أعين الحيوانات.. لمحات بديعة تجسد الطبيعة وتضاريسها الحية في أبهى صورها
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
في أعين المخلوقات الحية تعيش لمحات الطبيعة بكامل تفاصيلها، فنجد حين النظر إليها امتزاج هذه التفاصيل في أبهى صورها، لما تضمه هذه الأعين من لوحات فنية تشكل رسومًا بديعة وصورًا حية ملتقطه من أعالي السماء إلى قلب الأرض، تمثل فيها مناظر للأودية والتلال وسفوح الجبال والبحيرات المائية وغيرها، لتؤكد من خلالها قدرة الله سبحانه وتعالى وتجليه في تفاصيل مخلوقاته.
ويمتلك كل مخلوق شكل بؤبؤ مختلف عن الحيوانات الأخرى، فهناك تنوع كبير في الشكل، إما أن يكون عموديًا أو أفقيًا، وهي تعني في شكل البؤبؤ أن فصيلة الحيوان فريسة أم مفترس من آكلات الأعشاب أو آكلات اللحوم، وتختلف قدرة هذه الأعين على رؤية الأشياء والألوان، حيث تمنح حدقات الأعين الأفقية الحيوانات العاشبة رؤية بانوراميه لمحيطها، تساعد على رؤية الحيوانات المفترسة القادمة، وعلى تجنب العقبات أثناء هروبها، وفي الوقت نفسه تمتلك الحيوانات المفترسة حدقات عمودية لتحقيق أقصى قدر من الرؤية الليلية.
وتتميز أعين الحيوانات بأفضلية وغرابة, ليست كأعين الإنسان، وتتمتع بمزايا عكس الإنسان أثناء النظر المباشر، حيث إن الإنسان ينظر مباشرة إلى الشيء الذي يود رؤيته، أما عن الحيوانات فحاستها موزعة بطريقة أكثر توازنًا؛ فهي ترى جيدًا كل شيء يقع في حقل رؤيتها، وتمكنها من رؤية ما يحيط بها من جميع الجهات دون أن تضطر إلى الالتفات إلى الوراء، وتسمح أعينها برؤية ما يجري خلفها وبعين واحدة فقط كما ترى أمامها بالعين الأخرى.
وأوضح لـ "واس" الأستاذ المساعد في قسم الأحياء بيئة حيوانية بجامعة الطائف الدكتور محمد المالكي، أن اختلاف الأعين من الشكل العمودي (الرأسي) إلى الشكل الأفقي أو المستدير لبؤبؤ, يقود إلى التساؤل عن أسباب هذا الاختلاف والأهداف, التي تخدمها هذه الأشكال المختلفة، مشيرًا إلى أن هناك دراسة علمية نشرت عام 2015 في مجلة (Science Advances) ركزت على الحيوانات البرية فقط وعلى ثلاثة أشكال من بؤبؤ العين (العمودي والأفقي والمستدير) حيث قام الباحثون من خلال هذه الدراسة بجمع بيانات من 214 نوعًا من الحيوانات البرية وقاموا بالتركيز على شكل بؤبؤ العين وموقع العيون على الرأس، إضافةً إلى نمط حياة الحيوان في كونه مفترس أو فريسة، وما إذا كان نهاري النشاط أم ليلي النشاط، حيث خلصت نتائج هذه الدراسة إلى وجود علاقة قوية بين شكل حدقة العين (البؤبؤ) في أعين الحيوانات ونمط معيشتهم، فالبؤبؤ المستدير للكائنات أو الحيوانات المفترسة مثل الذئاب والكلاب والقطط الكبيرة (كالأسود والنمور والفهود) غالبًا ما تميل إلى أن تكون مفترسة تقوم بمطاردة فرائسها بنشاط خلال فترة النهار (نهاري النشاط) ويميل هذا الشكل للعين عادة إلى أن تكون سمة من سمات الحيوانات المفترسة كبيرة الحجم، التي بشكل عام ما تكون ذات أعين مرتفعة عن الأرض.
وأضاف أن الأعين المستديرة لا توفر رؤية واسعة ولكنها توفر إدراكًا جيدًا للعمق، مما يعني أنها جيدة في تحديد المسافة بين الأشياء، حيث أن الإدراك الجيد للعمق أمرًا حيويًا بالنسبة للحيوانات المفترسة، لأنها تحتاج إلى الصيد أكثر من البقاء في حالة تأهب ضد الحيوانات المفترسة، وسبب ذلك يعود إلى أنها من المفترسات العليا, التي قد لا يوجد لها مفترسات طبيعية، لهذا فإن الرؤية المحيطية الجيدة ليست ضرورية لهذا النوع من الحيوانات المفترسة، حيث لا يوفر البؤبؤ المستدير الرؤية الدقيقة التي تتمتع بها بعض أشكال البؤبؤ الأخرى للكائنات، ولكن يتم تعويض ذلك من خلال حجم هذه الكائنات قوتها، والميل إلى الصيد في مجموعات، أو ذكاء الحيوان، والتي تساعدها في التغلب على أي مشكلة مرتبطة بمحدودية مجال الرؤية.
