كلمة "الفقد" حروفها موجعة ووقعها أكثر إيلاما الفقد أذاقني أنواعا كثيرة أحدثها وفاة أختي يوم الأحد الماضي لتختتم بوفاتها عاما فارقا فى حياتي، وأبدأ بدونها عاما جديدا مكسورة الضلع الذى كانت تمثله لى أختى هداية رحمها الله.
الفقد يجعلك إنسانا آخر وأنا من تجاربي الحياتية أجزم بأن مذاقات الفقد مرة كالحنظل؛ وأكثرها مرارة ووجعا فقد الابن، والذى عشته ومازلت اتجرع مرارته وسأظل الى أن أفارق الحياة وألتقى بفلذة كبدى وكل أحبابى السابقين إلى دار الخلد.
أقول أن الفقد من أهم آثاره أن يجعلك لين القلب بصورة مزعجة، فكل شىء يحدث أمامك تجرى عليه دموعك بغزارة ، حتى أتفه الأشياء والتى لم تكن تحرك لك ساكنا مسبقا ستجد نفسك تبكى لمجرد رؤيتها ، ويمتد اللين ليشمل كل شىء؛ جنازات لاتعرف اصحابها ولكنك تبكى لمجرد الاحساس بأن هؤلاء تركوا فقدا لذويهم، حتى الحيوانات اذا وجدتها تتألم تبكى بعفوية ، والأكثر من ذلك اذا رأيت شجرا مقطوعا تبكى لألم اجتزازه وانتزاعه من أصوله، ولكون هذه المزروعات كانت تذكر الله وتسبحه وبقطعها انتقص عدد المسبحين الحامدين.
الفقد ومشاعره المؤلمة أخذنى أخذا لمكان آخر وأناس آخرين ، وهم أهل غزة ومايعانونه منذ ثلاثة أشهر بصفة خاصة من كافة انواع الفقد ومن دمار وخراب ووحشية إسرائيلية مدعومة بترسانة عسكرية أمريكية، ودعم انجلو أمريكى وتخاذل عربي.
معانى الفقد الذى نشعر به نحن لايقارن بما يشعر به الفلسطنيون على مدى عقود بصفة عامة والثلاثة أشهر الآخرين بصفة خاصة، تخيل معى حال من يجد نفسه وحيدا وفقد كافة افراد عائلته فى لحظة مميتة ، وتخيل أكثر وأكثر معاناة من يفقد سنده وداعمه الرئيسى ، مشاهد الدمار فى غزة والفقد يترجمها من يصرخ على أمه التى استشهدت وهى خائفة عليه وتطلب منه قبيل القصف البربري أن يخرج من البيت بحجج واهية فقط؛ لأنها كانت تشعر باقتراب نهايتها ولاتريد لابنها ان يموت معها فهى ترسله إلى مكان ما لم يعلن عنه الشاب المكلوم، فهو فقط يصرخ ويقول " أمى ماتت وهى خايفه علىْ ، آه يامه " فقد آخر ترجمته عيون كهل فلسطينى وهى تنهمر دموعا على احفاده الذين حصدت أرواحهم المدفعية الاسرائيلية الغاشمة.
مشاهد الفقد لاتنتهي، فهاهى أم تحتضن طفلها وتنعيه بكل عبارات الألم والحزن ، وتزاحمها أخرى تلقى نظرات الوداع على كل أولادها ؛ حصاد عمرها وحياتها كلها.
الحديث عن مشاهد الفقد محزن ومؤلم لأن فيه رجالا لم يستطيعوا أن يحبسوا دموعهم ولا صرخاتهم من هول خسائرهم وفقدهم لأغلى مايملكونه، أبناء، زوجات، أمهات، آباء، عائلات بكاملها حذف اسمها من السجل المدنى الفلسطيني، الفقد الفلسطينى مروع جعلنى أتماسك وأثبت بصورة ما على ماكتبه الله علىْ ولى، وأتعجب من قدرة هذه النوعية من البشرية التى لم تجد منذ زرع النبت الاسرائيلى فى أراضيها؛ لم تجد سلاما ولا أمانا ولا أمن، أتعجب من قدرتهم على احتواء معانى الفقد والثبات فى وجه المحتل، ومواصلة المطالبة بالحق فى العيش على ارض وطنه مهما كان فقده وألمه وخسارته.
الفقد على الطريقة الفلسطينية يحمل معانى أخرى غير تلك التى يحملها فى كل اللغات والبلدان العربية والغربية ، الفقد الفلسطينى فقد "عودة " بينما فى أي مكان فى العالم هو فقد فراق أبدى، الفقد الفلسطيني يقابل بالزغاريد لايمانهم بأنه شهيد مدافعا عن عرضه ووطنه، الفقد الآخر يقابل بالعويل والحزن لأنه فقد نوعي وآلامه لا تنتمي لآلام الفاقدين الفلسطينيين.
