كريستيان فالار يكتب: أرمينيا وأذربيجان.. من صراع مستمر لقرون إلى السلام؟ (2)
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
أكد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ٤ مناسبات عام ١٩٩٣ (القرارات رقم ٨٢٢ و٨٥٣ و٨٧٤ و٨٨٤) على مبادئ السيادة والسلامة الإقليمية لجميع دول المنطقة، ولا سيما سيادة جمهورية أذربيجان على جميع الأراضي المحتلة من قبل السلطات الأرمينية، بما في ذلك كاراباخ، وأعرب عن دعمه لعملية السلام التي بدأتها مجموعة مينسك.
وفي عام ٢٠٠٨، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم ٦٢/٢٤٣ بتاريخ ٢٥ أبريل إلى احترام ودعم سيادة جمهورية أذربيجان وسلامة أراضيها داخل حدودها المعترف بها دوليا، وتطالب بالانسحاب الفوري والكامل وغير المشروط جميع القوات الأرمينية من الأراضي المحتلة في جمهورية أذربيجان مع التأكيد من جديد على الحق غير القابل للتصرف للمطرودين من هذه الأراضي المحتلة في العودة إلى ديارهم، مع التشديد على ضرورة تهيئة الظروف الملائمة لعودتهم.
وتجدر الإشارة إلى أنه لم يكن هناك أي شك بشأن التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية فيما يتعلق بالأذربيجانيين.. وقد تذرع البعض وما زال يتذرع بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، واضعا إياه في مرتبة السيادة إن لم يكن فوقها. هذه الإشارة غير مناسبة لأن القانون الدولي يميز بين تقرير المصير، وهو تطبيق مشروع وضروري تاريخيا لحق الشعوب في تقرير المصير، والذي لا يمكن الاحتجاج به إلا للشعوب المستعمرة، عن الانفصال، وهو غير شرعي لأنه ينتهك الوحدة الوطنية والإقليمية. سلامة الدولة. إن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ٢٦٢٥ (د-٢٥) المؤرخ ٢٤ أكتوبر ١٩٧٠: إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول يوضح ذلك من خلال تقديم إضافة رئيسية: مفهوم "الأشخاص الخاضعون للاستعباد والسيطرة" والاستغلال الأجنبي”.
وهي لا تشكل فئة أخرى من الناس، ولكنها تشير إلى الشعوب المستعمرة في وضع معين (ناميبيا، منذ إنهاء الاستعمار، وفلسطين).
وقد ذكّرت محكمتان علييان مؤخرًا بما يعنيه قانون الشعوب. ألغت المحكمة العليا لكندا في عام ١٩٩٨، فيما يتعلق بانفصال كيبيك، حق الشعوب في تقرير المصير على أساس أن هذا الحق لا ينطبق إلا على المستعمرات السابقة، في حالة اضطهاد الشعب، وهذا ليس هو الحال بالنسبة لكيبيك (انفصال كيبيك (١٩٩٨) ٢ SCR ٢١٧). تحكم المحكمة العليا البريطانية بنفس الطريقة، مشيرة على وجه التحديد إلى الولاية القضائية الكندية: ليس لدى اسكتلندا حق أصيل في تقرير المصير، وهذا الحق موجود فقط للشعوب المستعمرة أو الخاضعة للقهر أو الهيمنة أو الاستغلال الأجنبي، وهو ما لا ينطبق على اسكتلندا أكثر من كيبيك (المحكمة العليا للمملكة المتحدة، ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٢، إحالة المحامي اللورد لقضايا نقل السلطات بموجب الفقرة ٣٤ الجدول ٦ من قانون اسكتلندا لعام ١٩٩٨).
من المهم التأكيد على أن آرتساخ غير معترف بها من قبل أي دولة، ولا حتى أرمينيا؛ باستثناء ثلاثة كيانات سياسية أعلنت نفسها بنفسها وغير معترف بها: أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، على أراضي جورجيا، وترانسنيستريا، على أراضي مولدوفا، كيانات مرتبطة بموسكو.
في عام ٢٠٠٧، حددت مجموعة مينسك سلسلة من المبادئ الأساسية لتسوية النزاع، بما في ذلك إعادة الأراضي المحيطة بناجورنو كاراباخ إلى السيطرة الأذربيجانية، وتحديد الوضع القانوني النهائي للأخيرة، وحق جميع الأشخاص النازحين داخلها. عودة البلاد وجميع اللاجئين إلى مكان إقامتهم السابق (وهو ما يهم الأرمن والأذربيجانيين على حد سواء)، وفتح خطوط الاتصال؛ لكن السنوات تمر دون جدوى، لأن الجانب الأرمني يرفض أي تنازل بشأن كارا باخ.
