في أعين المخلوقات الحية تعيش لمحات الطبيعة بكامل تفاصيلها، فنجد حين النظر إليها امتزاج هذه التفاصيل في أبهى صورها، لما تضمه هذه الأعين من لوحات فنية تشكل رسومًا بديعة وصورًا حية ملتقطه من أعالي السماء إلى قلب الأرض، تمثل فيها مناظر للأودية والتلال وسفوح الجبال والبحيرات المائية وغيرها، لتؤكد من خلالها قدرة الله سبحانه وتعالى وتجليه في تفاصيل مخلوقاته.

ويمتلك كل مخلوق شكل بؤبؤ مختلف عن الحيوانات الأخرى، فهناك تنوع كبير في الشكل، إما أن يكون عموديًا أو أفقيًا، وهي تعني في شكل البؤبؤ أن فصيلة الحيوان فريسة أم مفترس من آكلات الأعشاب أو آكلات اللحوم، وتختلف قدرة هذه الأعين على رؤية الأشياء والألوان، حيث تمنح حدقات الأعين الأفقية الحيوانات العاشبة رؤية بانوراميه لمحيطها، تساعد على رؤية الحيوانات المفترسة القادمة، وعلى تجنب العقبات أثناء هروبها، وفي الوقت نفسه تمتلك الحيوانات المفترسة حدقات عمودية لتحقيق أقصى قدر من الرؤية الليلية.

وتتميز أعين الحيوانات بأفضلية وغرابة, ليست كأعين الإنسان، وتتمتع بمزايا عكس الإنسان أثناء النظر المباشر، حيث إن الإنسان ينظر مباشرة إلى الشيء الذي يود رؤيته، أما عن الحيوانات فحاستها موزعة بطريقة أكثر توازنًا؛ فهي ترى جيدًا كل شيء يقع في حقل رؤيتها، وتمكنها من رؤية ما يحيط بها من جميع الجهات دون أن تضطر إلى الالتفات إلى الوراء، وتسمح أعينها برؤية ما يجري خلفها وبعين واحدة فقط كما ترى أمامها بالعين الأخرى.

وأوضح لـ "واس" الأستاذ المساعد في قسم الأحياء بيئة حيوانية بجامعة الطائف الدكتور محمد المالكي، أن اختلاف الأعين من الشكل العمودي (الرأسي) إلى الشكل الأفقي أو المستدير لبؤبؤ, يقود إلى التساؤل عن أسباب هذا الاختلاف والأهداف, التي تخدمها هذه الأشكال المختلفة، مشيرًا إلى أن هناك دراسة علمية نشرت عام 2015 في مجلة (Science Advances) ركزت على الحيوانات البرية فقط وعلى ثلاثة أشكال من بؤبؤ العين (العمودي والأفقي والمستدير) حيث قام الباحثون من خلال هذه الدراسة بجمع بيانات من 214 نوعًا من الحيوانات البرية وقاموا بالتركيز على شكل بؤبؤ العين وموقع العيون على الرأس، إضافةً إلى نمط حياة الحيوان في كونه مفترس أو فريسة، وما إذا كان نهاري النشاط أم ليلي النشاط، حيث خلصت نتائج هذه الدراسة إلى وجود علاقة قوية بين شكل حدقة العين (البؤبؤ) في أعين الحيوانات ونمط معيشتهم، فالبؤبؤ المستدير للكائنات أو الحيوانات المفترسة مثل الذئاب والكلاب والقطط الكبيرة (كالأسود والنمور والفهود) غالبًا ما تميل إلى أن تكون مفترسة تقوم بمطاردة فرائسها بنشاط خلال فترة النهار (نهاري النشاط) ويميل هذا الشكل للعين عادة إلى أن تكون سمة من سمات الحيوانات المفترسة كبيرة الحجم، التي بشكل عام ما تكون ذات أعين مرتفعة عن الأرض.

