لا يقع عبء تربية طفل ذي إعاقة جسدية أو عقلية على الوالدين وحدهما، بل يتأثر كل فرد في الأسرة، لا سيما مع نقص الخدمات وعدم وجود أنظمة شاملة تدعم حاجيات ذوي الاحتياجات الخاصة، ويشير مصطلح "جلاس تشايلد" أو "الطفل الشفاف أو غير المرئي" إلى أشقاء هذا الطفل، إذ تنصب اهتمامات الوالدين على تلبية احتياجاته، وفي المقابل يعجزان غالبا عن منح باقي الأشقاء نفس القدر من الاهتمام، لمجرد أنهم ينمون ظاهريا بشكل طبيعي.

ما متلازمة "الطفل الشفاف"؟

بدأ استخدام هذا المصطلح منذ عام 2010 في مؤتمر تيدكس الدولي، عندما وقفت إليسيا مابلز، مدربة الأعمال المعتمدة، تتحدث عن تجربتها الشخصية كأخت لشقيق مصاب بالتوحد، ووصفت نفسها وكل أشقاء ذوي الاحتياجات الخاصة بـ "الأطفال الزجاجيين".

لم تستخدم مابلز "الزجاج" في إشارة إلى هشاشته، وإنما قصدت خصائص الزجاج الشفافة والمرئية بدرجة تجعلك ترى من خلاله بوضوح وكأنه غير موجود، وبنفس المنطق يتعزز لدى هؤلاء الأشخاص شعور بأنهم غير موجودين.

لا أحد يهتم أو يستمع

عالج المخرج ستيفن شوبسكي هذه المتلازمة بذكاء في فيلمه السينمائي "ووندر" عام 2017، والمأخوذ عن قصة حقيقية، وجسدتها "فيا" الأخت المراهقة، التي اعتادت أن ينال أخوها "أوغي" المولود بتشوهات خلقية في الوجه كل الاهتمام، حتى أن والدتها علقت حياتها بأكملها من أجله، وأظهرت "فيا" خلال أحداث الفيلم مدى تفهمها وتجنبها الشكوى أو التعبير عن مشكلاتها الحياتية، حتى لا تحمل والديها فوق طاقتهما، ولأنه لا أحد يهتم أو يستمع لها، وكثيرا ما يتم تجاهلها، تضطر في أحد المشاهد أن تقول لأخيها "إن العالم لا يدور حولك".

اضطرابات نفسية وسلوكية

نقلا عن موقع "لايف هاكر" يقول المعالج السريري المتخصص، جامي دوملر، إن تجربة "الأطفال الزجاجيين" توازي تجربة آبائهم تماما، فكلاهما يعانيان مزيجا من مشاعر الحزن والارتباك والخسارة والقلق المختلطة دائما مع حبهم الفطري لأخيهم. ووفق دوملر، يحاول الطفل السليم إيجاد طريقة لإلقاء اللوم على نفسه في مشاكل أسرته، مما يعزز شعوره بالعزلة وعدم الرغبة في التواصل مع أقرانه الذين قد لا يفهمون تحديدا واقع حياته المنزلية. ولتعويض ذلك، يغرق في أحلام اليقظة وتشكيل عوالم خيالية في ذهنه، ويظهر ذلك بشكل أكثر وضوحا خلال فترة المراهقة.

وهو ما أكدته دراسة بريطانية نشرت في مجلة علم النفس المجتمعي عام 2022، وأظهرت أن أشقاء الأطفال -الذين يعانون من أحد الأمراض أو الإعاقات- أكثر عرضة للإهمال العاطفي وتجاهل المشاعر، ولهذا يميلون دوما إلى العزلة والتواري عن الأنظار وعدم لفت الانتباه، ويشعرون بالذنب المستمر لعدم قدرتهم على تقديم الدعم الكافي لإخوتهم، كذلك يواجهون العديد من الاضطرابات السلوكية والنفسية، كالقلق والتوتر.

"الطفل الزجاجي" يجد صعوبة في التعبير عن مشاعر الغضب والإحباط (غيتي إيميجز) عواقب وتبعات

يعزز وجود أخ بظروف خاصة من قيم التعاطف والمسؤولية، كذلك يعزز آليات التكيف والتعامل مع المشكلات، غير أن هناك مجموعة من المشاعر والتحديات التي غالبا ما يتم تجاهلها أو يُساء فهمها، وتؤثر على الصحة النفسية والاجتماعية والجسدية والإدراكية لباقي الأشقاء.

ورصدت مراجعة تحليلية تلوية، شملت 52 دراسة، أن هؤلاء الأشقاء معرضون بشكل كبير لاضطرابات الصحة العقلية والتحديات النفسية، لأنهم غالبا ما يقمعون عواطفهم ومشاعرهم، ويترددون في طلب المساعدة والاهتمام من والديهم المثقلين بهموم أخيهم المريض.

