جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-02@05:35:12 GMT

الميزانية والمواطن

تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT

الميزانية والمواطن

 

حاتم الطائي

◄ المُخصصات الاجتماعية الشاملة تضمن المعيشة الكريمة للمواطن

◄ ضرورة إطلاق حزم تحفيز وتسهيلات مالية لضمان نمو وتوسُّع القطاع الخاص

◄ ملف الباحثين عن عمل يُشبه كرة الثلج.. وعلينا مُعالجته قبل أن يتضخم

مُنذُ إعلان تفاصيل الميزانية العامة للدولة لسنة 2024، يتداول المجتمع العديد من الأرقام والمؤشرات، لكن في الوقت نفسه تتضارب بعض وجهات النظر بخصوص أرقام وإحصائيات بعينها، وعادة ما يكون جوهر هذا اللغط سؤال يطرحه المُواطن العادي مفاده: ما الذي سيعود عليّ- كمواطن- مباشرة من كل هذه الأرقام المليارية؟ وكم سيدخل جيبي من ريالات بعد كل هذه المليارات؟!

المواطن العادي قد لا يُلام على مثل هذه الأسئلة، ربما لأنَّه لم يجد من يشرح له بالدرجة الكافية كيف ستنعكس أرقام الميزانية العامة للدولة على حياته ومعيشته ودخله بل أيضًا و"جيبه"! هذا لأنَّ المواطن- بطبيعة الحال- ليس متخصصًا في شؤون المالية العامة، ولا يمكنه حساب كل هذه المليارات ودراسة تأثيرها الاقتصادي على معيشته، وقد لا يكون كذلك مُلمًا بكل التفاصيل، فعادة ما تنتشر الأخبار والأرقام السلبية، بينما لا تحظى الأرقام الإيجابية بالانتشار، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

فمثلًا ربما يهتم المواطن بتقديرات تحصيل الضرائب الواردة في الميزانية، ويشكو من أنه قد يتكبدها وأنه قد يدفعها من ماله! رغم أن الضرائب في كثير منها لا تأتي من المواطن مباشرة، لذلك تقع مسؤولية كبيرة على الإعلام في شرح أبعاد هذه الأرقام وتأثيراتها على الحياة المعيشية للمواطن.

ولذلك إذا ما تفحصنا أرقام الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2024، يتضح أنها أولًا اعتمدت على سعر مُتحفّظ نسبيًا لبرميل النفط، عند مستوى 60 دولارًا، مقارنة مع 55 دولارًا خلال السنة المالية 2023، رغم أنَّ متوسط السعر مع نهاية العام المنصرم بلغ 80.49 دولار، علاوة على أن المتوسط المتوقع نهاية العام الجاري 2024 يصل إلى 79.92 دولار؛ أي أن السعر المُعتمد في الميزانية الجديدة أقل بحوالي 20 دولارًا عن التوقعات. وهنا قد يسأل سائل: لماذا هذا الفارق والذي تسبب في تسجيل عجز متوقع عند 640 مليون ريال؟ والإجابة أن الحكومات الرشيدة لا يجب لها أن تضع تقديراتها للإنفاق العام على أساس توقعات ربما تتغير في أي لحظة، ولذلك فإنَّ السعر التحوُّطي المُتحفِّظ يمثل إجراءً آمنًا للغاية، يُجنِّبنا احتمالية الاستدانة والحصول على قروض بفوائد مرتفعة، في حالة تراجع أسعار النفط. وهذا إجراء يجب أن يبعث على الاطمئنان لدى كل مواطن، لأنه بذلك يعلم أن حكومته لن تلجأ بدرجة كبيرة إلى القروض، بل ربما لا تسجل عجزًا كما هو مُقدّر، وإنما فائض في الميزانية. غير أنَّه في ظل التوترات الجيوسياسية من حولنا وتذبذبات أسعار النفط، لا يُمكن لنا أن نُجزم بأي توقعات، لكن في أفضل الظروف نضع توقعات تضمن أقل ضرر مُمكن.

ومن هنا فإنَّ تخصيص 11.650 مليار ريال للإنفاق العام في ظل توقعات بتحصيل 11.010 مليار ريال إيرادات عامة، يمثل رقمًا جيدًا، ويعكس حرص الحكومة على تعزيز الإنفاق في حدود المُتاح، مع تفادي أو تقليل أي عجز مُحتمل.