العلاقات وثيقة بين يريفان وستيباناكيرت (اسم عاصمة آرتساخ بالنسبة للأرمن، وخانكيندي بالنسبة للأذريين)، لدرجة أن رئيسين أرمينيين يأتيان من الكيان الانفصالي، الذي يستفيد إلى حد كبير من القروض الميسرة من "أرمينيا". تعمل سلطات كاراباخ على تطوير خطاب رفض للأذريين مفاده أن منطقة RHK مأهولة حصريًا بالأرمن وأن لغة الدولة هي الأرمنية. يمكن للأذربيجانيين أن يستقروا ولكن عليهم أن يدافعوا عن الاستقلال (هاروت طوباليان، وزارة خارجية جمهورية هونج كونج، ٨ أبريل ٢٠٠٨). لكن المادة ٣٣ من دستور ٢٠٠٦ تنص على أن المواطنين الأجانب والمواطنين عديمي الجنسية ليس لهم الحق في الحصول على ملكية الأراضي، وهو ما يستهدف "الأذريين" ويمنعهم من حق العودة.
المناطق المحتلة تشكل مناطق عازلة، ولكن ليس ذلك فحسب. وهي تتمتع بثروات طبيعية: مناجم الذهب والزئبق والمعادن النادرة (الكوبالت والنيكل والنحاس) وهي موطن لمعظم الممرات المائية. هذه الثروات هي موضوع استغلال أرمني، على سبيل المثال منجم فيجنالي للذهب في زانجيلان منذ عام ٢٠١٤ أو منجم سويودلو في كيلباجار الذي تديره منذ عام ٢٠٠٧ شركة تابعة لصندوق استثمار روسي. تم بناء طريق فاردينيس مارتاكيرت لتشجيع تصدير الموارد.
ولكن ينبغي لنا أن نلاحظ أيضًا الاستعمار الزراعي الذي تموله يريفان والمغتربون، والذي يتكون من عائلات من الشتات والنازحين والقوميين. في الواقع، فإن الدولة الأرمينية تؤيد الاستعمار المحدود فقط خوفًا من اتهامها بارتكاب جرائم حرب لاستعمار الأراضي المحتلة عسكريًا. ولذلك فإن سلطات آرتساخ هي المسئولة، مع قرى صغيرة وعدد سكان صغير (١٧٠٠٠ شخص)، وفوق كل شيء الرغبة في عدم إعادة الأراضي المحتلة التي تتجلى في اندماجها في إقليم ناجورنو كاراباخ بموجب دستور عام ٢٠٠٦.
ولا شك أن "الثورة المخملية" في عام ٢٠١٨ (التي لم تحظ بتقدير كبير من قبل موسكو) وضعت نيكول باشينيان، وهو من غير مواطني ناجورنو كاراباخ، في منصب رئيس الوزراء. وبعيدًا عن الدعوة إلى المصالحة، فقد أعلن علنًا في ستيباناكيرت في عام ٢٠١٩: "ناجورنو كاراباخ هي أرمينيا، بدون أي حديث آخر"، وهو ما يغلق الباب أمام المفاوضات بحكم الأمر الواقع.. وهنا نحن نستطيع أن نفهم وسط هذه الظروف لماذا انسحبت أذربيجان -التي أذلتها الحرب الخاسرة وتعاني من مشاكل عديدة مع النازحين- من المفاوضات التي تؤكد الوضع الراهن الذي يحقق أكبر فائدة للانفصاليين وأرمينيا!
معلومات عن الكاتب:
كريستيان فالار.. العميد الفخرى لكلية الحقوق والعلوم السياسية فى جامعة كوت دازور. هو متخصص فى قضايا الأمن والجيوستراتيجى والشرق الأوسط على وجه الخصوص.. يستكمل رؤيته حول منطقة ناجورنو كاراباخ، حيث يقدم لنا بانوراما متكاملة لتطور الأحداث هناك.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جمهورية أذربيجان الأراضی المحتلة ناجورنو کاراباخ تقریر المصیر فی تقریر وهو ما فی عام
إقرأ أيضاً:
التـداوي بالتـاريـــخ..