ويوضح خبراء الصحة النفسية مجموعة من السمات التي يشترك فيها الأطفال غير المرئيين ومنها:

السعي إلى الكمال والمثالية: يحاول "الطفل غير المرئي" تعويض الشعور بالتجاهل والإهمال بأن يكون طفلا مثاليا ومتفوقا، ويرتبط ذلك بالخوف الدائم من الفشل والرفض وارتكاب الأخطاء، مما يحرمه من العفوية والإبداع والتفكير المستقل.

الشعور بالذنب: تتعزز بداخله مشاعر الاستياء بسبب عدم تلبية احتياجاته العاطفية، ثم يشعر بالذنب لأنه مستاء أو لعدم تقديره حجم المسؤولية الملقاة على والديه.

"الطفل الزجاجي" يعاني من العزلة ويفتقر إلى المهارات الاجتماعية (بيكسابي)

العزلة والانطوائية: يفقد اهتمامه بالهوايات، ويفوّت الكثير من الأنشطة، ويفتقر إلى المهارات الاجتماعية وإنشاء صداقات قوية، ويتظاهر دائما وكأنه بخير، كذلك يلتزم الصمت بشأن مشاكله واحتياجاته الخاصة، وغالبا ما يخشى المخاطرة، الأمر الذي قد يشكل عائقا أمام نموه الشخصي والتقدم المجتمعي.

محاولة إرضاء الآخرين: يفضل تجنب الصراعات حفاظا على سلام العلاقات، ويغلب عليه سلوك الإيثار الذي يشعره بالحب والقبول.

الاستقلالية وتحمل المسؤولية: يتعلم بشكل "خاطئ" أن مشاكله صغيرة لا تتطلب المساعدة، ويعتمد على نفسه في وقت مبكر مثل تجهيز طعامه أو إنهاء واجباته المدرسية بدون إشراف، ويتحمل المزيد من الأعباء المنزلية.

التوتر والقلق: يجد صعوبة في التعبير عن مشاعر الغضب والإحباط، مما يعزز مشاعر اليأس والعزلة والاكتئاب والقلق، وهذا ما أشارت إليه مراجعة منهجية نشرت بمجلة طب الأطفال عام 2022 وخلصت إلى أن أشقاء الأطفال الذين يعانون من مشكلات صحية مزمنة أكثر عرضة للاكتئاب.

"الطفل غير المرئي" يحاول تعويض الشعور بالتجاهل والإهمال بأن يكون مثاليا (غيتي إيميجز) كيف يمكن للوالدين دعم "الطفل الزجاجي"؟

ينبغي أن يدرك الآباء التحديات التي يواجهها أطفالهم، وأن يحرصوا على تقديم الرعاية والدعم اللازمين مثل:

تخصيص وقت ومساحة آمنة للتعبير عن المشاعر:

من خلال مشاركة الطفل الأنشطة التي يفضلها وتناسب عمره واهتماماته، وتقول إيميلي هول، مديرة مشروع دعم الأشقاء، لموقع "بيرنتس": يكفي قضاء 20 دقيقة فقط مع هؤلاء الأبناء في مشاهدة برنامج تلفزيوني أو مسلسل مفضل أو الذهاب في نزهة على الأقدام والاستماع إليهم، ليشعروا بمدى تفردهم وصلابتهم.

تشجيع التواصل المفتوح والتعبير عن أنفسهم: من خلال كتابة اليوميات المشتركة أو الرسم أو اللعب لمعرفة ما يدور في رؤوسهم، ومحاولة إيجاد حل للصراعات بداخلهم. تحفيز وتشجيع ممارسة هواياتهم الخاصة، ومحاولة دعمهم قدر الإمكان والإشادة بإنجازاتهم لتعزيز تقديرهم لذواتهم. توفير بيئات داعمة للتعبير عن مخاوفهم من خلال أشخاص يثقون فيهم، أو الانضمام إلى مجموعات الدعم التي تسمح بمشاركة المشاعر والخبرات بدون خجل أو خوف من الحكم عليهم. استشارة طبيب نفساني إذا لزم الأمر لتفادي المشكلات السلوكية، مثل الميول العدوانية والإدمان أو التفكير في الانتحار.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

تعرض للغرق..مبادرة حياة كريمة تنقذ حياة طفل فاقد للوعي بالشرقية

في لفتة إنسانية تجسد الإخلاص والتفاني في العمل، نجح فريق القوافل الطبية التابع لمديرية الشئون الصحية بالشرقية،من إنقاذ حياة طفل غريق وذلك أثناء تنفيذ فعاليات القافلة الطبية الشاملة بقرية الظواهري التابعة لمركز ومدينة ههيا، ضمن المبادرة الرئاسية الكريمة «حياة كريمة» لتوفير الرعاية الصحية المتكاملة للمواطنين، وخاصة في المناطق النائية.

