لجريدة عمان:
2025-02-01@18:04:38 GMT

النمط الاجتماعي.. والنمط الاقتصادي

تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT

ما يدفعني لكتابة هذه المقالة هو الإشارة المتكررة التي وجدتها في التقارير والتحليلات التي تحاول استشراف معطيات العام الجديد (2024) على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث أحرص بشكل سنوي على مطالعة بعض التحليلات التنبؤية لمسار الأحداث العالمية، والتي ترتكز على آراء الراصدين والخبراء، وقراء خط التاريخ والمفكرين المستقبليين.

الإشارة التي أقصدها هنا بالتركيز على كيف ستلعب الأنماط الاجتماعية (الصغيرة) دورًا في تحولات اقتصادية استراتيجية. هذه الأنماط والتي تكاد تكون غير مرئية، أو خارج عن إطار الاهتمام العام ما زالت الدراسات حولها شحيحة، ومجزأة، وتفتقد للمنظور الشمولي. منها على سبيل المثال التوقع الذي وضعه كلٌ من: أريانا هافينجتون ، وفونكي أفولابي براون، وديفيد كو حول صعود ما يُعرف بـ «اقتصاديات النوم». حيث أصبحت (جودة النوم) اليوم عنصرًا محوريًا في منظومة جودة الحياة؛ ولكن مع ظهور معاناة عالمية من مشكلات الأرق والنوم السيئ وتدهور الإنتاجية العامة للأفراد بسبب مشاكل النوم؛ صعد سوق منتجات النوم، والتي تركز في أشكالها المتعددة على توفير الظروف الملائمة لتحسين جودة النوم لدى الأفراد. حيث باتت العيادات المتصلة بموضوع اضطرابات النوم، أو استشارات تحسين جودة النوم تنتشر بشكل موسع، والطلب عليها يرتفع من حين لآخر. عوضًا عن أن الإحصائيات العالمية تشير إلى ارتفاع الطلب على الأدوية المساعدة على النوم. وفي الحديث عن صعود «اقتصاديات النوم» تتم الإشارة إلى الدراسة الشهيرة التي أجرتها مؤسسة راند والتي حسبت كلفة خسائر الإنتاجية بسبب تدهور منظومة جودة النوم للعاملين، حيث تصل الخسائر في أقصاها بالولايات المتحدة الأمريكية إلى نحو 2.9% من الناتج القومي.

يقودنا هذا الحديث إلى قضايا أخرى، يمكن أن نسقط عليها ذات الدلالة الاقتصادية، فمن الممكن أن نتحدث عن كلفة الازدحام المروري وتأثيره على الإنتاجية العامة، أو كلفة استخدام الشبكات الاجتماعية وتأثيرها على الإنتاجية العامة. قد تكون هذه القضايا وغيرها تقاس في سياقها التخصصي (الفني)، وفي المقابل يتم الاستهانة بتأثيرها الاقتصادي الكلي، ويتم في بعض الأحيان القفز على الأنماط الاجتماعية المولدة لها. فجزء من مشكلات الازدحام المروري على سبيل المثال يعود إلى أنماط اجتماعية، في ثقافة استخدام المركبات، والإحجام عن النقل التشاركي والنقل العام. وجزء من تأثير الشبكات الاجتماعية على الانتاجية يعود إلى نوعية المحتوى المستهلك من قبل الأفراد عبر هذه الشبكات، وآليات توظيفها واستهلاكها كأنماط اجتماعية. وهو ما يتطلب في المرحلة المقبلة التركيز على دور الأنماط الاجتماعية في الإنتاجية العامة، وحين نتحدث عن موضوع الإنتاجية العامة، فهي تتضمن إنتاجية العمل والعمالة، وتتضمن كذلك الانعكاسات على تحصيل الدارسين، وعموم قدرات الأفراد على القيام بأدوارهم حسب المعايير والمحددات التي يقتضيها السياق الذي ينشطون فيه. وبالعودة إلى دور الأنماط الاجتماعية نعتقد أن هناك جملة من الأنماط التي تستحق محور التركيز عليها في سياق فهم الإنتاجية، وقياس المؤثرات عليها، فقد تكون هذه الأنماط في هيئة (معتقدات/ أعراف/ سلوكيات/ ممارسات جمعية) ولكنها في المجمل تشكل هدرًا للطاقات الإنتاجية، سواء ممارسة أنماط الحياة الصحية، أو تقليل احتمالية حدوث بعض الأمراض المؤثرة على إنتاجية الفرد، أو الاهتمام بأنماط علاقات اجتماعية وأسرية صحية وداعمة، أو ضرورة الاستثمار في عمليات التعلم الذاتي وتطوير المعرفة، أو آليات التحكم في القدرة المالية الذاتية وسواها. وهذه أمثلة يختلف الأفراد في منظورهم لها، وفي أفكارهم تجاه شكل الالتزام الأمثل فيها، بناء على معتقداتهم، والنسق الثقافي والاجتماعي الفرعي الذي يوجههم، بالإضافة إلى ما ألفوه من ممارسات مجتمعية محيطة في سياق الاجتماعي الأصغر. فالحفاظ على نمط الأسرة الداعمة قد يشكل للفرد دافعًا لإنتاجية أكبر، ويقلل مساحة التعرض للتشتت، ويهيئ للفرد أن ينخرط في منظومة الإنتاج بتركيز أكبر. ويمكن أن نسحب ذلك على بقية الأنماط المذكورة أعلاه.

