الآلاف فقدوا ذويهم.. أي مصير ينتظر يتامى حرب غزة؟
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
يواجه عدد متزايد من الأطفال بقطاع غزة، معاناة مزدوجة عنوانها اليتم ووجع الفقد من جهة، والظروف الإنسانية القاهرة من جهة ثانية، مع دخول الحرب الإسرائيلية على القطاع أسبوعها الرابع عشر.
وفيما يحيي العالم في السادس من يناير من كل سنة اليوم العالمي ليتامى الحروب، تتحدث تقارير منظمات حقوقية وإنسانية، عن أن الحرب الأخيرة في غزة، خلفت إلى جانب آلاف القتلى والجرحى من الأطفال، عددا كبيرا من الأيتام الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما.
وأفاد تقرير حديث للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بأن نحو 25 ألف فقدوا أحد الوالدين أو كليهما في غزة، بينما دُمرت أو تضررت منازل نحو 640 ألفا منهم، ما يجعلهم دون مأوى، منذ أن اندلعت الحرب في أكتوبر الماضي.
ويخلد العالم في السادس من يناير من كل سنة اليوم العالمي ليتامى الحروب، الذي اعتمدته المنظمة الفرنسية لـ"نجدة الأطفال المحرومين" (SOS enfance en détresse)، وهي منظمة إنسانية غير حكومية، مقرها باريس.
ويسلط هذا اليوم الضوء على المحن والتحديات التي يواجهها الأيتام الذين فقدوا أهاليهم في الحروب والصراعات، والمعرضين بحسب المنظمة، للفقر والعزلة الاجتماعية ونقص الرعاية الصحية والتعليم، علاوة على الآثار النفسية طويلة الأمد التي تلاحقهم.
الآلاف دون معيلالصحفي الفلسطيني، رائد اللافي، يؤكد أنه لا توجد أرقام دقيقة بشأن عدد الأيتام الذين خلفتهم الحرب الأخيرة في غزة، غير أنه يشير إلى أن كثيرا من الأسر مسحت بشكل كامل من السجل المدني.
ويضيف اللافي، في تصريح لموقع "الحرة"، أنه من النادر نجاة أفراد أسرة عند تعرض بيتها للقصف، ما يترك الآلاف من الأطفال، إن هم نجوا، دون أهل ولا معيل.
ويشير الصحفي الفلسطيني إلى أحدث هجوم، استهدف منزلا بحي المنارة بخان يونس، الليلة الماضية، وراح ضحيته جميع أفراد المنزل من أصحابه والنازحين إليه، باستثناء طفل وحيد، كان بالخارج ونجا من الهجوم.
ويكشف الصحفي الفلسطيني أن هذا الطفل انضم إلى قائمة طويلة من اليتامى في غزة، بعد أن مات في الغارة والده ووالدته وشقيقاته، وعددا من أقاربه.
من جهته، يكشف المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة، يونيسف، جيمس إلدر، أنه من الصعب تحديد عدد أطفال غزة الذين أصبحوا أيتاما الآن، بسبب العدد الهائل من الأشخاص الذين يُقتلون والظروف البائسة على الأرض.
وأوضح إلدر في تصريحات سابقة لرويترز: "هناك كثير من الأطفال الذين فقدوا والديهم، لكن الأسوأ من ذلك أنهم فقدوا عائلاتهم بأكملها".
وتابع أن الأقارب أو الجيران عادة ما يتقدمون لرعاية الأطفال الأيتام، وكانت هناك حالات خطيرة لم يكن فيها أحد على قيد الحياة ليتولى أمر الأطفال.
وأشار: "التقيت بأطفال، عادة في المستشفيات لأنهم أصيبوا حين تعرض منزلهم للقصف، فقدوا أمهاتهم وأبيهم وأجدادهم، وعماتهم وأعمامهم وخالاتهم وأخوالهم، وإخوتهم، والجميع... حين يكون الطفل هو آخر فرد على قيد الحياة من أفراد الأسرة، فهذا يعني أن ثمة مشكلة حقيقية".
ويعد سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، من بين السكان الأصغر سنا في العالم، ونصفهم تقريبا تحت سن 18 عاما، وفقا لمكتب المراجع السكانية غير الربحي في واشنطن.
وقال "المرصد الأورومتوسطي" في تقرير، إن عدد أيتام غزة حتى الآن، يصل إلى نحو 25 ألف طفل فلسطيني، قُتل أحد والديهم أو الوالدان معا.