وذكر الدكتور المالكي أن الحيوانات ذات البؤبؤ العمودي (الرأسي) التي تمتلك بؤبؤاً عمودياً كالقطط الصغيرة والثعالب والتماسيح، هي لحيوانات مفترسة ولكنها أصغر حجمًا، ولا تصطاد مثل الحيوانات المفترسة الكبيرة، بل تميل إلى استخدام تقنيات الترصد "التربص" (الذي ينتظر الفريسة حتى تقترب فينقض عليها بشكل مفاجئ) حيث تصطاد بالقرب نسبيًا من الأرض، ومن المحتمل جدا أن تكون هذه المفترسات نشطة ليلًا ونهارًا، حيث يمكنها البؤبؤ العمودي على اختيار توسيع حجم حدقة العين بالاعتماد على مقدار الضوء الموجود في المكان، مما يعد تكيفًا للحيوانات المفترسة التي تميل إلى الصيد أثناء الليل، ويساعدها اختلاف البؤبؤ العمودي إلى التركيز بشكل كبير جدًا على الفريسة و تحسين دقة الهجوم.
وشرح خلال حديثه عن نوع البؤبؤ الأفقي الذي يظهر في الحيوانات العاشبة من الفرائس مثل الأغنام والماعز والخيول والإبل والغزلان وغيرها، حيث يوفر لها هذا النوع من البؤبؤ مجال رؤية واسع جدًا لمحيطها (بمعنى أنه يمكنها من الحصول على رؤية بانوراميه لمحيطها) بحيث يسهل عليها اكتشاف التهديدات المحتملة والحيوانات المفترسة الموجودة في محيطها، حيث أن أعين هذه الحيوانات تقع على جانبي الرأس وليس في مقدمة الرأس، وبالتالي يتيح لها هذا الوضع إلى جانب البؤبؤ الأفقي الحصول على رؤية أمامية وخلفية لمحيطها دون الاضطرار إلى تحريك رؤوسها كثيرًا، ومنظورًا أفضل على الأرض وما حولهم، حتى يتمكنوا من رؤية مكان الرعي وكذلك الهروب من أي حيوانات مفترسة بسرعة أكبر.
المصدر: صحيفة عاجل
كلمات دلالية: الحیوانات المفترسة على رؤیة إلى أن
إقرأ أيضاً:
سعود الحوسني يكتب: أدبنا العربي مرآة هويتنا وذاكرتنا الحية
الأدب مرآة هوية الشعوب وذاكرتها الحية عبر العصور، وهو العصب الذي يربط ما بينها ليشكّل نسيجنا الثقافي وامتدادنا الإنساني حول الكون. وقد كان للأدب منذ آلاف السنين الدور الأساسي في حياتنا، إذ ساعدنا على فهم العالم من حولنا بشكل أفضل، وتحديد موقعنا ومكانتنا ورسالتنا في هذا العالم. في موازاة ذلك، كانت الأعمال الأدبية المتميّزة وموضوعاتها المتنوّعة، من الدين والفلسفة إلى العلم والشعر، علامات اجتماعية وثقافية فارقة في تطوّر البشرية.
وعلى امتداد العالم العربي، احتلّ الأدب واللغة، ولا يزالان، مكانةً مرموقة في تاريخنا وثقافتنا. فخلال العصور الإسلامية من صدر الإسلام وصولاً إلى العصرين الأموي والعباسي حتى المملوكي، أسهَمَ الأدب العربي في ارتقاء المعرفة وتعزيز التطوّر. ولم يقتصر الأمر على قيام العلماء العرب بحفظ ما نقلوه عن مفكري اليونان وعلمائها وأدبائها القدماء، وحفظوه للعالم عبر أوروبا وروح البحث العلمي التي حفّزوها هناك، بل تمكنّت كذلك أعمال روّاد الأدب والفكر، مثل ابن رشد وابن سينا والكندي والخوارزمي، من الدفع بالحضارة إلى آفاق معرفية جديدة.
واليوم، يشكّلُ الأدب عنصراً مؤثراً في تشكيل هويّتنا الثقافية حول العالم. وفي دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، نتمسّك بهذه القيمة الهامة والملهمة لهويتنا، من خلال اعتماد الأدب العربي وسيلةً لإثراء الحياة وتسهيل التبادل الثقافي. ونقوم بذلك من خلال برامج وفعاليات عديدة أبرزها معرض أبوظبي الدولي للكتاب، من تنظيم مركز أبوظبي للّغة العربية التابع للدائرة.
وإننا ندركُ ما لهذا المعرض الهام، إلى جانب فعالياتنا الثقافية والقرائية العديدة، من دور في تعزيز القراءة ثقافةً يوميةً راسخة لأفراد مجتمعنا الإماراتي، وقد أتاح معرض أبوظبي الدولي للكتاب ومهرجان العين للكتاب 2024 فرصاً ثمينة أمام هواة القراءة للتعمّق في سبر أغوار الأدب العربي وكنوزه وروائعه. وكان هذان الحدثان استضافا في العام الماضي 308 آلاف زائر، بينهم عدد كبير من الوفود المدرسية، علماً بأنّ دراسة لوزارة الثقافة أجريت في عام 2021 ذكرت أنّ 40 في المئة من المواطنين والمقيمين في أبوظبي يشترون كتبهم وسائر المطبوعات التي يقرؤونها من معارض الكتب التابعة لدائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي.