*عبدالرحمن الشقير
تعاني الشعوب من أوجاع تاريخية كثيرة، مثل: قراءة التاريخ بروح مثقلة بمعاني الحروب بين المدن والغزو بين قبائل البادية، أو وصم المجتمع بالجهل والظلم، واختزال إنجازات الآباء والأجداد في معاني سلبية، وعدم تقدير الإنجازات العظيمة في التعليم والبناء والزراعة والتجارة والأمن والتراث المادي وغير المادي، وتكثيف المعاني حول الكوارث الطبيعية ومواسم الأوبئة.
لذلك فإن تناوله في هذا السياق يحتاج إلى مراجعة وتصحيح، قبل أن تتحول تلك الأوجاع إلى طاقة سامة تسري في روح المجتمع.
أخبار قد تهمك مكافحة الفساد: مسؤولية مجتمعية تبدأ من الفرد وتنتهي بالدولة 10 ديسمبر 2024 - 12:41 مساءً السعودية لم تقصر .. أنتم المقصرون .. وأنتم المسؤولون ! 19 يونيو 2024 - 1:03 مساءًوعلى ذلك فإن أوجاع الماضي المسكوت عن كثير منها، يتطلب علاجها مواجهتها وتشخصيها وتضميد جراحها، من أجل غد صحي للأجيال، لكي تستطيع أن تتجاوز الأمراض التي تسير بقوة التاريخ.
وتكمن أهمية الموضوع الآن بسبب صعود أفكار فردية جديدة تتضمن تصورات خاطئة عن الدين والمجتمع والدولة ناتجة عن معنى الحياة والوجود والتقليل من دور التاريخ في فهم الحاضر؛ بسبب كثرة المتغيرات الجديدة والمستحدثة والمعقدة.
ما التداوي بالتاريخ؟
التداوي بالتاريخ هو استخدام الأحداث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية بشكل عام، باعتبارها مادة خام لفهم المشكلات النفسية للشعوب والجمعات والأفراد، وإيجاد الحلول لها أو التصالح معها بتحليلها ووضعها في سياقات سليمة.
ومن طبيعة الشعوب أن تبحث عن أمل أو ترجو فرج قريب من خلال تأمل الأحداث الماضية وإسقاطها على الواقع. وتجد في القصص والأحداث ملاذًا بهدف التعرف على الواقع لتجاوز تناقضاته وللتأثير المعنوي في نفسيات الشعوب، من خلال إبراز القيم الاجتماعية والمعاني الفلسفية.
ويخف القلق من المجهول كلما كانت الأزمات مشتركة بين الشعوب والأفراد رغم اختلاف الزمان أو المكان، فمن طبيعة الإنسان أن تهدأ وحشته إذا وجد من يشبهه في أزماته. فالتاريخ، بوصفه موضوعًا للتأمل، يسهم بشكل فاعل في تنظيم أفكارنا، وتزويدنا بالحكمة والاعتداد بالخبرات المبنية من الداخل.
ويوجد فرق كبير بين التداوي بالتاريخ باستخدام الأحداث وسيلة وأداة للفهم الفلسفي بهدف إيجاد معاني، وبين استخدامه بوصفه غاية لتسلية العامة والمتعة المجردة من معاني التداوي والفلسفة.
ووظيفة التاريخ العلاجية تكمن في دراسته كما وقع، وتنقيته من الخرافات والأكاذيب التي سعت إلى أدلجته، لتفعيل دوره الكبير في تحقيق التجانس الاجتماعي، وتقوية الروابط الاجتماعية بتذكر الأحداث التي وحدت المجتمع أو الدولة، ومحاولة إلقاء الضوء على أسباب الصراع أيا كانت، لمنع تكرارها.
وبالتالي فإن التفكير النقدي والتأمل الفلسفي من أبرز مناهج قراءة التاريخ وإيجاد معاني جديدة له ترتبط بالواقع، وتساعد على فهم الذات أولًا ثم معرفة قوانين التغير الاجتماعي.
إيجاد المعنى للتاريخ
تتداوى الشعوب بالتاريخ بالوقوف على المعاني العميقة من قراءته، وقيم الإنجاز في كافة مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية والثقافية؛ وذلك عبر الوسائل المتاحة من روايات ومؤلفات تاريخية أو سير ذاتية أو أفلام تاريخية أو حتى سماعه مباشرة من رواته.
