النمط الاجتماعي.. والنمط الاقتصادي
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
ما يدفعني لكتابة هذه المقالة هو الإشارة المتكررة التي وجدتها في التقارير والتحليلات التي تحاول استشراف معطيات العام الجديد (2024) على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث أحرص بشكل سنوي على مطالعة بعض التحليلات التنبؤية لمسار الأحداث العالمية، والتي ترتكز على آراء الراصدين والخبراء، وقراء خط التاريخ والمفكرين المستقبليين.
يقودنا هذا الحديث إلى قضايا أخرى، يمكن أن نسقط عليها ذات الدلالة الاقتصادية، فمن الممكن أن نتحدث عن كلفة الازدحام المروري وتأثيره على الإنتاجية العامة، أو كلفة استخدام الشبكات الاجتماعية وتأثيرها على الإنتاجية العامة. قد تكون هذه القضايا وغيرها تقاس في سياقها التخصصي (الفني)، وفي المقابل يتم الاستهانة بتأثيرها الاقتصادي الكلي، ويتم في بعض الأحيان القفز على الأنماط الاجتماعية المولدة لها. فجزء من مشكلات الازدحام المروري على سبيل المثال يعود إلى أنماط اجتماعية، في ثقافة استخدام المركبات، والإحجام عن النقل التشاركي والنقل العام. وجزء من تأثير الشبكات الاجتماعية على الانتاجية يعود إلى نوعية المحتوى المستهلك من قبل الأفراد عبر هذه الشبكات، وآليات توظيفها واستهلاكها كأنماط اجتماعية. وهو ما يتطلب في المرحلة المقبلة التركيز على دور الأنماط الاجتماعية في الإنتاجية العامة، وحين نتحدث عن موضوع الإنتاجية العامة، فهي تتضمن إنتاجية العمل والعمالة، وتتضمن كذلك الانعكاسات على تحصيل الدارسين، وعموم قدرات الأفراد على القيام بأدوارهم حسب المعايير والمحددات التي يقتضيها السياق الذي ينشطون فيه. وبالعودة إلى دور الأنماط الاجتماعية نعتقد أن هناك جملة من الأنماط التي تستحق محور التركيز عليها في سياق فهم الإنتاجية، وقياس المؤثرات عليها، فقد تكون هذه الأنماط في هيئة (معتقدات/ أعراف/ سلوكيات/ ممارسات جمعية) ولكنها في المجمل تشكل هدرًا للطاقات الإنتاجية، سواء ممارسة أنماط الحياة الصحية، أو تقليل احتمالية حدوث بعض الأمراض المؤثرة على إنتاجية الفرد، أو الاهتمام بأنماط علاقات اجتماعية وأسرية صحية وداعمة، أو ضرورة الاستثمار في عمليات التعلم الذاتي وتطوير المعرفة، أو آليات التحكم في القدرة المالية الذاتية وسواها. وهذه أمثلة يختلف الأفراد في منظورهم لها، وفي أفكارهم تجاه شكل الالتزام الأمثل فيها، بناء على معتقداتهم، والنسق الثقافي والاجتماعي الفرعي الذي يوجههم، بالإضافة إلى ما ألفوه من ممارسات مجتمعية محيطة في سياق الاجتماعي الأصغر. فالحفاظ على نمط الأسرة الداعمة قد يشكل للفرد دافعًا لإنتاجية أكبر، ويقلل مساحة التعرض للتشتت، ويهيئ للفرد أن ينخرط في منظومة الإنتاج بتركيز أكبر. ويمكن أن نسحب ذلك على بقية الأنماط المذكورة أعلاه.
وبالعودة إلى التوقعات بصعود «اقتصاديات النوم» يبرر المؤلفون ذلك بأن عام (2024) سيكون عام العودة الكلية إلى المكاتب، وذلك بعض رفع كافة التدابير المتعلقة بجائحة كورونا (كوفيد 19)، وحاجة أغلب المؤسسات لعودة الموظفين إلى المكاتب. وهذا يفيد بأن الجائحة خلقت هي الأخرى نمطًا اجتماعيًا يركز على إمكانية العمل في أي وقت ومن أي مكان. وبحسب وجهة نظر الباحثين فإن هذا النمط أفقد العديد من الأشخاص النوم المنتظم، عوضًا عن الوقت الموسع الذي يقضيه الموظفون ليلًا مع عائلاتهم أو أصحابهم لعدم وجود التزام بوقت محدد للصحو صباحًا. وبالتالي فإن هذا النمط سيضع أمام قطاع واسع من الموظفين تحديا لإعادة ضبط نومهم، وتحسين جودته، والقدرة على العودة إلى منظومة العمل بطريقتها السابقة. وهو بحسب توقع الباحثين ما سيدفع إلى زيادة الطلب على منتجات النوم باختلافها. في الصين هناك تسمية شائعة عن «اقتصاديات النوم» تشبه هذا التحدي بـ «عصر الأرق العظيم»، بينما ترصد الكثير من التقارير المرتبطة بالتطورات التقنية لعام 2024 أن جزءا من المبتكرات المتوقعة أن تدخل السوق وتحدث انتقالًا كبيرًا يتصل بالأجهزة المساعدة على النوم، والتي تستفيد من البيانات الضخمة، ومن التتبع الدقيق لحياة الفرد عبر الملاصقة المباشرة من خلال استخدام بيانات الهاتف، وما يتم تخزينه، وتعلميه للآلة من بيانات حول الأشخاص ونمط عيشهم.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإنتاجیة العامة جودة النوم
إقرأ أيضاً:
ملف النازحين السوريين محور لقاء بين البيسري ووزيرة الشؤون الاجتماعية
استقبل المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيّد، وعرض معها ملف النازحين السوريين في لبنان.