هيلين ريتشارد فافر يكتب: العودة من موسكو!.. الإعلام الغربي يسير في خط معاكس للحقائق في روسيا
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
عندما عدت من موسكو حيث ذهبت لرصد ردود الفعل حول كتابي الأخير المترجم إلى اللغة الروسية والذي تم نشره، مثل الكتب الخمسة السابقة.. وهو الكتاب الذي يحتوي على طبعة روسية - فرنسية ثنائية اللغة، قمت بقياس التغييرات التي فرضها الغرب الذي قرر قطع علاقاته مع دولة أصبحت، على حد تعبيره، معادية.. وبطبيعة الحال، فإن الحجج المقدمة لدعم هذه المسافة الحتمية التي يتعين اتخاذها يجب أن تبرر دون مناقشة أننا نشكك في مصداقيتها كما أن إنكار سنوات الحرب الكامنة، وخاصة الحرب بين الأشقاء، التي سبقت ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، يسمح لنا بتأييد الموقف الوحيد الذي يجب اعتماده.
ولأن العودة إلى ما سبق نادرًا ما يتم ملاحظتها من قبل ما يسمى بوسائل الإعلام "السائدة" كما أن الأشخاص الذين يتذكرون كيف ولماذا دخلت دونباس في الحرب الأهلية، يتم استبعادهم في الغالب من وسائل الإعلام المذكورة، أو تتم مقاطعتهم بشكل منهجي إذا تمت دعوتهم! أما بالنسبة لأولئك الذين يطالبون بالسلام، فإن دعوتهم نبيلة إلا أنه يجب تقليصها بسرعة ووضعها على هامش الخطاب الذي يجب أن يسود! خطاب يجب أن يوضح إلى أي مدى ينبغي حظر روسيا ومعاقبتها والسخرية منها وتقديمها على أنها همجية بشكل واضح وصريح!
لكن الكثير من الناس لا يفقدون حسهم النقدي ويدركون تدريجيًا مدى الدعاية التي يتعرض لها غربنا الباسل كما لا تزال هناك، بطبيعة الحال، الشخصيات والخبراء الخاضعون لوجهة النظر الرسمية.. فهم مقتنعون جدًا بـ "قول الحقيقة" لدرجة أنهم يهاجمون بلا خجل أي شخص ينظر إليهم بطريقة مختلفة ويذهبون إلى حد قطع العلاقات مع هؤلاء الأشخاص.
لقد أصبح هذا هو المكان الذي وضعتنا فيه "معلوماتنا"؛ فلم نعد نفهم بعضنا البعض. ويتم اعتبارنا في الواقع "بوتينيين" إذا رفضنا الانحياز إلى العقيدة المفروضة!
خلال إقامتي القصيرة جدًا في موسكو، أتيحت لي الفرصة للتحدث مع العديد من الأشخاص حول ما كانوا يشعرون به وما كانوا يرونه.. ولم يكن هناك أي شيء متعصب فيما سمعته، بل مجرد حقائق تم تذكرها وإهمالها بشكل عام من قبل النخب الإعلامية لدينا. وعلى سبيل المثال، عدد العائلات الممزقة، عندما يحمل أفراد من أحد الجانبين السلاح لصالح أحد الجانبين.. والآخرين لصالح الجانب الآخر إنه تمزق حقيقي!
لقد حذرت لفترة طويلة مما قد يجعل الناس أصدقاء أو أعداء؛ إلقاء اللوم على الروس بالطبع! وهذا يكفي، ولا داعي للتساؤل بعد الآن، يمكن أن يكون لـ"ستيبان بانديرا" شارعه الرئيسي في كييف، وقد قدسته كتب التاريخ، وكل شيء على ما يرام، وسيكون ماضيه "النازي" أسطورة من الأساطير! إذن لماذا تتعب عقلك وتحاول أن تفهم؟.. لقد هيمنت كراهية روسيا على الفضاء الإعلامي لنحو عشر سنوات، وبعبارة أكثر بساطة، ها هي الآن تغزوه مجددًا!
معلومات عن الكاتب:
هيلين ريتشارد فافر.. كاتبة فرنسية، درست اللغات والآداب الروسية والألمانية والفرنسية فى جامعة جنيف، قبل التخصص فى نظرية المعرفة وتاريخ اللغويات.. تكتب انطباعاتها عن رحلتها إلى موسكو بمناسبة صدور كتابها الجديد باللغة الروسية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: اللغة الروسية
إقرأ أيضاً:
ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
بقلم: إبراهيم سليمان
ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
عند الحديث عن خسارة أمرٍ ما، لابد من توضيح الحساب بكافة المعطيات، ورصد الناتج والمحصلة النهائية التي لا تقبل الجدل، ورغم ذلك هنالك تقديرات، يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة، ولا يحمد السوق إلا من ربح. وقديما قيل، "الجمرة بتحّرق واطيها" وقيل أيضا "من يده في الماء ليس كمن يده في النار"
يبدو أن حكومة بورتسودان، بقيادة الجنرال البرهان، تشمر، للتعري من ثيابها، وتستعد للخروج عن طورها، من خلال اتخاذها عدة إجراءات تعسفية، تنم عن اليأس وعدم المسؤولية الوطنية، منذ اندلاع الحرب الحالية، قطعت خدمات الاتصالات عن أقاليم غرب السودان، وحرمت مواطنين على الهوية من الأوراق الثبوتية، حظرت عليهم خدمات السجل المدني، وأخيراً عمدت الإتلاف الإجمالي للعملة والوطنية في حوالي أكثر من ثلثي أقاليم البلاد، من خلال تغيرها في مناطق سيطرة الجيش على ضآلتها، حرمان الآخرين منها، وأخراً الإصرار على إجراء امتحانات الشهادة السودانية لحوالي مائتي ألف طالب طالبة، وحرمان حوالي أربعمائة آخرين في بقية أرجاء البلاد!