وأضاف أن الأعين المستديرة لا توفر رؤية واسعة ولكنها توفر إدراكًا جيدًا للعمق، مما يعني أنها جيدة في تحديد المسافة بين الأشياء، حيث أن الإدراك الجيد للعمق أمرًا حيويًا بالنسبة للحيوانات المفترسة، لأنها تحتاج إلى الصيد أكثر من البقاء في حالة تأهب ضد الحيوانات المفترسة، وسبب ذلك يعود إلى أنها من المفترسات العليا, التي قد لا يوجد لها مفترسات طبيعية، لهذا فإن الرؤية المحيطية الجيدة ليست ضرورية لهذا النوع من الحيوانات المفترسة، حيث لا يوفر البؤبؤ المستدير الرؤية الدقيقة التي تتمتع بها بعض أشكال البؤبؤ الأخرى للكائنات، ولكن يتم تعويض ذلك من خلال حجم هذه الكائنات قوتها، والميل إلى الصيد في مجموعات، أو ذكاء الحيوان، والتي تساعدها في التغلب على أي مشكلة مرتبطة بمحدودية مجال الرؤية.

وذكر الدكتور المالكي أن الحيوانات ذات البؤبؤ العمودي (الرأسي) التي تمتلك بؤبؤاً عمودياً كالقطط الصغيرة والثعالب والتماسيح، هي لحيوانات مفترسة ولكنها أصغر حجمًا، ولا تصطاد مثل الحيوانات المفترسة الكبيرة، بل تميل إلى استخدام تقنيات الترصد "التربص" (الذي ينتظر الفريسة حتى تقترب فينقض عليها بشكل مفاجئ) حيث تصطاد بالقرب نسبيًا من الأرض، ومن المحتمل جدا أن تكون هذه المفترسات نشطة ليلًا ونهارًا، حيث يمكنها البؤبؤ العمودي على اختيار توسيع حجم حدقة العين بالاعتماد على مقدار الضوء الموجود في المكان، مما يعد تكيفًا للحيوانات المفترسة التي تميل إلى الصيد أثناء الليل، ويساعدها اختلاف البؤبؤ العمودي إلى التركيز بشكل كبير جدًا على الفريسة و تحسين دقة الهجوم.

وشرح خلال حديثه عن نوع البؤبؤ الأفقي الذي يظهر في الحيوانات العاشبة من الفرائس مثل الأغنام والماعز والخيول والإبل والغزلان وغيرها، حيث يوفر لها هذا النوع من البؤبؤ مجال رؤية واسع جدًا لمحيطها (بمعنى أنه يمكنها من الحصول على رؤية بانوراميه لمحيطها) بحيث يسهل عليها اكتشاف التهديدات المحتملة والحيوانات المفترسة الموجودة في محيطها، حيث أن أعين هذه الحيوانات تقع على جانبي الرأس وليس في مقدمة الرأس، وبالتالي يتيح لها هذا الوضع إلى جانب البؤبؤ الأفقي الحصول على رؤية أمامية وخلفية لمحيطها دون الاضطرار إلى تحريك رؤوسها كثيرًا، ومنظورًا أفضل على الأرض وما حولهم، حتى يتمكنوا من رؤية مكان الرعي وكذلك الهروب من أي حيوانات مفترسة بسرعة أكبر.

المصدر: صحيفة عاجل

كلمات دلالية: الحیوانات المفترسة على رؤیة إلى أن

إقرأ أيضاً:

الشجاعة التي انتظرت طويلا

اختصر المتحدث باسم حماس أسامة حمدان في منتدى الجزيرة بالدوحة الأمر على كل التخرّصات: "نحن منتصرون ونحكم ومن رغب أن يكون وكيلا للعدو سيعامل معاملة وكيل العدو". ثم ختم: "أمر الطوفان ونتائجه تحتاج فقط شوية شجاعة".

يمكننا كتابة مقالات كثيرة في وضوح العبارة عند قيادات حماس وقدرتها على التعبير عن مواقفها وخططها ولكن ليس هذا موضوع الاهتمام، هنا نرغب أن نقول: تلك الشجاعة التي انتظرت طويلا أمر عسير على قوم تربوا على أن العدو الصهيوني قدر إلهي سلط عليهم فصار احتماله جزءا من الإيمان بالقدر، وصار وجوده شرط وجود وبقاء للأنظمة التي أعانت على غزة ولا تزال تقاول لتحل وكيلا للعدو. الخيال يا أسامة.. الخيال الذي يرى النصر فيبني عليه كما فعل إخوتك؛ ينقص هؤلاء القوم. كيف يُصنع الخيال المنتصر؟ هذا مصنع لا وجود له خارج غزة.

