لعقود من الزمن، كان المسؤولون الصينيون ووسائل الإعلام الحكومية يشيرون إلى "التبت" في الاتصالات التي يجرونها باللغة الإنكليزية، وهو الاسم المستخدم على نطاق واسع في جميع أنحاء الغرب، لكن في الأشهر الأخيرة، تزايد استخدامهم لمصطلح "شيزانغ"، وهو التهجئة الإنكليزية الرسمية للاسم الذي تطلقه أغلبية الهان العرقية في الصين على موطن شعب التبت الواقع في أقصى غرب البلاد، بحسب ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال".

يترافق هذا التحول مع حملة واسعة النطاق لصهر الأقليات العرقية والمناطق النائية في الصين والتي تكثفت تحت قيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي سعى إلى صياغة هوية وطنية واحدة تتمحور حول غالبية الهان والولاء للحزب الشيوعي.

وقد بدأ هذا التغيير في السنوات الأخيرة، مع تحول وزارة الخارجية الصينية وصحيفة شعبية تابعة للحزب القومي إلى استخدام "شيزانغ"، والكتابة بالحروف اللاتينية القياسية لاسم الإقليم باللغة الصينية.

وفي ندوة أكاديمية في أغسطس، دعا الباحثون الصينيون إلى استبدال الإشارات الإنكليزية إلى "التبت" بكلمة "شيزانغ"، وهو الرأي الذي روجت له وكالة الحزب التي تتعامل مع الشؤون العرقية على وسائل التواصل الاجتماعي.

وبعد شهرين، نظمت الحكومة الصينية مؤتمراً دبلوماسياً في مدينة نينغتشي التبتية، بعنوان "منتدى شيزانغ عبر الهيمالايا للتعاون الدولي"، حيث يشار إلى التبت بشكل عام باسم "شيزانغ" باللغة الإنكليزية.

وتشير وسائل الإعلام الرسمية الكبرى، مثل وكالة أنباء شينخوا، بشكل متزايد إلى "شيزانغ" في التقارير الصادرة باللغة الإنكليزية.

التحول إلى المصطلح الجديد يترافق مع استعدادات بكين لمعركة اختيار خليفة للدالاي لاما الحالي، الزعيم الروحي لشعب التبت الذي سيبلغ 89 عاماً في يوليو.

الهدف من التسمية

الاستخدام الأكثر رسمية لكلمة "شيزانغ" كان في نوفمبر، عندما نشر مكتب الدعاية الأعلى في الحكومة الصينية ورقة بيضاء حول "حوكمة شيزانغ"، متخلياً عن الإشارات إلى "التبت" المستخدمة في وثائق السياسة السابقة.

ويقول الخبراء إن التحول الدلالي يفتح جبهة جديدة في جهود الحزب الشيوعي لإعادة تشكيل الروايات العالمية حول الصين لصالح التسمية المفضلة لديه، خاصة فيما تعتبره بكين مصالحها الأساسية.

الباحث التبتي المستقل، المقيم في مدينة دارامشالا الهندية، ماثيو أكيستر، قال إن المسؤولين الصينيين سيسعون إلى الترويج لتسمية "شيزانغ" على الساحة الدولية، من خلال مناشدة المشاعر المعادية للغرب.

ويقول أكيستر إن بكين قد تستخدم الإكراه في نهاية المطاف أيضاً، بما في ذلك الضغط الاقتصادي والمقاطعة التجارية ضد الحكومات والشركات التي تستمر في الإشارة إلى "التبت"، متوقعاً أنه "ستكون هناك عواقب لعدم استخدام "شيزانغ".

ولم ترد إدارة عمل الجبهة المتحدة التابعة للحزب الشيوعي التي تتعامل مع الشؤون الدينية والعرقية، والمكتب الإعلامي لمجلس الدولة، الذراع الدعائي للحكومة الصينية؛ ووزارة الخارجية الصينية على طلبات التعليق.

وقال المتحدث باسم حكومة التبت في المنفى، تنزين ليكشاي، إن تبني تسمية "شيزانغ" "يهدف إلى تحقيق طموحهم السياسي المتمثل في إضفاء الشرعية على مطالبتهم بالتبت"، مشدداً "الصراع الصيني التبتي طويل الأمد، وتغيير الاسم لن يحل المشكلة، بل سيخلق المزيد من التعقيد."

