربي مثل مصر وقطر، وربما يأتي ذلك التنافس بنتائج إيجابية مثل تعزيز العلاقات بين تركيا ومصر حيث استغل “أردوغان” الأزمة وكثف اتصالاته وتواصله مع الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” مما أدى لاتساع دائرة التوافقات والتفاهمات بين أنقرة والقاهرة بعد عقد كامل من التوتر بينهما.
كما يسعى “أردوغان” لقطع الطريق على منافسيه الإقليميين (اليونان، قبرص) للقيام بأي دور في الأزمة، لا سيما بعد الإعلان عن موافقة إسرائيل على إقامة ممر بحري من قبرص لإيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وبدعم من الاتحاد الأوروبي، ويهدف المخطط إلى جمع المساعدات المقدمة لقطاع غزة في قبرص وفحصها وتخزينها، ثم ترسل من ميناء “لارنكا” القبرصي لقطاع غزة بحريًّا حيث تمتد المسافة بينهم لنحو (400 كم)، وهذا المخطط حال تم تنفيذه فإنه سيحد من مبادرات تركيا لإيصال المساعدات للقطاع أو دورها المستقبلي في إدارة القطاع، فعلا عن أنه سيعزز الملفات الخلافية بين أنقرة ونيقوسيا وأثينا.
– تحسين علاقاته مع جماعات الإسلام السياسي: لا يمكن إنكار صفة “حماس” كفرع لجماعة “الإخوان المسلمين” بقطاع غزة، وهي الجماعة التي دأبت الخلافات بينها وبين “أردوغان” نتيجة طرد عدد من عناصرها بعد المصالحة بين أنقرة والقاهرة، ولذا بدأ الأخير في تحسين صلاته بها وبجماعات الإسلام السياسي بشكل عام، وعمد على توظيف “الدين” كأحد أسباب الصراع العربي الإسرائيلي، حيث انتقد “أردوغان” في 26 أكتوبر 2023 الدول الغربية التي لا تلتزم بالقانون الدولي فيما يتعلق بغزة لأن “الدماء المسفوكة هي دماء المسلمين”، مما سيؤدي لإعادة صلاته بتلك الجماعات التي أستعادت نشاطها وفاعليتها بعد حرب غزة.
-حشد الأصوات للانتخابات المحلية المقبلة: لا يترك “أردوغان” أي أزمة إقليمية دون استغلالها داخليًّا، ولذا يعمل على توظيف تعاطف الشعب التركي مع القضية الفلسطينية لحشد الأصوات له ورفع شعبيته قبل الانتخابات المحلية المقبلة المقررة في مارس 2023، وهي لا تقل أهمية عن نظيرتها البرلمانية حيث يسعى “أردوغان” لاستعادة السيطرة على المحافظات الكبرى (أنقرة، أزمير، إسطنبول) التي فقدها بالانتخابات السابقة عام 2019 لصالح أحزاب المعارضة، كما تعمل الأخيرة على تحقيق ذات الهدف من إظهار دعمها المستمر للقضية الفلسطينية حيث تسعى أحزاب المعارضة لجذب أصوات الكتل الدينية والمحافظة والجاليات العربية بعد تراجع التأييد لها وخسارتها الانتخابات الرئاسية السابقة.
ثالثًا: تداعيات الموقف التركي:
رغم المكاسب المتعددة التي ستعود بالنفع على تركيا جراء دعمها وتأييدها لقطاع غزة، إلا أن هناك بعض التداعيات التي ستؤثر سلبًا عليها، ومنها:
– تهديد الأمن القومي التركي: وهذا التهديد سيتم بشكل مباشر عبر تنفيذ إسرائيل عمليات ملاحقة واغتيال لقيادات “حماس” المتواجدة بتركيا، ففي مطلع ديسمبر 2023، أعلن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) “رونين بار” “إن إسرائيل ستلاحق حركة حماس في لبنان وتركيا وقطر حتى لو استغرق الأمر سنوات”، ما دفع مسؤول بجهاز المخابرات التركية لتحذير تل أبيب من “عواقب وخيمة حال حاولت تنفيذ ذلك”، بيد أن إسرائيل بالفعل بدأت بتنفيذ “سياسة الاغتيالات” لقادة من “حماس” في لبنان، وهو ما ينذر بمحاولة تنفيذ ذلك في تركيا وما سيترتب عليه من اختراق لأجهزة المخابرات والأمن التركية وتهديد لأمنها القومي بشكل مباشر وما سيسفر عنه توترات بالعلاقات التركية الإسرائيلية، كما أن الأمن القومي التركي ربما يتضرر بشكل غير مباشر حال استمرار الحرب بقطاع غزة وأتساع نطاقها الجغرافي لتشمل دول عربية آخرى ترتبط بالأمن القومي التركي (كسوريا والعراق) حيث تتواجد قواعد عسكرية وقوات تركية بالدولتين، وهو ما يعرضها للخطر الأمني حال استمرت عمليات “الاستهداف المتبادل” بين الميليشات التابعة لإيران بالدولتين وإسرائيل.
– تضرر الاقتصاد التركي: كشفت تقارير اقتصادية دولية عن تأثير سلبي على دول الشرق الأوسط بينها تركيا حال استمرار الحرب بقطاع غزة، كما أنه توتر العلاقات بين تل أبيب وأنقرة الذي ربما يؤدي لقطيعة في العلاقات سيؤثر سلبًا على الاقتصاد التركي حيث تعد أنقرة من أهم الشركاء التجاريين لتل أبيب وارتفعت حجم التجارة بينهم (532٪) خلال عهد “أردوغان” بالإضافة لتوقف مفاوضات نقل الطاقة من إسرئايل عبر تركيا إلى أوروبا وهي المفاوضات التي تعول أنقرة عليها كثيرا لتتحول “لمركز إقليمي للطاقة”، وحال توسعت للحرب لتصبح حرب إقليمية فإن ذلك سيؤثر سلبًا على عائدات السياحة التركية، ولذا فإن هذه التأثيرات السلبية على الاقتصاد التركي ستضاعف الأزمة التي يعاني منها بالفعل حيث ارتفعت معدلات التضخم وتراجع سعر صرف الليرة مع بداية العام الجديد.
– تأثر العلاقات التركية الأمريكية: دعا “أردوغان” واشنطن أكثر من مرة لاستخدام نفوذها على إسرائيل لوقف الهجمات في غزة وذلك خلال اتصالات هاتفية مع الرئيس الأمريكي “جون بايدن”، وفي منتصف ديسمبر 2023 دعا واشنطن لسحب “دعمها غير المشروط لإسرائيل مما يؤدي لوقف إطلاق النار لأن تلك مسؤولية تاريخية تقع على عاتقها”، كما انتقد “أردوغان” الرئيس الأمريكي “جون بايدن” مباشرة وأكد “صعوبة التفاهم معه بشكل مباشر ما دام يصرُّ على أن غزة أرض إسرائيلية”، بدورها أبدت واشنطن شعورها “بالقلق العميق” بشأن قيام حركة “حماس” بجمع الأموال داخل تركيا، وطالبت أنقرة بوقف ذلك ومراقبة الأرصدة البنكية لقادة “حماس” وهو ما رفضته أنقرة لأنها لا تصنف “حماس” كجماعة إرهابية، كما تفعل واشنطن، كما نفت وزارة الدفاع التركية استخدام طائرات أمريكية قاعدة “إنجرليك” التركية لنقل الأسلحة إلى إسرائيل بعد تردد أنباء حول ذلك.
