مؤيد الزعبي **

منذ سنوات ونحن نسمع عن الذكاء الاصطناعي وتطوراته وأحداثه وأخباره واختراعاته وشركاته ومبتكريه وصناعه وراسمي خططه ومستقبله، فهل تساءلنا للحظة أين العرب من كل هذا؟ وهل نحن جزء من هذا المستقبل؟ وأقصد هنا كصناعة ومؤثرين في تطوراته، أم سنكتفي بأن نكون مستخدمين لهذه التكنولوجيا؟ وفي حال كنا مستخدمين، هل فعلًا سنستفيد منه ونطور دولنا ووزاراتنا وشركاتنا وحياة شعوبنا؟

في هذا المقال أسمح لي- عزيزي القارئ- أن أقول لك إننا كعرب لسنا بعيدين، وأن فرصتنا سانحة وسانحة جدًا ولكن.

. ولكن هذه دعنا نناقشها في هذا الطرح.

وفق الإصدار الرابع لمؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي "The Global AI Index" المنشور في 28 يونيو 2023 على موقع "Tortoise Medi"، والتي يُصنِّف البلدان حسب قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي تأتي دولة الإمارات في المركز 28 عالميًا والأولى عربيًا، فيما احتلت السعودية المرتبة 31، وقطر المرتبة 42، فيما جاءت مصر في المرتبة 52. ولو أمعنَّا النظر في التقرير لوجدنا أن دولة الإمارات يتركز الذكاء الاصطناعي لديها في مجال البنية التحتية، ويتركز الذكاء الاصطناعي في السعودية على الاستراتيجيات والخطط الحكومية. صحيح أن البعض سيكون متشائمًا من هذه التقارير، إلّا أنني أجدها إيجابية بشكل كبير والدليل ما سوف أطرحه عليك في السطور التالية.

خلال الفترة الماضية، تم تقييد بيع شرائح شركة "إنفيدياNvidia " عالية السرعة لدول عربية مثل السعودية والإمارات، وقد صرحت الشركة أنها ستحتاج لموافقة من الحكومة الأمريكية للسماح لها ببيع منتجاتها المتطورة للسعودية والإمارات، ولم يعد خفيًا على أحد أن هناك سباقًا محمومًا بين بلدان المنطقة، للحاق بالركب العالمي الخاص بالذكاء الاصطناعي، وقد أطلقت الإمارات في أغسطس 2023، "جيس" وهو أول نموذج ذكاء اصطناعي توليدي يعمل باللغة العربية، كما إن معظم الدول العربية أطلقت برامجها الوطنية للذكاء الاصطناعي بما فيها سلطنة عُمان؛ حيث أطلقت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة في عام 2020، وهذا يدل على أن العرب لديهم برامج وطنية واعدة في الذكاء الاصطناعي ولم يتأخروا كثيرًا كما يظن البعض.

هناك بالفعل تفاوت كبير بين الدول العربية في قدرتها على مواكبة الذكاء الاصطناعي خصوصًا، وأن دولًا مثل الإمارات قد بدأت المسيرة مبكرة وكانت أول دولة في العالم تعين وزيرًا للذكاء الاصطناعي، ومن ثم تبعتها العديد من الدول العربية لتبني منهجيات الذكاء الاصطناعي في استراتيجياتها الحكومية. وأتفق أن قدراتنا ما زالت تنحصر في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي، وليس في قدراتنا على ابتكاره، لكن في هذه النقطة تحديدًا دعني- عزيزي القارئ- أعارضك في ذلك؛ إذ إننا كدول عربية لدينا القدرة على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية وهذا يكفي في هذا الوقت، وقد بدأنا فعلًا نشاهد شركات عربية متخصصة في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي وبناء نماذج مفتوحة المصدر لإدخال الذكاء الاصطناعي في مجالات مهمة مثل الطب والنقل والخدمات الحكومية.

