الذكاء الاصطناعي والعرب.. الفرصة ما زالت سانحة
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
مؤيد الزعبي **
منذ سنوات ونحن نسمع عن الذكاء الاصطناعي وتطوراته وأحداثه وأخباره واختراعاته وشركاته ومبتكريه وصناعه وراسمي خططه ومستقبله، فهل تساءلنا للحظة أين العرب من كل هذا؟ وهل نحن جزء من هذا المستقبل؟ وأقصد هنا كصناعة ومؤثرين في تطوراته، أم سنكتفي بأن نكون مستخدمين لهذه التكنولوجيا؟ وفي حال كنا مستخدمين، هل فعلًا سنستفيد منه ونطور دولنا ووزاراتنا وشركاتنا وحياة شعوبنا؟
في هذا المقال أسمح لي- عزيزي القارئ- أن أقول لك إننا كعرب لسنا بعيدين، وأن فرصتنا سانحة وسانحة جدًا ولكن.
وفق الإصدار الرابع لمؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي "The Global AI Index" المنشور في 28 يونيو 2023 على موقع "Tortoise Medi"، والتي يُصنِّف البلدان حسب قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي تأتي دولة الإمارات في المركز 28 عالميًا والأولى عربيًا، فيما احتلت السعودية المرتبة 31، وقطر المرتبة 42، فيما جاءت مصر في المرتبة 52. ولو أمعنَّا النظر في التقرير لوجدنا أن دولة الإمارات يتركز الذكاء الاصطناعي لديها في مجال البنية التحتية، ويتركز الذكاء الاصطناعي في السعودية على الاستراتيجيات والخطط الحكومية. صحيح أن البعض سيكون متشائمًا من هذه التقارير، إلّا أنني أجدها إيجابية بشكل كبير والدليل ما سوف أطرحه عليك في السطور التالية.
خلال الفترة الماضية، تم تقييد بيع شرائح شركة "إنفيدياNvidia " عالية السرعة لدول عربية مثل السعودية والإمارات، وقد صرحت الشركة أنها ستحتاج لموافقة من الحكومة الأمريكية للسماح لها ببيع منتجاتها المتطورة للسعودية والإمارات، ولم يعد خفيًا على أحد أن هناك سباقًا محمومًا بين بلدان المنطقة، للحاق بالركب العالمي الخاص بالذكاء الاصطناعي، وقد أطلقت الإمارات في أغسطس 2023، "جيس" وهو أول نموذج ذكاء اصطناعي توليدي يعمل باللغة العربية، كما إن معظم الدول العربية أطلقت برامجها الوطنية للذكاء الاصطناعي بما فيها سلطنة عُمان؛ حيث أطلقت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة في عام 2020، وهذا يدل على أن العرب لديهم برامج وطنية واعدة في الذكاء الاصطناعي ولم يتأخروا كثيرًا كما يظن البعض.
هناك بالفعل تفاوت كبير بين الدول العربية في قدرتها على مواكبة الذكاء الاصطناعي خصوصًا، وأن دولًا مثل الإمارات قد بدأت المسيرة مبكرة وكانت أول دولة في العالم تعين وزيرًا للذكاء الاصطناعي، ومن ثم تبعتها العديد من الدول العربية لتبني منهجيات الذكاء الاصطناعي في استراتيجياتها الحكومية. وأتفق أن قدراتنا ما زالت تنحصر في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي، وليس في قدراتنا على ابتكاره، لكن في هذه النقطة تحديدًا دعني- عزيزي القارئ- أعارضك في ذلك؛ إذ إننا كدول عربية لدينا القدرة على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية وهذا يكفي في هذا الوقت، وقد بدأنا فعلًا نشاهد شركات عربية متخصصة في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي وبناء نماذج مفتوحة المصدر لإدخال الذكاء الاصطناعي في مجالات مهمة مثل الطب والنقل والخدمات الحكومية.
إن ما ينقصنا فعليًا كعرب هو نفس ما كان ينقصنا دائمًا.. إنه "البحث العلمي"؛ حيث إن ميزانيات البحث العلمي ضعيفة إلى حد كبير جدًا في الكثير الدول العربية، وحتى الشركات العربية العملاقة لا تضع في حساباتها الاستثمار في البحث والتطوير ولكن لنكن واقعيين بأن هناك توجهًا وإن كان ضعيفًا لزيادة ميزانيات البحث العلمي في بعض الدول العربية، وهناك شركات بدأت تجد أن من مصلحتها الاستثمار في البحث والتطوير خصوصًا وأن عالمنا اليوم قائم على المعرفة، والمعرفة أصبح لها ثمن بل أثمان إن صح التعبير والاستثمار بالمعرفة أصبح مربح إلى حد كبير.
أيضًا تنقصنا نقطة مهمة جدًا وهي المواهب؛ فإلى الآن سوقنا المعرفي العربي في الذكاء الاصطناعي تنقصه المواهب؛ وأقصد هنا المواهب القادرة على استخدام الذكاء الاصطناعي وتوظيفه في مجالات عملنا وحياتنا والمواهب القادرة على خلق الابتكارات وأوعز السبب في ذلك لمنظومتنا التعليمية غير القادرة على تطوير المواهب أو اكتشافهم، وأن معايير تصنيف القوى العاملة ما زال يتبع أنظمة تقليدية لا تتناسب مع متغيرات عصرنا الحالي.