وأول رقم يجب أن ينظر له المواطن في هذا الإنفاق ويتوقع أن يعود عليه بالنفع مُباشرة، هو تخصيص 1.9 مليار ريال لتنفيذ برنامج "إسكان"، وهو البرنامج الذي أعلنت عنه الحكومة من أجل تسريع حصول المواطن على القروض الإسكانية من بنك الإسكان العُماني، وهي خطوة طال انتظارها، وستخدم أعدادًا كبيرة من المواطنين الراغبين في الحصول على سكن وتعزيز استقرارهم الاجتماعي والمعيشي.

وبالاطلاع على بنود الميزانية، يتضح أنَّ الحكومة تستهدف تنفيذ حزمة من المشاريع التنموية والخدمية خلال المرحلة المقبلة، إلى جانب المخصصات الكبيرة لبرامج الحماية الاجتماعية، والتي تصل إلى 560 مليون ريال، والتي تأتي ضمن 4.8 مليار ريال نفقات حكومية على القطاعات الاجتماعية والأساسية، وتمثل نسبة 41% من إجمالي الإنفاق العام. وهنا يجب أن يُدرك المواطن كذلك أن الدولة خصصت 460 مليون ريال لدعم قطاع الكهرباء، و184 مليون ريال لدعم المياه والصرف الصحي، و35 مليون ريال لدعم المنتجات النفطية، و25 مليون ريال لدعم السلع الغذائية، إلى جانب 55 مليون ريال لدعم فوائد القروض التنموية والإسكانية التي يحصل عليها المواطن، فضلًا عن تخصيص 1.974 مليار ريال لقطاع التعليم، و1.140 مليار ريال للميزانية الإنمائية والمشروعات ذات الأثر التنموي، وهذه كلها أرقام إيجابية ومُبشِّرة وستعود بالنفع المباشر على كل مواطن.

وكل هذه الأرقام تؤكد الحرص الحكومي على تعزيز مسيرة الإصلاح الاقتصادي والمالي، في إطار خطة التوازن المالي التي بدأتها الحكومة قبل 3 سنوات وتختتمها هذا العام، وقد حققت الأهداف المرجوة، وتجلّى ذلك في خفض المديونية العامة للدولة، وترشيد الإنفاق العام وتوجيه أكبر قدر من المخصصات للدعم الاجتماعي والخدمات الأساسية.

لكن في المقابل وبالتوازي مع ما سبق ذكره، تحدونا الآمال في أن تُطلق الحكومة المزيد من البرامج والحوافز من أجل مساعدة القطاع الخاص على النمو والتوسع، أفقيًا ورأسيًا، من خلال إيجاد آليات مؤثرة وفاعلة لتمكين القطاع الخاص من القيام بدوره المنوط به، عبر طرح تسهيلات مالية وإدارية وتوفير كل سبل الدعم اللازمة للنهوض به؛ إذا لا يُعقل أن يظل القطاع الخاص بعد كل هذه العقود من التنمية والتحديث والتطوير، غير قادر على أداء مسؤولياته، وفي مُقدمتها توظيف الباحثين عن عمل، رغم أنه القطاع الذي يُفترض به القيام بذلك، في وقتٍ لم تعد الحكومة قادرة على استيعاب المزيد من الموظفين، في ظل ما تُعانيه الكثير من المؤسسات الحكومية من "بطالة مُقنَّعة".

ولا ريب أنَّ إطلاق خطط وبرامج هادفة لتطوير القطاع الخاص، سيعود بالنفع على مسيرة التنمية، وتحديدًا مُعالجة ملف الباحثين عن عمل، الذي بات يتضخم سنويًا مثل كرة الثلج، وقد نجد أنفسنا في وضعٍ غير قادرين على حل هذه الأزمة، رغم الأفكار الإيجابية التي تُطرح هنا وهناك. وتطوير القطاع الخاص يمثل واحدة من الركائز الرئيسية لمُستهدفات الرؤية المستقبلية "عُمان 2040"؛ الأمر الذي يفرض تسريع جهود التشجيع وعودة المزيد من التسهيلات للقطاع الخاص، في إطار خطط تمكينه وتحفيزه.

