تستمر التحديات التي تواجه الولايات المتحدة حول العالم، حيث تلوح آفاق أزمات أكان ذلك في البحر الأحمر أو أوكرانيا أو أميركا الجنوبية أو أقصى آسيا.

ولعل أحدث هذه التحديات تصعيد إيران ووكلائها باستهداف المصالح الأميركية والإسرائيلية، خاصة تلك التي تستهدف خطوط الشحن في البحر الأحمر حيث نفذ الحوثيون عشرات الهجمات بصواريخ وطائرات مسيرة على السفن التجارية، وحتى قاموا باختطاف سفينة شحن.

وأشار ماثيو كورينغ، خبير ومحلل من "أتلانتك كاونسل" في نقاش عرضته مجلة فورين بوليسي إلى أن "الشحن الدولي" يمثل أهمية قصوى للولايات المتحدة التي جعلت "من حرية الملاحة في أعالي البحار مصلحة أمنية ووطنية حيوية لعقود من الزمن لسبب وجيه".

وأضاف أن إيران تدرك هذا الأمر، وهي تريد استعراض قوتها في تهديد المصالح الأميركية والإسرائيلية، مستفيدة مما يحدث ضمن "إطار عدم الاستقرار الإقليمي".

وكثفت حركة الحوثي في اليمن المتحالفة مع إيران هجماتها على السفن التجارية في البحر الأحمر احتجاجا على الحرب الإسرائيلية على غزة. ونتيجة لذلك أوقفت شركات شحن مختلفة عملياتها واستبدلت مساراتها عبر البحر الأحمر بطريق رأس الرجاء الصالح الأطول حول قارة أفريقيا.

وتعهد الحوثيون بمواصلة الهجمات حتى توقف إسرائيل الصراع في غزة، وهددوا بمهاجمة السفن الحربية الأميركية إذا تم استهدافهم.

"حماية الممرات" الولايات المتحدة ترسل المدمرة يو أس أس لابون ضمن حملة حامي الازدهار في البحر الأحمر

إيما أشفورد، باحثة في مركز ستميسون تقول بدورها للمجلة إن "حماية الممرات جزء أساسي من الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في العالم، وهو الدور الذي غالبا ما تلعبه القوة المهيمنة العالمية، وقد لعبه البريطانيون قبل تراجع دورهم في الخمسينيات".

واستطردت أن "الشيء الوحيد الذي تفعله الولايات المتحدة ولا غنى عنه هو المساعدة في تأمين الممرات البحرية العالمية ضد التهديدات، وهذا يحافظ على تدفق التجارة والطاقة حول العالم، ومن دون ذلك سيتباطأ الاقتصاد العالمي أو حتى يتوقف".

وترى أشفورد أن "البيت الأبيض رغم اهتمامه بالحرب بين إسرائيل وحماس، كان يمتنع عن التدخل بشكل غريب فيما يتعلق بمسألة الأمن البحري"، مشيرة إلى تواجد "مناوشات" محدودة بين البحرية الأميركية والحوثيين.

وقالت: "يبدو أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، متردد في التعامل مباشرة مع الحوثيين خشية التعجيل بالتصعيد لحرب أوسع".

وتعرب أشفورد عن تفاؤلها أن الولايات المتحدة ولا أحد يريد تصعيد حرب شاملة إقليمية في المنطقة، ولكنها ترى إجراءات الردع الأميركية غير كافية لردع الحوثيين عما يقومون به.

ويتفق كورينغ مع هذا الرأي مؤكدا أن الرد الأميركي كان "دفاعيا تماما في هذا المرحلة، فهم يقومون بإسقاط الطائرات المسيرة والصواريخ الحوثية، والرد بإطلاق نار على السفن الحوثين التي تحاول اختطاف السفن، لكن من دون ضرب الحوثيين بشكل مباشر.. وهذا لم يكن كافيا لوقف الهجمات بالوكالة" التي تتعرض لها السفن.

