اعترافات كيربي... حماس باقية ولا مشكلة لدينا بذلك

لم يتساءل كيربي ولم يسأله أحدٌ عن ماهية الفكرة التي يصعب على العمل العسكري القضاء عليها، مما يستوجب التدخل لاستجلاء غموض الناطق الأميركي.

شعب فلسطين على أتم الاستعداد لخوض "حروب المئة عام القادمة"، إن تطلب الأمر، حتى وإن تخللتها معارك بين الحروب، وتسويات وتهدئات بين الحروب كذلك.

قلة من هؤلاء الغزاة بدأت تدرك أن "حرب المئة عام" على شعب فلسطين لم تفتّ في عضده، وأن رايات المقاومة والحرية والكرامة والاستقلال والتحرير تنتقل شامخة من جيل إلى جيل.

يسجّل لكيربي أنه نطق مرة واحدة بكلمة حق وأن حماس ما زالت تتمتع بكثير من قدراتها بعد 3 أشهر من الحرب وأن العمل العسكري لن يقضي على أيديولوجيتها وفكرتها، وأن بلاده "تتقبل فكرة أن الحركة ستظل موجودة".

* * *

استحقّ جون كيربي أكثر من "جائزة" على أدائه كمتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض خلال أشهر الحرب الثلاثة على غزة، من بينها جائزة إيمي لأفضل عرض تلفزيوني في وقت الذروة، والذروة عنده كانت عندما انهار باكياً لفظاعة صور "الاغتصاب" و"بقر البطون" و"الأطفال المحرّقة أجسادهم والمقطّعة رؤوسهم" في مستوطنات الغلاف في ذلك اليوم الأغر من أكتوبر.

لكن الرجل، والحق يقال، استحق ولوج موسوعة "غينيس" من أوسع فصولها، بوصفه أكبر كذّاب في العام الفارط. كل تلك "المهارات" ستُضاف إلى سيرته الذاتية عندما يشرع في البحث عن عمل جديد بعد خروج إدارته من البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير.

لكن مع ذلك، يسجّل للرجل أنه نطق لمرة واحدة بكلمات حق، أمس، عندما قدّم تقييماً لمسار الحرب الإسرائيلية على غزة، وهي تختتم شهرها الثالث، جاء فيه أن حماس ما زالت تتمتع بكثير من قدراتها بعد ثلاثة أشهر من الحرب، وأن العمل العسكري لن يقضي على أيديولوجيتها وفكرتها، وأن بلاده "تتقبل فكرة أن الحركة ستظل موجودة".

المسؤول عن الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض كان من حيث يدري أو لا يدري قد رسم سقفاً لما يمكن لـ"إسرائيل" وآلة الحرب الأميركية أن تنجزانه في "عدوانهما الثلاثي" على قطاع غزة: إضعاف حماس عسكرياً، كمصدر تهديد لأمن "إسرائيل"، وليس استئصالها واجتثاثها، كما تنافح قادة تل أبيب وواشنطن للقول غداة السابع من أكتوبر.

لم يتساءل كيربي، ولم يسأله أحدٌ من الصحافيين، عن ماهية الفكرة/الأيديولوجيا التي يصعب على العمل العسكري القضاء عليها، الأمر الذي يستوجب التدخل لاستجلاء غموض الناطق الأميركي.

إنها أيها السادة فكرة "المقاومة الوطنية – الإسلامية" التي قدمت حماس نموذجاً متقدماً لها في طوفان الأقصى، والتي أخذت تتردد في جنبات كل المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية، وتخترق وعي و"لاوعي" جيل من الفلسطينيين يتحضّر لأخذ زمام المبادرة واستلام الراية من الأجيال التي سبقته، وهو جيل ممتد من الوطن المحاصر والمحتل إلى عوالم المنفى والشتات.