وعبر احتضان اللغة العربية، يمكن لمعارض الكتب أن ترسّخ هويّتنا العربية، وتجمع بعض أبرز الكتّاب والمفكّرين في المنطقة لعقد ملتقياتهم التي تثري حوارنا الثقافي. فاللغة العربية لغة جميلة نابضة بالحياة، استمرّت ونمت واغتنت من خلال لهجاتها المتعدّدة وآدابها. كما أنّها غنيّة بالمفردات والمعاني. ورغم ذلك، لا تعتبر اللغة العربية ممثلة بشكل كافٍ في الحوارات العالمية والمحتوى الدولي، إذ يعتمدها أقل من 1 في المئة من المواقع الإلكترونية حول العالم، فيما يشكّل المتحدّثون بها نحو 3.4 في المئة من سكّان المعمورة.
وبناءً عليه، من الضرورة بمكان أن نتشارك أخبارنا وقصصنا مع سائر العالم بلغتنا، وذلك حتى يكون لدى هؤلاء فهم أعمق لحضارتنا وثقافتنا العربية. ومن هذا المنطلق، أخذت دولة الإمارات العربية المتحدة على عاتقها مهمّة الحفاظ على الأنماط التقليدية في التعبير ودعم ابتكار أنماط جديدة أيضاً من خلال المستجدات غير المسبوقة من الأدوات والتقنيات مثل الذكاء الاصطناعي.
وكما ذكر الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، في كلمته أمام المؤتمر الدولي للنشر العربي والصناعات الإبداعية الذي عقد في أبوظبي نهاية شهر أبريل المنصرم، فإنّ الأدب يعبّر عن «سرديّة التراث العربي القائمة على احترام الآخرين والتفاعل معهم». فهذه القيم تمنح الأدب القوّة وتجعله جسراً ثقافياً، كما كان عليه خلال عصره الذهبي.
فحتّى اليوم، ما زلنا نستمدّ الإلهام من كنوز أدبنا وتاريخه المشرق، بروائعه العديدة مثل «كليلة ودمنة»، أحد كتبي المفضّلة، والذي يتصدّر معروضات حدث يستضيفه متحف اللوفر أبوظبي حالياً تحت عنوان: «من كليلة ودمنة إلى لافونتين: جولة بين الحكايات والحكم».
وكما هو معلوم، الخرافة تلهم الشخصيّة. فإحدى المعروضات التذكارية الملفتة في متحف اللوفر أبوظبي تقول: «ما الخرافة؟ إنها حكاية صغيرة تخبرك من أنت». وعندما يصل الإحساس بالشخصية من خلال مقولة «من أنت» إلى عدد كافٍ من الأفراد، فإنّه بذلك يلعب دوراً في تعزيز الهويّة الثقافية وفهم قيمها وأبعادها.
لهذا السبب تمنح دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي قيمة عالية لمكتباتها في الإمارة. ففي وقت ينظر فيه معظم الناس إلى القراءة في المكتبات على أنها عادة قديمة، يستثمر العالم العربي في المكتبات بوصفها مراكز للمجتمع والمعرفة. وقد استقبلت الفروع الخمسة لمكتباتنا عدداً هائلاً من الزوار بلغ 164.553 زائراً خلال العام الماضي. وهي تحتوي على 306.492 كتاباً، بما فيها 30.099 كتاباً حول دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج العربي.
وخير مثال على جهود «مكتبة» المتواصلة مسابقة «الكاتب الصغير في الكتاب الكبير»، التي تدعو الطلاب لكتابة قصص حول موضوع معين، ويجرى جمع ونشر أفضل المشاركات. وعلى سبيل المثال، كان موضوع المسابقة في عام 2020 معرض «إكسبو 2020». وضمّت المشاركات الفائزة واحدة تقدّمت بها تلميذة في الصف الثامن، التي وصفت فيها زيارة إحدى الطالبات إلى «إكسبو 2020»، ما أطلق العنان لشعور الانتماء الوطني لديها، ودفع جدّتها إلى مشاركة قصص عن تاريخ الدولة وإنجازاتها، من استخدامات سعف النخيل إلى حكايات البحّارة الشجعان.
ربما يأتي يوم يقدّم لنا فيه أحد مؤلفي «الكاتب الصغير في الكتاب الكبير» مجموعة أخرى من طراز «كليلة ودمنة»، أو ينتج كتاباً يستحقّ العرض والبيع في معارضنا، أو يفوز بإحدى جوائزنا الأدبية العريقة. ومن خلال ذلك وحده، سيحافظ هؤلاء الكتّاب المبدعون الجدد، على تراث لغتنا كقوّة دافعة لتشكيل هويّتنا الثقافية والحفاظ على أدبنا آمناً لأجيال عديدة آتية.
وكيل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي