الوطن:
2025-02-22@22:14:14 GMT

يوسف القعيد يكتب.. المسيح في قريتي

تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT

يوسف القعيد يكتب.. المسيح في قريتي

ربما كانت القرية التى وُلدت وعشت سنوات عمرى الأولى فيها، وهى الضهرية مركز إيتاى البارود محافظة البحيرة، من القرى القليلة، وربما النادرة، التى توجد بها كنيسة للإخوة المسيحيين الذين يعيشون فى القرية. بل كان يتردد عليها المسيحيون الذين يعيشون فى القرى والعزب والكفور والنجوع المجاورة لقريتى.

كلمة مسيحى من عندى، وإن كُنَّا قد سمعنا عنه: النصارى.

هذه الكنيسة اجتذبتنى فى طفولتى وصباى وحتى الآن. كنت أحب الذهاب إليها لأنها كانت قريبة من منزلنا من ناحية، ولأننى بمجرد الوصول إليها أشُم من الأشجار المحيطة بها روائح عطرية من النادر وجودها.. وكانت هذه الروائح لا ترتبط بفصل الربيع فقط.. بل ربما كانت موجودة فى كل فصول السنة.

أخفيت عن والدى يوسف يوسف القُعَيِّد، ووالدتى مبروكة إسماعيل حسانين حمادة -يرحمهما الله رحمة واسعة- خبر ذهابى إلى الكنيسة. وإن كان هذا الذهاب قد أكسبنى معانى جديدة فى حياتى، فالحارة المجاورة لحارتنا فى نفس القرية كنا نسميها «حارة النصارى»، لأن كل سكانها كانوا من الإخوة والأخوات المسيحيين. وكانوا يعملون فى مهن لا يعمل بها غيرهم. فالقليل جداً منهم من كان يمتهن الزراعة فى الأرض وانتظار المحصول، والذهاب إلى الحقل يومياً، بل كانوا يتميزون باللجوء إلى مهن أخرى. منهم النجار، والحداد، وصانع الأحذية، وهى مهن كان أهل قريتى ينظرون إليها باعتبارها مهناً دنيوية أقل من المستوى العادى.

أعود لرحلتى الأولى إلى كنيسة قريتنا. والأطفال من المسلمين الذين يكبروننى سناً هم من أخذونى معهم إلى هناك. وقالوا لى إنهم سبق لهم الذهاب أكثر من مرة. ويكفى أشجار «دقن الباشا» التى تحيط بالكنيسة من جهاتها الأربع. ويوم أن وصلت إلى هناك لأول مرة مُلبِّياً رغبتهم كان المكان يعلن عن نفسه من خلال روائح الأزهار التى لا حد لجمالها.

والأرض المحيطة بالكنيسة من الجهات الأربع مفروشة بالزهور التى وقعت عليها ولم تجد من يقوم بجمعها وتوزيعها على الناس. لكنها كانت تشع فى المكان بهجة وروحاً نادرة. كنت أحب أن أهيم معها إلى العلالى.

لا يذهب بالك إلى أن ذهابى كان فردياً، فكثير ممن كانوا فى نفس عُمرى من أطفال المسلمين ذهبوا معى، واستمتعوا بروائح «دقن الباشا» والجو الروحانى الذى هو فى الكنيسة. قبل اكتشافى لعالم الكنيسة الوحيدة فى قريتى، والوحيدة أيضاً فى كل القرى المجاورة لنا شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، كانت تشع منها روائح جميلة. وكنت أستمع إلى التراتيل والنصوص والموسيقى الخافتة التى تُصاحبها، وأُحلِّق معها فى كل مكان.

لامنى كثيرٌ من شباب القرية الذين يكبروننى ببعض السنوات. وعندما وصلنا إلى سبعينات القرن الماضى، وانتشر فى بلادنا ما أطلق عليه المؤرخون بعد ذلك «الإسلام السياسى»، فقد أشاع من اتبعوه أن القُسُس والكهنة يلبسون اللون الأسود ليس حُزناً على رحيل السيد المسيح كما كنت وما زلت وسأظل أعتقد، بل إنهم يفعلون هذا حُزناً على دخول الإسلام مصر، وكونه أصبح الديانة الأولى. وكان عدد المساجد فى قريتى الصغيرة يكاد يقترب من عشرة مساجد فى مواجهة كنيسة واحدة. وهذا جعلنى، بخيالات الطفولة والصبا والمراهقة، أميل إلى تصديق هذا الكلام وقتها. وعندما وصلنا إلى سبعينات القرن الماضى، عرفنا التطرف الإسلامى فى مواجهة المسيحيين، وهو ما رفضته تماماً. ولم يقترب من فؤادى وعقلى أبداً.