"سنتكوم" قالت إن "هذه هي المحاولة الثانية والعشرون من جانب الحوثيين للهجوم على الملاحة الدولية منذ 19 أكتوبر" (أرشيفية)

ويرى أن "عدم تواجد رد قوي من إدارة بايدن هو ببساطة دعوة لمزيد من العدوان، إذا أرادت أن توقف إيران ووكلاءها، تحتاج واشنطن أن تظهر لهم أنه ستكون هناك عواقب وخيمة لعدوانهم".

وتستدرك أشفورد هنا أن أي "ضربات انتقامية" على الحوثيين يجب أن "تقوض قدرتهم على الهجوم وردع الهجمات المستقبلية على الشحن، ومن مصلحة واشنطن أن تقوم بذلك بطريقة محدودة جدا".

وتقول إن "الدعم الأميركي لإسرائيل في غزة يقوض قدرتها على حماية الشحن" إذ تحاول بعض الدول الأوروبية بالنأي بنفسها عن المشاركة بشكل مباشر في التحالف الذي أنشأته واشنطن لحماية البحر الأحمر "لأنهم يختلفون مع الموقف الأميركي بشأن غزة ويشعرون بقلق بشأن التصعيد الأوسع"، وهذا ما يعني بكلمات أخرى أن "البيت الأبيض يكتشف أن الدعم غير المشروط لإسرائيل له تكاليف في علاقاته مع حلفائه".

وتضيف أشفورد أن "إسرائيل ربما تجاوزت مرحلة الدفاع عن النفس" إذ أنها تعرضت لهجوم "إرهابي" في السابع من أكتوبر من قبل حماس، ما أدى إلى مقتل 1200 مدنيا إسرائيليا، لكن الرد الإسرائيلي حتى الآن أسفر عن مقتل أكثر من 22 ألف فلسطيني أغلبهم من المدنيين، فيما يطرح مسؤولون إسرائيليون أفكارا للتوطين لا تخرج عن سياق أنها "تطهير عرقي بموجب القانون الدولي".

"الخيارات لضربات انتقامية"

وطرح كورينغ بعض الخيارات الانتقامية الأميركية التي يمكن لواشنطن أن تتخذها، مُذكِّرا بتحرك الرئيس الأميركي الأسبق، دونالد ريغان، عندما أغرق عددا من السفن البحرية الإيرانية ردا على تهديدا للشحن الدولي خلال الحرب الإيرانية العراقية، مما ساهم في وقف إطلاق النار بذلك الصراع، إضافة لما فعله الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عندما سمح بضربة استهدفت القيادي العسكري الإيراني، قاسم سليماني، كرسالة لطهران بأنها ستدفع ثمنا باهظا لقتل الأميركيين.

وأضاف أن الولايات المتحدة تحتاج إلى "ضربة انتقامية ضد إيران بالحجم ذاته لدفع إيران للتراجع".

وترى أشفورد أنه قبل أي تحرك يجب على واشنطن "سحب قواتها من العراق وسوريا، لحرمان وكلاء إيران" من استهدافهم بضربات انتقامية.

"حارس الازدهار".. كيف تؤمن الولايات المتحدة البحر الأحمر؟ مع ازدياد التهديدات الحوثية في البحر الأحمر، تتحرك السفن الحربية الأميركية لمواجهة الهجمات المتتالية التي أربكت خطوطا حيوية للشحن البحري.

وحذرت أنه يجب التفكير بمثل هذه الخطوات بشكل معمق إذ يجب النظر لمخاطر التصعيد "بتوسيع نطاق الحرب في غزة إلى صراع إقليمي تجر فيه الولايات المتحدة إلى مستوى عال من التوتر"، داعية واشنطن إلى ضرورة النظر إلى "مصالح الولايات المتحدة وليس ما قد تريده إسرائيل أو إيران.. إذ ليس لواشنطن مصلحة في حرب إقليمية".

ويختلف كورينغ مع هذا الطرح مشيرا إلى أن "القوات الأميركية هي التي تصنع السلام وليس الحرب.. العرض القوي لقوة الولايات المتحدة سوف يفعل الأمر ذاته".

"خطوة ذكية حكيمة" الولايات المتحدة تقود تحالفا للحماية من هجمات الحوثيين . أرشيفية

وردت أشفورد أن التحركات الأميركية التي ذكرت سابقا مثل استهداف ريغان للأسطول الإيراني، تسببت في أضرار لطهران، ولكن الصراع استمر حتى أسقطت الولايات المتحدة طائرة ركاب عن طريق الخطأ، وقرر الجانبان حينها أن الوقت قد حان لخفض التصعيد.