بهذه الخطوات المتهورة، وغير المسؤولة، لم تترك حكومة بورتسودان، للمستهدفين من أبناء الشعب السوداني، الذين يمثلون الغالبية العظمي، سوى المضي قدماً ودون التردد أو الالتفات إلى الوراء، في المناطق التي تقع خارج سيطرة الجيش، والمحررة من عنف وظلم دولةـــ 56 لتضلع بمهام توفير الخدمات الضرورية لحياتهم اليومية والملحة لأن يعيشوا بكرامة وعدالة. وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للذين يستحقونها، بدلاً من المتاجرة فيها من قبل تجار الحرب في بورتسودان.
لماذا يدفع أبناء الولايات، التي يستهدفها الطيران الحرب لحكومة بورتسوان، وتحرمها من حقوقها الإنسانية والدستورية، تكاليف بقاء السودان موحداً؟ طالما أن هذه الحكومة غير الشرعية تدفع بعنف وإصرار لتمزيق وحدة البلاد!، وما هي قيمة الوحدة الوطنية، التي تزهق أرواح عشرات الملايين من مكونات بعينها؟ وطالما أن هنالك خمس ولايات فقط، بإدارة مواطنيها أو بغيرها، غير مباليين، بهموم وآهات بقية الإقليم، فلينفصلوا هم إن أرادوا ويتركوا الآخرين وشأنهم.
وليس هناك ما هو أغلى من أرواح الأبرياء، والحفاظ عليها، وحقن دماء أبناء الشعب السوداني مقدم على أي اعتبارات أخرى بما فيها والوحدة الوطنية القسرية. لذا نرى أن تشكيل حكومة مدنية في المناطق المحررة والتي هي الآن خارج سيطرة الجيش، وهي المناطق التي لا تعني شيئا لحكومة بورتسودان الانقلابية، ضرورة حياتية، ويعتبر التقاعس عنه، أو التردد فيه حماقة، وخذلان في حق عشرات الملايين المستهدفين، من قبل الحكومة العنصرية في بورتسودان، وجيشها القاتل.
المنوط بالحكومة المدنية المرتقبة، توفير خدمات التربية والتعليم، وخدمات السجل المدني والأوراق الثبوتية، وفتح معابر تجارية لتصدير المنتجات واسترداد كافة الضروريات المنقذة للحياة، وطباعة عملة وطنية مبرأة للذمة، استباقاً للكارثة الاقتصادية التي تلح في الأفق، ونزع الشرعية من حكومة بورتسودان التي تصر على استمرار الحرب، وترفض كافة النداءات الوطنية الدولية للجلوس للتفاوض بشأن وقف الحرب وإحلال السلام في البلاد، وتقول أنها مسعدة لمواصلة الحرب مائة عام!
وطالما أن هنالك صراع بين قوتين عسكريتين، فليكن هنالك تنازع بين حكوميتين، لتتعادل الكفتتين، وربما يسرع ذلك إيجاد حلول للحكومتين، لكن لا ينبغي أن تتوقف حياة أغلبية الشعب السوداني، من أجل خاطر الحفاظ على وحدة البلاد، التي لم يحرص عليها دعاة الحرب.
ولا نظن أن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة في الخرطوم، ستضر بوحدة البلاد، أكثر حرب كسر العظام الدائرة حالياً، وتأجيج نيران خطاب الكراهية الممنهجة، من دعاة دويلة النهر والبحر، الذين يعادون كافة مكونات البلاد، يرفضون المساواة بين مكوناتها!
ليس هناك ما يمكن خسارته، من تشكيل حكومة موازية مرتقبة بالخرطوم، حتى إن لم يعترف بها أحد، يكفي أن المأمول منها، فك ارتهان مصير غالبة مكونات الشعب السوداني، لمزاج ورعونة حكومة بورتسودان غير المسؤولة. ومما لا شك فيها أن الأوضاع الإنسانية في ليبيا واليمن، وحتى جمهورية أرض الصومال، أفضل ألف مرة منها في معظم أرجاء البلاد. تمزيق وحدة السودان المسؤول عنه حكومة بورتسودان بإجراءاتها التعسفية وقائد الجيش، الذي أعلن على رؤوس الأشهاد، استهداف حواضن قوات الدعم السريع، ويظل يمطرهم بالبراميل المتفجرية بشكل يومي.
وفي الحقيقة، فإن حكومة بورتسودان المعزولة دولياً، قد مزّقت وحدة البلاد فعلياً، بالتصعيد المنتظم من قبلها بشأن اتخاذ إجراءات مست جوهر قومية الدولة السودانية، وأن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة ما هو إلا تحصيل حاصل.
والغريق لا يخشى البلل.
ebraheemsu@gmail.com
//إقلام متّحدة ــ العدد ــ 181//