* إذا تجاوزنا حقيقة ثابتة ومهمة، مفادها أن المكوِّن السياسي المسمى تنسيقية القوى المدنية (قحت سابقاً) وقَّع اتفاقاً (سياسياً) مع فصيل مسلح قاد تمرداً مسلحاً على الدولة السودانية ومواطنيها، أنتج انتهاكات وجرائم غير مسبوقة في حق أهل السودان، بما يجعله مستحقاً للمحاسبة والمحاكمة لا التكريم بتوقيع اتفاق سياسي مريب، يكفل له حكم المناطق التي احتلها بتمردٍ مشهود.

* إذا تجاوزنا ذلك، وغضضنا الطرف عن حقيقة أخرى أوفر رسوخاً وأهمية، مفادها أنه وبمجرد إعلان الدعم السريع قوةً متمردةً لشنها الحرب ضد الدولة وشعبها وتصنيف قائدها مجرم حرب ومتهماً هارباً وعدواً للدولة، وتغاضينا عن القرار الصادر من الدولة بحل تلك القوات، وتجاوزنا أن أي تعامل مع المتمردين من دون تفويض رسمي من الدولة يعتبر اشتراكاً جنائياً وموافقةً ضمنيةً على كل الجرائم والانتهاكات المرتكبة في حق الدولة ومواطنيها مما يستوجب تحريك الإجراءات القانونية اللازمة في مواجهة كل المتعاملين معها، سيما من لا يحملون أي صفة رسمية ولا تفويضاً من حكومة السودان.

* إذا تجاوزنا ذلك كله سنذكر ما يلي: أن (تقدم) طرحت نفسها كوسيط (محايد) يسعى لوقف الحرب بين طرفين متقاتلين، فكيف جاز لها إن توقع اتفاقاً مع طرف قبل أن تلتقي الطرف الآخر وتطلعه على رؤيتها لوقف الحرب ورؤية الطرف الأول، كي تصل بالطرفين إلى منطقة وسطى تحقق لها هدفها المعلن؟

* كيف يمكن لاتفاق سياسي موقع بين قوة مسلحة ووسيط (شفقان وغير محايد) أن يوقف الحرب في السودان؟

* هل تدور تلك الحرب بين الدعامة وتقدم كي يؤدي اتفاق مبرم بين الطرفين إلى وقف الحرب؟
* فوق ذلك احتوى الإعلان السياسي الموقع بين الطرفين على نقاط بالغة الخطورة، لأنه شرعن لتلك القوات المتمردة أن تحكم وتدير كل المناطق التي احتلها بالقوة، ومنحها الحق في فتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية وتسهيل عمل المنظمات، وحماية العاملين في مجال الإغاثة!

* إذا قبلت (تقدم) للمتمردين أن يحكموا ويديروا مناطق سيطرتهم فذلك سيعني بالضرورة أن تقبل وترضى للجيش أن يحكم ويدير مناطق سيطرته أيضاً.. فكيف تمنح المتمردين حقاً ظللت تنكره على الجيش (بمطالبته بالخروج الكامل من محيط الحياة السياسية والابتعاد عن شئون الحكم كافة)؟

* ألزم الاتفاق في فقرته الرابعة (باب وقف العدائيات) قوات الدعم السريع (بتهيئة الأجواء لعودة المواطنين إلى منازلهم في المواقع التي تأثرت بالحرب)، وتمت تسمية تلك المناطق (الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة)، وتحوي تلك النقطة اعترافاً موثقاً بأن المتمردين هم الذين أخرجوا المواطنين من منازلهم واحتلوها.. وطالما أن الأمر كذلك فلمن ستقدم المساعدات المنصوص عليها في البند الثالث من الباب نفسه؟

* كيف تنتظر (تقدم) من المتمردين أن يغيثوا من هجَّروهم واحتلوا منازلهم وقتلوا أهلهم واغتصبوا نساءهم ونهبوا ممتلكاتهم ودمروا مراكز خدماتهم؟
* الثابت أن المواطنين المعنيين بهذا البند نزحوا من مناطق سيطرة التمرد إلى مناطق سيطرة الجيش بحثاً عن الأمان، فكيف تبحث (تقدم) عن الطمأنينة المهدرة عند من أهدروها؟ فاقد الشيء لا يعطيه!