حارة النصارى التى كانت وراء بيتنا والتى أصبحت أقول عنها بعد أن تقدمت فى العُمر وازداد وعيى وإدراكى إنها منطقة خاصة بهم، بالإخوة المسيحيين. كانوا يمتهنون بعض المهن التى لم يكن أحد من المسلمين يحب القيام بها، فالنجارة والحدادة وصُنع وتصليح الأحذية كانت من نصيبهم.

ورغم أن العُمر تقدم بى، إلا أن رائحة أشجار الزهور المحيطة بالكنيسة ما زالت فى أنفى كأنى أشمها فى هذه اللحظة. طوال إقامتى فى قريتى كنتُ أعرف يوم الأحد من كل أسبوع عندما أسمع صوت أجراس الكنيسة يتردد فى كل شوارع القرية وحاراتها. وكان لها إيقاع بالغ الجمال والعذوبة فى وجدانى خلال تلك السنوات البعيدة.

كانت أيام لها أساطيرها التى سيطرت على وجدانى وسكنت عقلى ولم تخرج منه أبداً. وكنت حريصاً على أن يكون لى أصدقاء من الإخوة المسيحيين الذين هم فى مثل عمرى، وأن أتبادل معهم المودة والمحبة والتآخى والأفكار رغم كل ما جرى فى مصر فى سبعينات القرن الماضى، وعند بروز ما سُمِّى بالإسلام السياسى من فُرقة بين المسلمين والمسيحيين.

عندما وصلت إلى المدينة لأول مرة، وكانت مدينة دمنهور، سكنت فؤادى عبارة أكثر من جميلة وأكثر من مصرية:

الدين لله والوطن للجميع.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: محبة المسيح رسائل السلام التسامح هوية المصريين

إقرأ أيضاً:

عرض بمقر الأمم المتحدة.. “طريق الآلام” فيلم يوثق نضال المسيحيين الفلسطينيين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 تم عرض الفيلم الوثائقي “طريق الآلام” (Via Dolorosa) في مقر الأمم المتحدة بجنيف، بالتنسيق مع مجلس كنائس القدس، وتحت رعاية مجلس الكنائس العالمي، وبالتعاون مع بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة في جنيف.

شارك بالحضور شخصيات دينية ودبلوماسية بارزة وعدد من الباحثين والمفكرين مما يعكس عمق الاهتمام والتّقدير لهذا الفيلم، يوثّق الفيلم المسار التاريخي للمسيحية في فلسطين منذ ميلاد السيد المسيح، مرورًا بمختلف العصور، وصولًا إلى يومنا هذا، وهو من إخراج عضو اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين وممثلتها في أوروبا، السفيرة أميرة حنانيا.

وقالت اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين، بان فيلم “طريق الآلام” (Via Dolorosa) يُعد شهادة حية على التاريخ العريق للمسيحيين الفلسطينيين، حيث يعرض جذور وجودهم في هذه الأرض المقدسة، ويروي أبرز المحطات التي شكّلت هويتهم الوطنية والثقافية. كما يسلّط الضوء على التحديات التي واجهتها المسيحية الفلسطينية عبر العصور، في ظل السياسات الهادفة إلى طمس وجودها وإقصائها عن المشهدين الوطني والدولي.

شهد عرض الفيلم حضور شخصيات دينية وسياسية بارزة، تقدّمهم البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث، رئيس مجلس كنائس القدس وبطريرك المدينة المقدسة وسائر الأراضي المقدسة، والأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، القس البروفيسور جيري بيلاي، إلى جانب د.رمزي خوري، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين، ومفوض بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة، السفير إبراهيم خريشة، ونائب حارس الأراضي المقدسة، الأب إبراهيم فلتس، ورئيس جامعة دار الكلمة ومؤسسها، القس البروفيسور د.متري الراهب، ومسؤول شؤون القدس في الديوان الملكي في المملكة الأردنية الهاشمية د. وصفي الكيلاني.

وأعرب الدكتور رمزي خوري، باسم اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس، عن اعتزازه العميق بهذا العمل المتميز، مؤكّدًا أن “طريق الآلام” (Via Dolorosa) يمثل إضافة نوعية في توثيق الوجود المسيحي الفلسطيني، ويُبرز دوره التاريخي والوطني. كما أثنى على الجهود الكبيرة التي بذلتها الزميلة السفيرة أميرة حنانيا، التي عملت بإخلاص على مدار سنوات لإنجاز هذا الفيلم برؤية دقيقة وأصيلة، ليكون شاهدًا على العمق الحضاري والروحي للمسيحيين الفلسطينيين في أرضهم.

