متلازمة الطفل الزجاجي.. عندما يدفع الأبناء ثمن مرض أشقائهم
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
لا يقع عبء تربية طفل ذي إعاقة جسدية أو عقلية على الوالدين وحدهما، بل يتأثر كل فرد في الأسرة، لا سيما مع نقص الخدمات وعدم وجود أنظمة شاملة تدعم حاجيات ذوي الاحتياجات الخاصة، ويشير مصطلح "جلاس تشايلد" أو "الطفل الشفاف أو غير المرئي" إلى أشقاء هذا الطفل، إذ تنصب اهتمامات الوالدين على تلبية احتياجاته، وفي المقابل يعجزان غالبا عن منح باقي الأشقاء نفس القدر من الاهتمام، لمجرد أنهم ينمون ظاهريا بشكل طبيعي.
بدأ استخدام هذا المصطلح منذ عام 2010 في مؤتمر تيدكس الدولي، عندما وقفت إليسيا مابلز، مدربة الأعمال المعتمدة، تتحدث عن تجربتها الشخصية كأخت لشقيق مصاب بالتوحد، ووصفت نفسها وكل أشقاء ذوي الاحتياجات الخاصة بـ "الأطفال الزجاجيين".
لم تستخدم مابلز "الزجاج" في إشارة إلى هشاشته، وإنما قصدت خصائص الزجاج الشفافة والمرئية بدرجة تجعلك ترى من خلاله بوضوح وكأنه غير موجود، وبنفس المنطق يتعزز لدى هؤلاء الأشخاص شعور بأنهم غير موجودين.
لا أحد يهتم أو يستمععالج المخرج ستيفن شوبسكي هذه المتلازمة بذكاء في فيلمه السينمائي "ووندر" عام 2017، والمأخوذ عن قصة حقيقية، وجسدتها "فيا" الأخت المراهقة، التي اعتادت أن ينال أخوها "أوغي" المولود بتشوهات خلقية في الوجه كل الاهتمام، حتى أن والدتها علقت حياتها بأكملها من أجله، وأظهرت "فيا" خلال أحداث الفيلم مدى تفهمها وتجنبها الشكوى أو التعبير عن مشكلاتها الحياتية، حتى لا تحمل والديها فوق طاقتهما، ولأنه لا أحد يهتم أو يستمع لها، وكثيرا ما يتم تجاهلها، تضطر في أحد المشاهد أن تقول لأخيها "إن العالم لا يدور حولك".
اضطرابات نفسية وسلوكيةنقلا عن موقع "لايف هاكر" يقول المعالج السريري المتخصص، جامي دوملر، إن تجربة "الأطفال الزجاجيين" توازي تجربة آبائهم تماما، فكلاهما يعانيان مزيجا من مشاعر الحزن والارتباك والخسارة والقلق المختلطة دائما مع حبهم الفطري لأخيهم. ووفق دوملر، يحاول الطفل السليم إيجاد طريقة لإلقاء اللوم على نفسه في مشاكل أسرته، مما يعزز شعوره بالعزلة وعدم الرغبة في التواصل مع أقرانه الذين قد لا يفهمون تحديدا واقع حياته المنزلية. ولتعويض ذلك، يغرق في أحلام اليقظة وتشكيل عوالم خيالية في ذهنه، ويظهر ذلك بشكل أكثر وضوحا خلال فترة المراهقة.
وهو ما أكدته دراسة بريطانية نشرت في مجلة علم النفس المجتمعي عام 2022، وأظهرت أن أشقاء الأطفال -الذين يعانون من أحد الأمراض أو الإعاقات- أكثر عرضة للإهمال العاطفي وتجاهل المشاعر، ولهذا يميلون دوما إلى العزلة والتواري عن الأنظار وعدم لفت الانتباه، ويشعرون بالذنب المستمر لعدم قدرتهم على تقديم الدعم الكافي لإخوتهم، كذلك يواجهون العديد من الاضطرابات السلوكية والنفسية، كالقلق والتوتر.