إن ما ينقصنا فعليًا كعرب هو نفس ما كان ينقصنا دائمًا.. إنه "البحث العلمي"؛ حيث إن ميزانيات البحث العلمي ضعيفة إلى حد كبير جدًا في الكثير الدول العربية، وحتى الشركات العربية العملاقة لا تضع في حساباتها الاستثمار في البحث والتطوير ولكن لنكن واقعيين بأن هناك توجهًا وإن كان ضعيفًا لزيادة ميزانيات البحث العلمي في بعض الدول العربية، وهناك شركات بدأت تجد أن من مصلحتها الاستثمار في البحث والتطوير خصوصًا وأن عالمنا اليوم قائم على المعرفة، والمعرفة أصبح لها ثمن بل أثمان إن صح التعبير والاستثمار بالمعرفة أصبح مربح إلى حد كبير.

أيضًا تنقصنا نقطة مهمة جدًا وهي المواهب؛ فإلى الآن سوقنا المعرفي العربي في الذكاء الاصطناعي تنقصه المواهب؛ وأقصد هنا المواهب القادرة على استخدام الذكاء الاصطناعي وتوظيفه في مجالات عملنا وحياتنا والمواهب القادرة على خلق الابتكارات وأوعز السبب في ذلك لمنظومتنا التعليمية غير القادرة على تطوير المواهب أو اكتشافهم، وأن معايير تصنيف القوى العاملة ما زال يتبع أنظمة تقليدية لا تتناسب مع متغيرات عصرنا الحالي.

وحتى أكون منصفًا وموضوعيًا أقول في نهاية هذا الطرح إن فرصتنا كعرب في أن نكون روادًا في الذكاء الاصطناعي ما زالت سانحة، خصوصًا وأن العالم يتشكل في هذا الجانب وأيضًا لكون أدوات الابتكار والتطوير أصبحت متوافرة بشكل أكبر ولدينا بدائل كثيرة، فإن امتنعت الولايات المتحدة من تزويدنا بما يلزم لتطوير قدراتنا، فهناك البدائل الكثيرة والتي ستصبح أقوى في المستقبل القريب، ويمكننا الاستفادة من هذه النقطة، وأيضًا يجب أن نقول لكل متأخر أو غير مدرك؛ سواءً كان مسؤولًا حكوميًا أو وزيرًا أو صاحب شركة أو موظفًا أو طالبًا- إن الذكاء الاصطناعي لم يعد أمرًا للترف، ولا حكرًا على العقول الغربية؛ بل هو نموذج يتضمن الفرصة لنا لنعوِّض تأخُّرنا السابق.

** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

دل تكشف كيف نستطيع تحقيق أهداف الاستدامة في عصر الذكاء الاصطناعي

قال محمد أمين، نائب الرئيس الأول لشركة دل تكنولوجيز في منطقة أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا بشركة دل تكنولوجيز، هل فكرت يومًا في كيفية إسهام الذكاء الاصطناعي في بناء مستقبل أكثر استدامة وعدالة؟ اليوم، مع تزايد انتشار الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، لم يعد السؤال يتعلق بموعد اعتماده أو مدى تأثيره، بل أصبح يتمحور حول كيفية تحقيق ذلك بفعالية. وفقًا لدراسة أجرتها شركة دل تكنولوجيز، يعتقد 76٪ من قادة تكنولوجيا المعلومات أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيكون له دور كبير أو تحويلي في مؤسساتهم. كما تُقدّر شركة McKinsey أن أتمتة العمل باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي والتقنيات الأخرى ستزيد الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 60-70٪.
لكن اعتماد الذكاء الاصطناعي ليس بالبساطة التي قد يتصورها البعض. أحد التحديات الرئيسية يكمن في استهلاك التكنولوجيا للطاقة. وفقًا لتقرير صادر عن جارتنر، من المتوقع أن يؤدي التوسع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى زيادة كبيرة في استهلاك الطاقة، حيث قد يرتفع استهلاك الكهرباء في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنسبة تصل إلى 25٪ أو أكثر سنويًا. هذه الزيادة في الانبعاثات واستهلاك المياه قد تعرقل قدرة الموردين على تحقيق أهداف الأداء البيئي المحددة في عمليات اختيار التطبيقات. ومع بروز الذكاء الاصطناعي لتحقيق إمكاناته الكبيرة في تعزيز الإنتاجية وتحسين الكفاءة التشغيلية، تواجه الشركات الطموحة تحديًا في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تستهلك كميات مهولة من الطاقة، دون المساس بأهداف الاستدامة وكفاءة الطاقة الأساسية، مع الحرص على سيادة البيانات وتحقيق أعلى عائد على الاستثمار.
دعونا نستكشف كيف يمكن للشركات دمج الذكاء الاصطناعي كجزء من تحول شامل يركز على تعزيز أولويات الاستدامة وكفاءة الطاقة.
تعزيز الكفاءات في مركز البيانات 
يعد تبني البنية التحتية الموفرة للطاقة وسيلة فعالة لتعزيز الاستدامة في مراكز البيانات الخاصة بالشركات. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا حيويًا في تعزيز الكفاءة التشغيلية من خلال تعزيز قدرة الشركات على مراقبة بصمتها الكربونية والتحكم فيها. ومع تزايد التركيز على الحد من الانيعاثات الكربونية، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 55٪ بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات 1990، ويهدف إلى تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050 ضمن إطار الصفقة الأوروبية الخضراء.
استجابةً لهذه الطموحات، بدأت معايير إعداد التقارير الجديدة المتعلقة بالاستدامة تدخل حيز التنفيذ، مما يلزم الشركات العاملة في أوروبا بالإبلاغ عن جهودها في مجالات البيئة والمجتمع والحوكمة. قد تمتد تأثيرات هذه المعايير إلى نطاق عالمي أيضًا.
من ناحية أخرى، تطورت تكنولوجيا كفاءة الطاقة بشكل ملحوظ على مر السنين، مما جعل الأجهزة القديمة عبئًا كبيرًا. على سبيل المثال، ما كان يتطلب ستة خوادم في عام 2013 يمكن اليوم إنجازه باستخدام خادم واحد فقط. علاوة على ذلك، توفر البرمجيات المبتكرة وحلول الإدارة عن بُعد رؤى شاملة حول استهلاك الطاقة والتأثير البيئي للشركة.
