أ. د محمد مختار جمعة يكتب.. التسامح منهج حياة
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
التسامح فطرة سوية وقيمة إنسانية والخروج عنه خروج عن قيمة دينية وإنسانية شديدة الأهمية فى حياة البشر، فقد حثنا ديننا الحنيف على السماحة واليسر، ونهانا عن الغلظة والجفوة والعسر.
التسامح خُلقٌ أصيلٌ فى ديننا، وفى ثقافتنا، وفى تكويننا وفطرتنا؛ فكتاب ربنا (عز وجل) يدعو إلى العفو والتسامح، حيث يقول سبحانه: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ»، ويقول سبحانه: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً»، ويقول سبحانه: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»، ويقول سبحانه: «وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «رَحِمَ الله رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «دخل رجل الجنةَ بسماحَتِه، قاضياً ومُتَقَاضياً»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِى شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ».
مع تأكيدنا على أن تحديد المصطلحات وبيان مفهومها بمنتهى الدقة أمر فى غاية الأهمية، فتحت مسمى الالتزام والأحوط والاحتياط فتحت أبواب التشدد التى ساقت وجرفت الكثيرين فى طريق التطرف، حتى ظن الجاهلون أن التحوط فى الدين يقتضى الأخذ بالأشد، وأن من يتشدَّد أكثر هو الأكثر تديناً وخوفاً من الله (عز وجل)، مع أن الإسراع فى التحريم دون تيقُّن ودليل قاطع أمر يُحسنه الجاهلون والمتطرفون، أما الفقه الحقيقى فهو رخصة من ثقة، وهو التيسير بدليل، وهو السماحة بيعاً وشراء، وقضاء واقتضاء، وإيماناً بحق التنوع والاختلاف، ولم يقل أحد من أهل العلم المعتبرين إن الفقه هو التشدد؛ ذلك لأن الله (عز وجل) يقول: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»، ويقول سبحانه: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ».
على أن التسامح وفقه العيش المشترك لا يقفان عند حد تعامل المسلمين بعضهم مع بعض فحسب، بل هما منهج حياة شامل يسع الناس جميعاً، حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى آمراً عباده المؤمنين بحسن المعاملة مع الناس جميعاً، فقال تعالى: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً»، ولم يقل سبحانه: وقولوا للمؤمنين أو للمسلمين أو للموحدين حسناً، وإنما أمرنا أن نقول ذلك للناس جميعاً، وأن نخاطبهم ليس بالحسن فحسب بل بالأحسن، حيث يقول سبحانه: «وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِى هِيَ أَحْسَنُ».
وعلينا أن نجعل التسامح منهج حياة لنا فى تعاملنا مع الآخر، فى قبوله، فى احترامه، فى إنصافه، وكذلك فى بيعنا وشرائنا وتقاضينا وسائر جوانب حياتنا.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: محبة المسيح رسائل السلام التسامح هوية المصريين صلى الله علیه وسلم ویقول سبحانه یقول سبحانه
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: لا تسألوا الله الصبر بل اللطف
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، بهذه الآية الكريمة يبدأ الدكتور علي جمعة حديثه حول فضيلة الصبر ومعناه في حياة المؤمنين، مؤكدًا أن الصبر ليس مجرد احتمال للشدائد، بل هو منهج عميق يحمل أبعادًا إيمانية وروحية.
أنواع الصبر: ممدوح ومذموميوضح جمعة عبر صفحته الرسمية على الفيسبوك أن الصبر ينقسم إلى نوعين: صبر ممدوح وصبر مذموم. فالصبر الممدوح هو الذي يكون "بالله، وفي الله، ولله"، أي أن يعتمد الإنسان على الله ويحتسب عنده، بينما الصبر المذموم هو "الصبر عن الله"، وهو أن يغفل الإنسان عن ذكر الله ويتجاهل حكمته في الابتلاء.
ويضيف: "ينزل الله علينا المحن لا انتقامًا منا، بل حبًا لنا. نحن صنعته، وهو ينظر إلينا برأفة ورحمة، وإذا تجلّى علينا بالجلال كسا ذلك الجلال بالجمال. فالمصائب تأتي لتذكرنا بالله، ولتعيدنا إلى الطريق المستقيم".
الابتلاء... رسالة حب ورحمةيشرح د. جمعة أن الابتلاء ليس عقابًا بل رسالة من الله، تحمل في طياتها تذكيرًا ورحمة. واستدل على ذلك بحديث النبي ﷺ: "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة". فالمصائب مثل الموت والكوارث تذكّرنا بضعفنا وافتقارنا إلى الله، وتحفّزنا على التوبة والعودة إلى العبادة الخالصة.
الصبر والصلاة... مفتاح الفرجيشير د. علي جمعة إلى ارتباط الصبر بالصلاة في الآية الكريمة، موضحًا أن الصلاة هي صلة العبد بربه، وهي مفتاح لتهذيب النفس والابتعاد عن الفحشاء والمنكر. كما أن الصلاة هي "خير موضوع"، فمن يسجد لله يجد الخير كله.
ويقول: "الصبر في الله ومع الله يرفعنا إلى مرتبة عظيمة، حيث يقول الله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. إنها جائزة عظيمة أن يكون الله مع الصابرين، ويجعلهم في مقام القرب".
لا تسألوا الله الصبر بل اللطفوحذر د. جمعة من طلب الصبر مباشرة في الدعاء، قائلاً: "سيدنا رسول الله ﷺ سمع رجلاً يدعو: اللهم أنزل عليّ الصبر، فقال له: سألت الله البلاء. لا تطلبوا الصبر، بل اسألوا الله اللطف، وإذا نزل البلاء قولوا: اللهم اجعلنا من الصابرين ومع الصابرين".
اختتم الدكتور علي جمعة حديثه برسالة إيمانية عميقة، مفادها أن الصبر ليس مجرد احتمال للشدائد، بل هو باب لمعية الله ورحمته، وهو الوسيلة التي بها يرتقي الإنسان في مدارج الإيمان. وأكد: "الصبر بالله ولله وفي الله هو جوهر العبادة، وهو ما يضمن لنا الفوز بمعية الله ورحمته في الدنيا والآخرة".