يعزز وجود أخ بظروف خاصة من قيم التعاطف والمسؤولية، كذلك يعزز آليات التكيف والتعامل مع المشكلات، غير أن هناك مجموعة من المشاعر والتحديات التي غالبا ما يتم تجاهلها أو يُساء فهمها، وتؤثر على الصحة النفسية والاجتماعية والجسدية والإدراكية لباقي الأشقاء.
ورصدت مراجعة تحليلية تلوية، شملت 52 دراسة، أن هؤلاء الأشقاء معرضون بشكل كبير لاضطرابات الصحة العقلية والتحديات النفسية، لأنهم غالبا ما يقمعون عواطفهم ومشاعرهم، ويترددون في طلب المساعدة والاهتمام من والديهم المثقلين بهموم أخيهم المريض.
ويوضح خبراء الصحة النفسية مجموعة من السمات التي يشترك فيها الأطفال غير المرئيين ومنها:
السعي إلى الكمال والمثالية: يحاول "الطفل غير المرئي" تعويض الشعور بالتجاهل والإهمال بأن يكون طفلا مثاليا ومتفوقا، ويرتبط ذلك بالخوف الدائم من الفشل والرفض وارتكاب الأخطاء، مما يحرمه من العفوية والإبداع والتفكير المستقل.
الشعور بالذنب: تتعزز بداخله مشاعر الاستياء بسبب عدم تلبية احتياجاته العاطفية، ثم يشعر بالذنب لأنه مستاء أو لعدم تقديره حجم المسؤولية الملقاة على والديه.
العزلة والانطوائية: يفقد اهتمامه بالهوايات، ويفوّت الكثير من الأنشطة، ويفتقر إلى المهارات الاجتماعية وإنشاء صداقات قوية، ويتظاهر دائما وكأنه بخير، كذلك يلتزم الصمت بشأن مشاكله واحتياجاته الخاصة، وغالبا ما يخشى المخاطرة، الأمر الذي قد يشكل عائقا أمام نموه الشخصي والتقدم المجتمعي.
محاولة إرضاء الآخرين: يفضل تجنب الصراعات حفاظا على سلام العلاقات، ويغلب عليه سلوك الإيثار الذي يشعره بالحب والقبول.
الاستقلالية وتحمل المسؤولية: يتعلم بشكل "خاطئ" أن مشاكله صغيرة لا تتطلب المساعدة، ويعتمد على نفسه في وقت مبكر مثل تجهيز طعامه أو إنهاء واجباته المدرسية بدون إشراف، ويتحمل المزيد من الأعباء المنزلية.
التوتر والقلق: يجد صعوبة في التعبير عن مشاعر الغضب والإحباط، مما يعزز مشاعر اليأس والعزلة والاكتئاب والقلق، وهذا ما أشارت إليه مراجعة منهجية نشرت بمجلة طب الأطفال عام 2022 وخلصت إلى أن أشقاء الأطفال الذين يعانون من مشكلات صحية مزمنة أكثر عرضة للاكتئاب.
ينبغي أن يدرك الآباء التحديات التي يواجهها أطفالهم، وأن يحرصوا على تقديم الرعاية والدعم اللازمين مثل:
تخصيص وقت ومساحة آمنة للتعبير عن المشاعر:من خلال مشاركة الطفل الأنشطة التي يفضلها وتناسب عمره واهتماماته، وتقول إيميلي هول، مديرة مشروع دعم الأشقاء، لموقع "بيرنتس": يكفي قضاء 20 دقيقة فقط مع هؤلاء الأبناء في مشاهدة برنامج تلفزيوني أو مسلسل مفضل أو الذهاب في نزهة على الأقدام والاستماع إليهم، ليشعروا بمدى تفردهم وصلابتهم.
تشجيع التواصل المفتوح والتعبير عن أنفسهم: من خلال كتابة اليوميات المشتركة أو الرسم أو اللعب لمعرفة ما يدور في رؤوسهم، ومحاولة إيجاد حل للصراعات بداخلهم. تحفيز وتشجيع ممارسة هواياتهم الخاصة، ومحاولة دعمهم قدر الإمكان والإشادة بإنجازاتهم لتعزيز تقديرهم لذواتهم. توفير بيئات داعمة للتعبير عن مخاوفهم من خلال أشخاص يثقون فيهم، أو الانضمام إلى مجموعات الدعم التي تسمح بمشاركة المشاعر والخبرات بدون خجل أو خوف من الحكم عليهم. استشارة طبيب نفساني إذا لزم الأمر لتفادي المشكلات السلوكية، مثل الميول العدوانية والإدمان أو التفكير في الانتحار.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
حوارات ثقافية| هجرة الصاوى لـ«البوابة نيوز»: أتفرغ للروحانيات فى رمضان.. روايتى المؤهلة لجائزة زايد تؤكد على الهوية العربية.. الطفل المصرى واعٍ ويبحث عما يجذبه
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
_ إقبال الأطفال على معرض الكتاب يبشر بجيل واعٍ قارئ يبحث عما يجذبه
_ حتى الآن لم يستطع الذكاء الاصطناعي أن يباري براعة الكتابة الإبداعية عند البشر
الكاتبة هجرة الصاوي
"هجرة الصاوي".. أديبة وروائية متخصصة فى أدب الطفل، درست "التأليف والكتابة الإبداعية بالمعهد العالى لفنون الطفل، بأكاديمية الفنون، لها مساهمات كثيرة فى جميع المجلات الشهيرة الخاصة بالطفل، قدمت سلسلة من القصص المتنوعة لأعمال مختلفة للنشء واليافعين.
فازت بجائزة "إيسيسكو"، منظمة العالم الإسلامى للتربية والعلوم والثقافة، كأفضل قصة حوارية تتناول التنمر بالمدارس.
تأهلت روايتها لليافعين "ثعلب الديجيتال" للقائمة القصيرة بجائزة الشيخ زايد للكتاب 2025، والتى تُناقش الخلافات فى وجهات الرأى بين الآباء والأبناء من خلال الأحداث الدرامية المثيرة.
فى حوارها؛ طرحت "البوابة نيوز" بعض التساؤلات على كاتبة الأطفال هجرة الصاوي، فجاء الحوار على النحو التالي:
■ بما أننا فى الشهر الكريم.. احك لنا طقوسك فى رمضان ككاتبة للطفل؟
- شهر رمضان له طبيعة خاصة عن شهور السنة، أحاول إنهاء كل التزاماتى قبل أن يبدأ وأتفرغ لروحانيات القرآن الكريم وأوراد الذكر والتسبيح، وأكيد العزومات والأكلات المصرية التى لا نطبخها إلا فى رمضان.
■ روايتك ثعلب الديجيتال تأهلت للقائمة القصيرة لجائزة زايد للكتاب صفى لنا شعورك.. وحدثينا عنها باستفاضة؟
- الحمد لله عند اشتراكى فى المسابقة كان عندى أمل كبير فى ربنا أن تصل للقوائم الطويلة والقصيرة، والحمد لله تحقق الأمل فى الله سبحانه وتعالى. وأتمنى من كل قلبى أن تكمل على خير، لأنها رواية لليافعين تؤكد على الهوية العربية وارتباط الجيل الجديد بجذوره وأرضه وتراثه وإدراكه قيمته، وتناقش الخلافات فى وجهات الرأى بين الآباء والأبناء من خلال الأحداث الدرامية المثيرة.
■ فى رأيك.. لماذا يُنظر الى كُتَّاب أدب الطفل باعتبارهم من الدرجة الثانية؟
- هذا كان زمان قبل أن تهتم به الدولة وتخصص له الجوائز المحلية والدولية. الآن أخذ وضعه الحقيقى والدليل هو حرص الدولة فى معرض الكتاب على الاحتفال بشخصية المعرض من أدباء الطفل جنبًا إلى جنب مع أدب الكبار.
■ الكتابة للطفل تعد مهمة صعبة.. فى رأيك ما أهم المقومات التى يجب أن يتمتع بها كاتب أدب الطفل؟
- الإلمام بخصائص المراحل المختلفة التى يمر بها الطفل فى كل مراحل نموه وإدراكه المعرفى والسلوكي.. ومشاكل الطفل والتحديات التى يواجهها.. ولا بد من الموهبة والقدرة على التبسيط وعرض الموضوع بمقدار عالٍ من التشويق والجاذبية.
■ ما أهم التحديات التى تواجه كُتاب أدب الطفل؟
- منافسة الأدب الغربى والألعاب والميديا والوسائط المتعددة التى يراها الطفل منذ نعومة أظافره. فهم يملكون آلة ضخمة وحديثة من تكنولوجيا الجذب لا يملكها كاتب الطفل العربي.
فيعتمد على إمكانياته وتثقيف نفسه وعرض أعماله على دور النشر والمؤسسات المتخصصة ومواجهة الأفكار الغريبة التى يتلقاها الطفل من تلك القنوات الخارجية والتى تتعارض مع أخلاقنا وهويتنا.
■ فى عصر الشاشات والألواح الذكية، ماذا يبتكر كُتَّاب أدب الطفل من أساليب لجذب انتباه الطفل؟
- كاتب أدب الأطفال لابد له أن يدخل العالم الرقمى للطفل وينشر على مواقع القصص الرقمية ويسوق كتبه على منصات الكتب ليقابل الأطفال فى أماكنهم الجديدة على الهواتف الذكية وشاشات اللاب والآيباد. وليس فى مكتبة المدرسة أو البيت.
■ وهل لا يزال الطفل يقرأ؟
- الإجابة على هذا السؤال تجدينها فى معرض الكتاب من كل عام؛ حيث يحرص الأطفال على الحضور مع أسرهم، وشراء كتبهم الخاصة، من مصروفهم الخاص.. مشهد يملأ الساحات والممرات بالأطفال منظر يبشر بجيل واعٍ قارئ يحب القراءة ويبحث عما يشده ويجذبه.
■ يرى البعض أن كتب الأطفال تحتاج إلى دعم كبير من الدولة.. ما تعليقك؟
- بالطبع تحتاج إلى الكثير مع ما تبذله المؤسسات الثقافية من دعم لكتاب الطفل مثل الهيئة العامة للكتاب وهيئة قصور الثقافة والمركز القومى لثقافة الطفل وكذلك المركز القومى للترجمة.
فهم يقدمون الكتاب الوسطى الذى يؤصل للهوية المصرية والتراث ويدعم الخيال بأنواعه وبنظرة على أجنحة الهيئات الحكومية فى معرض الكتاب سنعرف أهميتها فى جذب الأطفال لكتاب سعره مناسب وقيمته الأدبية مرتفعة تربى وجدانه على الأخلاق وحب الوطن والتفكير النقدي.
■ هناك نقاش حول توظيف الذكاء الاصطناعى لصناعة محتوى أدب هادف للطفل.. تعليقك؟
- التغيير قادم لا محالة وبدأ الفعل فى الخارج فى الدول الأجنبية نجد كتب تم إنتاجها بالذكاء الاصطناعى ولكن لابد أن يكتب عليها ذلك. وتقرأ عبارة "تم كتابة أو رسم هذا الكتاب بواسطة الذكاء الاصطناعي".
لأنهم بالخارج لديهم ميثاق شرف للنشر. ويجب علينا أن نتدارك الأمر وتهتم وزارة الثقافة واتحاد الناشرين بهذا الأمر حتى لا تختلط الأمور ونجد مؤلفين أو رسامين يستعينون بالذكاء الاصطناعى ولا يذكرون ذلك. ولكن حتى الآن لم يستطع الذكاء الاصطناعى أن يبارى براعة الكتابة الإبداعية عند البشر.