وبالعودة إلى التوقعات بصعود «اقتصاديات النوم» يبرر المؤلفون ذلك بأن عام (2024) سيكون عام العودة الكلية إلى المكاتب، وذلك بعض رفع كافة التدابير المتعلقة بجائحة كورونا (كوفيد 19)، وحاجة أغلب المؤسسات لعودة الموظفين إلى المكاتب. وهذا يفيد بأن الجائحة خلقت هي الأخرى نمطًا اجتماعيًا يركز على إمكانية العمل في أي وقت ومن أي مكان. وبحسب وجهة نظر الباحثين فإن هذا النمط أفقد العديد من الأشخاص النوم المنتظم، عوضًا عن الوقت الموسع الذي يقضيه الموظفون ليلًا مع عائلاتهم أو أصحابهم لعدم وجود التزام بوقت محدد للصحو صباحًا. وبالتالي فإن هذا النمط سيضع أمام قطاع واسع من الموظفين تحديا لإعادة ضبط نومهم، وتحسين جودته، والقدرة على العودة إلى منظومة العمل بطريقتها السابقة. وهو بحسب توقع الباحثين ما سيدفع إلى زيادة الطلب على منتجات النوم باختلافها. في الصين هناك تسمية شائعة عن «اقتصاديات النوم» تشبه هذا التحدي بـ «عصر الأرق العظيم»، بينما ترصد الكثير من التقارير المرتبطة بالتطورات التقنية لعام 2024 أن جزءا من المبتكرات المتوقعة أن تدخل السوق وتحدث انتقالًا كبيرًا يتصل بالأجهزة المساعدة على النوم، والتي تستفيد من البيانات الضخمة، ومن التتبع الدقيق لحياة الفرد عبر الملاصقة المباشرة من خلال استخدام بيانات الهاتف، وما يتم تخزينه، وتعلميه للآلة من بيانات حول الأشخاص ونمط عيشهم.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإنتاجیة العامة جودة النوم

إقرأ أيضاً:

هل يعيد ترامب إحياء مشروع "الممر الاقتصادي"؟

يطرح الباحث غابرييل ميتشل في مقال نشره موقع "وور أون ذا روك" إمكانية إحياء مشروع "الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا" في حال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

"الممر" ليس مجرد مشروع اقتصادي بل أداة جيوسياسية

وقال الكاتب في مقال بموقع "وور أون ذا روك" الأمريكي المعني بالشؤون العسكرية والجيوسياسية، أن المشروع ليس مجرد مبادرة اقتصادية، بل أداة جيوسياسية لمواجهة النفوذ الصيني والروسي.

 الممر الاقتصادي 

تم إطلاق "مبادرة الممر الاقتصادي" خلال قمة مجموعة العشرين في دلهي عام 2023، وتهدف إلى ربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا عبر شبكة من الطرق البحرية والسكك الحديدية وخطوط أنابيب الطاقة.