شون وصوامع محافظة الشرقية تستقبل 14 ألف طن قمح محليمفتي الجمهورية يزور محافظة الشرقية ويلقي ثلاث محاضرات للطلابندوة إرشادية للنهوض بالمحاصيل الصيفية بالجمعية المركزية للائتمان بالشرقيةلبحث سُبل التعاون المشترك.. محافظ الشرقية يستقبل مفتي الجمهورية بالديوان العام

وقدم الدكتور هاني مصطفى جميعة وكيل وزارة الصحة بالشرقية، الشكر والتقدير لفريق القوافل الطبية، وعلى رأسهم الدكتور أحمد عبدالحكيم منسق القوافل العلاجية بالشرقية، مشيداً بسرعة الاستجابة ويقظتهم خلال أداء مهامهم، والتي أسفرت عن التدخل الفوري وإنقاذ حياة الطفل، مؤكداً أن هذا المشهد يعكس بوضوح مدى جاهزية الفرق الطبية، وحرصها على أداء رسالتها الإنسانية والمهنية في كل وقت ومكان، مشيداً أيضاً بجهودهم المخلصة سواء في تقديم الخدمة الطبية للمواطنين أو في المواقف الطارئة التي تتطلب تدخلات إنسانية عاجلة.

وأوضح محمود عبدالفتاح مدير المكتب الإعلامي بالمديرية، أن الواقعة حدثت أثناء تقديم الخدمات الطبية بالقافلة التي استمرت على مدار يومين بقرية الظواهري، وضمت ١١ عيادة في ١٠ تخصصات مختلفة، حيث تم استقبال الطفل وهو في حالة فقدان للوعي، وعلى الفور قام منسق القوافل العلاجية باستدعاء أطباء "الأطفال، والرمد، والأنف والأذن والحنجرة"، وتم عمل الإسعافات الأولية وإجراء الأشعة اللازمة، حتى استعاد الطفل وعيه.

وأضاف أن طبيبة الأطفال أفادت بضرورة تحويل الطفل إلى المستشفى نظراً لعدم استقرار وظائف التنفس، وعلى الفور تم إبلاغ غرفة الطوارئ بالمديرية، وتم الدفع بسيارة إسعاف على وجه السرعة لنقل الطفل إلى مستشفى ههيا المركزي، حيث أجريت له الفحوصات الطبية المتقدمة اللازمة، والأشعة المقطعية، ومن ثم تم تحويله إلى وحدة عناية الأطفال بمستشفى الزقازيق العام، ووضع على جهاز تنفس صناعي، إلى أن استقرت حالته الصحية، وتم فصل الجهاز عنه، وهو الآن في حالة جيدة ومستقرة.

واشار إلى أن القافلة اشتملت على عدد ١١ عيادة، بها ١٠ تخصصات طبية وهم "الباطنة، الجراحة العامة، العظام، الأطفال، النساء والتوليد، الجلدية والتناسلية، تنظيم أسرة، الأنف والأذن والحنجرة، الرمد، الأسنان"، حيث تم تخصيص ٢ عيادة لتخصص الأطفال، لخدمة أهالي القرية، والمناطق المحيطة بها، كما تم إجراء الفحوصات المعملية والكشف المبكر لأمراض السكر والضغط، وقامت الفرق الطبية بالقافلة خلال اليومين بتوقيع الكشف الطبي المجاني على ٢١٢٣ مريض من أهالي القرية، وتم صرف العلاج اللازم لهم، وتحويل ١١ حالة مرضية تحتاج لإجراء عمليات جراحية إلى المستشفيات التابعة للمديرية، كما تم عمل جلسات توعية صحية وتثقيفية لأهالي القرية، وندوات عن الكشف المبكر لأورام الثدي وطرق الفحص الذاتي للثدي، ودعم صحة الأم والجنين، وغيرها

مقالات مشابهة

  • متخصصات في أدب الطفل: الجيل الجديد يحتاج أن نرافقه
  • الإمساك عند الأطفال..أسبابه وعلاجه وأنواع الملينات الطبيعية
  • طريقة ذكية تساعد الأهل على اكتشاف تعرّض الأبناء للتنمر الإلكتروني
  • خبيرة أممية: إجراءات إماراتية صارمة لمكافحة استغلال الأطفال
  • إطلاق سياسة حماية الطفل في الحضانات بالتنيق بين وزارة الصحة واليونيسف
  • متلازمة نادرة تمنع رضيعة من الرمش أو الابتسام
  • رسالة مؤثرة من طفل مصاب بالتوحد لأولياء الأمور .. فيديو
  • سلطان القاسمي يفتتح الدورة الـ16 من مهرجان الشارقة القرائي للطفل
  • صدمات الطفولة.. كيف تترك بصمتها في العقل والجسم؟
  • تعرض للغرق..مبادرة حياة كريمة تنقذ حياة طفل فاقد للوعي بالشرقية