وقد استخدم القرآن الكريم التداوي بالتاريخ بشكل موجه ومقصود، لأغراض الدعم النفسي للدعوة النبوية والمحافظة على تماسكها باستدعاء القصص المشابهة عند الأزمات “وكلًا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك”.
وفي عام الحزن الذي توفيت فيه خديجة، زوجة النبي، وعمه أبو طالب، وهما من أبرز داعميه في بدايات بعثته، نزلت سورة يوسف لمحاكاتها التعرض للأزمات وغياب المؤيد، ثم الانتصار في الأخير.
ومن المهم كتابة التاريخ بروح العصر الذي جرت فيه الأحداث، والتعرف على القوانين الاجتماعية ومصفوفة القيم التي تحرك سلوك المجتمع وتبني علاقاته، والنأي به عن إثارة العصبيات.
ويمكن ملاحظة الفرق بين من يفاخر بالغزو القبلي، ومن يفاخر بالإنتاج العلمي والاقتصادي والعمراني والزراعي، ثم اختزال التاريخ في القوة الخشنة، بسبب كثافة توثيقها نثرًا وشعرًا، وإهمال القوة الناعمة.
ويمكن الإفادة من التاريخ في صياغة الهوية وبناء صورة ذهنية جديدة، مما يمنح الثقة الشعبية وتقدير منجزات الأسلاف، وبناء أجيال متكافئة الفرص.
دروس من تجارب الشعوب
يعد العالم اليوم معملًا ضخماً لإعادة إنتاج التاريخ، حيث أكدت بعض التجارب على قدرة المجتمعات ذات الإرث الحضاري الخالد أن تمنح الشعوب تماسكاً يساعدها في تجاوز أزماتها وحروبها.
ويوجد تجارب عالمية نموذجية في قدرة الشعوب على تجاوز أزماتها الكبرى والتصالح مع الجانب المظلم من تاريخها وتحويله إلى قوة، مثل: تجربة اليابان في تجاوز كارثة هيروشيما وناجازاكي، وخروج ألمانيا بعزيمة البناء بعد الحرب العالمية الثانية، والمصالحة الوطنية العظيمة في راوندا بعد مذابح عرقية كانت كفيلة بجرها إلى حروب طويلة الأمد.
وتعتبر تجربة المغرب في تجاوز الماضي من خلال مواجهة أوجاعه وحث المجتمع على قراءة ما كتب عنه، من أجل بناء علاقات مجتمعية مبنية على الثقة، من التجارب الرائدة؛ حيث تأسست “هيئة الإنصاف والمصالحة” (2004- 2006) بهدف معالجة حالات انتهاك حقوق الإنسان في “سنوات الرصاص” التي امتدت بين عامي (1956- 1999).
وفي العصر الحديث يشعر المصريون بالتماسك إذا استذكروا أن مراكز الشرط لم تسجل حالات جنائية في المجتمع أثناء حرب 6 أكتوبر 1973؛ وذلك لأن الوحدة الشعبية أثناء الحرب زادت من تماسك المجتمع، واستشعر الجميع مسؤولياته الوطنية، وتوقفت حالات الاعتداء والثأر وتوقف اللصوص.
وكل هذا الاستدعاء يجسد الفهم العميق في علم نفس الشعوب، ويمارس دوره العلاجي المتمثل في رفع الروح المعنوية الشعبية، وتعزيز تحمل الأزمات تأسيًا بسيرة الآباء المؤسسين.
الرواية: ذاكرة التاريخ
تشكل الروايات الأدبية ذاكرة جمعية وتجارب شعبية، وفي كتاب “الروايات التي أحب” ترجمة لستة لقاءات روائية، كانت الأولى بعنوان: لماذا نحب الرواية؟ وقد جاءت الإجابات متسقة مع التداوي بالتاريخ، وأبرزها:
أن الرواية تمثل نوعًا من الذاكرة الجمعية المميزة لكل جغرافية بشرية، فهي عبارة عن “خزانة الحكايات” التي يمكن من خلالها الإطلالة على العادات والتقاليد وأساليب العيش ونمط الحياة اليومية وفنون الطبخ والأزياء في كل عصر، فالطلاب عادة ينسون ما تعلموه في المدارس، ولا ينسون التاريخ والأدب.
كما تؤدي الرواية الآن وظائف الأسطورة قديمًا، وهي البديل الأمثل للأساطير التي كانت تسهم في تعزيز الصلابة الداخلية للفرد وتقوية بنيانه الذهني والنفسي، وتمكينه من العيش بسلام بعيدًا عن التخاذل والانهزام أمام المصاعب.