* المواطنون الذين عناهم هذا البند فقدوا منازلهم وكل ممتلكاتهم، فلماذا تغاضى الاتفاق عن بند يلزم السارقين برد المنهوبات إلى أهلها طالما أن الفاعل معروف؟

* ألا يعد تجاهل ذلك الحق المشروع تواطؤاً معلناً لتقدم مع القوة المتمردة، يمنحها كامل الحق في الاحتفاظ بمنهوبات من يفترض فيها أن تحميهم وتوفر لهم المساعدات الإنسانية وسبل العيش الكريم؟

* مما يثبت أن الاتفاق الموقع بين مريم الأخرى.. عفواً (قحت تو)، عفواً (تقدم الجنجويدية) سياسي بكامله؛ أنه نصّ في البند (ثانياً) على (قضايا تأسيس الدولة السودانية).. وتلك قضايا سياسية الطابع بنسبة 100‎%‎، لأنها ترتب لأوضاع نهائية للدولة السودانية، لا يجوز أن يتم إبرامها بين فصيلين أحدهما مسلح والآخر سياسي، بوجود الجيش الوطني والعديد من الفصائل المسلحة الأخرى (حركتا العدل والمساواة وتحرير السودان والحركة الشعبية وحركة عبد الواحد وغيرها من الفصائل المسلحة)؛ فماذا سيفعل الدعم السريع وتقدم إذا رفضت تلك الحركات النصوص المبرمة في الاتفاق الموقع في أديس؟

* السؤال نفسه يطرح نفسه حول النصوص التي وردت حول النهج الذي سيحكم به السودان، إذ نص الاتفاق على أن يكون الحكم (فيدرالياً ومدنياً وديمقراطياً)، وأن يتم تنفيذ برامج (لإعادة بناء وتأسيس القطاع الأمني)، ماذا سيكون مصير الاتفاق إذا رفضته القوى السياسية الأخرى؟
* غني عن القول أن مريم الأخرى أو قحت تو أو تقدم ليست القوى السياسية الوحيدة في السودان، وأنها غير مخولة ولا تمتلك تفويضاً انتخابياً يؤهلها لرسم خطوط مستقبل البلاد منفردةً أو مع قوات متمردة على الدولة.

* عملياً فإن الاتفاق الموقع بين المتمردين ومريم الأخرى في أديس يمثل محاولة لا تخلو من العناد والغفلة (إن لم نقل الغباء السياسي) لإعادة إحياء الاتفاق الإطاري الذي قاد بلادنا إلى هذه الحرب الطاحنة، وتسبب في تدميرها وقتل عشرات الآلاف من أهلها وتحويل الملايين إلى نازحين ومشردين ولاجئين، والاتفاق الجديد يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن مريم الأخرى تمثل الجناح السياسي للمتمردين، وأن تلك القوى ما زالت سادرةً في غيها القديم وغبائها المستحكم وغرورها الأجوف، وأنها لا تستفيد من أخطائها ولا تستخلص الدروس والعبر من عثراتها، ويكفيها غفلةً وعناداً أن توقع اتفاقاً أحادياً مع أحد طرفي الحرب ثم تتوهم في أحلام يقظتها أن الطرف الآخر سيقبله ويبصم عليه بلا نقاش، ليرضى استمرار التمرد وبقاءه رموزه المجرمة في الحياة السياسية والمعترك العسكري، ويرضى باستمرار سيطرة المتمردين على المناطق المحتلة، ويقبل استمرار احتلال تلك القوات المتفلتة للمدن والقرى ويقبل بقاءها في منازل المواطنين وفي المستشفيات والجامعات والمدارس ومراكز الخدمات ومؤسسات الدولة، ويتغاضى عن جرائمها المنكرة وانتهاكاتها غير المسبوقة، سيما المرتبط منها بجرائم حرب وإبادة جماعية وتصفيات عرقية، وهي انتهاكات مثبتة وموثقة شهد عليها العالم أجمع وأدانها بأشد العبارات، ورفضت مريم الأخرى أو قحت المجدلية أو تقدم الجنجويدية ذكرها وإدانتها في اتفاقها الذي وقعته مع بغاة، لم يتركوا جريمةً إلا ارتكبوها، ولم يغادروا مواطناً إلا آذوه في داره ورزقه وممتلكاته وأمنه بحرب مجنونة لم ينج من شرورها أحد.

