هل بلغ الاقتصاد الصيني ذروته؟
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
إن الطرح الذي يجادل بأن الاقتصاد الصيني يقترب من ذروته ــ أو أنه بلغها بالفعل ــ أصبح راسخاً في وسائل الإعلام الغربية، ولكن إذا قرأت تحليلات المتشائمين بعناية، فستجد أن العديد من الأسباب التي يقدمونها لتبرير تقييماتهم القاتمة ليست جديدة، بل على العكس من ذلك فهم يميلون إلى تسليط الضوء على نفس التحديات التي ظل الاقتصاديون والمعلقون يركزون عليها لمدة عقد من الزمان أو أكثر، وإذا لم تكن الصين متعثرة آنذاك، فلماذا ينبغي لنا أن نصدق أنها متعثرة الآن؟
إن من المؤكد أن السياق العالمي قد تغير، ولعل الأمر الأكثر أهمية في هذا الخصوص هو أن الطرح السائد حول الصين قد تحول إلى طرح سلبي إلى حد كبير، وأصبح الغرب الآن أكثر عدائية بكثير تجاهها مقارنة بما كان عليه الحال قبل عشر أو حتى خمس سنوات، ومع بذل الولايات المتحدة الأمريكية جهودا أكبر من أي وقت مضى لاحتواء الصين، انخفضت الصادرات الصينية المباشرة إليها.
ومع ذلك فإن مسألة «الانفصال» بين أكبر اقتصادين في العالم ربما تكون مبالغ فيها حيث تُظهِر دراسة حديثة أجرتها كارولين فرويند، الخبيرة الاقتصادية بجامعة كاليفورنيا سان دييجو وزملاؤها أن الولايات المتحدة والصين تعملان بالفعل على تقليص مشاركتهما في بعض المجالات، فعلى سبيل المثال فإن نمو واردات الولايات المتحدة الأمريكية من الصين تتخلف كثيرًا عن نمو واردات الولايات المتحدة الأمريكية من دول أخرى بالنسبة للمنتجات الخاضعة للتعريفات الجمركية الأمريكية.
لكن نفس الدراسة وجدت أيضا أن سلاسل التوريد الأمريكية والصينية لا تزال مترابطة بشكل كبير وخاصة بالنسبة «للمنتجات الاستراتيجية». علاوة على ذلك، فإن البلدان التي تنمو الواردات الأمريكية منها هي غالبًا ما تكون وبشكل متزايد وكبير جزءًا لا يتجزأ من سلاسل التوريد الصينية، وفي واقع الأمر فإن البلدان التي تسعى إلى إزاحة الصين من سلاسل التوريد الأمريكية كانت تعمل على زيادة وارداتها من الصين، وخاصة في الصناعات الاستراتيجية.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن الشركات العالمية تعمل على تطبيق استراتيجية «الصين + 1»، فتستثمر في بلدان أخرى بالإضافة إلى الصين - ولكن ليس بديلاً عنها، ومن جانبها، قامت الشركات الصينية بزيادة استثماراتها الأجنبية المباشرة في السنوات الأخيرة ونشرت سلاسل الإنتاج الخاصة بها في أماكن بعيدة جدًا عن الصين وخاصة في البلدان التي يمكنها تجنب الرسوم الجمركية الأمريكية العقابية، ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مما يضمن استمرار تدفق رأس المال الصيني إلى بقية العالم.
إن من المرجح أن يشير المتشائمون إلى أن الصين تواجه أيضًا تحديات داخلية، فإلى جانب التركيبة السكانية غير المواتية، تكافح الصين من أجل التعامل مع قضايا مثل الديون الضخمة وسوء تخصيص رأس المال والتلوث الشديد والقطاع العقاري المضطرب، ولكن من الواضح أن الحكومة الصينية على دراية بتلك المشاكل ــ والتزمت بمعالجتها ــ طيلة عقد من الزمان.
على سبيل المثال، تبلور برنامج «الإصلاح الهيكلي المتعلق بالعرض» في الصين في عام 2015 وتضمن قواعد مالية أكثر صرامة وزيادة الإشراف والتدخل الحكومي فيما يتعلق بالقطاعات شديدة الاستدانة ذات القدرة الإنتاجية الفائضة، وفي حين ساعد البرنامج في منع حدوث أزمة ديون أو أزمة مالية، فإنه أدى أيضا إلى تقييد النمو في العديد من الصناعات التي تعتمد على الاستدانة المرتفعة مثل العقارات، ولكن الرأي القائل بأن تباطؤ القطاع العقاري من شأنه أن يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي في الصين هو رأي دراماتيكي إلى حد كبير.