ومهما اختلفت الأرقام بشأن أعدادهم، تبقى الإحصائيات الخاصة بعدد الأيتام في الحرب الأخيرة، أعلى عن جميع تلك التي وثقت نتيجة العمليات الإسرائيلية السابقة ضد القطاع.
ففي عملية "الرصاص المصبوب" عام 2009، مثلا، أسفرت عن 1089 يتيما، بينما خلفت عملية "عمود السحاب" في 2012، 224 يتيما.
وفي 2014، بلغ عدد الأيتام بفِعل عملية "الجرف الصامد"، أكثر من 2000، وفقا لما أعلنته وزارة الشؤون الاجتماعية في غزة. وبحسب تقرير سابق نشره "المرصد الأورومتوسطي"، فإن عملية "حارس الأسوار" التي نفذتها إسرائيل ضد القطاع في 2021، خلفت قرابة 241 يتيما، بحسب أرقام أوردها موقع "ارفع صوتك".
وتعرف إحصائيات إجمالي عدد الأيتام داخل القطاع، أيضا تفاوتا في تقديرات المنظمات الاجتماعية.
ففي 2011 أوردت جمعيات خيرية إسلامية أن عدد الأيتام ممن هم دون سن الخامسة يزيد عن 25 ألفا، وفي 2016 أعلنت وزارة الشوؤن الاجتماعية في غزة، أن عددهم حوالي 20 ألفا.
وحددت منظمة "وقف فلسطين" الخيرية عددهم، بأنه لا يزيد عن 11.5 ألف يتيم، في عام 2023.
وقبل الحرب الأخيرة، كان القطاع، يضم خمس مؤسسات رئيسة لرعاية الأيتام، حدّدها محمد عودة في رسالة الدكتوراة الخاصة به عن "دور المرشدين في مؤسسات كفالة الأيتام بمحافظات غزة"، وهي: "معهد الأمل للأيتام، جمعية الصلاح الإسلامية، وقرية الأطفال لرعاية الأيتام S.O.S، وجمعية مبرة الرحمة، والجمعية الإسلامية الخيرية".
في هذا الجانب، كشف اللافي، أنه قبل الحرب، كان هناك معهد يكاد يكون الوحيد والأشهر بقطاع غزة، وهو معهد الأمل للتكفل بالأيتام، ويقدم لهم خدمات إيواء ورعاية وتعليم وتوفير المأكل والملبس بالنسبة لهم، لكن اليوم بالنظر حالة العزلة التي تفرضها الحرب، يبقى من الصعب الوصول إليه أو إلى غيره، كما أنه يشير إلى أن "لا علم له إن كانت هذه المراكز تواصل تقديم خدماتها أو دمرت أيضا".
وعن مصير أيتام الحرب الأخيرة، يقول اللافي، إن المجتمع في غزة، "متماسك ومتعاون، عندما يتيتم الطفل تتكفل به الأسرة القريبة، من أعمامه وأخواله وأجداده"، مشيرا إلى أن "ثقافة إيداع الطفل في مراكز خاصة نادرة، إلا باستثناء حالات معدودة، عندما لا يكون للطفل أقارب بالمطلق".
ويشدد على أن "السائد أن يتكفل أقرب الأقربين إلى الطفل برعايته وتعليمه وتلبية احتياجاته".
وفي سياق متصل، يشير اللافي إلى أن مؤسسات إغاثية بغزة تقدم كفالات للأيتام، عبارة عن مصروف أو راتب شهري يقدم إلى أقاربه أو من يقوم بكفالته للمساعدة لتحمل أعباء الحياة.
كابوس يزداد سوءاوتفيد منظمة يونيسف، بأن المواجهات وسوء التغذية والوضع الصحي أحدثت "دورة من الموت تهدد أكثر من 1.1 مليون طفل" في هذا القطاع الذي كان يسوده الفقر حتى قبل بدء الحرب.
وكشفت المنظمة في بيان، أن الأطفال في قطاع غزة "تهديدا ثلاثيا مميتا"، مع ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض، وانخفاض التغذية، واقتراب تصعيد الأعمال العدائية من أسبوعه الرابع عشر.
وقضى آلاف الأطفال بالفعل بسبب العنف، في حين تستمر الظروف المعيشية للأطفال في التدهور السريع، مع تزايد حالات الإسهال وارتفاع الفقر الغذائي بين الأطفال، مما يزيد من خطر تصاعد الوفيات في صفوفهم، وفقا للمنظمة.
وقالت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لليونيسف "إن الأطفال في غزة عالقون في كابوس يزداد سوءاً مع مرور كل يوم"، مؤكدة أن "الأطفال والعائلات يتعرضون للقتل والإصابة في القتال، كما أن حياتهم معرضة للخطر المتزايد بسبب الأمراض التي يمكن الوقاية منها ونقص الغذاء والماء.
أعلنت وزارة الصحة التابعة لحركة حماس، السبت، أن حصيلة القصف والعمليات البرية الإسرائيلية في قطاع غزة بلغت 22722 منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر.
وأوضحت الوزارة في بيان أن هذه الحصيلة، وغالبيتها من النساء والأطفال، تشمل 122 قتيلا قضوا في الساعات الأربع والعشرين الماضية. إلى ذلك، بلغت الحصيلة الإجمالية للجرحى 58166 شخصا.
ونشبت الحرب بعد هجوم لمسلحي حماس، أودى بحياة 1200 شخص، معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، وتمخض عن اقتياد 240 شخصا من جميع الأعمار لاحتجازهم كرهائن في غزة، وفقا لإحصائيات إسرائيلية.
وتعهدت إسرائيل بالقضاء على حماس، وردت بهجوم عسكري وحصار كامل للقطاع المكتظ بالسكان، مما أدى إلى مقتل أكثر من 22 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وفقا لوزارة الصحة في غزة.
وفيما تحذر المنظمات الأممية والصحية من الأوضاع الأمنية والإنسانية الصعبة بالقطاع، يدق باحثون ناقوس الخطر أيضا بشأن "الندوب الخفية" التي تلحق الأطفال الناجين لبقية حياتهم.
تقول جيما كونيل، عاملة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة إنها التقت بكثيرين من الأطفال المصابين بصدمات نفسية كانوا جرحى وجائعين وخائفين، وفي كثير من الحالات ماتت عائلاتهم.
وقالت في مقابلة هاتفية، مع رويترز منفصلة عن زيارتها للمستشفى "لقد رأى كثيرون منهم أشقاءهم يموتون، وآباؤهم يموتون".
وأضافت "التقيت بفتاة صغيرة تبلغ من العمر أربع سنوات تقريبا، لم تكن قادرة على الكلام بسبب ما رأته. لم تكن قادرة حتى على نطق اسمها. كانت عيناها واسعتين مثل غزال تسلطت عليه المصابيح الأمامية لسيارة... هذا هو حال الأطفال في غزة كما يبدو".
ويقول باحثون إن للصدمات الناتجة عن الحروب والنزاعات "تأثير عميق ودائم على الصحة العقلية للأطفال ونموهم"، مما يؤثر على "أدائهم ونظرتهم للعالم كشباب بالغين"، وفقا لـ "أن بي آر" (الإذاعة الوطنية العامة).
وتشير دراسات إلى أنه حتى الشباب الذين يبدو أنهم "شكلوا مناعة"، تجاه العنف المحيط بهم ترافقم آثار نفسية عميقة طيلة حياتهم، ما لم يحظوا فرصة للتعافي والعلاج.
ويشكل هذا الوضع مصدر قلق بشكل خاص فيما يتعلق بأطفال غزة، الذين كانوا يعانون من مشاكل كبيرة ترتبط بواقع صحتهم النفسية والعقلية، قبل سنوات حتى من الحرب الجديدة.
وطيلة الأعوام الماضية، وثقت العديد من الدراسات معدلات مرتفعة، بشكل غير عادي، من مشاكل الصحة العقلية والسلوكية بين شباب غزة، الذين لم يعرف معظمهم حياةً بدون تهديد بالعنف والصراع.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الحرب الأخیرة عدد الأیتام من الأطفال فی غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
صواريخ الاحتلال تقتل فرحة العيد بغزة في يومه الأول
غزة- تلطخت ملابس الأطفال الجديدة التي ارتدوها في أول أيام عيد الفطر بلون الدم القاني، بعدما وصلوا لتلقي العلاج في مجمع ناصر الطبي، إثر إصابتهم بشظايا صاروخ إسرائيلي استهدف خيام النازحين غربي مدينة خان يونس.
كانت لحظات صعبة غابت فيها ضحكات الأطفال، وتبدلت فرحتهم بصرخات ألم، وسيطرت عليهم علامات الفزع وهم يبحثون عن ذويهم بعدما تفرق جمعهم.
