جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-20@03:37:52 GMT

عام "طوفان الأقصى"

تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT

عام 'طوفان الأقصى'

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

 

عامٌ مضى تغيرت معه معالم العالم، ظهرت فيه صراعات جيوسياسية؛ لكن حدث مُتغيِّر هائل، يدفعنا لتسمية 2023 بأنَّه "عام طوفان الأقصى".

فما الذي حدث بالضبط؟! إنِّه تغيُّر كبير حدث في قلب الأمة ذات ظهيرة تحررية، انتفضت الشعوب ومعها أحرار العالم، أخذت المقاومة الفلسطينية زمام المبادرة، أرسلت رسالتها الإيمانية إلى قوى الاستكبار، لتطرز على جبين تاريخ نضال الشعوب أعظم ملحمة، بدت وكأن وراء كل مقاوم فيها جيش أمة بأكملها، هنا والآن، ثمة شيء تغير، أيستطيع أحد ما، بعد الذي حصل أن يحل لي لغز يوم 7 أكتوبر 2023؟! سيقول أحد أنا لا أحبُّ حل الألغاز، لا أملك ثقافة النضال والمناضلين، وأنا أقول له: لا أحد يلومك، أنت طوال الوقت تعيش زمان الفوضى اللا خلاقة، تتابع ملاحم كرة القدم، وفوضى أسواق أسهم لاعبيها المشاهير، وأنا بدوري أذوي لمتابعة التغييرات الجيوسياسية وأحوال البيئة الاجتماعية، وأرقب بأعين مشدوهة، خط بيان أعداد الشهداء في غزة جراء ممارسات المحتل الصهيوني في فلسطين، أنت لا تصحو من حياة الفوضى ولهوها، وأنا أصحو صحوة الموت، ولكن، كلانا يُخفض جناح الذَّل لقوّة ما، تصنع الحدث، إن كنت ممن لا يعترف بوجودها، سيأتي آخرون يشاركونك لهو الحياة، أنا لا أنتظر شيئاً، لم أعد كحالي كما في سنوات الشباب، هذه من خسائر وحسرات الدرب، يمكنك أن تقول إنني بتُّ قليل الحركة منطوياً على نفسي، ومولعاً بكتب التاريخ أكثر من أي وقت مضى، وحماسي شديد لصلاح الدين وغيره من أبطال أمة المليار، وأقصى ما أطمح إليه اليوم أن أنعت بالكلاسيكي الذي يستثمر في كتابة الشكوى من زمان غدر بأبطالها وملاحمها في زيادة وعي أجيالها المتعاقبة.

وقبل أن أتحدث عن غزة العزة، ونعرف صمود الشعب الفلسطيني فيها، والأحداث التي تجري على أرضها اليوم، لابد أن نعرف أن زمن حدوثها عام يجدر تسميته بعام "طوفان الأقصى"، شأنه شأن أعوام كتب عنها التاريخ، حدثت فيه تغيرات عالمية، وظهرت فيه توازنات جديدة تبث الأمل بزوال الظلم عن الشعب الفلسطيني إلى الأبد، هو عام رجحت فيه كفة الحق على الباطل، وعلت به سردية الصدق على الكذب، عام 2023، نسميه بهذا الاسم نسبة إلى ملحمة طوفان الأقصى، كل هذا والعنان متروك لتخيلاتي، تمنيت لو عدت إلى عنفوان الشباب، وفجأة تذكرت شيئا آخر، وجدت عنفوان الكتابة، نفسي مشدودة إلى شيء مضى، نعم مضى، لكنه زمان يذكرني بقسوة هذا المحتل الغاشم المعتدي الآثم، فتسلمت عنان نفسي لأخوض غمار ذكريات ملاحم صلاح الدين وأبطال الأمة، لعلي أجد في ذلك سلوى لنفسي المكلومة.

كانت علاقة الأمة بالقضية الفلسطينية قبل عام طوفان الأقصى، مجرد علاقة زيادة الصادرات والواردات، ومرور خطوطها العالمية البرية والبحرية، وأشياء من هذا القبيل، على مدى سنوات انسلت من الأمة روح الثورة والتحرر، وصارت تصالحية مع عالم يتقدم بسرعة هائلة، ولكن نحو الكارثة! وترى العالم ينقسم بين الإنسان التقني والإنسان المستهلك، لا على أساس الصراع وفق الأخلاق والدين، بل وفق لعبة جديدة تقوم على المراوغة والنفاق، يديرها "مستكبر" برأس واحد، لم تكن شعوب الأمة سعيدة ولا تعيسة باللعبة هذه، وهي لا تستحق أن تكتب أو تذكر، وأتحاشى أن أشتم الزمن، هنا الزمن هو الزمن الذي نعبره إلى النهاية المحتومة، لكن لفظة زمن بعد طوفان الأقصى تأخذ دلالات جديدة، بما يحمل من احتمالات، من تناقضات، من مفاجآت.

كان الناس يتجمعون في نيل حقوقهم والتمتع بخيرات أوطانهم والانعتاق من الاستعمار البغيض، حيث تعطلت حركة التنمية في أوطانها، وتشكلت بؤرة تجمع راحت تتسع، ذكرتني بأفكار مرت على العالم حول سيطرة المستكبرين على الشعوب ومعتقداتها، الأعوام هي ذاتها التي تطالب فيها الشعوب بحريتها، شيد المستعمر نظامه العالمي ليكون صك وصاية على الشعوب المستضعفة، ورفع سعر تواجده على الأرض المستعمرة، كم أحب مجتمعات الفت مدنها وشوارعها وأزقتها الخلفية؟!، مجتمعات أعظم شيء فيها أنها بنيت على الفطرة الإنسانية، إنها لا تسحق بسطوة جمالها، ولا تنفرك بصلفها، أعتقد هكذا يجب أن يكون المجتمع العالمي، عالم يتقابل فيه المحبون للسلام، دون أن يستعبد أحد الآخر، السلام يمنح العالم رونقاً ونكهة للحياة، وجود المجتمع الفلسطيني في هذا العالم أسبق من وجود مجتمع الاستيطان الصهيوني، ولا أعرف إذا ما كان في ذلك أي مأثرة، إلا أن الفوضى أصبحت من معالم المجتمع الصهيوني الثابتة.

كانت قد اجتمعت شعوب أمة المليار على مطالب حقوقية، هي مشروعة، لكنها نسيت مطلب إزاحة آخر محتل لأطهر بقعة على وجه الأرض، تعطلت حركة القضية الأم، وتشكلت بؤرة تجمع راحت تتسع، ذكرتني بنظريات لينين، وكنت أرى في أحلام نومي وأحلام يقظتي جماهير الأمة العربية تحتشد وتنطلق هاتفة بالثورة، كنت لا أزال أردد أبيات المتنبي، وأنا اقترب من المحتشدين لأرى ماذا يجري كانت وجوه بعض الناس متحفزة،  وأخرى لا توحي بأي انفعال، وأنا توقفت إراديا عن ترديد أبيات قصيدة لوحة الزمن للمتنبي، وكنت أحاذر أن أكون جزءا من الحشود، حبي للمتنبي لن يجعلني أتزحزح قيد أنملة. لقد سكنت أبيات لوحة الزمن منذ أعوام في عقلي وقلبي، رأيت العملاق المستكبر يركب موجة مطالب تلك الشعوب الحقوقية، ينظر خلفه باستكبار، ماذا يريد هنا؟، حال تاريخه الاستعماري بيني وبين الإجابة عن ما يريد، ولم أجهد نفسي! لأتقدم إلى قلب الحدث، وأرى بنفسي عالم الضغائن كيف تتلظى به أمة المليار. تقدمت، ولم أرَ أي ردة فعل تجاه المحتل البغيض، كان ثمة رجال يوحون بماض بطولي، يستندون على عقيدة إيمانية، وباقي المحتشدين يقفون بغضب في مواجهتهم، كانوا هم صامتون ومصدومون تعلو وجوههم ابتسامة باهته وحزينة، وكان صمتهم الخالي من أي غضب، قد شجعهم على الإعداد لملحمة عظيمة، لهم رمزيتهم الخاصة، والتي قد تستفز فجأة وعند حد ما، كان الرجال ينكمشون ويتمددون وهم ينظرون في حال شعوب الأمة من حولهم، يبدو أنهم يبحثون عن وسيلة لمخاطبة العالم الحر بمظلوميتهم، لكن، بدت لهم شعوب الأمة مشغولة بمطالبها في أوطانها، تصرخ في شوارعها "الشعب يريد تغيير النظام" خلفهم العملاق المستكبر وأحلافه، كمن يعمل في حبك شيء ما؟