من خلال تصميم بيئة تكنولوجيا المعلومات بحيث تتماشى مع الأولويات الاستراتيجية، يمكن للشركات تحقيق توازن بين تقليل بصمتها البيئية وزيادة الكفاءة، وتزويد نفسها بالقدرات اللازمة لتحقيق النمو المستدام. ومع ذلك، عندما تبدأ الشركات في عملية تحول تكنولوجيا المعلومات، فإن إدارة بياناتها ستلعب دورًا حاسمًا في تحديد نموها المستقبلي. وفقًا لاستطلاع Dell GenAI Pulse لعام 2023، أشار 37٪ من المشاركين إلى أن بياناتهم وملكيتهم الفكرية تعتبر ذات قيمة كبيرة بحيث لا يمكن إدراجها في أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي قد تكون متاحة لأطراف خارجية. من خلال دمج الذكاء الاصطناعي مباشرة في إدارة البيانات، يمكن للشركات الحفاظ على سيادة بياناتها والاستفادة في الوقت نفسه من مزايا الذكاء الاصطناعي التوليدي.
يعزز نموذج الخدمة كخدمة (aaS) تحول الذكاء الاصطناعي ويدعم الاستدامة
تتزايد الحاجة إلى نماذج استهلاك مرنة، حيث أن هذه المرونة تتوافق تمامًا مع تحسين إدارة أحمال العمل المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. وفقًا لدراسة أجرتها Forrester، يتوقع 88% من الشركات أن تحقق فوائد كبيرة في الاستدامة من خلال اعتماد نموذج الخدمة كخدمة، بينما يتوقع 65% منهم تحقيق توفير يتجاوز 10% بفضل هذا النموذج. يتيح نموذج الخدمة كخدمة للشركات الاستفادة من أحدث الأجهزة التي تتسم بكفاءة عالية في استهلاك الطاقة وتُنتج وفقًا لأعلى معايير الاستدامة. من خلال اعتماد هذا النموذج، تستطيع الشركات تقليل التكاليف وتقليص النفايات، وتعزيز السيطرة على تطبيقاتها وبياناتها، مما يمكّنها من تحديث بيئة تكنولوجيا المعلومات وتوسيع استخدام الذكاء الاصطناعي حسب الحاجة.
3. تبني الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على كفاءة الطاقة لتعزيز مستقبل العمل
تتميز الأجهزة الحديثة بتصميماتها وتصنيعها وشحنها الذي يولي اهتمامًا متزايدًا بالاستدامة، فضلاً عن تميزها بميزات ذكية تدعم الذكاء الاصطناعي وتحافظ على إنتاجية المستخدمين. على سبيل المثال، يقوم Dell Optimizer بدراسة أنماط عمل المستخدمين وتعديل الأداء لتحقيق أطول فترات تشغيل ممكنة ويطيل عمر البطارية بفضل ميزات توفير الطاقة المتقدمة. بتطبيق إعدادات الطاقة المثلى وفقًا لمتطلبات الأداء، وإيقاف التشغيل عند نهاية اليوم، واستخدام الأجهزة الطرفية القابلة لإعادة الشحن عبر USB، يمكن تحسين كفاءة الطاقة بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشركات الاستفادة من التحديثات الدورية لضمان استخدام أحدث تقنيات كفاءة الطاقة، مما يساعد في تقليص التكاليف الأولية والتكلفة الإجمالية للاستخدام، ويعزز الفوائد التشغيلية، ويدعم أهداف الاستدامة.
4. استغلال الذكاء الاصطناعي لتطوير استراتيجية فعالة لتحقيق الاستدامة
يعد تبني بنية تحتية موفرة للطاقة خطوة غاية في الأهمية لتعزيز الاستدامة، ويحدث بالفعل تحولا جذريًا في كيفية تعامل الشركات مع الابتكار والنمو. ومع ذلك، يتطلب تبني الذكاء الاصطناعي نهجًا متكاملاً يشمل كافة أنحاء المؤسسة. لتحقيق أقصى استفادة من هذه الفرص، يجب على الشركات اعتماد استراتيجية شاملة تجمع بين قادة مختلف أقسام المؤسسة للتعاون ودمج استراتيجيات الذكاء الاصطناعي في جميع جوانب العمليات. لقد دخلنا بالفعل عصر الذكاء الاصطناعي، ويُعتبر الوقت الحالي الأنسب لتفعيل أولويات كفاءة الطاقة والاستدامة.

مقالات مشابهة

  • دل تكشف كيف نستطيع تحقيق أهداف الاستدامة في عصر الذكاء الاصطناعي
  • خبير: معدل النمو في الدول النامية أعلى بكثر من المتقدمة لهذا السبب
  • شركات الذكاء الاصطناعي في خطر.. والسبب الاستثمارات الكبيرة
  • خبير: الإمارات تستطيع التحول إلى مركز عالمي لتطوير الذكاء الاصطناعي
  • حقيقة الذكاء الاصطناعي واستهلاك الطاقة
  • الإمارات.. شراكة عالمية بمجال الذكاء الاصطناعي بين 4 شركات
  • جوجل تسيطر علي علامات الصور المنشأة بواسطة الذكاء الاصطناعى
  • سنوفليك تشارك في معرض جيتكس 2024: الذكاء الاصطناعي التحويلي في خدمة الشركات العالمية
  • الذكاء الاصطناعي «يعالج» السرطان
  • الذكاء الاصطناعي يكافح السرطان