على جانب آخر من المستشفى، أطبق الصمت حول جثامين مسعفي الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني الذين تمكنت الطواقم المختصة من انتشالهم، بعدما أعدمتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل 8 أيام في أثناء استجابتهم لنداء استغاثة أطلقته العائلات المحاصرة غربي محافظة رفح.
مَر اليوم الأول من العيد ثقيلا على قطاع غزة، الذي ودّع فيه أكثر من 50 شهيدا سرق الاحتلال حياتهم، وأطفأ البهجة من قلوب ذويهم.
تبدو التفاصيل قاسية في العيد الثالث الذي يمر على الفلسطينيين وهم في أتون الحرب، حيث غابت تكبيرات العيد عن معظم مساجد غزة المدمرة، في حين تمكن عدد قليل من إقامة الصلاة داخل مراكز الإيواء على عجل، خشية من قذائف الاحتلال التي عمّت المناطق الشمالية والشرقية والجنوبية لقطاع غزة.
إعلانوفي مقبرة الفالوجا غرب مخيم جباليا، تجمع عدد من ذوي الشهداء حول قبور أبنائهم التي جاؤوا لزيارتها، بعدما غيبتهم آلة العدوان الإسرائيلية وافتقدوهم في "لمة العيد".
يقول الشاب حسن وهو يغادر أسوار المقبرة: "فقدت خلال الحرب اثنين من إخوتي، و15 شهيدا من الدرجة الأولى، والمناسبات تفتح جروحا غائرة تركها عدوان الاحتلال ولا يمكن لها أن تندمل".
ويشير حسن -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن "الحزن لم يفارق ذوي الشهداء، وفي كل بيت تفاصيل مؤلمة من الفقد ليس من السهل تجاوزها".
حصار مطبقغابت مظاهر العيد عن قطاع غزة الذي تفرض عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي حصارا مطبقا منذ الأول من مارس/آذار الحالي، بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وحال إغلاق المعابر دون توفر أيّ من السلع الأساسية في الأسواق.
واعتاد معظم أهالي غزة تناول السمك المملح "الفسيخ" في وجبة الإفطار صباح اليوم الأول للعيد، لكن إغلاق المعابر اضطرهم لاستبداله بمواد غذائية معلبة، بدأت تشح من الأسواق.
وتغيب أي من اللحوم الحمراء والدواجن عن موائد الفلسطينيين في قطاع غزة، في حين اضطرت جميع المطاعم التي اعتاد الأطفال التردد عليها في الأعياد إلى إغلاق أبوابها.
وبموجب البروتوكول الإنساني المتعلق باتفاق وقف إطلاق النار، كان من المفترض دخول 600 شاحنة مساعدات يوميا و50 شاحنة وقود، غير أن الاحتلال منع منذ بداية الشهر الحالي دخول ما مجموعه 18 ألف شاحنة مساعدات، و1500 شاحنة وقود، مما فاقم الكارثة الإنسانية التي تهدد حياة 2.4 مليون فلسطيني، متسببا في انعدام الأمن الغذائي لأكثر من 85% من سكان غزة بسبب توقف المساعدات والمبادرات الخيرية.
وفي شوارع غزة المدمرة، بدا الفرح على وجوه الأطفال الذين يتأرجحون بألعاب بدائية، حيث اتخذ الشبان منها مهنة موسمية بعدما أفقدتهم الحرب مصدر دخلهم.
إعلانكما تولى مبادرون مهمة إدخال الفرح على الأطفال في العيد، حيث انتشر عددا من المهرجين بين المناطق السكنية المدمرة لإسعاد الصغار، الذين لم يسلم أي منهم من ويلات الحرب، على أمل أن تتوقف الحرب قريبا.
في المقابل، تخشى الأمهات -اللواتي كن يأملن تجدد وقف إطلاق النار مع حلول العيد- من خروج أبنائهن للشارع والاحتفال بالعيد، وذلك بسبب القصف العشوائي والمباغت من الطائرات الحربية الإسرائيلية.
يُذكر أن قوات الاحتلال الإسرائيلي دمرت جميع المتنزهات والمشاريع السياحية في قطاع غزة، التي يقرب عددها من 5 آلاف منشأة، وتسبب عدوان الاحتلال في فقدان 15 ألفا و265 عاملا في نشاط السياحة لوظائفهم، وذلك حسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء.