الوطن:
2024-12-22@13:47:44 GMT

يوسف القعيد يكتب.. المسيح في قريتي

تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT

يوسف القعيد يكتب.. المسيح في قريتي

ربما كانت القرية التى وُلدت وعشت سنوات عمرى الأولى فيها، وهى الضهرية مركز إيتاى البارود محافظة البحيرة، من القرى القليلة، وربما النادرة، التى توجد بها كنيسة للإخوة المسيحيين الذين يعيشون فى القرية. بل كان يتردد عليها المسيحيون الذين يعيشون فى القرى والعزب والكفور والنجوع المجاورة لقريتى.

كلمة مسيحى من عندى، وإن كُنَّا قد سمعنا عنه: النصارى.

هذه الكنيسة اجتذبتنى فى طفولتى وصباى وحتى الآن. كنت أحب الذهاب إليها لأنها كانت قريبة من منزلنا من ناحية، ولأننى بمجرد الوصول إليها أشُم من الأشجار المحيطة بها روائح عطرية من النادر وجودها.. وكانت هذه الروائح لا ترتبط بفصل الربيع فقط.. بل ربما كانت موجودة فى كل فصول السنة.

أخفيت عن والدى يوسف يوسف القُعَيِّد، ووالدتى مبروكة إسماعيل حسانين حمادة -يرحمهما الله رحمة واسعة- خبر ذهابى إلى الكنيسة. وإن كان هذا الذهاب قد أكسبنى معانى جديدة فى حياتى، فالحارة المجاورة لحارتنا فى نفس القرية كنا نسميها «حارة النصارى»، لأن كل سكانها كانوا من الإخوة والأخوات المسيحيين. وكانوا يعملون فى مهن لا يعمل بها غيرهم. فالقليل جداً منهم من كان يمتهن الزراعة فى الأرض وانتظار المحصول، والذهاب إلى الحقل يومياً، بل كانوا يتميزون باللجوء إلى مهن أخرى. منهم النجار، والحداد، وصانع الأحذية، وهى مهن كان أهل قريتى ينظرون إليها باعتبارها مهناً دنيوية أقل من المستوى العادى.

أعود لرحلتى الأولى إلى كنيسة قريتنا. والأطفال من المسلمين الذين يكبروننى سناً هم من أخذونى معهم إلى هناك. وقالوا لى إنهم سبق لهم الذهاب أكثر من مرة. ويكفى أشجار «دقن الباشا» التى تحيط بالكنيسة من جهاتها الأربع. ويوم أن وصلت إلى هناك لأول مرة مُلبِّياً رغبتهم كان المكان يعلن عن نفسه من خلال روائح الأزهار التى لا حد لجمالها.

والأرض المحيطة بالكنيسة من الجهات الأربع مفروشة بالزهور التى وقعت عليها ولم تجد من يقوم بجمعها وتوزيعها على الناس. لكنها كانت تشع فى المكان بهجة وروحاً نادرة. كنت أحب أن أهيم معها إلى العلالى.

لا يذهب بالك إلى أن ذهابى كان فردياً، فكثير ممن كانوا فى نفس عُمرى من أطفال المسلمين ذهبوا معى، واستمتعوا بروائح «دقن الباشا» والجو الروحانى الذى هو فى الكنيسة. قبل اكتشافى لعالم الكنيسة الوحيدة فى قريتى، والوحيدة أيضاً فى كل القرى المجاورة لنا شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، كانت تشع منها روائح جميلة. وكنت أستمع إلى التراتيل والنصوص والموسيقى الخافتة التى تُصاحبها، وأُحلِّق معها فى كل مكان.

لامنى كثيرٌ من شباب القرية الذين يكبروننى ببعض السنوات. وعندما وصلنا إلى سبعينات القرن الماضى، وانتشر فى بلادنا ما أطلق عليه المؤرخون بعد ذلك «الإسلام السياسى»، فقد أشاع من اتبعوه أن القُسُس والكهنة يلبسون اللون الأسود ليس حُزناً على رحيل السيد المسيح كما كنت وما زلت وسأظل أعتقد، بل إنهم يفعلون هذا حُزناً على دخول الإسلام مصر، وكونه أصبح الديانة الأولى. وكان عدد المساجد فى قريتى الصغيرة يكاد يقترب من عشرة مساجد فى مواجهة كنيسة واحدة. وهذا جعلنى، بخيالات الطفولة والصبا والمراهقة، أميل إلى تصديق هذا الكلام وقتها. وعندما وصلنا إلى سبعينات القرن الماضى، عرفنا التطرف الإسلامى فى مواجهة المسيحيين، وهو ما رفضته تماماً. ولم يقترب من فؤادى وعقلى أبداً.

حارة النصارى التى كانت وراء بيتنا والتى أصبحت أقول عنها بعد أن تقدمت فى العُمر وازداد وعيى وإدراكى إنها منطقة خاصة بهم، بالإخوة المسيحيين. كانوا يمتهنون بعض المهن التى لم يكن أحد من المسلمين يحب القيام بها، فالنجارة والحدادة وصُنع وتصليح الأحذية كانت من نصيبهم.

ورغم أن العُمر تقدم بى، إلا أن رائحة أشجار الزهور المحيطة بالكنيسة ما زالت فى أنفى كأنى أشمها فى هذه اللحظة. طوال إقامتى فى قريتى كنتُ أعرف يوم الأحد من كل أسبوع عندما أسمع صوت أجراس الكنيسة يتردد فى كل شوارع القرية وحاراتها. وكان لها إيقاع بالغ الجمال والعذوبة فى وجدانى خلال تلك السنوات البعيدة.

كانت أيام لها أساطيرها التى سيطرت على وجدانى وسكنت عقلى ولم تخرج منه أبداً. وكنت حريصاً على أن يكون لى أصدقاء من الإخوة المسيحيين الذين هم فى مثل عمرى، وأن أتبادل معهم المودة والمحبة والتآخى والأفكار رغم كل ما جرى فى مصر فى سبعينات القرن الماضى، وعند بروز ما سُمِّى بالإسلام السياسى من فُرقة بين المسلمين والمسيحيين.

عندما وصلت إلى المدينة لأول مرة، وكانت مدينة دمنهور، سكنت فؤادى عبارة أكثر من جميلة وأكثر من مصرية:

الدين لله والوطن للجميع.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: محبة المسيح رسائل السلام التسامح هوية المصريين

إقرأ أيضاً:

كم عدد المليارديرات الذين يعيشون في إسطنبول؟

أنقرة (زمان التركية) – ارتفع عدد المليارديرات في العالم بنسبة 4% سنويًا اعتبارًا من نهاية العام الماضي، وبلغ عدد المليارديرات 3 آلاف و323 شخصاً.

وذلك وفق تقرير نشرته مؤسسة الأبحاث Altrata حول مسح المليارديرات لعام 2024.

وفيما يلي المدن التي تضم أكبر عدد من المليارديرات في العالم:

1- نيويورك

عدد المليارديرات 144

التغير السنوي: +9

2- هونج كونج

عدد المليارديرات 107

التغير السنوي -5

3- سان فرانسيسكو

عدد المليارديرات 87

التغير السنوي: +3

4- لندن

عدد المليارديرات: 78

التغيير السنوي: +3

5- موسكو

عدد المليارديرات: 77

التغيير السنوي: +1

6- لوس أنجلوس

عدد المليارديرات: 62

التغيير السنوي: +5

7- بكين

عدد المليارديرات 60

التغير السنوي -2

8- سنغافورة

عدد المليارديرات 58

التغير السنوي: +4

9- شينزين

عدد المليارديرات 41

التغير السنوي -1

10- مومباي

عدد المليارديرات: 40

التغيير السنوي: +1

11- دبي

عدد المليارديرات: 39

التغيير السنوي: +1

12- باريس

عدد المليارديرات: 34

التغيير السنوي: +2

13- ساو باولو

عدد المليارديرات: 34

التغيير السنوي: +1

14- إسطنبول

عدد المليارديرات: 34

التغيير السنوي: +1

15- هانغتشو

عدد المليارديرات: 33

التغيير السنوي: -1

Tags: اثرياء العالماسطنبولالولايات المتحدةتركيادبيسنغافورةعدد الأثرياءعدد المليارديرات حول العالمليرةملياردير

مقالات مشابهة

  • تكريم طلاب الاسماعيلية الفائزين بمسابقتى "آدم حنين" و "قريتي" للرسم والنحت
  • يوسف غيشان يكتب : أحمد حسن الزعبي …والعدّ بالشقلوب
  • د.حماد عبدالله يكتب: " بلطجة " التعليم الخاص !!
  • «أندريه زكي»: مولد «المسيح» بعث رسائل الطمأنينة للعالم
  • كم عدد المليارديرات الذين يعيشون في إسطنبول؟
  • ميلاد المسيح بين العمائم واللِّحى، أتكلم عن سورية
  • البصرة تفتح أبوابها لعودة المسيحيين والصابئة وتمنحهم أراضٍ
  • منير أديب يكتب: سوريا المستقبل من بين رحم المؤامرة
  • تحقيق جنائي ضد سياسية سويسرية أطلقت النار على المسيح (صور)
  • ناصر عبدالرحمن يكتب : الشخصية المصرية (6) الغواية