أهنئكم أيها الأحباء بالعام الميلادى الجديد، وعيد ميلاد السيد المسيح الذى أتى متجسداً من أجل خلاص كل البشر.

لقد كانت الشعوب فى عصور العهد القديم ترفع الصلوات والطلبات من أجل مجىء المخلص، وكان الله يستجيب بإرسال الأنبياء والأبرار والصديقين، لكى ما يقودوا الناس فى تلك العصور القديمة، وكانت استجابة الله للطلبات والصلوات سبب فرح للإنسان، وتعلم الإنسان أن يختم دائماً صلواته بكلمة «آمين»، وهى الكلمة المشهورة فى جميع لغات العالم التى تعنى «استجب يا رب».

وعلى الجانب الآخر، كان الله يطلب من الإنسان أن يستمع وأن يستجيب لوصاياه، ولذلك نرى هذه الكلمات تتكرر بين أسفار الكتاب المقدس: «من له أذنان للسمع فليسمع» (رؤيا 2: 3)، وتتحدث عن الأذن التى تمثل جهاز السمع والإصغاء لدى الإنسان وبها يستمع لكل ما يقال حوله، فهى بمثابة جهاز استقبال.

ولا نتحدث عن هذا العضو الصغير الموجود فى رأس الإنسان فقط، إنما أيضاً الأذن الداخلية للإنسان، وتتمثل فى قلبه، فكل الأحاديث والآراء التى حولنا تدخل هذا الجهاز وتُترجم قلبياً، ولنا بعد ذلك الاختيار والحرية لقبول ما نسمع أو رفضه أو الاستجابة له، حسب ما يقرر قلبنا وعقلنا وحكمتنا.

هل لاحظت أن كلمة قلب بالإنجليزية وتعنى heart تحوى داخلها كلمة ear أى الأذن، لذا دائماً ما نجد ارتباطاً بين الأذن والاستجابة بقلب الإنسان، فما يسمعه بأذنه يترجمه قلبه، وتكون الاستجابة بحسب هذه الترجمة.

وإذا انطلقنا فى رحلة الإنسان على مدار أيام حياته على الأرض نجده يقابل الكثير من المواقف التى تحتاج منه إلى قرارات، بداية من أصدقاء الطفولة، نوع الألعاب، ما يفضله من أنواع الطعام، إلى اختياراته للدراسة والعمل والارتباط وغيرها من القرارات الكثيرة واليومية، وبحسب استجابته للمواقف تسير أيامه، وبحسب اختياراته يرسم حياته، وهكذا صار على مر الزمان.

نرى فى الأيام الأولى للحياة على الأرض كيف استجابت حواء لنداء الحية، وبعد الحديث معها أذعنت لطلبها، وهكذا أيضاً امتثل آدم لطلب حواء أن يأكل الثمرة، وبحسب خضوعهما للحية واختيارهما لسماع كلماتها، سارت حياتهما، فطُردا من الفردوس بعد أن كسرا وصية الله.

كذلك نتذكر كيف كان نوح البار ينادى الجميع أن يتوبوا وينضموا معه إلى الفلك، لكنهم رفضوا بسبب قساوة قلوبهم، بل تهكموا على من يبنى مركباً على سفوح الجبال، وهكذا هلكوا بالطوفان، وهناك أحداث كثيرة على مر العصور توضح اختلاف استجابة الإنسان بحسب رؤيته للمواقف.

ونحن نؤمن أن الله يستجيب، فقد قال بوعد: «ادعنى فى يوم الضيق أنقذك فتمجدنى» (مز50: 15)، فهو يريد الاستجابة لنا، لكن استجابته تتغير بحسب الزمان والمكان والطلب، وأيضاً بحسب قلب السائل، إن كان يطلب بإيمان، أو يطلب كما لقوم عادة، فقد طلب أبونا إبراهيم من الله ابناً له، ولم يمل من الطلب، فأعطاه الله نسلاً بعد وصوله وزوجته إلى الشيخوخة، وقد قبل الله صلاة يونان النبى بعد مكوثه فى جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، أيضاً استمع الله للقديس سمعان الخراز فى نقل جبل المقطم، وغيرها الكثير من الأمثلة.