وحتى أكون منصفًا وموضوعيًا أقول في نهاية هذا الطرح إن فرصتنا كعرب في أن نكون روادًا في الذكاء الاصطناعي ما زالت سانحة، خصوصًا وأن العالم يتشكل في هذا الجانب وأيضًا لكون أدوات الابتكار والتطوير أصبحت متوافرة بشكل أكبر ولدينا بدائل كثيرة، فإن امتنعت الولايات المتحدة من تزويدنا بما يلزم لتطوير قدراتنا، فهناك البدائل الكثيرة والتي ستصبح أقوى في المستقبل القريب، ويمكننا الاستفادة من هذه النقطة، وأيضًا يجب أن نقول لكل متأخر أو غير مدرك؛ سواءً كان مسؤولًا حكوميًا أو وزيرًا أو صاحب شركة أو موظفًا أو طالبًا- إن الذكاء الاصطناعي لم يعد أمرًا للترف، ولا حكرًا على العقول الغربية؛ بل هو نموذج يتضمن الفرصة لنا لنعوِّض تأخُّرنا السابق.
** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الأرشيف والمكتبة الوطنية يناقش الذكاء الاصطناعي والإعلام
في ندوة بعنوان "الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي: أرشفة الحاضر وصناعة المستقبل" ،ناقش الأرشيف والمكتبة الوطنية، التطور التقني بوصفه ركيزة أساسية في دعم الإبداع والابتكار في الإعلام والأرشفة.
وتطرقت الندوة إلى أهمية الذكاء الاصطناعي في صناعة مستقبل الإعلام الرقمي، وأهمية الإعلام في توثيق أحداث الماضي والحاضر وأرشفتها وإتاحتها وحفظها للأجيال، واستعرضت الندوة إيجابيات الذكاء الاصطناعي في الأرشفة الإعلامية وسلبياته.
قدم الندوة الإعلامي عبد اللطيف الصايغ، حيث تناولت تضافر جهود الأرشيفات مع الإعلام الرقمي في تقديم المعلومات التاريخية الموثقة وصونها وأرشفتها، ولفتت إلى ضرورة عدم ترك الشركات العملاقة مثل جوجل وميتا وغيرهما بما تتمتع به من تكنولوجيا حديثة لتمتلك الأرشيفات وتتحكم بها، وألا نعتمد على المعلومات الأرشيفية التي تقدمها لنا ونثق بها ثقة مطلقة، مع أن هذه المنصات ستكون السبّاقة دائماً بما لديها من دعم مادي تكرسه لأهدافها.
وأوضح المحاضر أن الذكاء الاصطناعي قد بدأ يفهم توجهات البشر ومتطلباتهم، فما يظهر لنا على منصات البحث الإلكتروني ليس بالصدفة؛ وما توثقه الشركات العملاقة لا يمكن لأحد الاستغناء عنه، ومثال ذلك ما توثقه كاميرات "غوغل إرث" بحفظها للتراث الثقافي، وما تقدمه من بيانات ترصد التحولات التي يشهدها كوكب الأرض برمته، وما يقدمه "جوجل تريندز" يكشف عما يهتم به الناس، وما يقدمه "شات جي بي تي" من خدمات مذهلة في مختلف الصعد صار محط اعتماد الباحثين في مختلف المجالات.
وتطرقت الندوة للأرشيفات في الماضي، والأدوات المستخدمة فيها، وأساليب التحكم بالوصول إلى الوثائق المطلوبة فيها، وقارنتها بما هي عليه في الحاضر، وكيف صارت الأرشيفات متاحة على المنصات الإعلامية، وبينت التحولات التي طرأت عليها، ودعمت ذلك كله بالأمثلة، وبما تمتلكه كل من المكتبة البريطانية، ومكتبة الكونغرس الأمريكية، وهيئة الإذاعة البريطانية من أرشيفات، وسلطت الضوء على جوجل: أرشيف المعرفة، وميتا: أرشيف الحياة الاجتماعية، وتويتر أو منصة (x): لحظات تاريخية في الزمن الحقيقي.
ولفتت إلى القدرات الهائلة للشركات العملاقة التي لم تنشئ منصات تواصل فحسب، وإنما أسست أرشيفات رقمية تساعد على فهم الحاضر والمستقبل؛ إذ توثق الحياة لحظة بلحظة، وتحلل سلوك المجتمعات، وتؤثر على تطوير المعرفة البشرية.
وبينت أثر الذكاء الاصطناعي في بناء الأرشيف الرقمي، وفي تصنيف الأرشيفات الضخمة وترتيبها، وشرحت العلاقات التكاملية بين توثيق الأحداث المعاصرة والأرشيفات العالمية التي وثقت التاريخ وهي تعرضه على المنصات الكبرى وعلى المنصات التي تعرض التراث الثقافي العالمي.
وركزت الندوة على أهمية دور الحكومات في الاستثمار في رقمنة الأرشيف، وتشجيع الشراكات، والاهتمام بحماية البيانات، وتوثيق التراث الثقافي والوطني، ودعم البحث العلمي وتطوير المعرفة.