من جانبه، ثمّن خوري موقف البطريرك ثيوفيلوس الثالث الرافض للانتهاكات الإسرائيلية بحق الكنائس وأملاكها، كما أدان القتل والتشريد الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس. وأعرب عن تقديره لدور مجلس الكنائس العالمي في دعم القضية الفلسطينية، كما شكر السفير إبراهيم خريشة على جهوده في تنظيم هذا الحدث وتوفير جميع الإمكانيات اللازمة لإنجاحه.

وفي كلمته خلال الحدث، أكد البطريرك ثيوفيلوس الثالث أن الكنائس في القدس تواجه ضغوطًا متزايدة نتيجة السياسات الإسرائيلية التي تسعى إلى تقليص الوجود المسيحي في المدينة المقدسة، مشيرًا إلى أن هذه الممارسات أدت إلى انخفاض أعداد الحجاج وتضييق الخناق على المجتمعات المسيحية في فلسطين.

وفي هذا السياق، شدد القس الدكتور متري الراهب على أن المسيح جاء إلى فلسطين قبل أكثر من ألفي عام ليجلب السلام إلى العالم، واليوم يقع على عاتقنا أن نجلب السلام إلى فلسطين، بلد المسيح. كما حذّر من خطر استئصال الوجود المسيحي في قطاع غزة، مؤكدًا أن القطاع كان مركزًا مسيحيًا بارزًا عبر التاريخ. وانتقد الصهيونية المسيحية التي تستغل الكتاب المقدس لأغراض سياسية، معتبرًا أن الوقت قد حان لإحلال السلام في الأرض التي وُلد فيها رسول السلام، السيد المسيح.

بدوره، أكد القس البروفيسور جيري بيلاي أن مجلس الكنائس العالمي يقف إلى جانب جميع الساعين لتحقيق العدالة والسلام والحقوق المتساوية في الأراضي المقدسة. كما دعا إلى وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين، مشددًا على أن السلام العادل لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الاعتراف المتبادل بالقيمة والكرامة الإنسانية لجميع الشعوب.

وفي كلمته خلال الحدث، شدد السفير إبراهيم خريشة على أن فلسطين، مهد الديانات السماوية، تحمل رسالة سلام قائمة على حقوقها الوطنية والقانونية والتاريخية، مؤكدًا أن الشعب الفلسطيني لن يسمح بأن يُطرد من أرضه، ولن يخضع لأي شكل من أشكال التهجير القسري أو التطهير العرقي.

وفي ختام الحدث، أكدت السفيرة أميرة حنانيا أن الشعب الفلسطيني نادرًا ما تُتاح له الفرصة لرواية تاريخه بنفسه، إلا أن فيلم “طريق الآلام” (Via Dolorosa) يمنحه صوتًا حقيقيًا في سرد حكايته. وأضافت أن الفيلم يُعد شهادة حيّة على الدور الذي لعبه المسيحيون الفلسطينيون في النضال من أجل العدالة، ورفضًا قاطعًا لمحاولات محو هويتهم من المشهدين الوطني والدولي.

واختتمت حديثها قائلة: “نقف هنا لنؤكد أن هذه الأرض ليست مجرد بقايا من الماضي، بل هوية حية لن يتم إسكاتها أو محوها.”

مقالات مشابهة

  • عرض بمقر الأمم المتحدة.. “طريق الآلام” فيلم يوثق نضال المسيحيين الفلسطينيين
  • الكنيسة الكاثوليكية بمصر تشارك في اللقاء قبل الأخير لأسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين
  • محمد مغربي يكتب: تداعيات «DeepSeek».. انقلاب في عالم الذكاء الاصطناعي
  • اتحديت خالد يوسف.. ورانيا يوسف مش شايفها كدة خالص.. إبرام نشأت يفجّر مفاجآت.. فيديو
  • مجدي يوسف: مندوب إسرائيل كانت عينه في الأرض ولم يستطع الرد على كلمة النائب محمد أبو العينين
  • البحيرة: متابعة أعمال رصف شوارع قريتي سعيد طوسون والإبريقجي بمركز دمنهور
  • السوداني يطمئن المسيحيين العراقيين: مستمرون في محاربة خطاب الكراهية وتعزيز التنوع الديني
  • للمرة الثانية.. الكنيسة الكاثوليكية بمصر تستقبل لقاء الصلاة من أجل وحدة المسيحيين
  • “المشتري الرئيس” توقّع اتفاقية شراء الطاقة لمشروع توسعة محطة القرية للإنتاج المستقل
  • المشتري الرئيس توقّع اتفاقية شراء الطاقة لمشروع توسعة محطة القرية