وفى احتفالنا بميلاد السيد المسيح له المجد، تظهر أمامنا مجموعات مختلفة من الاستجابات البشرية، وهو ما أود أن أتأمله معكم اليوم:

استجابة القلب المطيع:

فتاة عذراء تجد ملاكاً، يبشرها بولادة ابن الله منها ويقول لها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِى تُظَلِّلكِ، فَلِذلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ». (لو 1: 35)، وبكل الطاعة تجيب: «هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك»، وتستجيب لبشارة الملاك وتستعد لاستقبال ابن الله داخلها. مع أن مريم فتاة صغيرة، لكنها تعلمت كيف تطيع الله، وتؤمن بكلماته، وتعمل كل ما يطلبه منها، ومن اتضاعها الجميل عندما تعلم أن نسيبتها أليصابات العاقر حبلى تذهب مريم عبر الجبال لتخدم أليصابات فى حملها بيوحنا المعمدان، وتقدم مثال التواضع للكل، لذلك نطوبها ونمجدها لأنها صاحبة استجابة قوية ونخصص لها شهراً كاملاً هو شهر كيهك نقدم فيه الصلوات والتسبيحات ونطلب شفاعتها أمام المسيح إلهنا.

استجابة القلب النقى:

رعاة ساهرون فى جو بارد، وهواء الشتاء الرطب، يرعون خرافهم باجتهاد فى السهول والوديان، وفجأة تنير السماء بملاك الرب يبشرهم قائلاً: «أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِى مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ».

ويدلهم على مكانه، ثم يظهر جمهور من الجند السماوى مسبحين الله قائلين: «المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة» (لو2: 14)، «فقال الرجال الرعاة بعضهم لبعض لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذى أعلمنا به الرب، فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل وكان طفلاً مضطجعاً مقمطاً» (لو2: 12)، ففرحوا بالعطية الإلهية، واستجابوا لنداء الملائكة «ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوه كَمَا قِيلَ لَهُمْ». (لو 2: 20).

استجابة القلب الواسع

بيت لحم، القرية الصغيرة، كانت تعانى من ازدحام شديد بسبب الاكتتاب خلال هذه الفترة، فقد رجع كل إنسان إلى مكان ميلاده ليكتب اسمه فى السجلات، ليتم عد الشعب بأمر الملك هيرودس، فكان الازدحام شديداً ولا يوجد مكان لإنسان، وكانت البلاد فى ذلك الزمان عبارة عن مساكن للبشر ومساكن للحيوانات، ولم يجد يوسف النجار مكاناً يذهب إليه مع مريم العذراء خطيبته ويبيتان فيه، حتى عرض عليهما صاحب بيت، لا نعرف اسمه، أن يستقبلهما، لكن ولضعف إمكانياته، فى مذود البقر، وهكذا استقبل أهل بيت لحم المولود فى قريتهم، فتباركت هذه البلدة من الله بسبب استقبالها للطفل يسوع.

استجابة القلب المتلهف أو المشتاق:

أناس علماء يدرسون الفلك والنجوم، رأوا سماء مليئة بالنجوم ولكن بينها نجم خاص، فتركوا كل شىء وذهبوا وراء النجم، لم يعلموا إلى أين يقودهم، وقد تطول فترة سفرهم بالشهور، لكنهم لم يفكروا كيف يسيرون، لأنهم يثقون أن هناك حدثاً عظيماً ويجب أن يسيروا وراءه، واختاروا المسير، ووصلوا إليه بعد تتبع النجم، وفى مقابلتهم للطفل يسوع قدموا أثمن الهدايا، واثقين أنه ليس طفلاً عادياً حتى لو مولود فى مذود متواضع بسيط، وبعد مقابلتهم له غيروا طريق عودتهم لأنهم آمنوا أنه ملك بقلوبهم لا بعيونهم.

استجابة القلب الشرير:

إنه مَلك خاف على مُلكه حين سمع من المجوس أن النجم الظاهر هو لملك عظيم، قتل الآلاف من الأطفال حتى يستمر مُلك هيرودس ولا يزعزعه أى قادم، وغضب من المجوس بسبب عدم عودتهم له، وعدم إخباره بمكان المولود، لم يفكر سوى بنفسه ومملكته وسلطته.