يدرك صناع السياسات في الصين أن التحول هو أمر حتمي في قطاع العقارات، وهم ملتزمون بضمان حدوث مثل هذا التحول بسلاسة، وعلى نطاق أوسع أدت الإصلاحات الهيكلية التي تم تنفيذها بالفعل إلى تعزيز صلابة ومرونة الصين الاقتصادية، وعلى الرغم من التعريفات الجمركية الأميركية، ظلت الصادرات الصينية قوية، وفي الوقت نفسه، تشهد قطاعات جديدة ــ من الخدمات إلى الاقتصاد الرقمي والصناعات التكنولوجية المتقدمة ــ نموًا سريعًا.
ويساعد كل هذا في تفسير السبب وراء تحقيق الصين نموًا بلغ في المتوسط 6.6% على مدى ثلاث سنوات وذلك في الفترة 2017-2019، وبينما أدت جائحة كوفيد-19 إلى انخفاض النمو في عام 2020، انتعش الاقتصاد مجددًا وبقوة في عام 2021، حيث ارتفع بمعدل8.1%، ومن المرجح أن يتجاوز معدل النمو في عام 2023 نسبة 5% بقليل؛ وحتى عمليات الإغلاق في عام 2022 لم تمنع النمو.
إن هذا لا يعني أن الصين قد خرجت من الجائحة بدون أضرار حيث نتج عن ثلاث سنوات من انخفاض فرص تحقيق الدخل إلى الحد من قدرة المستهلكين الصينيين على تعزيز التعافي السريع بعد الجائحة. يتعين على الحكومة الآن مضاعفة جهودها لدعم الطلب المحلي وخلق فرص العمل وذلك من خلال اتباع سياسات نقدية ومالية أكثر توسعية خلال العامين المقبلين. يتعين على صناع السياسات في الصين أيضاً العمل على التعجيل بتحرير بعض الصناعات، فعلى سبيل المثال، يجب التخلص من القيود في أقرب وقت ممكن على الخدمات الإنتاجية التي تمنع دخول رأس المال الخاص والأجنبي، ومن حسن الحظ أن هناك دلائل تشير إلى أن السلطات تدرك هذه الضرورة الحتمية حيث منحت الهيئات التنظيمية المالية مؤخرًا ترخيص مقاصة البطاقة المصرفية لشركة ماستركارد الأمريكية كما طبقت الصين ومن جانب واحد إجراءات الدخول للصين بدون تأشيرة لستة دول ــ بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا ــ في الشهر الماضي.
لم يتوقع أحد أن تنجح الصين في استدامة نمو يتجاوز 10% إلى الأبد حيث كان من المتوقع أن يتباطأ تراكم رأس المال كما كان من المتوقع أيضا أن تضعف الأرباح المبكرة الناتجة عن المحركات الهيكلية للنمو، والآن سوف يتطلب النمو الاقتصادي المزيد من الإنفاق على الاستهلاك الأسري، بدلاً من الإنفاق على الاستثمار.
ولهذا السبب فإن من المتوقع أن تعمل حكومة الصين بشكل عاجل على خفض حصة الاستثمار في الناتج المحلي الإجمالي ودعم الاستهلاك الأسري، على سبيل المثال من خلال تحويلات الدخل وبرامج أقوى للرعاية الاجتماعية (والتي من شأنها أن تمكن الأسر من تقليص المدخرات الاحترازية) حيث سيؤدي ذلك إلى خلق سوق محلية مزدهرة وتشجيع التوسع في صناعة الخدمات ودعم التحول إلى النمو المستدام.
إن الاقتصاد الصيني لم يستنفد إمكاناته التنموية، ولم ينضج إلى الحد الذي يفقد فيه حيويته، وعلى الرغم من أن الوضع الحالي للاقتصاد جعل عملية إعادة التوازن أمراً ممكناً، إلا أنه يفتح أيضاً نافذة زمنية للقيادة الصينية من أجل الالتزام بتنفيذ الإصلاح الهيكلي. إن من المؤكد أن النمو يتباطأ وأن السياق العالمي يتغير، الأمر الذي يؤدي إلى خلق شعور بالطبيعة الملحة لهذا الأمر، ولكن من المرجح أن يصب ذلك في مصلحة البلاد بحيث يسّرع الإصلاحات الهيكلية التي يحتاجها نموذج النمو الناشئ فيها.
تشانغ جون عميد كلية الاقتصاد في جامعة فودان، هو مدير المركز الصيني للدراسات الاقتصادية، وهو مركز أبحاث مقره شنغهاي.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة على سبیل المثال من المرجح أن رأس المال فی الصین فی عام
إقرأ أيضاً:
تونس.. قانون الصكوك البنكية الجديد يلقي بثقله على النمو الاقتصادي
تونس – يستعين التونسيون بالصكوك البنكية كضمان أو لتقسيط ما عليهم من أموال لكن مع دخول قانون التعامل بالصكوك الجديد حيز النفاذ في 2 فبراير 2025، أصبح الصك وسيلة للدفع الفوري.