الفلسطنيون يعلمون الدنيا كلها طريقة جديدة فى التعاطى مع الازمات بصفة عامة والفقد بصفة خاصة؛ فقد استطاعوا بثباتهم وايمانهم ان يرسلوا رسائل إلى العالم الغربى كله بأنهم أهل ثبات وأصحاب عقيدة، الفلسطينيون فى ردة فعلهم الإيمانية على ماأحدثته اسرائيل بهم وببلدهم ، ردة فعلهم المتميزة فى نوعيتها وتعاطيها فتحت باب الدخول إلى الإسلام فى القارة العجوز وبلاد العم سام ايا كانت تقع على مصراعيه، فكل ساعة ويوم يدخل الإسلام الكثيرين والكثيرين الذين دفعهم التعاطى الفلسطينى مع الحزن والفقد الى البحث عن السبب؛ وكانت الإجابة هى الايمان بالله وبقوة الدين الاسلامى الذى يجعل منه ملاذا وحماية من كل المصائب والاهوال الدنيوية ، الفقد الفلسطينى وتجرع مفرداته غير.
الفقد الفلسطينى أصبح مدرسة إيمانية جديدة تؤكد للمحتل أن أصحاب العقيدة لايموتون، وأن الجسد فقط ينهى وظيفتهم على الأرض والروح متصلة بكل ماهو فلسطينى حر ، وبأن أهل الحق منتصرون.. الفقد وان كان موجعا وحزينا الا انه فى الاراضى المحتلة وفى قطاع غزة نبتة بقاء ، وشجرة حرية رسخ طريقها ومنبتها الراحلون والصابرون على آلام الرحيل والوداع.
الفقد الفلسطينى والفقد المصرى نوعان مختلفان وإن اتفقا فى الخواء والفراغ الذى يتركه من يذهبوا بعيدا عنا، ونحن لم نرتوى منهم كفاية ، ولم نحقق ماحلمنا به معا.
لكل المفقودين الرحمة وللفاقدين الصبر ولمن يقرأ ماأكتبه أقول: لتكن على يقين بأن الحياة تسير؛ والدنيا تمضى بنا إلى ما كتبه الله لنا وعلينا.. لله الحمد على ما أعطى وأخذ.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
عربية النواب تطالب العالم بتنفيذ روية مصر وإندونسيا لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة
طالبت لجنة الشئون العربية بمجلس النواب من العالم كله وبجميع دولة ومنظماته بصفة عامة ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة الاسراع فى اتخاذ جميع الإجراءات لتنفيذ رؤية مصر وإندونيسيا لتحقيق أحلام الشعب الفلسطينى الشقيق فى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وزير الصناعة والنقل يبحث مع محافظ كربلاء الاستفادة من الشركات المصرية في مجالات النقل الحضري
وأكد النائب أحمد فؤاد أباظة رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس النواب فى تصريحات للمحررين البرلمانيين اليوم أن القمة التى عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع رئيس جمهورية إندونيسيا برابوو سوبيانتو، الذي يقوم بزيارة رسمية إلى مصر عبرت بكل الصدق والأمانة عن اتجاهات الرأى العام المصرى والإندونيسي والعربى والاسلامى تجاه مختلف القضايا الإقليمية والعربية والعالمية بصفة عامة وتجاه القضية الفلسطينية بصفة خاصة مثمناً عمق العلاقات التاريخية بين البلدين والشعبين الصديقين وبتطلعات مصر نحو تعزيز الشراكة الثنائية مع إندونيسيا في شتى المجالات ذات الاهتمام المشترك، وتكثيف التعاون والتنسيق السياسي إزاء القضايا والأزمات الإقليمية والدولية.
وأشاد النائب أحمد فؤاد أباظة بحرص الزعيمين على بحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة وسوريا ولبنان وتأكيدهما الواضح والحاسم على أهمية مواصلة الجهود للوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية بدون أي قيود وضرورة احترام حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وفقاً للقرارات الشرعية الدولية. وعبرا عن أهمية عودة الاستقرار إلى كل من سوريا ولبنان، وضرورة احترام سيادتهما ووحدة وسلامة أراضيهما.
وكان اللقاء بين الرئيسين السيسى وسوبيانتو قد تناول سبل تعزيز التعاون الثقافي والعلمي، حيث أعرب الرئيس الإندونيسي عن شكره لمصر، قيادةً وشعباً، على الفرص التعليمية التي أُتيحت للطلاب الإندونيسيين على مدار السنوات الماضية في الجامعات المصرية وبالأخص جامعة الأزهر الشريف، وما لذلك من أثر إيجابي على المجتمع الإندونيسي ومساهمته في نشر الفكر الإسلامي الوسطي.
وأكد الرئيس السيسى على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية في مجالات التجارة والاستثمار، والتصنيع وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بالإضافة إلى أمن الغذاء والطاقة المتجددة، معرباً عن استعداد الدولة لتقديم كافة التسهيلات التي تضمن نجاح أعمال الشركات والمستثمرين الإندونيسيين في مصر. من جانبه، أعرب الرئيس الإندونيسي عن تقديره للجهود التي بذلت في مصر لإنشاء بنية تحتية قوية وجاذبة للاستثمارات الأجنبية، مشيراً إلى أهمية زيادة الاستثمارات الإندونيسية في مصر، فضلاً عن إمكانية النظر في إقامة شراكات لتوطين بعض الصناعات.
وفي ختام اللقاء، أعرب الرئيس الإندونيسي عن عميق تقديره لمصر، قيادةً وشعباً، مؤكدًا المكانة الكبيرة والاعتزاز الذي يحمله الشعب الإندونيسي للشعب المصري وللعلاقات التاريخية بين البلدين، مشيداً بالدور التاريخي لمصر في دعم قضايا الأمة الإسلامية والدفاع عن مصالحها