وهكذا ومواقف كثيرة أخرى فى حادثة الميلاد تظهر التباين بين الاستجابات بحسب القلوب، وما زالت الأصوات تعلو فى العالم تنتظر استجابة:

صوت الله يطرق على كل قلب، ليختار الإنسان أن يفتح ليدخل الله ويقيم فى قلبه، أو يغلق ولا يسمح لله بالدخول.

صوت الوصية الإلهية، ليستجيب الإنسان لها أو أن يكسرها بإرادته ويفعل ما يحلو له فى العالم، ويسير فى طريق الإلحاد وخطايا المثلية والإدمان بكل أنواعه وغيرها الكثير.

صوت الإنسانية الصارخة، ونحن جميعاً نسمعها الآن، من خلال الحروب التى انتشرت حولنا، ورد فعل العالم لها، وكيفية استجابة الشعوب لهذا الصراخ، تسمع وتستجيب أم تصم أذنيها عن الأنين الخارج من الشعوب المحطمة فى الحروب.

لقد كانت فترة الصوم الميلادى فرصة لإصلاح الأذن الداخلية فى قلب الإنسان، ليستطيع الاستماع والاستجابة، ومكتوب: «يستجيب لك الرب فى يوم شدتك»، فإذا كانت القلوب نقية فإنها تعرف كيف تسمع وتستجيب، ولأن العالم يضج بالحروب والنزاعات فهو لا يستطيع أن يستمع للصوت الإلهى الصارخ من أجل الدمار والصغار والنساء والقتلى والمجروحين والأنين الخارج من النفوس المحطمة.

إننى هنا يجب أن أشيد برد الفعل المصرى لما يحدث فى المنطقة، وكيف وقفت مصر بجانب الشعوب بمساعدات متنوعة، وأقامت مؤتمراً دولياً لإحلال السلام، ولم يألو الرئيس عبدالفتاح السيسى جهداً يبذله من خلال المباحثات والمشاورات لأجل مستقبل المنطقة.

وقد خصصت الكنيسة شهر كيهك كاملاً للصلاة من أجل إحلال السلام فى العالم كله، ليحل السلام من ملك السلام المولود.

فى النهاية.. هذا اليوم هو فرصة لكل إنسان أن يراجع استجاباته.. السيد المسيح أتى لينير الإنسانية ويضىء قلوب البشرية، يطلب منا أن يحل السلام، فهل يستجيب العالم لندائه؟ سؤال ينتظر إجابة من كل إنسان.

أخيراً، إننى أنتهز هذه الفرصة لكى ما أشكر السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى على زيارته وتهنئته لجموع المصريين بهذا العيد المجيد، ونهنئ أنفسنا على انتخابه لقيادة البلاد فى المرحلة القادمة، واستكمال خطة بناء الدولة بالمشروعات والإنجازات العظيمة.

كما نشكر كل رجال الدولة الذين قدموا لنا التهنئة بالحضور والمقابلات والمكالمات والرسائل، ونصلى أن يديم الله المحبة والروابط العميقة التى تربط جميع المصريين، على أرض هذا الوطن العزيز، كل عام وأنتم بخير.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: محبة المسيح رسائل السلام التسامح هوية المصريين من أجل

إقرأ أيضاً:

د.حماد عبدالله يكتب: " بلطجة " التعليم الخاص !!