لقد استبشرنا خيرًا بالأرقام التي أوردتها الميزانية العامة للدولة، وما تضمنته من مُخصصات استثمارية، لا سيما صندوق عُمان المستقبل، الذي سيعمل على تعزيز الاستثمارات في مختلف القطاعات، وسيُخصص نسبة من الاستثمارات لصالح الاستثمار الجريء، وهذه خطوة رائدة على طريق تعزيز التنويع الاقتصادي. وهنا نقترح أن يؤسس هذا الصندوق لشراكات عملاقة مع القطاع الخاص لبناء مشروعات اقتصادية واعدة تساعد على توظيف الشباب. وهنا أدعو مختلف الجهات والمؤسسات المعنية بإقامة مختلف المشاريع، أن يكون معيار التوظيف أحد المُحددات الجوهرية للبت في تنفيذ المشروع من عدمه، فلا ينبغي- مثلًا- إقامة مشروع بمئات الملايين بينما الوظائف التي يتضمنها لا تتجاوز 100 فرصة عمل!

وهذا يقودنا إلى مسألة جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، لتنفيذ مشاريع كثيفة العمالة، أي أنها تكون قادرة على توظيف المئات وربما الآلاف من المواطنين، وليس فقط الحديث عن 60 إلى 80 موظفًا في المشروع الواحد!!

ويبقى القول.. إنَّ الجهود المُتواصلة من حكومتنا الرشيدة تُبرهن مدى الحرص على تحقيق المعيشة الكريمة للمواطن وهو ما تحقق في المُخصصات الاجتماعية الكبيرة في ميزانية 2024، لكن في الوقت نفسه يستلزم الأمر مضاعفة الجهود وتكثيفها من أجل تحفيز نمو وتوسع القطاع الخاص، حتى تمضي بنا سفينة الوطن نحو مرافئ الاستقرار والازدهار، وتتحقق التنمية المُستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية ترجمةً لمُستهدفات رؤيتنا الطموحة الواعدة "عُمان 2040".

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المشاط: الوزارة حريصة على توفير كامل الدعم للقطاع الخاص

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شاركت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في حفل إطلاق العلامة التجارية الجديدة لبنك الاستثمار العربي aiBANK لتصبح Bank NXT، ويعد بنك الاستثمار العربي أحد الأصول التي سعت الدولة إلى تعظيم قيمتها من خلال إشراك القطاع الخاص، بدخول المجموعة المالية إي أف جي هيرميس، إلى جانب صندوق مصر السيادي، وبنك الاستثمار القومي.

جاء ذلك بحضور المهندس طارق قابيل، رئيس مجلس إدارة بنك نكست، وتامر سيف، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لبنك نكست، وكريم عوض، الرئيس التنفيذي لمجموعة إي اف چي القابضة، وأشرف نجم، نائب رئيس بنك الاستثمار القومي.

وخلال كلمتها، أثنت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، على التطور الكبير الذي حققه القطاع المصرفي المصري على مدار العشرين عامًا الماضية، حيث أنه بدأ رحلة الإصلاح منذ عام 2005، مؤكدةً أنها كانت أحد المساهمين في إطلاق برنامج الإصلاح المصرفي من خلال تطوير وتحديث استراتيجية السياسة النقدية والتحول نحو استهداف التضخم.

وتابعت الدكتورة رانيا المشاط، أن الحكومة تعمل على تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة، وتنظيم ملكية الدولة في الشركات المملوكة لها، ولذلك كانت خطوة جذب القطاع الخاص، للمساهمة في بنك الاستثمار العربي aiBANK، في عام 2021، وإن ما نشهده اليوم من تطور في مسيرة البنك، يعكس فعالية الاستثمارات الحكومية من خلال مساهمات بنك الاستثمار القومي، وصندوق مصر السيادي، وهو ما يتماشى مع الرؤية الهادفة لإفساح المجال للقطاع الخاص، وتعظيم الاستفادة من الأصول المملوكة للدولة، بما يؤدي إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي، موجهةً الشكر للدكتورة هالة السعيد، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية ووزيرة التخطيط السابقة، على مجهوداتها السابقة خلال رئاستها لصندوق مصر السيادى.

وقالت المشاط، إنه في ظل ما يشهده الاقتصاد المصري من تطورات ومع بداية برنامج عمل الحكومة الجديدة، فإن إتاحة المزيد من الفرص لمشاركة القطاع الخاص في جهود التنمية، أصبحت هدفًا رئيسيًا ولا غنى عنه، باعتباره محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي، ودافعًا نحو تحقيق التنمية، من أجل بناء اقتصاد تنافسي جاذب للاستثمارات، مؤكدةً أن التنفيذ الفعلي بنجاح الدولة من استثماراتها الاستراتيجية حيث أن الاستثمار يراهن على المستقبل.