بلا فلسفة بلا بطيخ

هذه ليست دروسا فلسفية للمقاتل إنما هي تذكير. بحسبة بسيطة لا تحتاج خبراء الاستراتيجيا خاصة أولئك الذين يظهرون في التلفزيونات لملء فراغات الأخبار؛ حرب الطوفان صفعت العدو صفعة أذهبت عقله فهو مذهول. هذا معطى وقع بين أيدي الأنظمة العربية وبالمجان، فلم تدفع فيه فلسا واحدا ولا جنديا صغيرا، قدمته لهم حماس من غزة وتكفلت بالثمن وحدها. ويفترض نظريا أن يستغلوا الضربة الذي أذهبت عقل العدو فيضغطون عليه ما يخدمهم في أقطارهم قبل أن يخدم حماس وجمهورها الماكث في العراء جائعا حافيا.

دعنا نتظاهر بتصديق دعواهم أن الكيان عدو لا يمكن أن يكون صديقا، وأن اتفاقيات السلام كانت ضرورة لتحييده وكف أذاه.. هذا الكيان الآن في وضع هشاشة كبير عسكريا وأخلاقيا، وهناك وعي عالمي بطبيعته العنصرية وقد فقد الكثير من الأنصار، وهذا ظرف مناسب للضغط عليه. ولا نتحدث عن حرب أو تحريك قوات، بل عن التصرف باتجاه المقاومة بما يوسع أثر انتصارها ويشد أزرها في محلها الغزاوي وفي جوارها القطري، أي أن لا تسلك الأنظمة مسلك من يحاول إنقاذ العدو.

إنه وقت مناسب لابتزاز العدو وابتزاز داعميه والتلدد في كل فعل يساعدهم على البقاء في وضع القوة والهيمنة على المنطقة وقدراتها البشرية والمادية، والنتيجة لصالح الأنظمة قبل أن تكون لصالح المقاومة التي قاومت بفقرها مستغنية عن الأنظمة. لنبسطها على طريقة عباس المخذول؛ اطلبوا ثمنا أعلى لهوانكم فقد قدمت لكم حماس وغزة وسيلة، وهنا أعني نظامي الجوار القريب قبل البعيد. لماذا هذه الذلة بلا ثمن؟ الأمر لا يحتاج فلسفة سياسية، إنه سوق مواقف ومكاسب والأرض مهيأة لطلب المزيد، اطلبوا فالعدو مكسور.

لن يطلبوا نصرا من أثر نصركم ولا حتى مكاسب محلية، لا يمكنهم تخيل العالم وليس فيه كيان غاصب يذلهم ويستهين بكرامتهم فيعاملهم معاملة العبيد الآبقين أمام المدفأة. إنهم لا يشعرون بالإهانة لأنهم يفتقدون إلى الكرامة، لا يشعرون بالذل عندما يرون شعوبهم جائعة ومفقرة ومقموعة. العكس تماما، إن ذلة شعوبهم تسعدهم، لذلك يستطيبون ما يفعله بهم عدوهم الذي لا يمس سلامة أجسادهم بل يحميهم من شعوبهم ويسمح لهم بمتع الحكم.

لا يمكن لخيالهم أن يذهب خارج هذا الموقع المريح لهم فيرون شعوبا حرة وقوية ومستقلة عن كل اضطهاد، ويرون أنفسهم حكاما محبوبين ومرحب بهم في الساحات دون حراسة، يحكمون بما يرضي شعوبهم فيسعَدون ويُسعِدون (هذه اسمها الديمقراطية، وقد طرقت أبوابهم فنفوها عنهم كما ينفى البعير الأجرب).

