لجريدة عمان:
2024-12-26@02:29:30 GMT

هل بلغ الاقتصاد الصيني ذروته؟

تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT

إن الطرح الذي يجادل بأن الاقتصاد الصيني يقترب من ذروته ــ أو أنه بلغها بالفعل ــ أصبح راسخاً في وسائل الإعلام الغربية، ولكن إذا قرأت تحليلات المتشائمين بعناية، فستجد أن العديد من الأسباب التي يقدمونها لتبرير تقييماتهم القاتمة ليست جديدة، بل على العكس من ذلك فهم يميلون إلى تسليط الضوء على نفس التحديات التي ظل الاقتصاديون والمعلقون يركزون عليها لمدة عقد من الزمان أو أكثر، وإذا لم تكن الصين متعثرة آنذاك، فلماذا ينبغي لنا أن نصدق أنها متعثرة الآن؟

إن من المؤكد أن السياق العالمي قد تغير، ولعل الأمر الأكثر أهمية في هذا الخصوص هو أن الطرح السائد حول الصين قد تحول إلى طرح سلبي إلى حد كبير، وأصبح الغرب الآن أكثر عدائية بكثير تجاهها مقارنة بما كان عليه الحال قبل عشر أو حتى خمس سنوات، ومع بذل الولايات المتحدة الأمريكية جهودا أكبر من أي وقت مضى لاحتواء الصين، انخفضت الصادرات الصينية المباشرة إليها.

ومع ذلك فإن مسألة «الانفصال» بين أكبر اقتصادين في العالم ربما تكون مبالغ فيها حيث تُظهِر دراسة حديثة أجرتها كارولين فرويند، الخبيرة الاقتصادية بجامعة كاليفورنيا سان دييجو وزملاؤها أن الولايات المتحدة والصين تعملان بالفعل على تقليص مشاركتهما في بعض المجالات، فعلى سبيل المثال فإن نمو واردات الولايات المتحدة الأمريكية من الصين تتخلف كثيرًا عن نمو واردات الولايات المتحدة الأمريكية من دول أخرى بالنسبة للمنتجات الخاضعة للتعريفات الجمركية الأمريكية.

لكن نفس الدراسة وجدت أيضا أن سلاسل التوريد الأمريكية والصينية لا تزال مترابطة بشكل كبير وخاصة بالنسبة «للمنتجات الاستراتيجية». علاوة على ذلك، فإن البلدان التي تنمو الواردات الأمريكية منها هي غالبًا ما تكون وبشكل متزايد وكبير جزءًا لا يتجزأ من سلاسل التوريد الصينية، وفي واقع الأمر فإن البلدان التي تسعى إلى إزاحة الصين من سلاسل التوريد الأمريكية كانت تعمل على زيادة وارداتها من الصين، وخاصة في الصناعات الاستراتيجية.

وفي الوقت نفسه، يبدو أن الشركات العالمية تعمل على تطبيق استراتيجية «الصين + 1»، فتستثمر في بلدان أخرى بالإضافة إلى الصين - ولكن ليس بديلاً عنها، ومن جانبها، قامت الشركات الصينية بزيادة استثماراتها الأجنبية المباشرة في السنوات الأخيرة ونشرت سلاسل الإنتاج الخاصة بها في أماكن بعيدة جدًا عن الصين وخاصة في البلدان التي يمكنها تجنب الرسوم الجمركية الأمريكية العقابية، ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مما يضمن استمرار تدفق رأس المال الصيني إلى بقية العالم.

إن من المرجح أن يشير المتشائمون إلى أن الصين تواجه أيضًا تحديات داخلية، فإلى جانب التركيبة السكانية غير المواتية، تكافح الصين من أجل التعامل مع قضايا مثل الديون الضخمة وسوء تخصيص رأس المال والتلوث الشديد والقطاع العقاري المضطرب، ولكن من الواضح أن الحكومة الصينية على دراية بتلك المشاكل ــ والتزمت بمعالجتها ــ طيلة عقد من الزمان.

على سبيل المثال، تبلور برنامج «الإصلاح الهيكلي المتعلق بالعرض» في الصين في عام 2015 وتضمن قواعد مالية أكثر صرامة وزيادة الإشراف والتدخل الحكومي فيما يتعلق بالقطاعات شديدة الاستدانة ذات القدرة الإنتاجية الفائضة، وفي حين ساعد البرنامج في منع حدوث أزمة ديون أو أزمة مالية، فإنه أدى أيضا إلى تقييد النمو في العديد من الصناعات التي تعتمد على الاستدانة المرتفعة مثل العقارات، ولكن الرأي القائل بأن تباطؤ القطاع العقاري من شأنه أن يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي في الصين هو رأي دراماتيكي إلى حد كبير.