ومن المتوقع أن يؤثر سلبًا الموقف التركي الداعم “لحماس” على العلاقات التركية الأمريكية بيد أنه لن يؤدي لفتور أو توتر بين أنقرة وواشنطن نظرا لشدة الروابط والملفات الثنائية بينهم فهما عضوان بحلف شمال الأطلسي (الناتو) وبينهم الكثير من القضايا الهامة المرتبطة بالأمن الإقليمي بالشرق الأوسط وآسيا الوسطى والحرب الأوكرانية، ولذا فقد بدأ وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” جولته الرابعة بالشرق الأوسط في 5 يناير 2024 من العاصمة التركية أنقرة لبحث تداعيات الحرب على قطاع غزة، وجدير بالذكر أنه قام بزيارة تركيا في جولاته السابقة ورفض “أردوغان” لقاءه في نوفمبر الماضي، ودعت وسائل إعلام أمريكية واشنطن للاعتماد على تركيا و”أردوغان” للتوصل لحل الأزمة، نظرًا لدورها المحوري بالمنطقة، وتواصلها مع حركة “حماس”.
-توتر العلاقات التركية الإسرائيلية: أصبح واضحًا توتر العلاقات بين أنقرة وتل أبيب فقد أعلن “أردوغان” أن “نتنياهو لم يعد شخصًا يمكن التحدث معه”، وألغى كل خططه لزيارة إسرائيل بسبب حربها “اللاإنسانية” بغزة، وفي مطلع نوفمبر 2023 استدعت أنقرة سفيرها من تل أبيب للتشاور لتصبح بذلك المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات بين الدولتين استدعاء للسفير منذ إعادة تطبيع العلاقات بينهم عام 2018، بعد 8 أعوام من القطيعة الدبلوماسية بينهم عقب مهاجمة إسرائيل لسفينة “مافي مرمرة” التركية التي كانت تتجه لقطاع غزة عام 2010 لفك الحصار عنها ثم هاجمتها البحرية الإسرائيلية ما أدى لمقتل 9 نشطاء أتراك كانوا على متنها، وأكدت تل أبيب “أن السفير الإسرائيلي لن يعود إلى أنقرة أثناء وجود أردوغان بالسلطة”، مما يؤكد إطالة أمد التوتر بينهما نظرًا لأن ولاية الأخير ستنتهي في 2028.
وهذا التوتر يعود لمواقف الدولتين من حرب غزة، حيث كشفت مصادر إسرائيلية عن خطة لتهجير نصف مليون فلسطيني إلى تركيا ليتم توطينهم بجنوب البلاد في معسكرات مشابهة للاجئين السوريين بهاتاي وغازي عنتاب، مما دفع مركز “مكافحة التضليل التركي” لإصدار بيانًا لتكذيب ذلك، وكان لافتًا حديث “أردوغان” في نوفمبر 2023 عن امتلاك إسرائيل للسلاح النووي ودعا لوضع تلك القضية على جدول الأعمال العالمي، وأكد “نحن في تركيا لن نسمح بنسيان قضية البرنامج النووي الإسرائيلي”، وأكد أنها “تخفي امتلاك أسلحة نووية، لأنها تجيد استخدام الأكاذيب”، وبالطبع فإن إسرائيل ستعمل للرد على الدعم التركي المستمر لحركة “حماس”، ويمكنها توجيه الرد لأنقرة من خلال تعزيز تعاونها مع “حزب العمال الكردستاني” وأجنحته في سوريا والعراق لمواجهة تركيا لا سيما في ظل العلاقات التاريخية بينهم، حيث تخوض أنقرة حربا مستمرة ضد معسكرات الحزب بشمال سوريا والعراق وبمدن الجنوب التركي حيث يتركز المواطنين الأكراد في (ديار بكر، ماردين، غازي عنتاب).
خلاصة القول، أن المكاسب السياسية والإقليمية التي ستجنيها تركيا جراء مواقفها الداعمة لحركة “حماس” والقضية الفلسطينية سيكون مقابلها تداعيات سياسية وأمنية ستتحمل أنقرة تبعاتها، لا سيما توتر علاقاتها مع إسرائيل واحتمالات تنفيذ الأخيرة عمليات أغتيالات لقادة “حماس” في تركيا، فضلًا عن التداعيات الاقتصادية المتعددة، ورغم ذلك فمن المتوقع أن “أردوغان” لن يخفف من حدة خطابه السياسي الحاد ضد تل أبيب، حتى موعد الانتخابات المحلية المقبلة التي يراهن على الفوز بها.
*د. منى سليمان، (باحث أول ومحاضر في العلاقات الدولية والشأن التركي)
Tags: أردوغانالموقف التركي من حرب غزةتركياحرب غزة
المصدر: جريدة زمان التركية
كلمات دلالية: أردوغان تركيا حرب غزة الحرب الإسرائیلیة على القضیة الفلسطینیة العلاقات الترکیة المحلیة المقبلة البرلمان الترکی أحزاب المعارضة الموقف الترکی توتر العلاقات العلاقات بین على قطاع غزة فی قطاع غزة نوفمبر 2023 لقطاع غزة بین أنقرة وقف الحرب دیسمبر 2023 أکتوبر 2023 من الحرب فی ترکیا حرب غزة لا سیما تل أبیب فی غزة وهو ما ما أدى
إقرأ أيضاً:
موقع الحرب الأمريكي: ما هي الدفاعات الجوية التي يمتلكها الحوثيون في اليمن فعليًا؟ (ترجمة خاصة)
سلط موقع الحرب الأمريكي " The War Zone" الضوء على ترسانة الأسلحة لجماعة الحوثي في اليمن ودفاعات الجماعة الجوية التي تشهد ضربات شرسة من المقاتلات الأمريكية منذ منتصف مارس الماضي.
وقال الموقع الأمريكي في تقرير مطول ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن أيبثوا امتلاكهم ترسانة دفاع جوي تُشكل تهديدًا حقيقيًا، كما يتضح من العدد المتزايد لعمليات إسقاط طائرات أمريكية مسيرة من طراز MQ-9 Reaper.
وأضاف "مع ذلك، لا تزال تفاصيل كثيرة حول نطاق ونطاق قدرات الدفاع الجوي للحوثيين غامضة. كما أن استخدام الجيش الأمريكي لمجموعة متزايدة من الذخائر المُطلقة جوًا ضد أهداف في اليمن، بالإضافة إلى استخدام قاذفات الشبح B-2، يُشير إلى أن الخطر الذي تُشكله هذه الطائرات أكبر مما يُقدّر على نطاق واسع.
وتساءل: فما هي إذن قدرات الدفاع الجوي للحوثيين؟ إنه سؤال واضح، وفي أحسن الأحوال إجابة غامضة، ولكن إليكم ما نعرفه.
"الموقع بوست يعيد نشر نص التقرير بعد ترجمته:
ترسانة صواريخ الحوثيين أرض-جو وخسائر طائرات MQ-9
تتزايد التساؤلات حول المدى الكامل لقدرات الدفاع الجوي الحوثية منذ أشهر، حيث تمكن الحوثيون من إسقاط عددٍ مُقلق من طائرات MQ-9 Reaper الأمريكية المُسيّرة.
صرح مسؤول دفاعي أمريكي لـ TWZ أمس أن الحوثيين أسقطوا، أو يُشتبه في أنهم أسقطوا، ست طائرات MQ-9 منذ 15 مارس. وذكرت قناة فوكس نيوز اليوم أن مسؤولين أمريكيين أقروا بفقدان طائرة ريبر أخرى، وهي السابعة منذ بداية الشهر الماضي. وفي مارس الماضي، صرّح مسؤول دفاعي أمريكي لم يُكشف عن هويته لصحيفة Stars and Stripes أن الحوثيين أسقطوا 12 طائرة ريبر منذ أكتوبر 2023.
أعلن الحوثيون أنفسهم تدمير ما لا يقل عن 22 طائرة ريبر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، بما في ذلك الطائرة التي أُسقطت أمس، ولكن لا يمكن التحقق من ذلك بسهولة وبشكل مستقل. لا يشمل هذا العدد عدد الطائرات المسيرة التابعة للولايات المتحدة ودول أخرى التي أسقطها المسلحون اليمنيون قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023.
نفى الجيش الأمريكي مزاعم الحوثيين بشأن إسقاط طائرات MQ-9 في الماضي، مع إقراره أيضًا بعدد غير محدد من الخسائر. من المحتمل أيضًا أن يكون عدد من طائرات ريبر قد سقط في اليمن ومحيطها في الأشهر الأخيرة بسبب حوادث، وهي ليست نادرة الحدوث بالنسبة لهذا النوع، ولكن هذا لا يمكن أن يفسر الجزء الأكبر من الخسائر. كما أنه من غير الواضح لمن تعود ملكية طائرات MQ-9 المفقودة تحديدًا، حيث أن سلاح الجو الأمريكي وسلاح مشاة البحرية الأمريكي هما المشغلان الحاليان لهذه الطائرات المسيرة. كما أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) تستخدم طائرات ريبر أيضًا.
تأتي خسائر طائرات MQ-9 في ظل هجوم جوي متجدد وموسع ضد أهداف الحوثيين في اليمن، والذي أطلقته إدارة الرئيس دونالد ترامب في مارس/آذار. ويشارك الجيش الأمريكي بنشاط ضد المسلحين المدعومين من إيران منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. في ذلك الشهر، شن المسلحون اليمنيون حملة ضد حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر وما حوله، بالإضافة إلى هجمات على إسرائيل، ظاهريًا ردًا على تدخلها في قطاع غزة. وجاءت العمليات الإسرائيلية، بدورها، في أعقاب هجمات إرهابية واسعة النطاق انطلقت من غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتجدر الإشارة هنا أيضًا إلى أن الحوثيين يتباهون باستمرار بأن الجزء الأكبر من ترسانتهم الصاروخية، إلى جانب طائراتهم المسيرة، مُطور ومُنتج محليًا. لا جدال في تورط إيران، لكن المسلحين اليمنيين قادرون، إلى حد ما على الأقل، على تطوير وإنتاج و/أو تجميع الصواريخ وأنظمة الأسلحة الأخرى داخل البلاد.
قال مسؤول دفاعي أمريكي كبير لموقع TWZ ووسائل إعلام أخرى في وقت سابق من هذا العام عن الحوثيين: "لقد فوجئنا أحيانًا ببعض الأمور التي نراهم يفعلونها، وهذا يجعلنا نتساءل قليلًا"، مضيفًا أن الجماعة "ليست متقدمة تكنولوجيًا بشكل خارق، لكننا نعتقد أنها مبتكرة جدًا".
"هناك الكثير مما لا نعرفه عن الحوثيين حاليًا".
صواريخ حوثية ومعدات أخرى في عرض عسكري بالعاصمة اليمنية صنعاء عام 2023. محمد حمود/صور جيتي
صواريخ أرض-جو من إيران
من بين أحدث وأكثر صواريخ أرض-جو كفاءةً التي يُعتقد أن الحوثيين يستخدمونها حاليًا، صاروخا برق-1 وبرق-2، اللذان كُشف النقاب عنهما علنًا في سبتمبر 2023.
صواريخ برق أرض-جو حوثية في عرض عسكري عام 2023. محمد حويس/وكالة فرانس برس عبر صور جيتي
يزعم المتمردون اليمنيون أن أقصى مدى لصاروخي برق-1 وبرق-2 يبلغ حوالي 50 كيلومترًا (31 ميلًا) وقرابة 70 كيلومترًا (43.5 ميلًا)، ويمكنهما إصابة أهداف على ارتفاعات تصل إلى 15 كيلومترًا (49212 قدمًا) و20 كيلومترًا (65616 قدمًا) على التوالي. لا يبدو أن هناك أي تأكيد مستقل لهذه الأرقام.
يعتقد الخبراء والمراقبون عمومًا أن صاروخي "برق-1" و"برق-2" مبنيان، على الأقل، على عائلة صواريخ "تاير" الإيرانية أرض-جو متوسطة المدى الموجهة بالرادار. صواريخ سلسلة "تاير" نفسها، على الأقل، متأثرة بشكل كبير بالصواريخ الاعتراضية من الحقبة السوفيتية وما تلاها من صواريخ روسية الصنع، والمخصصة لأنظمة الدفاع الجوي "2K12 Kub" (SA-6 Gainful) و"9K37 Buk" (SA-11 Gadfly)، إن لم تكن نسخًا أو استنساخًا مباشرًا لهما.
لا تزال كيفية استخدام الحوثيين لصاروخي "برق-1" و"برق-2" غير واضحة تمامًا، ولكن صواريخ "تاير" في الخدمة الإيرانية تُطلق من منصات إطلاق عجلات مختلفة، بعضها مزود برادارات مدمجة للتحكم في إطلاق النار. كما ورد أن بعض أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية القادرة على إطلاق نسخ "تاير" مزودة بكاميرات كهروضوئية و/أو تعمل بالأشعة تحت الحمراء للمساعدة في تحديد الأهداف وتحديدها وتتبعها. كما يمكن استخدام الرادارات الخارجية لتحديد الأهداف وتتبعها، والمساعدة في توجيه صواريخ "تاير" إليها.
في عام 2018، صرّحت السلطات الأمريكية والسعودية أيضًا باعتراض مكونات صواريخ أرض-جو إيرانية من طراز صياد-2 سي أثناء توجهها إلى اليمن. ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن دليل واضح على وجود هذه الصواريخ في خدمة الحوثيين.
"في حين شهدنا اعتراض السعوديين لصاروخ صياد-2 أثناء توجهه إلى اليمن، ومعروف أن صياد-2 في الخدمة لدى جهات غير حكومية موالية لإيران (حزب الله اللبناني)، لم نرَ أي دليل على استخدامه من قبل الحوثيين. وهذا يتناقض مع صواريخ سلسلة طير"، هذا ما صرّح به فابين هينز، الباحث في تحليل الدفاع والعسكرية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في المملكة المتحدة، لموقع TWZ. "ليس من الواضح ما إذا كان الحوثيون هم من يشغلون صواريخ صياد-2 ولم تظهر، أو ما إذا كان الإيرانيون قد غيّروا خططهم".