استطعت أن أخمن أن الفوضى في الأمة العربية قد استشرت، حول أفضلية الأنظمة، وخيل لي أن اضطرابات كبيرة يمكن أن تسود البلدان، انحاز من في الميدان إلى أحجية العملاق المستكبر الذي لعب أحجيته عن بعد متحاشياً الورطة، الحشود التي تدافعت كونت استعصاءً اجتماعيًا، أطلقت أصوات حناجرها، إلا أن أحداً لم يتذكر مطلب الأمة الأساس، خرج من فلسطين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقالوا "وا قدساه.. وا أقصاه"، لم يكترث أحد من الجموع لما قاله الرجال الذين خرجوا للنضال من أجل حق مغتصب، ما جعلهم يقومون بملحمتهم البطولية وحدهم، ورد البعض على ما قام به رجال المقاومة في فلسطين مجرد صفير، وقال آخرون معلقين على ما جرى يوم 7 أكتوبر من عام طوفان الأقصى، إنهم سبب البلاء الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني.

سمع الرجال الأبطال فحيح هؤلاء، وقابلوا ذاك الفحيح بملحمة تاريخية غيرت معالم العالم؛ إذ أعوج فم المحتل ومعه المثبطين، ثم عضوا شفاههم السفلى، لم يكن رجال المقاومة مُعتدِّين بماضي نضالهم ولا بما حققوه، ولم يخافوا من محاصريهم بل مدهوشين، يبدو أنهم أرادوا القول الفصل في تراجع الأمة لسبب ما، صرخوا في غزة العزة في وجه العالم، فليرحل المحتل الغاصب عن أرضنا، فوقفت الشعوب الحرة تأييدًا، إلّا أن العملاق المستكبر وحلفاء بني صهيون جمعوا أساطيلهم وبوارجهم الحربية، تقدموا محاولين مؤازرة كيانهم الذي صنعوه بأيديهم، واصطف خلفهم المتخلفون، حينها نظرت شعوب الأمة بغضب، جعل شيئًا غامضًا يسري في شراينها جميعًا؛ إذ راحت تراجع انفراط جمعها، وهي تتحدث بالهمس تارة والإشارة تارة أخرى، انفتح طريق الحرية في عام طوفان الأقصى، بصعود رجال المقاومة في غزة العزة سلم المجد والفخار، تاركين خلفهم زمنا بغيضا لا يروى، وأنا أيضا لن أفعل، رغم أنني لمحت فيه يوما مدخل اضطراب، بلا نبل، وبلا أفق مثل "لوحة المتنبي الشعرية".. لكن المتنبي أخطأ حين أعتقد أن الزمن سينتهي بتركه لسيف الدولة وذهابه إلى مصر، ومعاملة كافور له بغير مما كان، وكتب لوحته الشعرية عمّا فعل به الدهر.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بلا انتخابات بلا بطيخ.. لقد هندسونا

نغير زاوية النظر إلى انتخابات تونس الرئاسية لسنة 2024 من التفاصيل المحلية إلى الماكروبولتيك، يحفزنا شعور أن هذه الانتخابات ومثلها في أقطار أخرى هي الملهاة التي تُصنع للتلهية عن القرار الحقيقي الذي صدر ضد الديمقراطية من دوائر قرار عالمية تملك توجيه العالم وهندسته طبقا لمصالحها الاقتصادية والسياسية.