وأضاف أن اغتيال ترامب لسليماني تسبب في ضربات انتقامية إيرانية ضد القوات الأميركية، وهو ما يجعل قاعدة الاستهداف بضربات أو "اغتيال الزعماء ليست بالفكرة الأذكى".

وكررت أشفورد أنه يمكن استهداف "الحوثيين بضربات مُوجَّهة إلى جانب انسحابات من أماكن أخرى"، مؤكدة أن هذا لا "يعتبر ضعفا" لواشنطن إنما هي "خطوة ذكية حكيمة وتعكس المصالح المحدودة والحقيقية التي تمتلكها الولايات المتحدة في حماية النقل البحري".

ميرسك تبعد سفنها عن البحر الأحمر في المستقبل القريب

تسببت الأعمال العدائية التي يشهدها البحر الأحمر بالآونة الأخيرة في صدمة للشركات العالمية التي تنقل البضائع الحيوية، لكنها ليست المشكلة الوحيدة التي تواجهها شركات النقل الكبرى مع بداية عام 2024، بحسب رويترز.

وتقول شركات عملاقة مثل ميرسك إن القطاع الذي يتعامل مع 90 بالمئة من حجم التجارة العالمية يواجه احتمال حدوث اضطرابات ضخمة لأسباب منها الحروب الحالية وحالات جفاف تؤثر على مسارات رئيسية مثل قناة بنما. ومن المرجح ألّا تسير جداول المواعيد المعقدة مثلما هو مخطط لها بالنسبة لسفن الشحن العملاقة وناقلات النفط وسفن نقل البضائع الأخرى خلال العام.

البحرية الأميركية تكشف ما حققه "حارس الازدهار" في البحر الأحمر  كشفت البحرية الأميركية عن حصيلة ما حققه "حارس الازدهار" في البحر الأحمر، وهو التحالف الدولي الذي تم تشكيله قبل أسابيع لردع جماعة الحوثي عن مهاجمة السفن التجارية. 

وسيزيد ذلك من حالات التأخير وسيرفع التكاليف على متاجر البيع بالتجزئة مثل وول مارت وأيكيا وأمازون، بالإضافة إلى مصنعي الأغذية مثل نستله ومتاجر البقالة مثل ليدل.

وانضمت ميرسك، الجمعة، إلى شركات النقل البحري الكبرى في تحويل مسارات سفنها بعيدا عن البحر الأحمر لتجنب هجمات الصواريخ والطائرات المسيرة في المنطقة التي تؤدي إلى قناة السويس الحيوية. ويمر بالمسار أكثر من 10 بالمئة من إجمالي الشحنات البحرية ونحو ثلث تجارة الحاويات عالميا.

وعلى الرغم من أن الناقلات التي تحمل إمدادات النفط والوقود إلى أوروبا تواصل المرور عبر قناة السويس، تحول أغلب سفن الحاويات الناقلة للبضائع مسارها لتدور حول الطرف الجنوبي لأفريقيا إذ تهاجم جماعة الحوثي اليمنية السفن في البحر الأحمر لإظهار الدعم لحركة حماس التي تخوض قتالا مع إسرائيل في غزة.

وتزيد تكاليف الوقود على ملاك السفن إلى ما يصل إلى مليوني دولار لكل رحلة ذهابا وإيابا بعد تغيير المسار بعيدا عن قناة السويس، وقفز السعر الفوري للشحن من آسيا إلى أوروبا لأكثر من مثلي المتوسط في عام 2023 عند 3500 دولار لكل حاوية مقاس 40 قدما. وقد يعني ارتفاع التكاليف زيادة الأسعار على المستهلكين، إلا أن بنك غولدمان ساكس قال، الجمعة، إن صدمة التضخم قد لا تكون أسوأ من فوضى جائحة كوفيد-19 في الفترة من 2020 إلى 2022.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر فی غزة

إقرأ أيضاً:

الصين تصف تايوان بـ”الخط الأحمر” وتنتقد المساعدات العسكرية الأميركية الجديدة للجزيرة

ديسمبر 22, 2024آخر تحديث: ديسمبر 22, 2024

المستقلة/- انتقدت الصين بشدة قرار الولايات المتحدة بتقديم مساعدات عسكرية جديدة لتايوان، ووصفته بأنه انتهاك لسيادة الصين. وأكدت الحكومة الصينية أن تايوان “خط أحمر” وحذرت من أي إجراءات من شأنها تصعيد التوترات.