جسم صاروخ صياد-2C تم اعتراضه في طريقه إلى اليمن، يظهر هنا خلال مؤتمر صحفي في قاعدة أناكوستيا-بولينج المشتركة للجيش الأمريكي في واشنطن العاصمة عام 2018. وزارة الدفاع ليزا فرديناندو.
سبق أن نشر مسؤولون سعوديون ما قالوا إنها صور لمنصة إطلاق محتملة لصاروخ صياد-2C مثبتة على شاحنة، ولكن يبدو أنها أظهرت منصة لإطلاق صواريخ بدر-1. يُوصف صاروخ بدر-1 بأنه صاروخ مدفعية ثقيلة أو صاروخ باليستي قريب المدى (CRBM). تُعرّف الصواريخ الباليستية قصيرة المدى بأنها مجموعة فرعية من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى (SRBM) بمدى يقل عن 186 ميلاً (300 كيلومتر).
يُشتقّ صاروخ صياد-2 الأساسي، جزئيًا على الأقل، من صواريخ RIM-66 القياسية الأمريكية شبه النشطة الموجهة بالرادار والتي زُوّدت بها إيران في عهد الشاه. سبق لمجلة "ذا لونغ وور جورنال"، التابعة لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) البحثية في واشنطن العاصمة، أن قدرت مدى الصاروخ بين 80 و150 كيلومترًا (50 و93 ميلًا تقريبًا)، وقدرته على الوصول إلى أهداف على ارتفاعات تتراوح بين 20,000 و30,000 قدم. ولا يزال من غير الواضح كيف يختلف الطراز 2C عن الطراز الأصلي.
في الخدمة الإيرانية، تُستخدم صواريخ "صياد-2" باستخدام مجموعة مماثلة من منصات الإطلاق ذات العجلات، بالإضافة إلى رادارات وأجهزة استشعار أخرى، مثل عائلة "طير". ويُقال إن بعض أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، مثل "سيفوم خرداد" (الخرداد الثالث)، قادرة على إطلاق كلا النوعين. كان نظام "سيفوم خرداد" النظامَ الذي زعمت إيران استخدامه لإسقاط طائرة RQ-4A التابعة للبحرية الأمريكية، وهي طائرة استطلاع بحرية واسعة النطاق (BAMS-D) كانت تحلق فوق خليج عُمان عام 2019.
أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية "سيفوم خرداد" (الثالثة خرداد) في استعراض عسكري. أرمين كرامي/صور الشرق الأوسط/وكالة فرانس برس عبر صور غيتي
بالإضافة إلى ذلك، زعم الحوثيون سابقًا تطويرهم صاروخ أرض-جو مشتق من صاروخ بدر-1P، وهو نسخة دقيقة التوجيه من صاروخ بدر-1 المذكور. أما التفاصيل الأخرى حول هذا السلاح، الذي يُشار إليه أحيانًا باسم "المراج" أو "الميراج"، فهي شحيحة.
"يشبه صاروخ الميراج إلى حد كبير العديد من صواريخ الحوثيين أرض-أرض قصيرة المدى ودقيقة التوجيه"، ولكن "لا يزال من غير الواضح ما إذا كان النظام جاهزًا للتشغيل، وإذا كان كذلك، فما مدى فعاليته". كما صرّح هينز من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لـ TWZ.
لا تُصمَّم صواريخ المدفعية والصواريخ الباليستية عادةً مع مراعاة أنواع المناورة اللازمة لسلاح مضاد للطائرات فعال. كما أنه من غير المعروف ما إذا كان صاروخ "ماراج/ميراج" سيستخدم نظام توجيه ومكونات أخرى من صواريخ أرض-جو إيرانية الصنع.
وأضاف هينز أن صاروخ "ماراج/ميراج" "قد يُمثل جهدًا لتوسيع نطاق نموذج الانتشار النووي الإيراني، مما يُتيح إنتاج الصواريخ محليًا مدعومًا بمكونات توجيه من مصادر خارجية، من مجال أرض-أرض إلى مجال أرض-جو".
وسبق أن قيّمت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة صاروخ "بدر-1" الأساسي غير الموجه بأنه سلاح محلي الصنع، "مصنوع من أنابيب فولاذية، يُرجَّح جدًا أن مصدرها قطاع النفط".
صواريخ سام الإيرانية المتسكعة
من بين قدرات الدفاع الجوي المعروفة للحوثيين، وأحد الأنظمة القليلة التي أكد مسؤولون أمريكيون استخدامها في القتال الفعلي، وهو تصميم إيراني غريب، حظي بأكبر قدر من التدقيق العام. يُعرف هذا الصاروخ أرض-جو، المعروف عادةً باسم "358"، وأحيانًا باسم SA-67، ويعمل بمحرك نفاث صغير، ويُوصف عادةً بأنه تصميم "متسكع"، على الرغم من أن قدراته الدقيقة لا تزال غير واضحة. تستخدم صواريخ أرض-جو التقليدية محركات صاروخية تعمل بالوقود الصلب للدفع.
ظهر صاروخ 358، الذي يُطلق عليه المسلحون اليمنيون أيضًا اسم صقر-1، للعلن لأول مرة بعد أن صادرت البحرية الأمريكية مكونات للأسلحة بعد اقتحام سفينة صغيرة متجهة إلى اليمن في بحر العرب عام 2019. وبعد تأكيد وجوده في الخدمة لدى الحوثيين، استُعيدت أيضًا صواريخ 358 من وكلاء مدعومين من إيران في العراق ولبنان.
رسم بياني لتقرير غير سري صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA) نُشر عام 2024، يناقش صاروخ 358/صقر أرض-جو. وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية
يحتوي صاروخ 358، الذي يبلغ طوله حوالي تسعة أقدام، على ثلاث مجموعات من الزعانف للمناورة والثبات أثناء الطيران: واحدة في طرف المقدمة، وواحدة في طرف الذيل، وواحدة على طول منتصف جسم الصاروخ الأسطواني.
يتشارك التصميم في مكونات مختلفة، بما في ذلك حزمة توجيه لنظام الملاحة بالقصور الذاتي بمساعدة الأقمار الصناعية، وجيروسكوب عمودي، ووحدة بيانات جوية، مع أنواع متعددة من طائرات الكاميكازي المسيرة الموجودة في المخزونات الإيرانية والحوثية.
رسم بياني أصدرته القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) عام 2020 يُبرز التشابه في المكونات بين صاروخ 358 الذي تم استرداده في العام السابق ومختلف طائرات الكاميكازي المسيرة التي كانت في الخدمة لدى الإيرانيين والحوثيين. القيادة المركزية الأمريكية
تفاصيل إضافية حول صاروخ 358/صقر من تقرير وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية لعام 2024. وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز عام 2020، نقلاً عن مسؤولين عسكريين أمريكيين لم تُسمّهم، أن "السلاح يطير على شكل رقم ثمانية ويبحث عن الأهداف". "يُعتقد أن اثنتي عشرة عدسة تعمل بالأشعة تحت الحمراء مُرتبة في حلقة حول الصاروخ قادرة على إبطال التدابير المضادة الحرارية التي تستخدمها مروحيات التحالف عادةً".
