نبكى غزة وغدا مَن نبكى سواها؟
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
أمريكا راعية الإرهاب فى العالم، تحمى إسرائيل فيما ترتكبه من جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين فى تحدٍ صارخ لكل المواثيق والقوانين الدولية، وتعطى تصريحا مفتوحا لجيش الاحتلال بالعربدة كيفما شاء فى فلسطين، بل وتوسيع بؤر الصراع وانتهاك حدود دول الجوار بأى طريقة شاء فى مأمن من عقاب المجتمع الدولى.
جنوب أفريقيا انتفضت ثأرا للغزيين وتقدمت بدعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية لارتكابها أعمال إبادة ضد الشعب الفلسطينى مطالبة فى دعواها باتخاذ إجراءات الردع اللازمة ضد الاحتلال ومعاقبته، وناشدت المحكمة اتخاذ تدابير مؤقتة للحماية من الضرر الجسيم الذى لحق بالغزيين بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
ولم تنتظر أمريكا موعد المحاكمة التى ستعقد عبر جلسات استماع علنية فى قصر السلام بلاهاى يومى 11 و12 يناير الجاري، حيث أعلن جون كيربى المتحدث باسم مجلس الأمن الأمريكى أن هذه الدعوى لا أساس لها، وتؤتى نتائج عكسية، ولا تستند إلى أى حقائق.
ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر الاتهامات التى وجهتها جنوب أفريقيا إلى الاحتلال قائلا «لم نرصد حتى الآن أى أعمال تشكل إبادة جماعية فى الحرب التى تخوضها إسرائيل فى غزة».
الأمر الذى يدفعنا إلى تعريف الإبادة الجماعية، وهل ارتكبت إسرائيل أفعالا تدخل ضمنها وتخضعها للعقاب؟ أجاب عن هذا التساؤل آلان جابون، أستاذ الدراسات الفرنسية فى جامعة فيرجينيا، فى مقال نشره موقع ميديل إيست أى البريطاني، مؤكدا أن الاحتلال الإسرائيلى متورط بارتكاب 8 أشكال للإبادة الجماعية نتعرف عليها خلال السطور التالية.
أولا: القتل عبر القصف العشوائى الذى يستهدف المدارس والمستشفيات والمبانى السكنية بشكل مباشر، وتظهر الحقائق أن أكثر الضحايا من المدنيين.
ثانيا: التجويع عبر منع إمدادات الغذاء والمياه.
ثالثا: التجريد من الرعاية الطبية من خلال تدمير المستشفيات والمراكز الصحية ما يضمن لإسرائيل موت العديد من الجرحى لعدم تلقيهم العلاج.
رابعا: نشر الأمراض عبر تدمير البنية التحتية الطبية، إلى جانب الظروف المعيشية الكارثية ما يهدد بموجة أخرى من الوفيات.
خامسا: الإنهاك من خلال عمليات الإخلاء القسرى والانتقال المتكرر من منطقة إلى أخرى.
سادسا: تدمير البيئة وإحداث تلوث دائم.
سابعا: تفتيت المجتمع والتدمير المنهجى للهياكل الحكومية والإدارية وتقطيع الروابط الاجتماعية عبر سياسة التهجير.
ثامنا: كسر المعنويات على مدى عقود عبر الحرب النفسية لتعزيز الشعور باليأس والعجز بين السكان وعلى رأسهم الأطفال الذين عانوا الاكتئاب والأفكار الانتحارية.
ويبقى غير ذلك استخدام الاحتلال للقنابل الفسفورية المحرمة دوليا، والقنابل غير الموجهة لإحداث أكبر ضرر ممكن على مختلف الأصعدة.
باختصار.. حال غزة وما آلت إليه الأوضاع لم يشهد له العالم مثيلا وفقا لأنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، كما ندد مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مساء الجمعة، بالأوضاع الإنسانية السيئة التى يعيشها الغزيون، مؤكدا أن القطاع أصبح مكانا لليأس والموت، وأن هناك كارثة صحية تلوح فى الأفق، مضيفا أن عشرات الآلاف من الأشخاص معظمهم من النساء والأطفال قتلوا وأصيبوا، وأن الأمراض المعدية باتت تنتشر فى الملاجئ المكتظة بسبب فيضانات مياه الصرف الصحى.
تبقى كلمة.. سقط المجتمع الدولى فى غزة بجدارة، ووقف صامتا على مدار ثلاثة أشهر كاملة من الدمار وحرب الإبادة دون أن يحرك ساكنا خوفا من غضب راعى الإرهاب الأمريكى صاحب الفيتو الصادم.