ليس متوقعاً أن يقول كيربي إن طوفان الأقصى، وبقدر ما كان "كيّاً للوعي الإسرائيلي"، كان بمنزلة الشرارة التي أشعلت سهلاً في عقول وقلوب وضمائر الفلسطينيين على اختلاف أماكن وجودهم، إذ باتوا أكثر ثقة ويقيناً بإمكانية النصر على عدوهم، وأكثر استعداداً للتضحية والابتكار والإبداع في ميادين المقاومة بأشكالها المختلفة، بعدما استعادوا التوازن، واستردوا البوصلة التي كادوا يفقدونها بعد 3 عقود عجاف من التيه في دهاليز أوسلو والتنسيق الأمني والمفاوضات العبثية.

نجدنا مجبرين على تدعيم حجج كيربي فيما ذهب إليه، فالأرجح أن فارق التوقيت وانشغالات الرجل حالت دون قراءة وتمحيص التقارير التي جاءته من الضفة الغربية بمختلف مدنها ومخيماتها وقراها بعد استشهاد العاروري، حين اتشحت بأعلام حماس، وصدحت حناجر عشرات الآلاف من أبنائها وبناتها بالهتاف للشهيد والكتائب...

لقد أرادوا إخراج حماس من غزة، فإذ بها تدخل الضفة الغربية برغم أنف الاحتلال والتنسيق الأمني، ومن أوسع أبوابها. لقد جاء فشلهم "مزدوجاً ومدوياً"، فحماس لم تخرج من غزة، وما زالت تتوفر على مقدرات كبيرة، كما قال كيربي.

وقد دخلت الضفة التي لم تغادرها أصلاً، ولكن دخول الفاتحين هذه المرة، فكانوا كالمنبت، لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. أما حماس، فباقية وتتمدد، وسيُبنى على الشيء مقتضاه، شاء من شاء وأبى من أبى، وتصريحات كيربي "حنجلة"، "والرقص أوله جنجلة"، كما تعلمون.

كل شيء تفعله "إسرائيل" ينتهي إلى نقيضه... اجتاحت قطاع غزة بعد "ضربة القرن"، فتلقنت دروساً في الصمود والثبات والبسالة والإبداع المقاوم. استباحت الضفة الغربية عن بكرة أبيها، فرفرت رايات حماس على بعد أمتار قلائل من "المقاطعة" ومعاقل "التنسيق الأمني" وتحت أنظار وأسماع "الجيش الذي قُهر في 7 أكتوبر" وقطعان المستوطنين وميليشياتهم.

لقد ظنّوا أنهم باستهدافهم القائد الحمساوي – القسامي سيقطعون رأس حماس أو أحد رؤوسها الكبيرة، ونسوا أن أجيالاً من الفلسطينيين تربت على قصائد محمود درويش الذي غادرهم بجسده، فيما روحه ما زالت ترفرف فوق رؤوسهم في الساحات والميادين والأنفاق والخنادق: "وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل"...

لقد ارتضوا بالتقاط صورة من الضاحية الجنوبية واقتناص لحظة ألم وحزن على فراق القائد الشهيد وصحبه، لكن حساباتهم كالعادة كانت قصيرة النظر، فلم يتنبهوا إلى حقيقة أن دماء الشهداء ستملأ سهول فلسطين ووديانها وجبالها، بالسنابل، وأن كل جيل من القادة يأتي يبني على ما انتهى إليه من سبقه، ولا يبدأ من نقطة الصفر، وأن كل جيل جديد من الفلسطينيين يكون أكثر استمساكاً بحقوقه وهويته، وبأساً وصلابة في مقاومته، وإبداعاً وابتكاراً في طرق تفكيره وإدارته للصراع مع عدو وجودي وضع بنفسه المعادلة قبل الطوفان وبعده: نحن أو هم.