كان الهدف الأساسى من دخول القطاع الخاص فى الإستثمار فى مجال التعليم، هو المعاونة فى تنفيذ السياسات التعليمية طبقاَ لخطة الدولة  وكانت المشاركة تعتمد على أن هذه المؤسسات التعليمية الخاصة، غير قاصدة للربح  وبالتالى نالت هذه المؤسسات والشركات إستثناءًا فى القانون بأن لا تتحمل أية أنوع من الضرائب العامة أو النوعية على نشاطها، وكانت المدارس والمعاهد الخاصة فى عصور غير بعيدة أى فى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات هى مقصد الطلاب ذوى القدرات المالية القادرة وفى نفس الوقت القدرات الفنية والعقلية الأقل كان ينظر للتلميذ الذى يقصد التعليم الخاص بأنه تلميذ (خائب ) لا يستطيع أن يجد له مكاناَ فى التعليم العام أو كما كان يسمى ( التعليم الميرى ) حيث كان التعليم فى مدارس الحكومة  شىء تتباهى به الأسر المصرية، ولعل بعض أسماء المدراس التى نقف لها ونشير إليها بالبنان  مثل الإبراهيمية والخديوية، والسعيدية، وكذلك مدرسة الفسطاط أو عمرو بن العاص، ومدرسة السنية للبنات، هذه المدارس كانت أسمائها وطلابها شىء مميز فى النشاط التعليمى المصرى، وتخّرج من هذه المدارس قادة ورواد مصر فى كل مناحى الحياة حتى فى الرياضة الأكثر شعبية ( كرة القدم ) كانت الخماسيات التى تجرى بين تلك المدارس لنيل كأس المدارس الثانوية  أهم بكثير من كأس "مصر"، الذى لا نسمع عنه شيئاَ اليوم وسط أندية رياضية محترفة فى اللعب وفى نشاط كرة القدم، ومع ذلك كانت المدارس الخاصة المنافسة فى هذا العصر، لها أسمائها مثل "فيكتوريا كوليج"، ومثل ( دى لاسال ) ومثل ( السكركير ) ( والميريدديه ) " والفرانشيسكان " وغيرهم من مدارس محترمة، قام على إدارة هذه المدارس سواء عامة ( أميرى ) أو خاصة أسماء لامعة فى عالم التربية والتعليم  وكان يقصد هذه المدارس الخاصة شباب وبنات من مصر والعالم العربى  ولا ننسى أن بعض قادة الدول العربية هم خريجى هذه المدارس مثل الملك حسين بن طلال(ملك الأردن) ( رحمه الله عليه ) خريج فيكتوريا الإسكندرية وكان متزاملًا مع الفنان عمر الشريف هكذا كانت المدارس، نجوم لامعة فى عالمنا العربى،  واليوم نسمع عن مدارس يتعارك فيها الملاك بالأسلحة البيضاء بل ويضرب الرصاص، شيء من الفزع يصيب الطلاب والسكان، أثر بلطجة أصحاب المدارس الجدد.
ولكن كيف بدأت هذه الأخلاقيات تغزوا مجال التعليم فى مصر ؟
هذا سؤال يجب توجيهه للقادة والسادة العاملين فى نشاط التعليم، لا يمكن أبداَ السكوت على هذا المستوى المتدنى من التربية والأخلاق، وكذلك من الجشع والإبتزاز، وعدم ملائمة الظروف التى تمر بها البلاد فى مجال التعليم ولعل عودة الدولة عن رفع الإستثناء فى الضرائب على هذه المدارس للقناعة لدى الإدارة والمشرعين فى بلادنا أن هذه الشركات والمؤسسات التعليمية الخاصة حادت عن أهداف إنشائها وبالتالى أصبحت مؤسسات تتاجر فى العقول وتربح دون حساب، وبالتالى هذه المظاهر التى تتناقلها وكالات الأنباء عن مستوى إحدى مدارسنا الخاصة التى كانت محترمة !! وما زلنا فى إنتظار الوزير المسئول عن التعليم، لكى يخرج من الكهف ليدلى ببيان حول هذه الوقائع، وما هى التدابير التى ستتخذها (الوزارة المحروسة) لعدم حدوثها مستقبلًا !!
وما هى خطة الوزارة المعنية بالتربية قبل التعليم، إذا جاز لنا أن نربى فقط الأخلاق ونحافظ عليها، بلا تعليم، بلا نيلة.

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: " بلطجة " التعليم الخاص !!
  • البابا يدعو لوقف الحرب في أوكرانيا
  • الأرثوذكسية: دعوات حضور «قداس الميلاد» جاهزة
  • البابا تواضروس يستقبل "الأم ماجي" بالمقر الباباوي
  • البابا تواضروس يستقبل الأم ماجي ويقدم كلمة روحية
  • البابا تواضروس يكرم رائدة العمل المجتمعي ماجي جبران
  • البابا تواضروس يستقبل رائدة العمل المجتمعي ويشيد بدورها في خدمة المجتمع المصري
  • البابا تواضروس يشهد حفل تخرج أولى دفعات جامعة هولي صوفيا
  • البابا تواضروس الثاني يشهد حفل تخريج أولى دفعات جامعة هولي صوفيا
  • حفل تخريج أولى دفعات جامعة هولي صوفيا بيد البابا تواضروس.. صور