المستقبل يحمل الخير|مفتي الجمهورية يدعو لبث روح الأمل والتفاؤل في مطلع العام الجديد
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
دعا فضيلة الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، إلى بث روح الأمل والتفاؤل، في مطلع هذا العام الجديد، بأن المستقبل يحمل الخير؛ فالأمل هو الذى يدفع الإنسان إلى العمل بهمة عالية وعزيمة ماضية من أجل تعمير الكون ونفع المجتمع.
وأكد مفتي الديار المصرية - في مقال بصحيفة (الأهرام) حمل عنوان (العام الجديد وفقه الأمل والعمل) - أن التحديات التي تواجه الأمة تتطلب من كل فرد من أفرادها أن يحسن الظن بربه، وأن يحسن العمل، وأن يعتقد يقينًا أن الله بيده مقاليد الأمور، وخزائن السموات والأرض، وأن الله تعالى سيجعل بعد عسر يسرًا، والمسلم يستعين بالله ولا يعجز، ولا يكسل عن طلب الطاعة ولا طلب الإعانة.
وقال المفتي إن الأمل فطرةٌ إنسانيةٌ وقيمةٌ من القيم الإيجابية التى حثَّ عليها الإسلام، وأثبتت أهميتها التجاربُ الحياتية، ولولا الأملُ لما صلح شأن الدنيا والآخرة؛ فصاحب الدنيا يُقبل على دنياه مدفوعًا بالأمل فى الظفر بنتيجة سعيه وجنى ثمار عمله، وطالب الآخرة يٌقبل على أداء العبادات راجيًا رحمة الله آملًا فى الفوز بالجنة.
وأوضح أن الأمل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسنن الكونية التى تدل على أن الأخذ بالأسباب يؤدى إلى النتائج بمشيئة الله تعالى؛ فالإنسان يُقدم على الزواج أملًا فى إنجاب الذرية الصالحة، ويٌقبل على المذاكرة والاطلاع رغبةً فى النجاح والحصول على أعلى الدرجات العلمية.. إلى غير ذلك؛ ولذلك نجد الإسلام يقرن الأمل بالعمل؛ يدل لذلك قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ»؛ فهذه الآية تُفيد بأن الأمل الذى تشير إليه كلمة «يرجون» مقترن بالعمل، وهو السعى فى الأرض لطلب الرزق، وهو المعنى نفسه الذى عبَّر عنه قوله تعالى: «فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا».
وأشار إلى أن الأمل بلا عمل خداعٌ للنفس وتمنٍّ يورث صاحبه الكسل والتواكل، وهو ما يضاد تعاليم الإسلام، مضيفا أن الأمل يبعث على التفاؤل وعدم اليأس والقنوط؛ فقد قال تعالى: «وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ»، وقال: «إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ»، فلا عيش فى الإسلام فى ظل اليأس والقنوط والإحباط، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يحب التفاؤل ويبغض التشاؤم، ففى الحديث عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: «كان النبى صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطِّيَرة»، ويعلل الحافظ ابن حجر ذلك بأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، وأن التفاؤل حسن ظن به سبحانه، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله على كل حال.
وذكر أن هذا الأمل والتفاؤل كان ملازمًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - في كل أحواله، ولا سيما فى أحلك الظروف، وخير مثال على ذلك غزوة الأحزاب، ففى هذه الغزوة اجتمعت الشدائد والأزمات حيث جمعت قريش جموعها وظاهَرَتْها كثير من القبائل العربية حتى بلغ عددهم عشرة آلاف مقاتل خرجوا لحصار المسلمين فى المدينة، ونكث يهود بنى قريظة وعودهم، واشتدَّ الكرب بتخذيل المنافقين وتشكيكهم، وقد وصف الله تعالى الشدة التى ألـمَّت بالمسلمين فى هذه الغزوة فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا».
وتابع: رغم تلك الأزمات القاسية فقد بشَّر الرسول أصحابه بالنصر، فعن البراء بن عازب رضى الله عنه قال: أَمَرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، قال: وعرض لنا فيه صخرة لم تأخذ فيها المعاول، فشكوناها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فأخذ المعول ثم قال: بسم الله، فضرب ضربة، فكسر ثلث الحجر، وقال: «الله أكبر، أعطيتُ مفاتيح الشام، والله إنى لأبصر قصورها الحمر من مكانى هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب أخرى، فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أُعطيت مفاتيح فارس، والله إنى لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكانى هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إنى لأبصر أبواب صنعاء من مكانى هذا». وقد تحقق النصر للمسلمين فى هذه الغزوة بفضل الله وتوفيقه.