قتلوا الجعبري والعيّاش، فجاءهم الضيف ومروان عيسى. قتلوا الرنتيسي فجاءهم يحيى السنوار... دخلوا إلى بيروت عام 1982، فخرجوا من الجنوب بلا قيد ولا شرط في 2000. أنهوا التهديد الذي شكلته منظمة التحرير من لبنان، فجاءهم تهديد أكبر مع صعود المقاومة الوطنية وحزب الله...

استباحوا الضفة بعد اغتيال ياسر عرفات وفي أيامه الأخيرة، فخرجت إليهم من كل مدينة ومخيم الكتائب والسرايا و"الأسود من عرينها"، وبات يتعين عليهم احتلال الضفة مرة واحدة على الأقل، في كل أسبوع، من أجل "إزالة التهديد".

اعتمدوا العملاء والمتعاونين من بدايات احتلالهم، فكانت النتيجة سقوط هؤلاء تحت أقدام المنتفضين والمقاومين والشرفاء من أبناء شعب فلسطين في القرى والمدن وأبناء العشائر، تماماً مثلما سقطت دويلة الشريط الحدودي العميلة، وأُلقي برموزها في سلال القمامة، وطاردتهم لعنات شعبهم جيلاً بعد جيل.

قلة من هؤلاء الغزاة فقط بدأت تدرك أن "حرب المئة عام" التي شنّت على الشعب الفلسطيني لم تفتّ في عضده، وأن رايات المقاومة والحرية والكرامة والاستقلال والتحرير تنتقل شامخة من جيل إلى جيل، وأن شعب فلسطين على أتم الاستعداد لخوض "حروب المئة عام القادمة"، إن تطلب الأمر، حتى وإن تخللتها معارك بين الحروب، وتسويات وتهدئات بين الحروب كذلك.

*عريب الرنتاوي مدير مركز القدس للدراسات السياسية

المصدر | الميادين نت

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فلسطين حماس أمريكا كذاب جون كيربي المقاومة الفلسطينية الحرب على غزة طوفان الأقصى حرب المئة عام العمل العسکری شعب فلسطین بین الحروب المئة عام ما زالت

إقرأ أيضاً:

ما قصة الأسيرة بيباس التي كادت جثتها أن تهوي باتفاق وقف إطلاق النار؟

في خضم عملية تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والاحتلال الإسرائيلي، برزت قصة الأسيرة الإسرائيلية شيري بيباس، التي أثارت عملية تسليم جثمانها جدلا واسعا وكادت أن تعصف باتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وكانت شيري بيباس قد أُسرت مع زوجها ياردن وطفليها كفير وأرئيل خلال عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث نُقلوا جميعا إلى قطاع غزة، قبل أن يتم الإفراج عن الزوج لاحقا ضمن صفقات التبادل السابقة.

وكشفت مصادر في المقاومة الفلسطينية أن شيري كانت تعمل في مكتب قائد المنطقة الجنوبية في فرقة غزة، وأنها كانت متدربة في الوحدة 1200، مما يشير إلى ارتباطها بالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

ووفقا لما ذكرته حركة حماس، فقد تم تأمين الأسيرة وطفليها في منزل محصن مع توفير الاحتياجات اللازمة لهم، لكن القوات الإسرائيلية استهدفت المنزل بصاروخ من طائرة "إف-16″، مما أدى إلى تدميره بالكامل ومقتلهم.

وأكدت الحركة حينها أنها حاولت الحفاظ على حياة الأسرى بكل الطرق، واتهمت إسرائيل بالتعامل بوحشية مع جميع أهالي القطاع ومعهم الأسرى، مشيرة إلى أنها كانت تأمل في عودة بيباس وطفليها أحياء، لكن القصف الإسرائيلي حال دون ذلك.

إعلان

وتحولت قضية بيباس إلى نقطة خلاف كادت أن تعصف باتفاق وقف إطلاق النار، بعد أن تبين أن الجثمان الذي سلمته كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- الخميس الماضي كان لسيدة فلسطينية وليس للأسيرة الإسرائيلية.