صور مُقرّبة لبعض مكونات صاروخ 358، بما في ذلك مصفوفة أجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء. الأمم المتحدة: لقطات إضافية مُقرّبة لبعض مكونات صاروخ 358، بما في ذلك مصفوفة مستشعرات الأشعة تحت الحمراء. الأمم المتحدة
وكما كتبت TWZ لاحقًا عن هذا السلاح الجوي غير التقليدي:
"مع ذلك، ليس من الواضح فورًا كيف تم التوصل إلى هذا الاستنتاج [من مصادر نيويورك تايمز] أو كيف سيتجاوز هذا النظام التدابير المضادة. إذا كان صفّا المستشعرات زائدين عن الحاجة، لكنهما يعملان على أطوال موجية مختلفة، فقد يُساعد ذلك في تقليل تأثير نوع من التدابير المضادة على آخر. من المُحتمل أيضًا أن يكون أحد الصفين مُكوّنًا من مستشعرات الأشعة تحت الحمراء كجزء من أنظمة التوجيه، والآخر عبارة عن مستشعرات صمامات تقارب ليزرية، مثل تلك الموجودة في العديد من صواريخ سام التقليدية وصواريخ جو-جو. ومن الاحتمالات الأخرى أن مصفوفة "الطوق"، أو على الأقل صف واحد من هذه المستشعرات، تعمل على اكتشاف هدف مُحتمل في البداية، ثم تُوجّه المستشعر الرئيسي في مقدمة الصاروخ نحو هذا الهدف لتمييزه وتنفيذ هجوم إذا لزم الأمر."
من المحتمل جدًا، بالطبع، وجود إصدارات متعددة من الطائرة 358 الآن، بما في ذلك إصدارات تستخدم نظام توجيه سلبي و/أو قادرة على استقبال تحديثات من أجهزة استشعار خارجية. على الأقل، يوجد نموذج معروف واحد، كما هو موضح أعلاه، مزود بهوائي بارز بشكل خاص في الخلف، مما قد يوفر مستوى أساسيًا من التحكم شبه الذاتي.
إجمالاً، لا تزال جدوى هذا المفهوم موضع تساؤل. فسرعة الصاروخ المنخفضة تعني أنه غير مفيد في مواجهة الطائرات المقاتلة سريعة الحركة في العديد من السيناريوهات، وهو أكثر ملاءمةً لمحاولة اعتراض الأهداف الأبطأ مثل المروحيات والطائرات المسيرة.
ومع ذلك، فإن المفهوم الكامن وراء صاروخ 358 مثير للاهتمام للغاية. إذا نجح السلاح كما هو موصوف، فيمكن إطلاقه إلى المناطق الأمامية التي يُعرف أو يُتوقع مرور الطائرات المسيرة أو المروحيات عبرها، ومطاردتها وقتلها دون الحاجة إلى أجهزة استشعار خارجية متقدمة إضافية. قد يكون هذا مفيدًا بشكل خاص في مواجهة الطائرات المسيرة القادمة، والتي قد يصعب رصدها والتعامل معها باستخدام أنظمة الدفاع الجوي التقليدية.
علاوة على ذلك، ستُشكّل مجموعات من طائرات 358 التي تُحلق في مدارات على شكل رقم ثمانية مخاطر إضافية سيضطر الخصم إلى مواجهتها أو محاولة التخطيط لها، وهو ما قد يُشكّل مشكلةً نظرًا لقدرتها على التحليق إلى مواقع نائية. إذا كانت تكلفة 358 منخفضة، فسيكون من الأسهل نشر أعداد كبيرة منها دفعةً واحدة لزيادة احتمالية النجاح ومحاولة تعطيل العمليات الجوية للعدو.
في عام 2023، كشف الحوثيون عن صاروخ صقر-2، الذي يفتقر إلى زعانف الذيل الموجودة في صقر-1/358. لا يُعرف كيف يختلف صقر-2 عن سابقه، لكن لاحظ المراقبون أنه يبدو أقصر قليلاً بشكل عام. قد يسمح التصميم الأصغر بقاذفات أكثر إحكامًا، مما يُسهّل التعامل مع الصاروخ.
كما طورت إيران صاروخ "صقر-2" أكبر وأكثر قدرة، مستوحى من تصميم "صقر-358" ووظيفته العامة، ويُزعم أن مداه الأقصى يبلغ 150 كيلومترًا، وسرعته القصوى 1000 كيلومتر في الساعة، وارتفاعه يصل إلى 30 ألف قدم. ويُقال إنه يمكن استعادة صاروخ "صقر-2"، الذي لم يُعرف بعد ما إذا كان في الخدمة لدى الحوثيين، عبر المظلة وإعادة استخدامه إذا لم يُعترض. ومن المحتمل أن تسمح ميزة استعادة المظلة في صاروخ "صقر-359" باستخدامه في مهام مراقبة واستطلاع ثانوية أيضًا.
صواريخ جو-جو مُعاد استخدامها
بالإضافة إلى التصاميم المُقدمة من إيران، أعاد الحوثيون استخدام عدد من صواريخ جو-جو، من الحقبة السوفيتية وروسية الصنع، لاستخدامها كأسلحة أرضية مضادة للطائرات. ويشمل ذلك صواريخ R-73E وR-27T وR-77، والتي يُطلق عليها الحوثيون في تشكيلاتهم الجديدة من صواريخ أرض-جو أسماء ثاقب-1 وثاقب-2 وثاقب-3 على التوالي. سلّمت روسيا هذه الصواريخ إلى اليمن في أوائل ومنتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لتُرافق مقاتلات ميج-29SMT، وهو أسطول أصبح غير صالح للعمل بشكل متزايد، إن لم يكن قد دُمّر بالكامل، خلال العقد الماضي تقريبًا.
ظهر في الماضي مثال واحد على الأقل لصاروخ جو-جو قديم من طراز R-60، ذو استهداف حراري، سوفيتي الصنع، مُحمّل على سكة إطلاق مُثبتة على شاحنة بيك آب حوثية، كما هو موضح أدناه. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا المزيج، الذي لا يُعرف أنه مُصنّف ضمن فئة "ثاقب"، مُعدًّا للاستخدام في صواريخ أرض-جو أو أرض-أرض، أو ما إذا كان قد استُخدم عمليًا أصلًا.
صواريخ سام "الموروثة" من التصميم السوفيتي
عندما أطاح الحوثيون بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا عام 2014، استولت الجماعة أيضًا على مجموعة متنوعة من أنظمة صواريخ أرض-جو مصممة خصيصًا من الحقبة السوفيتية، بما في ذلك صواريخ S-75 ثابتة الموقع (وفقًا لمعيار SA-2) وصواريخ 2K12 Kub مجنزرة (SA-6 Gainful)، وكلاهما من تصميمات التوجيه بالرادار، وصواريخ ستريلا (SA-7) المحمولة ذات التوجيه الحراري. وكمستوى أساسي، يُمثل نظام 2K12/SA-6 تهديدًا متحركًا خطيرًا للغاية، إذ يتمتع بقدرة على التصدي للطائرات النفاثة المأهولة التي تحلق على ارتفاعات أعلى.
كما انتقلت إلى أيدي المسلحين اليمنيين رادارات دفاع جوي متنوعة، بما في ذلك رادارات مراقبة جوية P-18 سوفيتية التصميم، ورادارات مراقبة جوية P-19 واكتساب الأهداف، ورادارات PRV-13 لتحديد الارتفاعات.