والحل من وجهة نظرى أن ينتفض العرب والمسلمون مستخدمين أوراق ضغوطهم وما أكثرها للتفاوض مع واشنطن للوصول إلى حلول قاطعة وجذرية لأن اليهود لا ينصاعون إلا لـ«ماما أمريكا»، ولا يرون أحدا غيرها.. اليوم نبكى على غزة وغدا لا ندرى على مَن نبكى سواها!.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: باختصار ى العالم إسرائيل حق الفلسطينيين
إقرأ أيضاً:
«حماة التراث».. مكتبة حمزة قصفها الاحتلال الإسرائيلي مرتين فعاد صاحبها لبنائها من جديد
منزل مهدم وحجراته وصالته وأركانه حجارة متناثرة، حاله كحال أغلب بيوت مخيم جباليا شمال قطاع غزة، التى طالتها آلة الحرب والقتل والقصف الإسرائيلية، حتى أصبحت أثراً بعد عين، إلا أن الشاب الثلاثينى حمزة أبوتوهة، والذى يحمل شهادة الدكتوراه فى اللغة العربية ويدرِّسها بالجامعة الإسلامية فى غزة.
كان تفكيره وعيناه تنظران صوب شىء آخر بعيداً عن إعادة بناء مأواه من جديد بعد إعلان الهدنة والعودة إلى الديار، فى قلب المخيم المنكوب الذى لم تعد فيه بنايات قائمة على أعمدتها، وإذا وجدت فإنها ما تلبث أن تتهاوى على المارة بمجرد مرور سيارة بجانبها يقودها سائقها على سرعة متوسطة.
يرتدى «حمزة» صاحب الجسد النحيف والبدن المنحول حذاءه الأسود المهترئ الشاهد على المجازر والدماء والأشلاء والنزوح لأكثر من 11 مرة رفقة زوجته وأطفاله الثلاثة، إذ لم يستبدله منذ بداية العدوان على القطاع، بينما يرتدى بنطالاً وسترة باللون ذاته، يتجول بين الركام، يقلب نظره فى السوق التى بدأت تنتعش بالمنتجات المتنوعة والبضاعة بفعل إدخال المساعدات الإنسانية، ليتوقف فجأة عن السير، فقد وجد ضالته التى يبحث عنها منذ أن قصفت الطائرات الحربية منزله فى الثامن والعشرين من شهر أكتوبر عام 2023.
فى «سوق جباليا»، وبمجرد أن لمحت عينا «حمزة» قطعة قماش بالية وتتراص فوقها مجموعات مختلفة من الكتب التى غطاها رماد القنابل والصواريخ والردم، حتى هرول نحوها وانكب على ركبتيه يبحث فيها عن مراده وتحديداً كتب اللغة العربية والنحو والأدب، فمكتبته المنزلية التى كانت تعج بآلاف الكتب التى اشتراها من أماكن ومكتبات ودور نشر خارج فلسطين.
وعكف على جمعها عشرات السنين لم يعد لها أثر، يحكى الشاب الثلاثينى بينما تمتزج نبرة صوته بالسعادة تارة وبالحزن تارة أخرى: «مر عام كامل على تدمير البيت والمكتبة»، لا شىء يشبه ذلك الشاب الذى يتلذذ بأن يحمل على أكتافه عشرات الكيلوات من الورق، رغم كونه هزيل البنية، غير أنه إذا وصل إلى القاهرة، وأنفق فيها آلاف الدولارات فى سبيل جمع الكتب، كأن الله يعطيه من الطاقة ما يتوزع فى عشرة من الرجال غيره، «كان أول شىء أقوم به بمجرد العودة إلى المخيم هو التفكير والعمل على إعادة بناء المكتبة مرة أخرى».
يقول «حمزة» إنه مثل كل سنة يقضى شهره المفضل من الصيف حول جنبات الجامع الأزهر، حيث الشوارع -خصوصاً درب الأتراك- تعج بما لذ وطاب من المكتبات، عشرة كتب يشتريها من هذه المكتبة القديمة، وعشرة كتب من تلك الحديثة، وعشرون كتاباً يهديها له مؤلفوها مع كتابة إهداءاتهم له فى الجزء الفارغ من أول ورقة، ويواصل سرده فى الاستمتاع باقتناء الكتب - «حتى إذا اجتمعت لى حديقة غناء من تلك الطيبات من الكتب حَزَمتها فى حقائب السفر بدلاً من ملابسى، أحملها من القاهرة إلى حيث أسكن فى شمال غزة، لا شىء يعدل تلك الفرحة التى أعيشها حينما أعود من سفرى، فلا أنام قبل أن أضع كل كتاب فى مكانه، بعد أن أشمه وأقبله وأعطيه حقه من حواسى الخمس»، يقول «حمزة»، إنه لم يكن أمراً غريباً عليه أن يخصص نصف حقائب النزوح لدس الكتب داخلها وحملها معه حيث المجهول: «جلست فى ليلة نزوحى الأولى أفاضل بين الكتب التى سآخذها معى، كان شعوراً صعباً جداً أن أترك مكتبتى وحدها، كان وقع خبر قصفها وضياعها كالصاعقة على قلبى».