أصل التسمية

سعى الحزب الشيوعي الصيني إلى تعزيز سيطرته على التبت منذ إرسال قوات إليها في عام 1950. ومنذ ذلك الحين، بذلت بكين جهودا لصهر التبتيين العرقيين وسحق ما تسميه القوات الانفصالية بقيادة الدلاي لاما الذي كان مراهقاً عندما سيطرت الجمهورية الشعبية على التبت.

وتكثفت جهود الاستيعاب بعد تولي شي السلطة في أواخر عام 2012، في حين اعتمد أسلافه بشكل أكبر على التنمية الاقتصادية كوسيلة لدمج الأقليات العرقية بشكل طبيعي.

وفي التبت، فرضت بكين في السنوات الأخيرة قيوداً متزايدة على الدين والتعليم واللغة التبتية، مع تعزيز قدرة الحكومة على مراقبة السكان. ويرفض المسؤولون الصينيون عموماً الادعاءات القائلة بأنهم يضعفون أو يقمعون الثقافة التبتية، ويزعمون بدلاً من ذلك أن الحزب الشيوعي نجح في تحسين حياة الناس هناك وسبل عيشهم وحافظ على هوياتهم الدينية والعرقية.

ويقول المؤرخون إن الاسم الصيني الحالي للتبت (التي توصف بسقف العالم)، "شيزانغ"، يعود إلى آخر أسرة إمبراطورية في الصين، أسرة تشينغ، وقد جاء هذا الاسم من الترجمة الصينية لكلمة "Gtsang" - في إشارة إلى اسم منطقة داخل التبت التاريخية.

"إن اسم شيزانغ مشبع بالكامل بوجهة نظر صينية" بحسب ما كتب إليوت سبيرلينج، مؤرخ التبت في جامعة إنديانا، في عام 2011، مضيفاً " إن معنى شيزانغ يحدد بشكل أساسي من خلال السياسة".

وأشار المؤرخ الذي توفي عام 2017في إلى الاختلافات في كيفية تعريف الأنظمة الصينية لحدود الاقليم، مؤكداً أن الحكومة الصينية الحالية لا تمتلك مصطلحاً صينياً رسمياً مصرحًا به لـ "المملكة التقليدية والتاريخية للتبت".

إشارات قديمة

استخدمت السلطات الصينية مصطلح "شيزانغ" في الماضي، ولو بشكل متقطع، على سبيل المثال، استخدمت حكومة اقليم التبت xizang.gov.cn كعنوان رئيسي لموقعها الإلكتروني منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على الأقل، على الرغم من أن المسؤولين الصينيين في ذلك الوقت كانوا يشيرون إلى "التبت" في تصريحاتهم باللغة الإنكليزية.

ظل مصطلح "التبت" هو التسمية الإنكليزية السائدة حتى وقت متأخر من عهد شي. على سبيل المثال، نشر المكتب الإعلامي لمجلس الدولة تقريراً حكومياً في عام 2021 بعنوان "التبت منذ عام 1951: التحرير والتنمية والازدهار".

قادت وزارة الخارجية الصينية استخدام مصطلح "شيزانغ"، مستخدمة الكتابة بالحروف اللاتينية القياسية في البيانات الرسمية والترجمات بوتيرة متزايدة خلال السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، عندما استضاف وزير الخارجية وانغ يي حدثا حول التبت في عام 2021، نشرت الوزارة ملخصاً لتصريحاته مشيرة إلى الاقليم باسم "شيزانغ".

كما قامت صحيفة غلوبال تايمز، وهي صحيفة شعبية قومية يديرها الحزب، بتصنيف التبت على أنها "شيزانغ" في تقاريرها باللغة الإنكليزية منذ عام 2021.

ونشرت إدارة عمل الجبهة المتحدة التابعة للحزب منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي في أغسطس ناقش تسمية "شيزانغ"، نقلاً عن أكاديميين صينيين قالوا إن "زيزانغ" هو اسم إنكليزي أكثر دقة لمنطقة التبت ذاتية الحكم في الصين.