وأضافت الدكتورة رانيا المشاط، في إطار برنامج الحكومة، تستهدف وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، دفع تلك الجهود الهادفة لتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال حوكمة الإنفاق الاستثماري للدولة، بالتعاون مع العديد من الجهات المعنية، من أجل زيادة الاستثمارات الخاصة، بالإضافة إلى دعم ومساندة الإصلاحات الهيكلية بالتعاون مع شركاء التنمية الدوليين، فضلًا عن توفير الاستثمارات، والتمويلات الميسرة، والدعم الفني لشركات القطاع الخاص من خلال شركاء التنمية، وذلك من خلال منصة "حافز" للدعم المالي والفني، والتي تمثل حلقة وصل فعالة بين المؤسسات الدولية، وشركات القطاع الخاص المصرية.

وأكدت الوزيرة، أنه على مدار نحو 4 أعوام حصل القطاع الخاص المصري على تمويلات ميسرة واستثمارات وخطوط ائتمان للبنوك، بنحو 11 مليار دولار، ساهمت في دعم توسعاته على المستويين المحلي والإقليمي، وتمكين البنوك من التوسع في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.

وأوضحت "المشاط"، أن الوزارة أطلقت مؤخرًا سلسلة لقاءات مع القطاع الخاص، بهدف تعزيز مساهمة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية، واستعراض الفرص الاستثمارية في القطاعات ذات الأولوية في مصر، وتعزيز التكامل بين الخطط الاستثمارية للدولة والبرامج التي ينفذها شركاء التنمية، من خلال تشجيع الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وتعزيز فرص التمويل المختلط، والتمويل الإنمائي، والمنح، وبلورة الفرص في مجال ضمانات الاستثمار، والمسئولية المجتمعية للشركات.

وأضافت أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تعمل على دفع جهود النمو الاقتصادي المستدام، وذلك من خلال تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لزيادة القدرة التنافسية وتحسين بيئة الأعمال، والاعتماد على سياسات مدعومة بالأدلة والبيانات لتحديد وسد فجوات التنمية، وتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، ودعم مرونة السياسات المالية الكلية، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، بالإضافة إلى حشد التمويلات المحلية والخارجية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال إطار وطني مُتكامل للتمويل، يُعزز تخصيص الموارد للقطاعات ذات الأولوية، ويُحفز استثمارات القطاع الخاص، ويُسرّع وتيرة التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وذلك في إطار برنامج الحكومة.

وفي ختام كلمتها، أشارت "المشاط"، إلى حرص الوزارة على توفير كامل الدعم للقطاع الخاص، وتعزيز الدور الذي يقوم به صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية، لتعظيم العائد على أصول الدولة، وفتح المجال لاستثمارات القطاع الخاص المحلية والأجنبية، بالإضافة إلى المضي قدمًا في جهود إعادة هيكلة بنك الاستثمار القومي، لتعزيز دوره كأحد الأذرع الاقتصادية والاستثمارية التي تُدعم جهود الدولة التنموية، وتعمل على تنفيذ خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتدعم رؤية مصر 2030.

مقالات مشابهة

  • فعالية بصنعاء باليوم العالمي للبن
  • شريف فاروق: البطاقة التموينية أمانة في يد المواطن
  • 600 مليون دولار لدعم أداء القطاع العام وتحسين خدماته في المغرب في أفق 2028
  • «المشاط»: القطاع الخاص حصل على تمويلات ميسرة بـ11 مليار دولار في 4 سنوات
  • المشاط: الوزارة حريصة على توفير كامل الدعم للقطاع الخاص
  • 4 شروط لاحتساب المتدرب ضمن نسب التوطين في «الخاص»
  • وزير التموين: الشراكة مع القطاع الخاص تكليف رئاسي
  • الدمرداش: النباتات الطبية والعطرية على رأس القطاعات التصديرية الواعدة.. وبلغت صادراتها خلال العام الماضي 282 مليون دولار
  • 45 مليون ريال أذون خزانة حكومية
  • مواعيد الإجازات الرسمية المتبقية في 2024.. متابعة صارمة من وزارة العمل