رادارات الحوثيين من طرازي P-19 وPRV-13 في استعراض عسكري عام 2023. ويظهر في المقدمة أيضًا رادار أصغر حجمًا من النوع المستخدم عادةً لتوجيه المدافع المضادة للطائرات. محمد حمود/صور جيتي
الوضع الحالي لهذه الأنظمة الصاروخية أرض-جو "الموروثة" غير واضح. من المعروف أن الحوثيين حوّلوا عددًا من صواريخ S-75/SA-2 إلى صواريخ باليستية من طرازي قاهر-2 ومحيط (وتُكتب أيضًا بشكل مختلف باسم محيط أو محيط) لاستخدامها ضد أهداف برية وبحرية على التوالي.
صواريخ سلسلة S-75/SA-2 شوهدت في استعراض عسكري للحوثيين عام 2023. محمد حمود/صور جيتي
في عام 2019، كشف الحوثيون أيضًا عن صاروخ أرض-جو أطلقوا عليه اسم فاطر-1، وهو على الأقل نسخة أو نسخة طبق الأصل من صاروخ 3M9 السوفيتي لنظام 2K12 Kub/SA-6. في العام التالي، نشر المسلحون اليمنيون صورة لصواريخ فاطر-1 مُحمّلة على منصة إطلاق من طراز كوب. كما أنه من غير الواضح ما إذا كان مخزون الحوثيين من صواريخ فاطر-1 يتضمن صواريخ 3M9 مُجدّدة من المخزونات اليمنية الحالية، أو نماذج من إيران، أو صواريخ تم الحصول عليها من مصادر أخرى.
ومن غير الواضح ما إذا كان لدى الحوثيين الآن منصات إضافية لإطلاق صواريخ 3M9/فاطر-1. وقد شوهدت هذه الصواريخ تُعرض على شاحنات في الماضي، ولكن لا يبدو أنها منصات إطلاق حقيقية. وقد تسمح أوجه التشابه بين تصميم 3M9/فاطر-1 وصواريخ برق-1/2 وطائر أرض-جو بمشاركة منصات الإطلاق بين هذه الصواريخ أيضًا.
صواريخ 3M9/فاطر-1 في استعراض عسكري في اليمن عام 2023. محمد حمود/صور جيتي
تقييم التهديد الشامل للدفاع الجوي الحوثي
في حين تُشكّل الدفاعات الجوية الحوثية تهديدات حقيقية واضحة لطائرات MQ-9، إلا أن تقييم النطاق والنطاق الكاملين لقدرة الجماعة على استهداف أهداف أكثر قدرة في سماء اليمن وما حولها لا يزال صعبًا من نواحٍ عديدة.
أولًا، ترتبط قدرة الجماعة على استخدام صواريخ أرض-جو بفعالية ارتباطًا وثيقًا بتوافر أجهزة الاستشعار ذات الصلة، ولا تزال التفاصيل المتعلقة بمخزون الحوثيين في هذا الصدد محدودة. وعلى وجه الخصوص، فإن قدرات الرادارات المتاحة، والتغطية التي يمكن أن توفرها، لها تأثيرات مباشرة على نطاقات الاشتباك لصواريخ أرض-جو التي تعتمد عليها في تحديد الأهداف وتوجيهها. وتستهدف القوات الأمريكية رادارات الحوثيين بنشاط، بما في ذلك الأنواع المستخدمة أيضًا في مراقبة السواحل والعمليات المضادة للسفن، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولا تزال تفعل ذلك.
طائرة حرب إلكترونية من طراز EA-18G Growler تابعة للبحرية الأمريكية، مُحمّلة بأربعة صواريخ AGM-88E مُوجّهة مُتقدّمة مضادة للإشعاع (AARGM)، تُطلق من على متن حاملة الطائرات يو إس إس هاري إس ترومان، دعمًا للعمليات ضد الحوثيين في أبريل 2024. دار نقاش في الماضي حول ما إذا كان الحوثيون قد يستفيدون من وسائل بديلة لرصد وتتبع الطائرات المعادية، بما في ذلك أجهزة استشعار الترددات الراديوية السلبية التي قد تكون قادرة على العمل كـ"رادارات افتراضية". في عام 2018، صرّحت السلطات السعودية بأنها "صادرت أنظمة تتبّع إلكترونية من إنتاج شركة بهين باردازان ريزموجسانت الإيرانية (BP-RMS) - وتحديدًا جهاز استقصاء مرسل ومستجيب (المعروف أيضًا باسم جهاز استقبال الرادار الافتراضي، أو VRR) الذي يجمع بشكل سلبي إشارات مراقبة الحركة الجوية الصادرة عن الطائرات العسكرية والتجارية"، وذلك وفقًا لتحليل أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مركز أبحاث في واشنطن العاصمة.
بالاعتماد على أنظمة البثّ الآليّ للمراقبة المعتمدة على الأقمار الصناعية، وخيارات التتبع السلبيّ الأخرى، يُمكن لأجهزة الرادار المرئيّ المُزوّدة من إيران أن تُساعد الحوثيين على رصد وفكّ تشفير وعرض الموقع الجغرافيّ الدقيق، والارتفاع، وزاوية التدحرج/المسار، والاتجاه، والسرعة، والجنسية، ورمز النداء لجميع طائرات التحالف ضمن دائرة نصف قطرها يزيد عن 250 كيلومترًا [155 ميلًا]. ويُمكن بعد ذلك استخدام هذه المعلومات لاستخلاص حلول استهداف لبطاريات الدفاع الجوي، مما يُتيح لصواريخ سام الحوثية العمل دون الانبعاثات المُنذرة التي تُنتجها رادارات المراقبة، وفقًا للتحليل نفسه. بفضل هذه القدرة، قد يتمكن الحوثيون من شن هجمات "منبثقة" خطيرة، حيث يستخدم المشغلون أنظمة سلبية لتتبع هدف ثم إطلاق صاروخ في الاتجاه الصحيح؛ ولا يُفعّل نظام التوجيه بالأشعة تحت الحمراء أو الرادار للصاروخ إلا عند اقترابه من الهدف. بالإضافة إلى تحسين تكتيك الحوثيين المتمثل في تحويل صواريخ جو-جو الحرارية إلى صواريخ أرض-جو، يمكن لأنظمة VRR التي توفرها إيران مساعدة المتمردين على تنفيذ هجمات صاروخية باستخدام صواريخ SA-6 شبه النشطة الموجهة بالرادار.
توجد أيضًا أنواع أخرى من أنظمة تدابير الدعم الإلكتروني (ESM) المصممة خصيصًا للكشف عن الأهداف وتصنيفها وتحديد موقعها الجغرافي و/أو تتبعها عبر الرادار وانبعاثات أخرى. ومن المحتمل أن تصل أمثلة على هذه الأنظمة إلى أيدي الحوثيين، بما في ذلك عن طريق إيران.
يؤكد كل هذا على القيمة المذكورة أعلاه لاستخدام أجهزة الاستشعار وأجهزة البحث بالأشعة تحت الحمراء السلبية للاستهداف الأولي والتوجيه النهائي. كما يتماشى ذلك مع ممارسة الحوثيين المتمثلة في إصدار لقطات من كاميرات الأشعة تحت الحمراء في أعقاب اشتباكات جوية مزعومة مع طائرات بدون طيار أمريكية وأجنبية، بالإضافة إلى طائرات مأهولة، وهو أمر يفعله المسلحون منذ سنوات حتى الآن.