وأشار المقال إلى أن كلمة "التبت" غالباً ما تستخدم للإشارة إلى المناطق المتأثرة بالثقافة التبتية، والتي تشمل منطقة التبت ذاتية الحكم وأجزاء من المقاطعات المجاورة. ونقل عن وانغ لين بينغ، الأستاذ في جامعة هاربين الهندسية، قوله "هذا المفهوم الخاطئ موجود منذ فترة طويلة"، وشوه وجهات النظر الدولية حول النطاق الجغرافي لشيزانغ.

واعتبر المقال أيضاً أن تحويل التبت إلى "شيزانغ" له ما يبرره، من أجل الامتثال للمتطلبات التنظيمية، مستشهداً بقرار الحكومة الصينية في عام 1978 بالاستخدام الموحد لنظام الكتابة بالحروف اللاتينية الرسمي في بكين لتهجئة أسماء الأشخاص والأماكن الصينية.

ونقل عن ليان شيانغ مين، نائب المدير العام لمركز أبحاث التبت الصيني التابع للدولة، قوله "استخدام نظام بينيين يعني التصرف وفقاً للقانون وتنفيذ قوانيننا ولوائحنا ذات الصلة".

وقال ليان إن "بعض الأشخاص في الغرب سيكون لديهم آراء مختلفة، لكن الصين تتعامل مع الشؤون المتعلقة بالتبت وفقاً للقانون، سواء قبلوا بذلك أم لم يقبلوا، فهذه مشكلتهم ".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: باللغة الإنکلیزیة الحکومة الصینیة فی الصین فی عام

إقرأ أيضاً:

الرئيس الصيني: بكين ستواصل دائما تعزيز القيم المشتركة للإنسانية

أكد الرئيس الصيني شي جين بينج، هدف السياسة الخارجية لبلاده والمتمثل في حماية السلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة، قائلا "إن بكين ستواصل دائما تعزيز القيم المشتركة للإنسانية، وتدعو إلى عالم متعدد الأقطاب متساو ومنظم".


وأضاف "شي" في كلمته خلال حفل بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية حسبما نقلت صحيفة تشاينا ديلي الصينية أن الصين ستواصل الاضطلاع بدور نشط في إصلاح وتطوير الحوكمة العالمية وستسعى جاهدة لبناء مجتمع بمستقبل مشترك للبشرية.


وقال أمام آلاف من كبار الشخصيات في قاعة الشعب الكبرى في بكين : "يجب أن نلتزم بمسار التنمية السلمية في تعزيز التحديث الصيني، بكين ستدافع بقوة أيضا عن السلام والتنمية والتعاون والمنفعة المتبادلة وسنبذل قصارى جهدنا لتعزيز السلام والهدوء العالميين والتقدم البشري".


ووصف "شي"، تأسيس جمهورية الصين الشعبية قبل 75 سنة بأنه حدث تاريخي أظهر أن الشعب الصيني نهض؛ مما أدى إلى عصر جديد في التاريخ نحو التجديد العظيم للأمة الصينية.
 

مقالات مشابهة

  • بادوسا تنهي أحلام «ابنة الأرض» في بكين!
  • الخارجية الصينية: بكين وموسكو ستدعمان قضايا السيادة والأمن
  • الصين تحض قوى العالم على منع “تدهور” الوضع في الشرق الأوسط 
  • الشيخ أحمد بن سعيد يطلع على أكبر مشروع تبريد مناطق في العالم الذي تنفذه “إمباور”
  • بعد التوغل الإسرائيلي في لبنان.. الصين: نرفض بشكل قاطع أي انتهاكات لسيادة لبنان
  • السفير حسام زكي: غزة واجهت كارثة ستظل وصمة عار على جبين العالم الذي وقف عاجزاً أمامها
  • الرئيس الصيني: بكين ستواصل دائما تعزيز القيم المشتركة للإنسانية
  • بوتين مهنئا شي بالذكرى الـ75 لتأسيس الصين: موسكو تقيم عاليا علاقات الصداقة مع بكين
  • في الذكرى الـ 51 للانتصارت المجيدة.. مركز الحوار للدراسات ‏السياسية والإعلامية ينظم ندوة «أكتوبر معركة نصر»‏
  • محمد بن راشد مهنئاً بكين بذكرى تأسيس الجمهورية: العلاقات الإماراتية الصينية نموذج للتعاون المشترك