ومن هندستها الكونية أن لا تكون هناك ديمقراطية تحرر إرادة الشعوب وتمكنها من إدارة شؤونها بنفسها. ونستبعد قبل التحليل ذلك الاختصار المريح بأن التحليل الإجمالي هو استعادة لنظرية المؤامرة التي تديرها حكومة العالم التي لا يعرفها أحد، والتي ينسب لها كثيرون هندسة العالم، لكن في مواجهة هندسة كونية تقودها قوى الهيمنة هل وجب على الشعوب الاستسلام والطاعة حتى الموت؟

قليل من التحليل المادي التاريخي

إن ما نعاينه من امتهان الإنسان في بلد خضع للاحتلال المباشر مثل تونس ثم لم يرتق بفعل حكومات ضعيفة ورؤساء بلا خيال إلى تحرر كامل فأعاد إنتاج التبعية وفرط في سيادته؛ هو تجسيد واضح لمقولات ماركسية ترسخت منذ نهاية القرن 19 عن دور رأس المال في امتهان الإنسان ودفعه إلى وضع حيوان يأكل وينام ويموت، إنسان ذو بعد واحد، أي سائمة ناطقة أو حيوان استهلاكي ملزم بحدود الكفاف لحفظ قوة العمل فقط.

تجربة تونس الديمقراطية القصيرة منذ الثورة سمحت لخطاب التحرر بالعودة إلى السطح بعد طمس وتجريم، وتجلت الفكرة/ القاعدة في أن بناء الديمقراطية مشروط بالتحرر السياسي، فهما عملان متلازمان إذا قام أحدهما أو سقط قام الآخر بالتبعية أو سقط. وشكل ذلك أملا لقوم كثير في مناطق مختلفة في أفريقيا خاصة، وهي كنز ثروات لا يزال مدخرا والجميع يتناهبه
ضللتنا طويلا عن هذه الصورة الواقعية مكاسب الدولة الكينزية أو الاجتماعية لما بعد الحرب العالمية الأولى وأزمة 1929 الاقتصادية، وقد تحقق رفاه كبير في جغرافيات سياسية محددة، وكان ذلك بفضل الفائض الاستعماري المنهوب من مقدرات شعوب كثيرة منها تونس. وكانت تراجعات رأس المال أمام الدولة الاجتماعية يسيرة بفضل ذلك الفائض الذي يبدو أنه بدأ في التقلص، لذلك نعاين استعادة الخطاب الاستعماري تحت مسميات كثيرة لتكريس البلدان التي نفدت ثرواتها الطبيعية أو توشك على النفاد؛ كأسواق استهلاكية ممنوعة من إنتاج كفايتها والتحكم بالتالي في مصيرها، ولذلك فهي ممنوعة من بناء أنظمة سياسية مقبولة شعبيا يمكن دفعها إلى تجسيد تحرر وطني اقتصادي وسياسي. ولا نرى تونس وانتخاباتها تخرج عن هذا الإطار الإجمالي.

تجربة تونس الديمقراطية القصيرة منذ الثورة سمحت لخطاب التحرر بالعودة إلى السطح بعد طمس وتجريم، وتجلت الفكرة/ القاعدة في أن بناء الديمقراطية مشروط بالتحرر السياسي، فهما عملان متلازمان إذا قام أحدهما أو سقط قام الآخر بالتبعية أو سقط. وشكل ذلك أملا لقوم كثير في مناطق مختلفة في أفريقيا خاصة، وهي كنز ثروات لا يزال مدخرا والجميع يتناهبه. ولنذكر أن هذا ليس اكتشافا، بل هو استعادة لروح التحرر التي قادت حروب الاستقلال في الخمسينات ضد الاحتلال المباشر. ونجزم أن قوى الهيمنة قد استشعرت خطر الديمقراطية وهي تخرج من الكراسات النظرية إلى الشوارع والبرلمانات، فحركت ضدها الإرهاب وعملاء الداخل وحاصرتها بشتى السبل بما فيها التهديد العسكري.

لقد هندسونا في تونس

نعم نحن نناور في ممر ضيق ونتغافل عن البعد الماكروبولتيك المحيط بتونس وانتخاباتها. إن ظننا بأنفسنا حرية قرار هو علاج نفسي من وجع الحقيقة، وهي أننا شعب محتل. عندنا سيلان لغوي عن السيادة وهو جوهر خضوعنا، وأكثرنا صراخا بالسيادة حوَّل البلد برمته إلى حارس حدود أوروبا لوقايتها من (هجمات الأفارقة الجياع).