قال مايكل نايتس، من معهد واشنطن، لشبكة سي بي إس نيوز في تقرير نُشر في سبتمبر/أيلول الماضي: "استخدم الحوثيون والإيرانيون نظامًا كهروضوئيًا، لأنه نظام سلبي تمامًا. من الصعب رصد هذه الأنظمة لأنها لا تحمل أي بصمة قبل الإطلاق".
وفي تقرير غير سري نُشر في يوليو/تموز 2024، أكدت وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية (DIA) صراحةً أن المسلحين اليمنيين "استخدموا صاروخ صقر[-1/358]" مع باحثيه السلبيين بالأشعة تحت الحمراء "لمهاجمة الطائرات الأمريكية بدون طيار".
قال بهنام بن طالبلو، الزميل البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، لـ TWZ: "كان لصواريخ سام 358 الإيرانية، المعروفة في اليمن باسم صقر سام، تأثيرٌ بالغ على التهديد الجوي الحوثي، لا سيما ضد الأنظمة الأمريكية المسيرة خلال العام والنصف الماضيين"، و"من المرجح أن تستمر في لعب دورٍ رئيسي في قدرة الحوثيين على جني تكاليف الولايات المتحدة".
كما نشرت إيران سابقًا لقطات فيديو، تظهر في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أدناه، تُظهر ما يبدو أنها صواريخ 358 حوثية تعترض طائرات بريداتور XP المسيرة. الإمارات العربية المتحدة هي المشغل الوحيد المعروف لنسخة XP من طائرة بريداتور، والتي يمكن تمييزها بسهولة عن الإصدارات الأخرى من الطائرة المسيرة من خلال أجنحةها.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الطائرات المسيرة مثل Predator XP وReaper صُممت في الأصل للعمليات على ارتفاعات متوسطة (تحلق طائرات MQ-9 عادةً على ارتفاع يتراوح بين 25,000 و30,000 قدم بناءً على المعلومات المتاحة للجمهور) في المجال الجوي المسموح به، وهي غير مُجهزة عادةً بأجهزة استشعار للتحذير من التهديدات بشكل افتراضي. تتوفر الآن خيارات كبسولات الحماية الذاتية لطائرات MQ-9، وهو أمر سنعود إليه لاحقًا، ولكن لا توجد مؤشرات حتى الآن على استخدامها على طائرات Reaper التي تحلق فوق اليمن وحوله، هذا إذا كان الجيش الأمريكي قد حصل عليها أصلًا.
وكانت هناك أيضًا بعض الأدلة في الماضي على قيام الحوثيين بضرب طائرات مقاتلة سعودية وإماراتية مأهولة بصواريخ R-73 و/أو R-27 المجهزة بباحث الأشعة تحت الحمراء السلبي، والمستخدمة في وضعية الهجوم الأرضي.
إن استخدام الأنظمة المتنقلة، وخاصةً تلك التي تتمتع بقدرة إطلاق النار والانطلاق، سيزيد من التهديدات التي تشكلها قدرات الدفاع الجوي الحوثية، بغض النظر عن مجموعة أجهزة الاستشعار التي يستخدمونها لتحديد الأهداف وتوجيهها. كما سيزيد من الطلب على معدات مراقبة أكثر ثباتًا مثل طائرة MQ-9 للمساعدة في تحديد مواقعهم وتحديدها بدقة، بحيث يمكن استهدافهم و/أو تجنبهم.
في جلسة استماع عُقدت في مارس/آذار، صرّح الفريق جيفري كروس، رئيس وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، لأعضاء اللجنة الدائمة المختارة للاستخبارات في مجلس النواب، صراحةً، بأن الحوثيين حاولوا استخدام أنظمة صواريخ أرض-جو المتنقلة من طراز 2K12 Kub/SA-6 Gadfly ضد الطائرات الأمريكية. ولم يُقدّم كروس أي تفاصيل عن الصواريخ الاعتراضية المحددة التي تستخدمها هذه الأنظمة، ولم يُفصّلها بشكل أكبر.
صورة أرشيفية لمنصة نقل ونصب وإطلاق مرتبطة بنظام صواريخ أرض-جو 2K12 Kub/SA-6 Gadfly، تظهر أثناء استجواب جيسون كرو، النائب الديمقراطي عن ولاية كولورادو، لمدير وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، الفريق جيفري كروس، حول تهديدات الدفاع الجوي الحوثية في جلسة استماع عُقدت في مارس. (توم ويليامز/CQ-Roll Call, Inc عبر Getty Images، توم ويليامز).
يُعد نظام 2K12 Kub/SA-6، وخليفته، 9K37 Buk/SA-11، مثالين بارزين على تهديدات الدفاع الجوي ذاتية الاحتواء، والتي تتفاقم بسبب قدرتها على الظهور فجأةً، وتشغيل راداراتها لفترة وجيزة نسبيًا، وإطلاق النار، ثم الفرار. وبالتالي، يصعب جدًا العثور عليها واستهدافها، بالإضافة إلى صعوبة التنبؤ بمكان وجودها المحتمل لاتخاذ تدابير مضادة أو التخطيط لتجنبها. تُمثل أنظمة الدفاع الجوي المتنقلة التي طورتها إيران لعائلتي صواريخ أرض-جو من طرازي Taer وSyad تحديات مماثلة.
حتى وقت كتابة هذا التقرير، لا يبدو أن المسؤولين الأمريكيين قد أكدوا صراحةً استخدام الحوثيين لأي أنظمة دفاع جوي أخرى، سواءً نجحت أم لا، ضد القوات الأمريكية. ولم يُسقط الحوثيون حتى الآن أي طائرة عسكرية أمريكية مأهولة.
أعلن المسلحون اليمنيون مؤخرًا عن نيتهم محاولة إتلاف أو تدمير قاذفة شبح أمريكية من طراز B-2، إلا أن قدرتهم على ذلك موضع شك. ومع ذلك، حتى طائرات B-2 لا تعمل بمفردها، بل تستخدم أنظمة الحرب الإلكترونية الخارجية، ودعم قمع وتدمير الدفاعات الجوية للعدو (SEAD/DEAD) أثناء المهام كلما أمكن ذلك.
من المهم أيضًا تذكر أن التخفي لا يعني عدم الرؤية أو عدم التعرض للخطر. وهذا ما برهنت عليه القوات الصربية على نحوٍ شهير بإسقاطها طائرة مقاتلة شبحية من طراز F-117 نايت هوك تابعة لسلاح الجو الأمريكي فوق أراضيها عام 1999. ومنذ ذلك الحين، تأكد نجاح القوات الصربية في إتلاف طائرة F-117 ثانية خلال الحملة نفسها.
إن مجرد إتلاف طائرة عسكرية أمريكية مأهولة، حتى لو كانت غير شبحية، يُعدّ انتصارًا دعائيًا كبيرًا للمسلحين اليمنيين.
يثير كل هذا المزيد من التساؤلات حول ما إذا كان استخدام الجيش الأمريكي لطائرات B-2 ومجموعة متزايدة من أنواع الذخائر بعيدة المدى ضد أهداف الحوثيين في اليمن مدفوعًا في المقام الأول بمخاوف تتعلق بالدفاع الجوي أكثر مما تم الاعتراف به علنًا.
