يوسف القعيد يكتب.. المسيح في قريتي
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
ربما كانت القرية التى وُلدت وعشت سنوات عمرى الأولى فيها، وهى الضهرية مركز إيتاى البارود محافظة البحيرة، من القرى القليلة، وربما النادرة، التى توجد بها كنيسة للإخوة المسيحيين الذين يعيشون فى القرية. بل كان يتردد عليها المسيحيون الذين يعيشون فى القرى والعزب والكفور والنجوع المجاورة لقريتى.
كلمة مسيحى من عندى، وإن كُنَّا قد سمعنا عنه: النصارى.
أخفيت عن والدى يوسف يوسف القُعَيِّد، ووالدتى مبروكة إسماعيل حسانين حمادة -يرحمهما الله رحمة واسعة- خبر ذهابى إلى الكنيسة. وإن كان هذا الذهاب قد أكسبنى معانى جديدة فى حياتى، فالحارة المجاورة لحارتنا فى نفس القرية كنا نسميها «حارة النصارى»، لأن كل سكانها كانوا من الإخوة والأخوات المسيحيين. وكانوا يعملون فى مهن لا يعمل بها غيرهم. فالقليل جداً منهم من كان يمتهن الزراعة فى الأرض وانتظار المحصول، والذهاب إلى الحقل يومياً، بل كانوا يتميزون باللجوء إلى مهن أخرى. منهم النجار، والحداد، وصانع الأحذية، وهى مهن كان أهل قريتى ينظرون إليها باعتبارها مهناً دنيوية أقل من المستوى العادى.
أعود لرحلتى الأولى إلى كنيسة قريتنا. والأطفال من المسلمين الذين يكبروننى سناً هم من أخذونى معهم إلى هناك. وقالوا لى إنهم سبق لهم الذهاب أكثر من مرة. ويكفى أشجار «دقن الباشا» التى تحيط بالكنيسة من جهاتها الأربع. ويوم أن وصلت إلى هناك لأول مرة مُلبِّياً رغبتهم كان المكان يعلن عن نفسه من خلال روائح الأزهار التى لا حد لجمالها.
والأرض المحيطة بالكنيسة من الجهات الأربع مفروشة بالزهور التى وقعت عليها ولم تجد من يقوم بجمعها وتوزيعها على الناس. لكنها كانت تشع فى المكان بهجة وروحاً نادرة. كنت أحب أن أهيم معها إلى العلالى.
لا يذهب بالك إلى أن ذهابى كان فردياً، فكثير ممن كانوا فى نفس عُمرى من أطفال المسلمين ذهبوا معى، واستمتعوا بروائح «دقن الباشا» والجو الروحانى الذى هو فى الكنيسة. قبل اكتشافى لعالم الكنيسة الوحيدة فى قريتى، والوحيدة أيضاً فى كل القرى المجاورة لنا شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، كانت تشع منها روائح جميلة. وكنت أستمع إلى التراتيل والنصوص والموسيقى الخافتة التى تُصاحبها، وأُحلِّق معها فى كل مكان.
لامنى كثيرٌ من شباب القرية الذين يكبروننى ببعض السنوات. وعندما وصلنا إلى سبعينات القرن الماضى، وانتشر فى بلادنا ما أطلق عليه المؤرخون بعد ذلك «الإسلام السياسى»، فقد أشاع من اتبعوه أن القُسُس والكهنة يلبسون اللون الأسود ليس حُزناً على رحيل السيد المسيح كما كنت وما زلت وسأظل أعتقد، بل إنهم يفعلون هذا حُزناً على دخول الإسلام مصر، وكونه أصبح الديانة الأولى. وكان عدد المساجد فى قريتى الصغيرة يكاد يقترب من عشرة مساجد فى مواجهة كنيسة واحدة. وهذا جعلنى، بخيالات الطفولة والصبا والمراهقة، أميل إلى تصديق هذا الكلام وقتها. وعندما وصلنا إلى سبعينات القرن الماضى، عرفنا التطرف الإسلامى فى مواجهة المسيحيين، وهو ما رفضته تماماً. ولم يقترب من فؤادى وعقلى أبداً.
حارة النصارى التى كانت وراء بيتنا والتى أصبحت أقول عنها بعد أن تقدمت فى العُمر وازداد وعيى وإدراكى إنها منطقة خاصة بهم، بالإخوة المسيحيين. كانوا يمتهنون بعض المهن التى لم يكن أحد من المسلمين يحب القيام بها، فالنجارة والحدادة وصُنع وتصليح الأحذية كانت من نصيبهم.
ورغم أن العُمر تقدم بى، إلا أن رائحة أشجار الزهور المحيطة بالكنيسة ما زالت فى أنفى كأنى أشمها فى هذه اللحظة. طوال إقامتى فى قريتى كنتُ أعرف يوم الأحد من كل أسبوع عندما أسمع صوت أجراس الكنيسة يتردد فى كل شوارع القرية وحاراتها. وكان لها إيقاع بالغ الجمال والعذوبة فى وجدانى خلال تلك السنوات البعيدة.
كانت أيام لها أساطيرها التى سيطرت على وجدانى وسكنت عقلى ولم تخرج منه أبداً. وكنت حريصاً على أن يكون لى أصدقاء من الإخوة المسيحيين الذين هم فى مثل عمرى، وأن أتبادل معهم المودة والمحبة والتآخى والأفكار رغم كل ما جرى فى مصر فى سبعينات القرن الماضى، وعند بروز ما سُمِّى بالإسلام السياسى من فُرقة بين المسلمين والمسيحيين.
عندما وصلت إلى المدينة لأول مرة، وكانت مدينة دمنهور، سكنت فؤادى عبارة أكثر من جميلة وأكثر من مصرية:
الدين لله والوطن للجميع.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: محبة المسيح رسائل السلام التسامح هوية المصريين
إقرأ أيضاً:
بعد تكريمه من رئيس الوزراء.. محافظ الغربية يشكر فريق عمل مبادرة القرية الخضراء: أنتم سر النجاح
عقب تكريمه من الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، تقديرًا لنجاح محافظة الغربية في تنفيذ “مبادرة القرية الخضراء”، اجتمع اللواء أشرف الجندي، محافظ الغربية، والدكتور محمود عيسى نائب المحافظ ،بفريق عمل المبادرة، ووجه لهم خالص الشكر والتقدير على جهودهم المتميزة، التي أسهمت في حصول قرية نهطاي، مركز زفتى، على ثاني قرية خضراء على مستوى الجمهورية، وحصولها على “شهادة ترشيد للمجتمعات الريفية الخضراء” من المجلس العالمي للأبنية الخضراء،بحضور اللواء احمد انور السكرتير العام لمحافظة الغربية.
وأكد المحافظ خلال الاجتماع أن هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق إلا بفضل العمل الجماعي والتفاني من قبل فريق المبادرة، مشيدًا بروح الإصرار والتعاون التي أظهرها الجميع لإنجاح المشروع وتحقيق التنمية المستدامة في القرية. وقال: “أنتم سر هذا النجاح.. لقد أثبتم أن العمل بروح الفريق قادر على تحقيق المستحيل، وما حققتموه في نهطاي هو خطوة أولى نحو مزيد من الإنجازات التي تنتظرنا.
وأشاد المحافظ بالدور الكبير الذي قام به كل فرد من فريق المبادرة، مؤكدًا أن هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق إلا بفضل الجهود الحثيثة والتخطيط السليم والإصرار على النجاح. وأوضح أن نهطاي لم تصبح قرية خضراء بين عشية وضحاها، بل جاءت النتيجة بعد شهور طويلة من العمل الجاد والالتزام بمعايير التنمية المستدامة، حيث تم تنفيذ مشروعات بيئية متكاملة، بدءًا من ترشيد استهلاك الطاقة، والتوسع في استخدام الطاقة الشمسية، وتحسين منظومة الري الذكي، وإنشاء وحدات البيوجاز لإنتاج الطاقة النظيفة، وصولًا إلى تعزيز مفهوم الاقتصاد الدائري من خلال إعادة تدوير المخلفات.
وشهدت نهطاي تحولًا كبيرًا في مختلف القطاعات، حيث أصبحت نموذجًا لقرية مستدامة بلا تلوث، بلا بطالة، وبلا إدمان، وذلك بفضل مشروعات متكاملة شملت تحسين البنية التحتية، وتوصيل الغاز الطبيعي لجميع المنازل، وتطوير شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وإنشاء كورنيش حضاري على ترعة العطف ليكون متنفسًا للأهالي. كما تم تنفيذ مشروعات تعليمية وصحية رائدة، منها إنشاء مجمع مدارس يضم 55 فصلًا دراسيًا، وتطوير المدارس القائمة، وإنشاء وحدة طب أسرة مجهزة بأحدث الأجهزة الطبية، فضلًا عن إطلاق قوافل طبية وتوعوية لتعزيز الخدمات الصحية بالقرية.
شعار بلا بطالة وبلا إدمان وبلا تلوث بيئيوأشار المحافظ إلى أن القرية أصبحت “بلا بطالة، بلا إدمان، وبلا تلوث بيئي”، بفضل المشروعات الرائدة التي تم تنفيذها، والتي ركزت على تمكين الشباب والمرأة، وتوفير فرص عمل، والارتقاء بجودة الحياة لسكان القرية. كما أثنى على المبادرات المجتمعية التي أسهمت في تحقيق هذا التحول، مثل “قرية بلا إدمان”، و”قرية بلا بطالة”، و”التعليم حياة”، و”معًا من أجل ترع نظيفة”، و”الشجرة الطيبة”، والتي عملت جميعها على تعزيز التنمية المجتمعية بجانب المشروعات البيئية.
تفعيل خدمات مبادرة حياة كريمةوأكد اللواء أشرف الجندي أن التنمية في نهطاي لم تقتصر على الجانب البيئي فقط، بل امتدت إلى تحسين كافة الخدمات الأساسية، حيث شهدت القرية طفرة كبيرة في مشروعات البنية التحتية، تمثلت في توصيل الغاز الطبيعي لجميع المنازل، ورفع كفاءة شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وتطوير الطرق الداخلية، وتوسيع شبكات الاتصالات والإنترنت. كما شهد قطاعا التعليم والصحة تطورًا كبيرًا، حيث تم إنشاء مجمع مدارس جديد يضم 55 فصلًا دراسيًا، وتحديث المدارس القائمة، وإنشاء وحدة طب أسرة حديثة، وإطلاق حملات طبية وقوافل علاجية بالتعاون مع جامعة طنطا ومديرية الصحة.
وشدد المحافظ على أن هذه الإنجازات لم تكن لتتحقق لولا العمل الجاد والتنسيق المستمر بين جميع الأطراف المعنية، مؤكدًا أن ما تم إنجازه في نهطاي ليس نهاية الطريق، بل بداية لمسيرة طويلة من التنمية والتطوير.
تكريم رئيس الوزراءوأضاف المحافظ أن هذا التكريم يمثل حافزًا قويًا لمواصلة الجهد والعمل على توسيع تجربة القرى الخضراء في مختلف أنحاء المحافظة، مؤكدًا أن محافظة الغربية ستظل رائدة في تنفيذ المشروعات التنموية المستدامة، بما يحقق رؤية مصر 2030 للتحول الأخضر وتحسين جودة الحياة للمواطنين.
وفي ختام الاجتماع، حرص اللواء أشرف الجندي على التقاط صورة تذكارية مع فريق عمل المبادرة، حاملين شهادة الترشيد، تقديرًا لما بذلوه من جهد، ولتوثيق هذا الإنجاز الذي سيظل مصدر فخر لمحافظة الغربية. وأكد أن هذا النجاح هو بداية لمسيرة طويلة من العمل والإنجاز، متعهدًا بمواصلة دعم المبادرات التنموية التي تسهم في تحقيق مستقبل أفضل للقرى المصرية.