واحتجت الحكومة الصينية يوم الأحد على أحدث الإعلانات الأمريكية عن المبيعات العسكرية والمساعدة لتايوان، محذرة الولايات المتحدة من أنها “تلعب بالنار”.

أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم السبت تفويضًا بتوفير ما يصل إلى 571 مليون دولار من مواد وخدمات وزارة الدفاع والتعليم العسكري والتدريب لتايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي، والتي تدعي بكين أنها أراضيها وتقول إنها يجب أن تخضع لسيطرتها. بشكل منفصل، قالت وزارة الدفاع يوم الجمعة إنه تمت الموافقة على مبيعات عسكرية بقيمة 295 مليون دولار.

حث بيان لوزارة الخارجية الصينية الولايات المتحدة على وقف تسليح تايوان ووقف ما أسماه “التحركات الخطيرة التي تقوض السلام والاستقرار في مضيق تايوان”.

تهدف المبيعات العسكرية والمساعدة الأمريكية إلى مساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها وردع الصين عن شن هجوم.

تأتي المساعدة العسكرية البالغة 571 مليون دولار بالإضافة إلى تفويض بايدن بمبلغ 567 مليون دولار لنفس الأغراض في أواخر سبتمبر. تشمل المبيعات العسكرية 265 مليون دولار لنحو 300 نظام راديو تكتيكي و30 مليون دولار لـ 16 حامل مدفع.

ورحبت وزارة الخارجية التايوانية بالموافقة على عملية البيع، وقالت في منشور على منصة X إنها أكدت من جديد “التزام الحكومة الأمريكية بدفاعنا”.

في أكتوبر/تشرين الأول، وافقت الولايات المتحدة على مبيعات أسلحة بقيمة 2 مليار دولار إلى تايوان، بما في ذلك التسليم لأول مرة لنظام دفاع صاروخي أرض-جو متقدم، مما أثار انتقادات من الصين أيضًا بينما ردت بكين بتدريبات حربية حول تايوان.

وطالبت تايوان في وقت سابق من هذا الشهر الصين بإنهاء أنشطتها العسكرية المستمرة في المياه القريبة، والتي قالت إنها تقوض السلام والاستقرار وتعطل الشحن والتجارة الدولية.

وقال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إنه لن يلتزم بالدفاع عن تايوان إذا غزتها الصين خلال رئاسته.

وقال ترامب أيضًا إن تايوان يجب أن تدفع للولايات المتحدة للدفاع عنها ضد الصين، مشبهًا العلاقة بالتأمين.

وتنفق تايوان حوالي 2.5٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع.

مقالات مشابهة

  • عملياتُ اليمن البحرية .. لا نهايةَ في الأفق
  • الصين تصف تايوان بـ”الخط الأحمر” وتنتقد المساعدات العسكرية الأميركية الجديدة للجزيرة
  • الحوثي تكذّب الولايات المتحدة.. هكذا سقطت إف 18 فوق البحر الأحمر
  • الأسباب وراء إسقاط مقاتلة أمريكية فوق البحر الأحمر
  • تحطم مقاتلة أميركية في البحر الأحمر بسبب نيران صديقة
  • سقوط طيّارين من البحرية الأميركية فوق البحر الأحمر
  • عن طريق الخطأ.. الجيش الأميركي يعلن إسقاط مقاتلة حربية فوق البحر الأحمر
  • QNB: التضخم في الولايات المتحدة الأميركية يتباطأ في عام 2025
  • السلطات الأميركية تدرس حظر أجهزة الراوتر الصينية في الولايات المتحدة
  • الولايات المتحدة تعقد صفقة مع الشركة المصنعة للطائرة التي رصدت السنوار