يدرك صناع السياسات في الصين أن التحول هو أمر حتمي في قطاع العقارات، وهم ملتزمون بضمان حدوث مثل هذا التحول بسلاسة، وعلى نطاق أوسع أدت الإصلاحات الهيكلية التي تم تنفيذها بالفعل إلى تعزيز صلابة ومرونة الصين الاقتصادية، وعلى الرغم من التعريفات الجمركية الأميركية، ظلت الصادرات الصينية قوية، وفي الوقت نفسه، تشهد قطاعات جديدة ــ من الخدمات إلى الاقتصاد الرقمي والصناعات التكنولوجية المتقدمة ــ نموًا سريعًا.

ويساعد كل هذا في تفسير السبب وراء تحقيق الصين نموًا بلغ في المتوسط 6.6% على مدى ثلاث سنوات وذلك في الفترة 2017-2019، وبينما أدت جائحة كوفيد-19 إلى انخفاض النمو في عام 2020، انتعش الاقتصاد مجددًا وبقوة في عام 2021، حيث ارتفع بمعدل8.1%، ومن المرجح أن يتجاوز معدل النمو في عام 2023 نسبة 5% بقليل؛ وحتى عمليات الإغلاق في عام 2022 لم تمنع النمو.

إن هذا لا يعني أن الصين قد خرجت من الجائحة بدون أضرار حيث نتج عن ثلاث سنوات من انخفاض فرص تحقيق الدخل إلى الحد من قدرة المستهلكين الصينيين على تعزيز التعافي السريع بعد الجائحة. يتعين على الحكومة الآن مضاعفة جهودها لدعم الطلب المحلي وخلق فرص العمل وذلك من خلال اتباع سياسات نقدية ومالية أكثر توسعية خلال العامين المقبلين. يتعين على صناع السياسات في الصين أيضاً العمل على التعجيل بتحرير بعض الصناعات، فعلى سبيل المثال، يجب التخلص من القيود في أقرب وقت ممكن على الخدمات الإنتاجية التي تمنع دخول رأس المال الخاص والأجنبي، ومن حسن الحظ أن هناك دلائل تشير إلى أن السلطات تدرك هذه الضرورة الحتمية حيث منحت الهيئات التنظيمية المالية مؤخرًا ترخيص مقاصة البطاقة المصرفية لشركة ماستركارد الأمريكية كما طبقت الصين ومن جانب واحد إجراءات الدخول للصين بدون تأشيرة لستة دول ــ بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا ــ في الشهر الماضي.

لم يتوقع أحد أن تنجح الصين في استدامة نمو يتجاوز 10% إلى الأبد حيث كان من المتوقع أن يتباطأ تراكم رأس المال كما كان من المتوقع أيضا أن تضعف الأرباح المبكرة الناتجة عن المحركات الهيكلية للنمو، والآن سوف يتطلب النمو الاقتصادي المزيد من الإنفاق على الاستهلاك الأسري، بدلاً من الإنفاق على الاستثمار.

ولهذا السبب فإن من المتوقع أن تعمل حكومة الصين بشكل عاجل على خفض حصة الاستثمار في الناتج المحلي الإجمالي ودعم الاستهلاك الأسري، على سبيل المثال من خلال تحويلات الدخل وبرامج أقوى للرعاية الاجتماعية (والتي من شأنها أن تمكن الأسر من تقليص المدخرات الاحترازية) حيث سيؤدي ذلك إلى خلق سوق محلية مزدهرة وتشجيع التوسع في صناعة الخدمات ودعم التحول إلى النمو المستدام.

إن الاقتصاد الصيني لم يستنفد إمكاناته التنموية، ولم ينضج إلى الحد الذي يفقد فيه حيويته، وعلى الرغم من أن الوضع الحالي للاقتصاد جعل عملية إعادة التوازن أمراً ممكناً، إلا أنه يفتح أيضاً نافذة زمنية للقيادة الصينية من أجل الالتزام بتنفيذ الإصلاح الهيكلي. إن من المؤكد أن النمو يتباطأ وأن السياق العالمي يتغير، الأمر الذي يؤدي إلى خلق شعور بالطبيعة الملحة لهذا الأمر، ولكن من المرجح أن يصب ذلك في مصلحة البلاد بحيث يسّرع الإصلاحات الهيكلية التي يحتاجها نموذج النمو الناشئ فيها.

تشانغ جون عميد كلية الاقتصاد في جامعة فودان، هو مدير المركز الصيني للدراسات الاقتصادية، وهو مركز أبحاث مقره شنغهاي.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة على سبیل المثال من المرجح أن رأس المال فی الصین فی عام

إقرأ أيضاً:

دراسة بحثية: قطاع السياحة أحد أهم موارد النقد الأجنبي وزيادة معدلات النمو الاقتصادي لمصر

إذا أردت أن تنهض بأي قطاع أو أي عمل مؤسسي، استعن في ذلك بالعلم والدراسات المتخصصة القائمة على الرصد والتحليل وصياغة الحلول القابلة للتطبيق. هذا الفكر وهذه المنهجية هي ما أؤمن به للنهوض بأي عمل كبير على كافة المستويات، بما فيها الاقتصاد.

في دراسة بحثية متميزة بعنوان "انعكاسات قطاع السياحة على الاقتصاد القومي من منظور إسلامي" للباحث الشاب هاني نصر عبد المعبود سالم، تم رصد في ثلاث فصول واقع السياحة ودورها البارز في النشاط الاقتصادي وزيادة معدلات النمو.

تناول الباحث في الفصل الأول المفاهيم الأساسية المتعلقة بقطاع السياحة، وخصائص القطاع وعوامل الجذب فيه على مستوى مصر. وفي الفصل الثاني، تناول أثر القطاع السياحي على الاقتصاد الوطني، والآثار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، وكذلك الآثار الاجتماعية للسياحة ودورها في الاستدامة التنموية ومعالجة القضايا المجتمعية.

ورصد وحلل الباحث هاني نصر في الفصل الثالث من بحثه القيم السياحة من منظور الاقتصاد الإسلامي، وتأثير الاستثمار في القطاع السياحي على الاقتصاد الوطني، ودور المؤسسات والمجتمع المدني في تطوير القطاع السياحي بهدف تحقيق أكبر العوائد الاقتصادية منه. استند الباحث في رصد وتحليل كل ما سبق إلى أحدث التقارير الصادرة عن منظمة السياحة العالمية، وكذلك تقارير البنك المركزي المصري، والعديد من المؤلفات والدوريات العلمية ذات الصلة لكبار العلماء وأساتذة الاقتصاد.

في الفصل الثاني من البحث، تناول الباحث بشكل عام مساهمة القطاع السياحي في التنمية الاقتصادية وحجم الانعكاسات الاقتصادية الناتجة عن القطاع السياحي، وكيف أصبح أداة ضخمة ضمن الاقتصادات الوطنية في الدول بشكل عام وفي مصر بشكل خاص.

وأكد البحث أن قطاع السياحة يحتل مرتبة متقدمة بين القطاعات التي تؤثر بصورة مباشرة في الاقتصاد القومي والناتج المحلي. حيث بلغت نسبة مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي حوالي 10.3% في عام 2019، تمثل نحو 8.9 تريليون دولار أمريكي، مقارنة بنحو 8.8 تريليون دولار أمريكي. كما سجل قطاع السفر والسياحة نمواً بنسبة 3.5% في عام 2019، متجاوزاً معدل نمو الاقتصاد العالمي للعام التاسع على التوالي. ومن المتوقع ارتفاع مساهمة قطاع السياحة ليصل إلى حوالي 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2029، أي ما يعادل حوالي 13.85 تريليون دولار أمريكي. وتمثل نصيب كل من الولايات المتحدة، والصين، واليابان، وألمانيا، والمملكة المتحدة نحو 47% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لقطاع السفر والسياحة.

كما أكد البحث أن القطاع الخاص هو المساهم بشكل رئيسي في تكوين الناتج المحلي. وخلال العقود القليلة الماضية، صار التزايد القوي والمستدام للنشاط السياحي يمثل أحد أهم الظواهر الاقتصادية، بل أصبح يحتل مكانًا بارزًا في العديد من استراتيجيات التنمية في الدول ذات المقدرات السياحية.

وتناول البحث في الفصل الثاني مدى مساهمة قطاع السياحة في توفير النقد الأجنبي والعملات الصعبة، مؤكدًا أن قطاع السياحة كان له نصيب كبير في ارتفاع احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية في السنوات الأخيرة. ورغم تضرر القطاع، مثل غيره من القطاعات الأخرى حول العالم جراء تداعيات جائحة كورونا، إلا أنه يعد من بين أهم مدخلات النقد الأجنبي للاقتصاد القومي، بنسبة تصل إلى نحو 13%. وفقًا للبيانات الرسمية، يحتل قطاع السياحة في مصر ثالث أكبر مصدر للدخل الأجنبي للبلاد بعد الصادرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج.

كما تناول البحث في الفصل الثاني أيضًا مدى مساهمة السياحة في النمو الاقتصادي، مؤكدًا أن هذا القطاع يحتل ترتيبًا متقدمًا بين الأنشطة الاقتصادية من حيث المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي للدولة. حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لقطاع السياحة خلال عام 2021/2022 إلى نحو 91.4 مليار جنيه، بنسبة نمو 31.5% عن العام السابق.

وأستند الباحث في أسانيده في هذا الصدد إلى ما ورد في الكتاب الإحصائي السنوي الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لإيضاح مدى تأثير النشاط السياحي في الناتج المحلي وتوفير فرص العمل وتعزيز الثقافة والمنتجات المحلية.

ونوه البحث إلى أن تقرير البنك المركزي المصري كشف عن ارتفاع فائض الميزان الخدمي والمتحصلات الخدمية خلال النصف الأول من العام المالي 2021-2022، بنحو 4.8 مليار دولار، ليسجل نحو 7.9 مليار دولار، مدفوعًا بزيادة الإيرادات السياحية التي تمكنت من تحقيق زيادة قدرها 5.1 مليار دولار.

كما تناول البحث تأثير السياحة على ميزان المدفوعات، حيث أكد أن حركة السياحة تؤثر بشكل كبير على ميزان المدفوعات من خلال الإيرادات السياحية التي تحصل عليها الدولة المضيفة، بالإضافة إلى تأثير حركة السياحة على جانب المدفوعات من خلال تحويلات المواطنين إلى الخارج بغرض السياحة.

وأضاف البحث أن نشاط القطاع السياحي يؤثر بصورة مباشرة في ميزان المدفوعات، كما جاء في تقرير أداء ميزان المدفوعات خلال النصف الأول من السنة المالية 2023/2024 الصادر عن البنك المركزي. وقد تضمن التقرير أن الفترة (يوليو/ديسمبر 2023) شهدت عجزًا كليًا في ميزان المدفوعات قدره 409.6 مليون دولار، إلا أن ارتفاع الإيرادات السياحية حد من ارتفاع عجز حساب المعاملات الجارية.

وبشأن دور السياحة في التنمية الاجتماعية، أوضح البحث أن قطاع السياحة يلعب دورًا كبيرًا في عدة جوانب خاصة بالتنمية الاجتماعية، مثل تعزيز التراث الثقافي والمشاركة المجتمعية، وتوفير فرص العمل وحل مشكلة البطالة، وتحفيز الاقتصاد المحلي، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز الصادرات من المنتجات المحلية.

كان البحث قد نوقش من قبل الأستاذ الدكتور سامي فتحي، رئيس قسم الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والأستاذ الدكتور عبد الهادي فيصل، أستاذ الاقتصاد والمالية العامة بكلية الحقوق جامعة طنطا، والأستاذ الدكتور عثمان أحمد عثمان، رئيس قسم الاقتصاد بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية. وقد نال البحث استحسان فريق المناقشة ومنح الباحث درجة الماجستير بتقدير امتياز.

مقالات مشابهة

  • الحكومة: استطعنا تأمين استقرار الدولة للحفاظ على النمو الاقتصادي
  • وزير الاقتصاد يناقش تعزيز الاستثمار والتجارة مع السفير الصيني
  • “وزير الاقتصاد” يناقش مع سفير الصين لدى المملكة العلاقات الاقتصادية والاستثمارية
  • هكذا تكلم شي جين بينغ عن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية
  • وزير التعليم يبحث مع سفير الصين التوسع في تدريس اللغة الصينية بمصر
  • المركزي الإماراتي يبقي توقعاته لنمو الاقتصاد عند 4% العام الحالي
  • دراسة بحثية: قطاع السياحة أحد أهم موارد النقد الأجنبي وزيادة معدلات النمو الاقتصادي لمصر
  • الطائرات المسيّرة الصينية.. الحلول الفعالة التي تهدد الأمن القومي الأمريكي
  • الصين تدين مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان
  • الصين تستنكر مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى جزيرة تايوان التابعة لها