* لقد صفّت (مريم الأخرى) أو (قحت تو) أو (تقدم المجدلية) نفسها في طابور واحد مع المتمردين بتوقيعها لهذا الاتفاق الأحادي المشبوه، ووضعت نفسها في مواجهة مباشرة مع السواد الأعظم من أهل السودان، ممن يصطفون حالياً بجموع يبلغ تعدادها الملايين ممن اضطرتها جرائم المليشيا (وجناحها السياسي الذي لا يقل عنها إجراماً وخيانة) لحمل السلاح كي يدافعوا به عن أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، بعد أن شاهدوا ما حاق بإخوانهم في كل منطقة دخلها المتمردون وأحالوا أمنها رعباً، واستقرارها خوفاً، ومرافقها دماراً، ووقعوا في أهلها قتلاً وسحلاً واعتقالاً، وفي نسائها اغتصاباً وسبياً، وفي ممتلكاتها نهباً وسلباً وكذلك يفعلون، فهنيئاً للجناح السياسي بكدموله الجديد، واعترافه الموثق بالشراكة المجرمة التي أبرمها مع الجنجويد.. برعاية الكفلاء، ووقعها بغياً وإجراماً وخيانة ولؤماً.. على رؤوس الأشهاد.

د. مزمل أبو القاسم

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

الفاشر.. او على السودان السلام

حينما التقيت الرئيس الاريتري أسياس افورقي فى يناير المنصرم ضمن مجموعة من زملائي الاعلاميين السودانيين باسمرا ، لاحظت انه كان كثير التركيز على “معركة الفاشر”، مع استيعاب متقدم لطبيعة الحرب ، فهي عند افورقي نزاع اقليمي يستهدف السودان، وينبغي التعامل معه بالجدية اللازمة وليست مجرد تمرد على الجيش، افورقي كان يحذرنا برؤية الجنرال الافريقي العظيم من ان الدولة السودانية تواجه تحدي البقاء او الفناء وان التصدي لهذا الخطر يبدا من بوابة دارفور..

كان هذا الحديث قبل 3 اشهر ، وقبل ان يصل الهجوم على فاشر السلطان الى الرقم 202 امس ، فالرجل وبخبرة المعارك الكبيرة سبق الجميع وهو يؤكد ان الفاشر هي بوابة اجتياح السودان وان الحرب تبدا من هناك رغم مظاهر الفوضوية والدمار فى الخرطوم والجزيرة وسنار ومناطق اخرى.

اذكر يومها ان الرئيس الاريتري قال كلاما كثيرا لم يخرج للناس لان “المجالس امانات ” ولكنا استشعرنا جدية طرحه ورؤيته حينما هدد بان بلاده لن تقف مكتوفة الايدي اذا اقتربت الحرب من 4 ولايات حدودية وهي ( القضارف، وكسلا، والبحر الاحمر، والنيل الازرق).

فى كل يوم تتأكد رؤية افورقي مع اصرار التامر اقليمي على تمكين مليشيا الدعم السريع من الفاشر، التى مازالت صامدة بعد الهجوم ( 202) ، كل السودان وليست الشمالية ونهر النيل فقط مثلما هدد المتمرد عبدالرحيم دقلو سيكون هدفا سهلا للجنجويد وكفلائهم اذا ما قدر لهم الوصول الى الفاشر .

وازاء هذا الخطر الماثل والمستمر والمعلوم تتمدد كثير من الاسئلة ، وابرزها ما الذى يؤجل فك حصار الفاشر؟! ، ولماذا لانلمس حتى الان استراتيجية عسكرية كبيرة لانجاز هذا الامر على النحو الذى يخرج المدينة من مربع الدفاع عن اسوارها الى مرحلة كنس الجنجويد ومهاجمتهم بضراوة وانهاء خطر وجودهم المهدد للفاشر البوابة التى يسعى عبرها ال دقلو للعودة الى واجهة الاحداث من جديد.

بالامس نفذت المليشيا مجزرة جديدة فى الفاشر وهي تهاجم معسكر ابو شوك للنازحين وتقتل مئة نفس بريئة بينها اطفال طلاب خلاوي ونساء وعجزة، حتى طواقم المنظمات الاجنبية جميعهم حصدتهم المدافع بلا رحمة ، بينما كان بواسل الفرقة السادسة والقوات المشتركة والمستنفرين من ابناء المدينة يصدون هجوما شرسا ، فاقم من الازمة الانسانية وقدم دليلا جديدا على عظمة انسان الفاشر وهو يفدي السودان ويفشل مؤامرات الجنجويد ببسالة وفدائية سيوثقها التاريخ..