خيالهم رفض الديمقراطية ذات ربيع عربي وخيالهم يرفض نصر الطوفان؛ لأن جميع هذه الوقائع تنتهي بالحريات وامتلاك القوة السياسية في مواجهة العالم، خيالهم يذهب فقط في إعادة أسباب ذلتهم بنصرة العدو على المقاتل المنتصر المزعج.

إن خيالهم القاصر يملي عليهم: "كيف لهذا المقاتل أن يغير الخريطة؟ لا حق له في ذلك". لقد استقر الوضع لهم وهذا المقاتل جاء يعيد تفكيك الصورة ليعيد تركيبها على قواعد المنتصرين، إنهم يرفضون ذلك لأنهم عاجزون عن تخيل ما وراءه. هذا الخيال غائب، وهو غائب أيضا عند الشعوب التي نصرتكم من وراء الحواسيب.

لا تثقوا في حواسيبنا الجديدة

نحن الشعوب ضمائرنا مرتاحة بفضل أدعيتنا الكثيرة، بعضنا تقدم خطوة بالمساعدة المادية وهو جهد المقل المشكور، لكن خيالنا لم يذهب إلى أبعد من ذلك أفرادا جماعات سياسية. لقد تجلت لنا صورة سابقة كفيلة بنصرتكم لكننا تخلينا عنها، وهي صورة الشعوب المحكومة بالديمقراطية.

توجد خامة شعبية تنصفكم من عدوكم، وأنتم تتحسسونها في كل مكان وفي كل حدث لكنها خامة قاصرة عن الربط بين الحرية والديمقراطية والتحرير. لقد قامت دوما في الشارع مع القضية قضيتكم (قضيتهم)، ولكنها قامت أيضا وبغباء عجيب ضد حرياتها فناصرت كل فعل مضاد للحرية، ويمكن أن تقدم أمثلة عجيبة في تناقضها عن "مواطن" عربي يمجد الدكتاتورية في بلاده وهو يرى دكتاتور بلاده يراود العدو ليحكم، وفي ذات الوقت يخرج هذا الموطن في مظاهرة لنصرة غزة، ولو قلت له إن تحرير فلسطين يمر أولا بتحرير بلدك من القهر والظلم لا تهمك في عقلك.

هذا المواطن الذي لم يصر مواطنا لهشاشة وعيه بحريته لا يمكن الاعتماد عليه، لأنه مواطن بعقل قاصر، لأنه مواطن بلا خيال ولا يتعلم من كل هزائمه ومن كل انتصارات الفلسطيني.

هذه الحالة العامة من قصور الخيال السياسي هي حالة عربية عامة لم يعالجها قرن من الكتابة والتربية المدرسية على قول شوقي "وللحرية الحمراء باب"، لقد حفظناها جميعا كأنشودة مدرسية ولكنها لم تنتج عندنا روحا مقاومة. وحدها غزة صنعت خيال النصر فانتصرت.. إنه خيال يعوز العرب شعوبا وحكاما، والمعركة لا تزال طويلة.

مقالات مشابهة

  • ماسك لزيلينسكي: لقد اسقطت نفسك من أعين الشعب الأمريكي
  • دول العالم تتوصل لاتفاق على تمويل جهود حفظ الطبيعة
  • دار الإفتاء: نحن الجهة الوحيدة التي تعلن رؤية هلال رمضان
  • الشجاعة التي انتظرت طويلا
  • أرادَ تبيع مجتمع مَسار 2 الجديد في ربوع الطبيعة بالشارقة بقيمة 5.6 مليار درهم بعد 3 ساعات فقط من إطلاقه
  • سارة الأميري: "اليوم الإماراتي للتعليم" رسالة تجسد رؤية القيادة الملهمة
  • سوريا.. إنتاج 5 ملايين من حشرة "أسد المن" المفترسة
  • تحاكي حركة الحيوانات المنوية!.. روبوتات صغيرة لعلاج الخصوبة وتوصيل الأدوية
  • تايوان تعلن الاستنفار بعد إعلان الصين عن تدريبات بالذخيرة الحية
  • تايوان تستنفر قواتها بعد تدريبات صينية بالذخيرة الحية