 وأشاد الرئيس جو بايدن بالمشروع باعتباره مبادرة تحويلية يمكن أن تنافس "مبادرة الحزام والطريق" الصينية.

Insightful and detailed study by @GabiAMitchell on the India-Middle East Economic Corridor, looking at U.S. options under Trump, along w/ alternative projects, such as the Türkiye- & Iraq-led ( andUAE- & Qatar-funded) Development Road.https://t.co/94PLPS4Rh2 @WarOnTheRocks

— Barın Kayaoğlu (@barinkayaoglu) January 28, 2025

يتضمن المشروع أيضاً استثمارات في كابلات البيانات تحت البحر وخطوط أنابيب الهيدروجين الأخضر وخطوط الربط الكهربائي.

مشروع طموح.. وعقبات تعترضه

على الرغم من كونها مبادرة واعدة، واجهت "مبادرة الممر" انتكاسات فورية في أعقاب هجوم حماس في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل والصراع الإقليمي اللاحق

كما اعتبرت إيران، الخصم الإقليمي الرئيس، "الممر" تهديداً لنفوذها في المنطقة.

 إحياء "الممر" في عهد ترامب

وقال ميتشل إن مشروع "الممر" قد يستعيد الزخم في ظل إدارة ترامب، شريطة أن يعالج التحديات الأمنية في المنطقة. 

Making Deals, Building Corridors: Trump’s Middle East Moment - War on the Rocks https://t.co/qJQuyTmMqf

— Ziya Meral (@Ziya_Meral) January 28, 2025

ويرى ميتشل أن إدارة ترامب قد تتمكن من إعادة الزخم للمشروع، مستفيدةً من علاقات ترامب الوثيقة مع زعماء مثل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

لكن في المقابل، قد تعرقل أجندة "أمريكا أولًا" والصراعات الدولية الأخرى تركيز واشنطن على هذه المبادرة.

خطوات لدعم المشروع:

ولدعم المشروع، يقترح ميتشل عدة خطوات:

تعيين مبعوث خاص: لتنسيق السياسات بين الدول المشاركة. تمكين الشركاء الإقليميين: عبر تفويض المسؤوليات إلى الحلفاء الموثوق بهم. معالجة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط: من خلال ترسيخ اتفاقيات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وكذلك بين إسرائيل وحزب الله. احتواء إيران وعدوان الحوثيين: يجب على الولايات المتحدة أن تضع استراتيجيات لتقييد النفوذ الإيراني وتأمين الطرق البحرية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي. التداعيات الأوسع لمبادرة "الممر"

وختم الكاتب "في ظل التحديات الأمنية واللوجستية، يظل مستقبل الممر الاقتصادي مرهوناً بإرادة سياسية دولية متماسكة، تتجاوز الاعتبارات الأمريكية الداخلية، ومع ذلك، يبقى المشروع خياراً استراتيجياً لتعزيز التكامل الإقليمي وتقليل الاعتماد على الصين".

مقالات مشابهة

  • «المصرية للتعدين»: مجمع إنتاج الكوارتز «الأول عالميا» في تكامل العملية الإنتاجية
  • العدل والمساواة السودانية تترحم على شقيق وزير التنمية الاجتماعية
  • وزير البترول: دراسة سبل استغلال الطاقات الإنتاجية غير المستغلة في مصافي السويس
  • أهم الخدمات التعليمية المقدمة لأبناء مستفيدي الضمان الاجتماعي
  • هل يعيد ترامب إحياء مشروع "الممر الاقتصادي"؟
  • رئيس الوزراء ونظيره العراقي يشهدان فعاليات الملتقى الاقتصادي بين البلدين
  • لضبط الخارجين عن القانون.. جهود قطاع الأمن الاقتصادي خلال يوم
  • تحسين جودة النوم بدون أدوية: أفضل الطرق الطبيعية لعلاج الأرق
  • الى اين يتجه الصراع الاقتصادي.. كندا تخفض سعر الفائدة 
  • انطلاق المؤتمر الإقليمي للرعاية البديلة ودور التنمية المستدامة.. «الحماية الاجتماعية للأطفال والشباب والتمكين الاجتماعي والاقتصادي والاستدامة وبناء مؤسسات معاصرة» أبرز المحاور