تمثل طائرة B-2 حاليًا المنصة الأكثر قدرةً المعروفة للجيش الأمريكي على اختراق الدفاعات الجوية الكثيفة لتنفيذ ضربات عنيفة في عمق الأراضي المعادية. كما سلطت TWZ الضوء سابقًا، فإن النشر المتقدم لست قاذفات بي-2 في جزيرة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي في مارس، بالإضافة إلى استخدام هذه القاذفات الشبحية في غارات على اليمن في أكتوبر 2024، يرتبط ارتباطًا وثيقًا برسالة استراتيجية أوسع نطاقًا موجهة ضد إيران.
شوهدت ست قاذفات بي-2 في مطار دييغو غارسيا في أبريل 2025. الصورة © 2025 PLANET LABS INC. جميع الحقوق محفوظة. أعيد طبعها بإذن.
منذ مارس، شهدت الطائرات التكتيكية الأمريكية غير الشبحية زيادة ملحوظة، على الأقل علنًا، في استخدام المزيد من أنواع الذخائر البعيدة المدى ضد الحوثيين. وشهدت الحملة الحالية أول استخدام معروف لقنبلة GBU-53/B StormBreaker الانزلاقية، والمعروفة أيضًا باسم القنبلة صغيرة القطر II (SDB II)، في القتال، والتي أُطلقت من طائرات F/A-18E/F Super Hornets التابعة للبحرية الأمريكية.
في مارس/آذار، بدأت تظهر صور تُظهر طائرات سوبر هورنت التابعة للبحرية الأمريكية مُجهزة بصواريخ كروز من طراز AGM-84H الهجومية البرية بعيدة المدى ذات الاستجابة الموسعة (SLAM-ER) خلال غارات جوية في اليمن. وكانت البحرية الأمريكية قد كشفت سابقًا عن استخدام قنابل الانزلاق من طراز AGM-154 سلاح المواجهة المشتركة (JSOW) وصواريخ AGM-88E الموجهة المضادة للإشعاع المتطورة (AARGM)، بالإضافة إلى ذخائر الهجوم المباشر المشترك (JDAM) التي لا توفر مدىً بعيدًا عن الهدف، ضد الحوثيين.
بالفعل، "أظهر الحوثيون للعالم أن حتى أكثر الجهات الفاعلة ضائقةً ماليةً في أحد أفقر بقاع العالم قادرة على تحقيق أداءٍ يفوق قدراتها بكثير عندما يكون لديها راعيٌ حكومي [إيران] مستعدٌّ لمنح قدراتٍ عسكريةٍ متقدمةٍ على مستوى الدولة إلى جهةٍ فاعلةٍ غير حكومية"، وأثبتوا "قدرة الخصم على التكيف والتعلم في ساحة المعركة"، هذا ما قاله طالبلو من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات لموقع TWZ.
مستقبل طائرة MQ-9
بالعودة إلى طائرة MQ-9، تُثير الخسائر التي تكبدها الحوثيون منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 تساؤلاتٍ أكبر حول استمرار أهمية طائرة ريبر، لا سيما في المعارك المستقبلية عالية المستوى التي تواجه تهديداتٍ جويةً أكثر كثافةً. يُشغّل سلاح الجو الأمريكي وسلاح مشاة البحرية الأمريكي حاليًا حوالي 230 طائرة ريبر، حيث تنتمي الغالبية العظمى من هذه الطائرات المسيرة إلى سلاح الجو الأمريكي.
في عام 2020، أعلن سلاح الجو الأمريكي فجأةً رغبته في التوقف عن شراء طائرات MQ-9، مُشيرًا إلى مخاوفه بشأن تزايد نقاط الضعف. كما صرّح سلاح الجو سابقًا بإمكانية إيقاف تشغيل هذه الطائرات نهائيًا بحلول عام 2035، لكنه استمر في استلام شحنات جديدة في غضون ذلك.
بدأ سلاح مشاة البحرية الأمريكي رحلته ليصبح مُشغّلًا كاملًا لطائرات MQ-9 في عام 2019، ويخطط حاليًا لتشغيل هذا النوع في المستقبل المنظور. ويعمل سلاح مشاة البحرية بالفعل بثبات على إضافة قدرات جديدة إلى طائرات ريبر الخاصة به، بما في ذلك نظام حرب إلكترونية مُدمج للمساعدة في حماية الطائرات المُدمجة من رادارات العدو. وقد اختبر سلاح الجو الأمريكي النظام نفسه على الأقل في الماضي لاستخدامه على طائرات MQ-9.
طائرة MQ-9 تابعة لمشاة البحرية مزودة بنظام مُدمج أسفل جناحها الأيمن. مشاة البحرية الأمريكية
طوّرت شركة جنرال أتوميكس، الشركة المصنعة لطائرة MQ-9، نظام حماية ذاتية مُدمج يتضمن إجراءات مضادة للأشعة تحت الحمراء موجهة، مصممة لكشف الصواريخ الحرارية القادمة وإبطالها. وفي عام 2023، أعلنت الشركة أنها تقترب من بيع كبسولات الحماية الذاتية، التي تتمتع أيضًا بالقدرة على إطلاق مشاعل وهمية، وقش، وغيرها من الإجراءات المضادة القابلة للاستهلاك، لعميل أمريكي لم يُحدد.
وكما أشارت TWZ سابقًا، فإن فقدان أي طائرة بدون طيار أقل تأثيرًا بطبيعته من إسقاط طائرة مأهولة، نظرًا لعدم وجود خطر إصابة أو مقتل أفراد من القوات الصديقة. كما تتطلب مهام البحث والإنقاذ القتالية لاستعادة الطيارين وأطقم الطائرات الأخرى الذين أُسقطوا، خاصةً إذا توغلوا في عمق الأراضي المعادية، موارد بشرية ومادية كبيرة، مما يعرضهم للخطر.
ومع ذلك، فإن فقدان العشرات من طائرات MQ-9 ينطوي على تكلفة مالية باهظة. حُدِّد متوسط سعر وحدة طائرات ريبر العاملة حاليًا في الولايات المتحدة بحوالي 30 مليون دولار، وهو سعر لا يشمل تكلفة أي أسلحة أو أنظمة أخرى قد تحملها والتي لا تُعَدّ جزءًا من التكوين الأساسي. إذا فقد الحوثيون ما لا يقل عن 18 طائرة MQ-9 حتى الآن، فإن ذلك يعني إسقاط طائرات ريبر بقيمة 540 مليون دولار - وربما أكثر من ذلك بكثير.
سيكون للخسارة المستمرة لطائرات ريبر تأثير عملياتي أيضًا. وقد أشارت TWZ سابقًا إلى أن أي حملة جوية مستمرة ضد الحوثيين تتطلب مراقبة مستمرة لرصد تحركات الجماعة، بما في ذلك المساعدة في توفير معلومات استخباراتية عملية وحساسة زمنيًا حول الهجمات المحتملة بالصواريخ والطائرات المسيرة.
على الأقل، أثبت الحوثيون امتلاكهم قدرات دفاع جوي كافية لتعريض الطائرات العسكرية الأمريكية لخطر مشروع، مما يبدو أنه يدفع إلى زيادة استخدام الذخائر بعيدة المدى وأنواع أخرى من اتخاذ القرارات المتعلقة بالمخاطر.