وسرعان ما تداركت كتائب القسام الموقف بتسليم الجثمان الصحيح للصليب الأحمر، في خطوة أكدت من خلالها جديتها في تنفيذ الاتفاق، رغم الظروف الصعبة التي رافقت عملية البحث عن الجثامين في المناطق المدمرة بفعل القصف الإسرائيلي.

ملابسات الحدث

في هذا السياق، أشار مراسل الجزيرة تامر المسحال إلى أن المكان الذي تعرض للقصف الإسرائيلي الذي أودى بحياة الأسيرة شيري بيباس وطفليها دُمّر بالكامل وتحولت الجثث إلى أشلاء.

وأوضح المسحال أنه تم الذهاب مجددا إلى المقبرة، حيث أُعيد البحث عن بقايا جثمان شيري بيباس في الموقع ذاته، ليتم العثور على الأشلاء وتسليمها إلى الصليب الأحمر ومن ثم إلى الجانب الإسرائيلي.

وأكد أن هذه الخطوة عكست جدية حماس والمقاومة الفلسطينية في تجاوز أي عثرات أو خلافات تتعلق بتنفيذ الاتفاق، وعدم إعطاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي مبرر للهروب من التزاماته بموجب الاتفاق.

وأشار المراسل إلى أن الاتفاق كان ينص على منح الجانب الإسرائيلي 48 ساعة لفحص الحمض النووي (DNA) بعد تسليم الجثامين، ومن ثم تقديم قائمة الأسرى الذين سيتم الإفراج عنهم مقابل الجثث.

لكن نتيجة الخلل الذي حدث، تأخر تسليم قائمة الأسرى الفلسطينيين من النساء والأطفال الذين كان من المفترض الإفراج عنهم مقابل الجثث، ما أدى إلى عرقلة تنفيذ المرحلة التالية من الاتفاق.

كما أشار إلى أن المقاومة الفلسطينية طلبت رسميا إعادة جثمان السيدة الفلسطينية التي اختلطت أشلاؤها بجثامين الأسرة الإسرائيلية خلال عمليات البحث، وسط إصرار من حماس على استعادة الجثمان خلال الساعات القادمة.

إعلان

من جانبها، وجهت عائلة بيباس انتقادات حادة لنتنياهو، متهمة إياه بالتخلي عنهم خلال عملية "طوفان الأقصى" وفشله في إعادتهم سالمين إلى ذويهم.

وقالت عوفري بيباس، شقيقة الزوج المحرر، في بيان باسم العائلة "كان من مسؤولية إسرائيل وواجبها إعادتهم أحياء"، مضيفة "لن نسامح على التخلي عنهم في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولن نسامح على التخلي عنهم في الأسر".

مقالات مشابهة

  • موتوا بغيظكم المقاومة باقية... قاسم: سنشارك في بناء الدولة القويّة
  • أخبار العالم | نتنياهو يعلن تأجيل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.. وبريطانيا تعتزم فرض عقوبات جديدة على روسيا.. و«ترامب»: مشكلة الهجرة غير الشرعية «انتهت»
  • لدينا أفضل حدود في التاريخ.. «ترامب»: مشكلة الهجرة غير الشرعية «انتهت»
  • الشيخ دعموش: غداً يوم تجديد العهد ومقاومتنا باقية
  • ما قصة الأسيرة بيباس التي كادت جثتها أن تهوي باتفاق وقف إطلاق النار؟
  • نائب :فساد كبير في عقارات الدولة والنجف وتم تشكيل مجالس تحقيقية بذلك
  • عاجل. نتنياهو: الجثة التي أُعيدت تعود لامرأة من غزة
  • الجيش الإسرائيلي: إحدى الجثث التي سلمتها حماس لا تعود لأي رهينة
  • خلال احتجازها بغزة| مجندة إسرائيلية تكشف اعترافات صادمة حول معاملتها من مقاتلي حركة حماس
  • إسرائيل تؤكد هوية أحد الجثامين التي استلمتها من حماس