وأقرت الحكومة هذا القانون لتحسين مناخ الأعمال عبر تعزيز الثقة بهذه الوسيلة المالية وتحسين الاقتصاد المتردي.
وقررت بهذا الشأن مراجعة العقوبات السجنية والمالية في اتجاه تخفيفها في حين كانت تصل في حال عدم كفاية الرصيد إلى السجن أيا كانت قيمة المبلغ.
غير أن التعديلات تنبئ بتداعيات على الوضع الاقتصادي من خلال التأثير مباشرة على استهلاك الطبقة الوسطى، وفق تقدير أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي.
فغالبية التونسيين غير قادرين على الدفع فورا في حين لا يزيد متوسط الرواتب عن ألف دينار (نحو 300 يورو) وعليهم إعطاء الأولوية للسكن والمواد الغذائية والصحة والتعليم.
كما وضع القانون سقفا للصكوك الجديدة يحدده المصرف استنادا لمداخيل العميل ويمكن للتاجر أن يتحقق من خلال منصة الكترونية من وضعية العميل المالية عبر مسح رمز الاستجابة السريعة الذي يحصل عليه العميل من المصرف، ليقرر قبول الصك أو رفضه.
حيرة
تقف الموظفة “ألفة مرياح” أمام واجهة محل يبيع الهواتف الذكية في محافظة أريانة في شمال تونس، وتقول والحيرة بادية على وجهها “كيف سأتمكن من شراء هاتف جديد على أقساط بعد أن عدلت السلطات قانون الصكوك الذي يرى خبراء أن وقعه سيكون ثقيلا على الاستهلاك وعلى نمو الاقتصاد”.
وتضيف ألفة (43 عاما) “منذ أن صدر القانون الجديد وأنا أبحث عن حل لتقسيط ثمن الهاتف على أشهر من دون أن يتأثر راتبي، لكن الصكوك الجديدة لا تسمح بذلك”.
وتقول صاحبة محل بيع الهواتف “منذ أن أعلنوا عن تنقيح القانون، تراجعت حركة البيع وعدد العملاء.. لم يعد هناك من يشتري.. تراجعت مبيعاتنا لأكثر من النصف”.
وتتابع “نحن التجار لم نفهم القانون الجديد لأنه معقد وليس لنا ثقة فيه، فقررنا عدم قبول الصكوك ونتعامل بالسيولة النقدية.. عندك كاش تفضل.. ما عندكش كاش آسفين”.
رمضان والاستهلاك
خلال شهر رمضان تبلغ نسبة الاستهلاك الخاص ذروتها عند التونسيين، خصوصا في عيد الفطر حين يزداد الاقبال على شراء الملابس والحلويات وتجد العديد من العائلات نفسها أمام مصاريف كبيرة كانت عادة تتحملها من خلال الصكوك المؤجلة.
ويقدر أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي أن قانون الصكوك الجديد عطل المعاملات التجارية وسيتراجع بذلك الاستهلاك الخاص.
وأضاف الشكندالي أنه إذا تراجع الاستهلاك فبالضرورة سيتراجع النمو الاقتصادي الضعيف في الأصل وسيدفع ذلك لمزيد من الانكماش والركود.
وذكر أستاذ الاقتصاد أن المتضرر من القانون الجديد هي “الطبقة الوسطى التي ستتقلص وتتقهقر”، علما أن الطبقة المتوسطة كانت عاملا مهما للاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في تونس وكانت تشكل حتى 60% من السكان قبل 2011 لكنها تدهورت بسرعة كبيرة وتنزلق نحو الطبقة الفقيرة.
وللتذكير فإنه وبعد 2 فبراير 2025 أصبحت الصكوك البنكية دون قيمة قانونية في مختلف التعاملات طبقا للقانون 41 الصادر في أغسطس 2024 حول الشيكات الجديدة في تونس والمرتبط بتدشين المنصة الإلكترونية الجديدة.
ونص القانون الجديد على أن الصكوك الجديدة ستكون ذات خصائص مختلفة، ستحمل رمز استجابة سريعا (QR CODE) ومدة صلاحية محددة تبلغ 6 أشهر.
كما سيتم إلغاء إمكانية نقل الصك إلى شخص آخر أو منعه من الصرف.
المصدر: أ ف ب
Previous كندا تعلق استيراد لحوم الخنزير من أكبر مصنع في الولايات المتحدة Next رئيس صندوق الاستثمارات الروسي يؤكد ضرورة التعاون بين موسكو وواشنطن في القطب الشمالي Related Postsليبية يومية شاملة
جميع الحقوق محفوظة 2022© الرئيسية محلي فيديو المرصد عربي الشرق الأوسط المغرب العربي الخليج العربي دولي رياضة محليات عربي دولي إقتصاد عربي دولي صحة متابعات محلية صحتك بالدنيا العالم منوعات منوعات ليبية الفن وأهله علوم وتكنولوجيا Type to search or hit ESC to close See all results