وتعتبر الرواية وسيلة ترتقي بالخيال البشري، وتمنع انزلاقه في هوة الركود، خاصة بعد هيمنة الإنجازات العلمية والتقنية التي تنمّط الحياة وتحولها إلى سلة خوارزميات محددة بشكل مسبق، مما يهدد العقل التحليلي الذي هو ميزة فريدة للعقل البشري.
وتبرز رواية “طوق الحمام” لرجاء عالم جوانب من التعقيد الثقافي في مكة من خلال المرأة والدين وقيم التقليد والتحديث، وتلقي رواية “مدن تأكل العشب” لعبده خال الضوء على المهمشين والهامشيين في المدن الحدودية على الأطراف، وتسهم رواية “سقف الكفاية” لمحمد حسن علوان في استيعاب التحولات النفسية والاجتماعية أثناء التغيرات التنموية في السعودية.
وهذه الروايات تواجه الماضي بشجاعة، وتسهم في معالجة المشاعر السلبية المتراكمة عبر الأجيال، وتفسر بعض مظاهر التهميش الناتج من سياقات تلقائية، والظروف البيئية التي تفرض أنواعا من السلوك والعادات مما أوجد تنوعا ثقافيا بتنوع الجغرافيا.
ويعد التاريخ من أبرز محركات الذهنية الشعبية، وخاصة ما يشيع بينهم من أحداثه وأبطاله، فيحفظونه عن ظهر قلب، ويرددونه على مسامعهم في المنتديات والجلسات العامة والخاصة، ويورثونه الأجيال، وتتحقق كثير من مكانات الأفراد الاجتماعية استناداً إلى مكانة تاريخ بلدانهم وأسرهم ومؤسساتهم وحضارتها ومنجزات أهلها، وحسن إدارة المعلومات والاستثمار فيها يحقق عوائد رمزية تنعكس تلقائياً إلى عوائد مادية غير مباشرة.
نحو قراءة جديدة للتاريخ
يؤكد الفيلسوف فولتير، على أن الاهتمام بالتاريخ مظهر من مظاهر الاهتمام بالإنسان؛ لا بمجرد الماضي، بل لأن دراسة الماضي تزيدنا خبرة وتجربة بالحاضر، وبالتالي الاهتمام بالإنسان وحياته.
وقد حدث تغيير جذري بالفعل في طرق الكتابة التاريخية، فلم يصبح مجرد سرد لأحداث المعارك وسير الملوك وأخبار البلاط؛ وإنما شمل شتى مظاهر النشاط الإنساني، من عادات ومعتقدات، وتشريع وعلم وفلسفة، وفن وتكنولوجيا وتجارة وصناعة، إن نشاط الشعب في مجالات العلم والفن والفلسفة والأدب والتكنولوجيا تفصح عن تقدم الشعوب أكثر مما تفصح عنه الحروب.
فالتاريخ يعمل على تقوية الذاكرة الجماعية، وهكذا تصبح الأحداث التي يسردها المجتمع عن نفسه عقيدة تتغلغل في نفوس أبنائه، حتى يتحول إلى أيديولوجيا تمثل بالنسبة للممارسة الجماعية ما يمثله الدافع بالنسبة لسلوك الفرد، مدفوعة دائما بإرادة بيان أن المجتمع الذي يمثلها له الحق في أن يكون على ما هو عليه.
ختام
يقدم التاريخ مادة خام عظيمة في ترميم نفسية الشعوب المثقلة بالأوجاع، ويتيح فرصًا كبيرة لالتقاط جماليات الأحداث، ومنع خداع الذهن بالآلام وإيقاف تغذيته بسلبياتها.
والظروف متاحة الآن لإعادة قراءة التاريخ وصياغته بمنهجيات نقدية وفلسفية جديدة تستلهم قيم الإنجاز وتقبل الأخطاء، ودعم الفن والأدب في كتابة التاريخ، وتحويل الأزمات والجرائم إلى قصص ملهمة.
وسوف يسهم الذكاء الاصطناعي في جودة صناعة التاريخ منهجيًا وفنيًا؛ بحيث يمكن توظيفه في قراءة المستقبل وصناعة أفلام وثائقية متخيلة في ضوء عدم اليقين ونقص المصادر، واستخدامه في تبسيط تاريخ العلوم بجميع تخصصاتها في مناهج التعليم.
*نقلاً عن: alriyadh.com