أ. د. شوقي علام يكتب.. احتفاء قرآني بميلاده
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
لا تخطئ عين القارئ المنصف المتدبّر لآيات القرآن الكريم مدى الحفاوة والتعظيم لميلاد السيد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وقد تحدّث القرآن عن حادثة ميلاد المسيح عيسى، عليه السلام، باعتبارها معجزة خارقة لكافة النواميس الكونية المعتادة فى الخلق والإيجاد، وهذا الميلاد المعجز يتشابه مع خلق آدم أبى البشر من حيث إنه قد استند إلى طلاقة القدرة الإلهية مع انقطاع الأسباب العادية، قال تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ)، وقد كان السيد المسيح بجعل الله تعالى كلمة الله وروحاً منه، فقال تعالى (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) وهذه الإضافات تعنى التشريف والإجلال.
وكل مسلم يعلم أن الإيمان بالمسيح عليه السلام ركن من أركان إيمانه، وأنه لا يُقبل منه إيمان ولا إسلام إلا إذا آمن بالمسيح عيسى عليه السلام، وبالكتاب الذى أنزل إليه، وقد أفرد الله تعالى سورة كاملة باسم السيدة مريم البتول، وذكر فيها تفاصيل الميلاد المعجز لسيدنا المسيح عليه السلام، قال الله (وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً)، وقال تعالى فى سورة آل عمران (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)، لقد كانت مريم عليها السلام زاهدة عابدة متوجّهة إلى الله تعالى وقد منّ الله عليها بكرامات وتجليات لإعدادها إلى هذا الأمر الكونى المعجز، فقال الله فى سورة آل عمران (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)، ولما اكتمل إعداد مريم عليها السلام لتكون محلاً لهذا التجلى العظيم آتاها أمر الله (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً قَالَتْ إِنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً)، وغالباً ما تكون هذه التجليات الإلهية على بعض أصفياء الله سبباً فى الابتلاء والحسد من قِبل المنكرين الجاحدين، وفى حالة السيدة مريم عليها السلام كان الابتلاء عظيماً لم يخلُ من الإيماء إلى التهمة فى العرض والشرف وهى الزاهدة العابدة الصديقة صاحبة السيرة الحسنة والكرامات المشهودة، وكان حرياً بهم أن يسندوا الأمر المعجز إلى طلاقة القدرة الإلهية، لكن الحسد صرفهم عن ذلك، ولأنها تعلم غلاظة قلوب الناس فى هذا الوقت وجحودهم لآيات الله تمنّت الموت عند حدوث المخاض، حتى لا ترى منهم التهمة فى الشرف والعرض (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً) وكما طمأنها عيسى عليه السلام بمعجزة النُّطق فى المهد، أنطقه الله ببراءتها وطهرها وعفتها على الملأ المتهمين الجاحدين من بنى إسرائيل (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيّاً قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً). إن إيماننا بهذا الميلاد المعجز لسيدنا المسيح عليه السلام قد انعكس على المسلمين محبة له ومحبة كذلك للمنتسبين إليه الذين آمنوا به، وانعكس كذلك قُرباً وحباً لإخواننا فى الوطن من الأقباط وسبب ذلك؛ أولاً: وصف الله تعالى لهم بأنهم أقرب أهل الأديان إلى قلوب ووجدان المسلمين، وأنهم أقربهم مودة ومحبة لنا، وثانياً: لأننا نتشارك مصيراً واحداً ووطناً واحداً قد اختلطت دماؤنا وأرواحنا فى فدائه والتضحية من أجله وذوداً عنه فى كثير من الملاحم والحروب. كل عام وجميع البشرية فى خير بمناسبة ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام. كل عام وإخواننا فى الوطن بكل خير.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: محبة المسيح رسائل السلام التسامح هوية المصريين المسیح علیه السلام الله تعالى مریم علیه
إقرأ أيضاً:
حكم تخصيص برنامج لتفسير الرؤى والأحلام
قالت دار الإفتاء المصرية إن تأويل الرؤى وتفسير المنامات ليس بمهنة ولا حرفة، بل هو من ميراث النبوة؛ يأخذ منه مَن شاء الله تعالى ما شاء أن يعطيه؛ فيَعرِف بعضًا ويَجهَل بعضًا، ويصيب مرة ويخطئ مرات.
تفسير الرؤى والأحلام
وأوضحت الإفتاء أنه ليس هناك في الأزهر الشريف على مر عصوره تخصص في تفسير الرؤى، بل ولا في غير الأزهر من المعاهد العلمية الدينية المعتمدة على مستوى العالم الإسلامي.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» رواه الشيخان عن أسماء رضي الله تعالى عنها.
وقد روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما": أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان يحدث أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إني أرى الليلة في المنام ظُلّة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم، فالمستكثر والمستقل، وأرى سَبَبًا واصلًا من السماء إلى الأرض، فأراك أخذتَ به فعلوتَ، ثم أخذ به رجل من بعدك فَعَلَا، ثم أخذ به رجل آخر فَعَلَا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به، ثم وُصِل له فَعَلَا. قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله -بأبي أنت- والله لَتَدَعني فلأَعبُرنها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اعبُرها». قال أبو بكر: أما الظلّة فظلّة الإسلام، وأما الذي يَنطِف من السمن والعسل فالقرآن: حلاوته ولِينه، وأما ما يتكفف الناس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقلّ، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحقّ الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله به، ثم يأخذ به رجل مِن بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثم يُوصَل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله -بأبي أنت- أصبتُ أم أخطأتُ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا». قال: فوالله يا رسول الله لتُحَدِّثَنِّي ما الذي أخطأتُ؟ قال: «لَا تُقسِم».
وأضافت الإفتاء أن السلف الصالح كانوا يعقدون مجالس للتحديث ومجالس للفتيا ومجالس للقضاء ومجالس للذكر وأخرى للتعليم، ولكن أبدًا ما وجدناهم يعقدون مجالس لتأويل الرؤى وتفسير المنامات، بل كان هذا يأتي عَرَضًا.
وتابعت الإفتاء قائلة: ولم يصل إلينا أن المسلمين الأوائل كانوا يتوقفون في أعمالهم وحركة حياتهم على الرؤيا وتفسيرها، ولا يضعون لها هذا الحجم الذي نراه الآن ونشاهده حولنا في الفضائيات وبعض وسائل الإعلام، بل كان جُلُّه يكون تثبيتًا وتبشيرًا وتحفيزًا لصاحبها ولمن حوله؛ قال تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 27].
وقال سبحانه: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ﴾ [الأنفال: 43].