وواصل المفتي مقال بالقول: من خلال هذه الغزوة نجد الأمل المقترن بالعمل وحسن الظن بالله تعالى، ويستفيد المسلم من ذلك أنه يجب عليه أن يحسن الظن بالله تعالى، وأن يكون حسن الظن ملازمًا له فى كل حال وفى كل موقف، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: «أنا عند ظن عبدى بي؛ فليظن بى ما شاء». وفى رواية: «أنا عند ظن عبدى بي، فإن ظن بى خيرًا فله، وإن ظن بى شرًّا فله».
وشدد مفتي الديار المصرية أن حسن الظن بالله - تعالى - يقتضى من المسلم أن يُحسن العمل؛ فحسن الظن قرين لحسن العمل؛ كما قال الحسن البصري: «إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل».
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم حسن الظن بالله الله تعالى حسن العمل أن الأمل
إقرأ أيضاً:
تحذير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التخلف عن صلاة الجمعة كسلًا وتهاونًا
قالت دار الإفتاء إن صلاة الجمعة شعيرة من شعائر الإسلام، أوجب الشرع السعي إليها والاجتماع فيها والاحتشاد لها؛ توخِّيًا لمعنى الترابط والائتلاف بين المسلمين؛ قال الإمام التقي السبكي في "فتاويه" (1/ 174، ط. دار المعارف): [والمقصود بالجمعة: اجتماعُ المؤمنين كلِّهم، وموعظتُهم، وأكملُ وجوه ذلك: أن يكون في مكانٍ واحدٍ؛ لتجتمع كلمتهم، وتحصل الألفة بينهم] اهـ.
واضافت الدار: افترضها الله تعالى جماعةً؛ بحيث لا تصح مِن المكلَّف وحدَه مُنفرِدًا؛ فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 9-10].
وهاتان الآيتان تدلان على وجوب شهودها وحضورها على كلِّ مَنْ لزمه فرضُها، من وجوه:
الأول: أنهما وردتا بصيغة الجمع؛ خطابًا وأمرًا بالسعي؛ فالتكليف فيهما جماعي، وأحكامهما متعلقة بالمجموع.
الثاني: أن "ذكر الله" المأمور بالسعي إليه: هو الصلاة والخطبة بإجماع العلماء؛ كما نقله الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/ 60، ط. دار الكتب العلمية).
الثالث: أنَّ مقصود السعي هو: حضور الجمعة؛ كما في "تفسير الإمام الرازي" (30/ 541-542)، والأمر به: يقتضي الوجوب؛ ولذلك أجمع العلماء على أن حضور الجمعة وشهودها واجب على مَن تلزمه، ولو كان أداؤها في البيوت كافيًا لما كان لإيجاب السعي معنى.
قال الإمام ابن جُزَيّ في "التسهيل لعلوم التنزيل" (2/ 374، ط. دار الأرقم): [حضور الجمعة واجب؛ لحمل الأمر الذي في الآية على الوجوب باتفاق] اهـ.
وهو ما دلت عليه السنة النبوية المشرفة؛ فعن طارق بن شهاب رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةٌ: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ» رواه أبو داود في "سننه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
وشدَّد الشرع الشريف على مَنْ تخلَّف عن أدائها ممَّن وجبت عليه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيُّ أَوْ مَمْلُوكٌ، فَمَنِ اسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ، وَاللَّهُ غَنِيُّ حُمَيْدٌ» رواه الدارقطني والبيهقي في "سننيهما".
وروى الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ».
وروى أبو داود في "سننه" عن أبي الجعد الضمري رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ».
وقد عنون الإمام أبو داود في "سننه" (باب التشديد في ترك الجمعة) اهـ. قال الإمام بدر الدين العيني في "شرحه على سنن أبي داود" (4/ 371، ط. مكتبة الرشد): [أي: هذا باب في بيان التشديد بالوعيد في ترك الجمعة من غير عذر] اهـ.
وقال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (3/ 1024، ط. دار الفكر): ["من ترك ثلاث جمع" بضم الجيم وفتح الميم جمع جمعة "تهاونًا بها" قال الطيبي: أي إهانة، وقال ابن الملك: أي تساهلًا عن التقصير لا عن عذرٍ "طبع الله"؛ أي: ختم "على قلبه": بمنع إيصال الخير إليه] اهـ.