ولكن هل يكفي ان نجعلهم يموتون كل يوم على اسوار المدينة ، ونكتفي بكلمات الاشادة، والاحتفاء بقصص البطولات لتى ظل يسطرها شباب وميارم الفاشر ، ومواطنوها الشجعان..
ما يحدث في زمزم والفاشر ضد المواطنين جريمة مكتملة الأركان تؤكد ان التعويل على المجتمع الدولي ومؤسساته رهان خاسر، وان الفاشر تحتاج ونظرا لاوضاع مواطنيها اولا وـ استراتيجيتها واهميتها- فى معركة بقاء السودان ان نتعامل مع حصارها بطريقة مختلفة تقفز بها الى صدارة المشهد الحربي ، لان سقوطها لاقدر الله سيكون كارثة ووبالا على الدولة السودانية.

الاجتماع المهم الذى جمع الوزير محمد بشير ابونمو القيادي الابرز فى حركة تحرير السودان مع “اسد العمليات” الفريق اول ياسر العطا امس ، يفتح كوة الامل فى تفكير عملي وجديد يخاطب اوضاع المدينة التى يهددها التمرد ويعمل جاهدا على اجتياحها ، حتى تسهل مهمة اسقاط الدولة فى يد الجنجويد والمرتزقة وكفلائهم الاقليميين..

يعلم “اولاد دقلو” ان استمرار الشريان الاماراتي الذى يغذيهم بالمال والسلاح رهين باسقاط الفاشر، فقد ابلغتهم ابوظبي رسميا انها لن تمول التمرد او تعول عليه مالم يستلم المدينة ويتخذها منصة لاعلان حكومة الجنجويد فى دارفور واجتياح بقية مناطق السودان…

نعم فك الحصار عن مدينة الفاشر وتقديم الدعم العاجل لأهلها يجب أن يكون في صدارة أولويات المرحلة القادمة باعتباره واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا ، فمعركة اجتياح السودان بعد فشل الخطة الاولى للجنجويد تبدا من فاشر السلطان، وعلى الدولة ان تضع ترتيباتها العسكرية على هذه الفرضية، وبلا تاخير او ابطاء.

هلموا الى معركة الفاشر العظيمة ، فضياع المدينة سيعيد الجنجويد الى الواجهة، وسيجعل من انتصارات الجيش فى الخرطوم والجزيرة وسنار بلاقيمة، ونامين المدينة سيعزز النصر ويفتح على الدولة السودانية ابواب الامن والاستقرار.. علينا التفكير الان فى كسر حصار الفاشر، واثق ان جيشنا البطل والقوات المشتركة والمساندة الاخرى لن تعجزها الفاشر الصابرة الصامدة المحتسبة، والتى تنتظر القيادة الان لاتخاذ قرارات حاسمة تنهي مغامرات ال دقلو وتكسر الحصار وتؤمن الانتصار..
*هلموا الي الفاشر…*
*وكل “القوة الفاشر جوة”*
*وما النصر الا من عند الله..*
محمد عبدالقادر
محمد عبدالقادر

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الصليب والهلال الأحمر يناقشان تطوير الواقع الزراعي في منطقة الغاب
  • تحرير السودان تقدم المتهم بمجزرة معسكر زمزم وتطالب الجنائية الدولية بالتحرك
  • يقولون في المثل: (تحدث حتى أراك).. وقد تحدث خالد عمر يوسف (سلك)
  • حمدوك يطالب باجتماع لمجلس الأمن بحضور البرهان وحميدتي والجيش يستهل العام الثاني للحرب بإعلان تقدم جديد في أم درمان
  • السلم الاجتماعي: مرحلة ما بعد الحرب
  • السلم الاجتماعي في مرحلة ما بعد الحرب
  • هل ينسحب اتفاق سد تشرين بسوريا على بقية المناطق الخاضعة لـقسد؟
  • كتابات ما بعد الحرب: هل تصلح الخرطوم أن تكون عاصمة للدولة السودانية الجديدة؟
  • الفاشر.. او على السودان السلام
  • موسكو تلوح بمراجعة وقف استهداف منشآت الطاقة.. التزام أوكرانيا على المحك ومحادثات محتملة مع واشنطن