لقد قدم باتفاق حراسة الحدود (المبرم مع إيطاليا بعلم الاتحاد الأوروبي وتمويله) طلب اعتماده حارس حدود وقد حصل على الاعتماد، ولأن حراسة الحدود لا تزال مهمة ضرورية فإن الحارس سيثبت في نقطة الحراسة وسيعطى السلاح اللازم لإنجاح المهمة. وهذا السلاح ليس تنمية مستدامة أو نقل تكنولوجيا لإخراج البلد من وضع المستهلك إلى وضع المنتج المشارك في اقتصاد العالم، بل رزق كفاف يمنع الانفجار ويسهل الاستهلاك لكن دون بناء القوة.

ولجعل حراسة الحدود أقل كلفة على المحروس يأمر الحارس بتدبر أمره فلديه "حلي زوجة ويمكن بيعه"، وهذا الحلي هو ما تبقى من أثر دولة اجتماعية بنيت بالدم والدموع غداة الاستقلال.

تسريع عملية التفويت

لتونس مؤسسات اقتصادية عمومية لا تزال نظريا منتجة وتحفظ بقية حياة للناس، وهي تشكل دوما رافعة أو احتمال نهوض اقتصادي وتحرر سياسي؛ منها (دون قصد الحصر التام) شركة الطيران وشركة الكهرباء وشركة المياه، ومنها حتى سوق التبع زراعة وصناعة وترويجا، فضلا عن رصيد زراعي كبير قادر على تغذية جزء مهم من السكان، لذلك فإن بقاءها بيد الدولة هو بقاء تهديد سياسي دائم.

وجب التفويت أو إكمال ما بدأه نظام بن علي بيد مرتبكة، عيون كثيرة على هذه المؤسسات، ومنها العين الفرنسية التي تعرف الإمكانات الحقيقية. سيكون التفويت فيها كافيا لتمويل سنوات طويلة من حكم حارس الحدود، وخاصة تحت ضغط أجنبي يعرض حماية النظام من الانفجار الشعبي مقابل التفويت (وهي نفس الوضعية التي أكمل فيها بن علي حكمه).

ولا مجال لمغامرة غير محسوبة باستبدال الحارس المتطوع للدور برئيس قد يتنطع ويعود إلى ترويج خطاب إنقاذ المؤسسات العمومية، فالمطلوب تفليسها وبيعها (والشاري يتربص).

هنا تتضح الهندسة ويسقط الصندوق الانتخابي، ويتحول كل طموح الناس إلى الديمقراطية والحرية إلى لغو مثير للشفقة، وتتحول انتخاباتهم إلى ملهاة أطفال أغرار. مطلوب رئيس يبيع حلي الزوجة لينفق على الأولاد وقد تم الاختيار، وبدأ التنفيذ بإغلاق باب الانتداب في الوظيف العمومي وخاصة في التعليم، حيث بدأ العام الدراسي بلا مدرسين وبفصول تضم أكثر من 45 متعلما بالفصل الواحد. النظام السياسي الذي يحمي شعبه من الجوع والفقر والمرض يجب أن ينتهي.

تتضح الهندسة ويسقط الصندوق الانتخابي، ويتحول كل طموح الناس إلى الديمقراطية والحرية إلى لغو مثير للشفقة، وتتحول انتخاباتهم إلى ملهاة أطفال أغرار
هل نستسلم؟

حكومة العالم لن تتركنا نموت لأنها تحتاجنا كما كنا منذ قرنين مستهلكين لما تنتج، وستهندس لنا المرحلة القادمة وهي أعلم منا بضعفنا وفرقتنا وهواننا على أنفسنا. فقد هندست أرواحنا وعقولنا قبل هذه الانتخابات، إنها ترى كثيرا منا يفضل أن يتقاسم قهوته مع المحتل في قلب باريس ويرفض تبادل التحية مع مواطنه بناء على خلاف عقائدي مفوّت، وهذا يترك لها هامش الهندسة مفتوحا لتأمر بما تشاء.

إن التحالف الكوني ضد غزة ومعركتها المقدسة يقدم لنا الدرس الأخير والوحيد. النضال القانوني لن يجدي الشعوب المحتلة نفعا بل يباعد بينها وبين تحقيق تحررها الكامل (ولو كان مجديا لتم تطبيق اتفاق أوسلو وهو الحد الأدنى من الحق الفلسطيني)، ويمنع انتصار خيار حماس في العالم، لذلك يتحالف كل العالم ضده ويكمل حراس الحدود بقية المهمة.

خيار حماس هو معركة استقلال وطني شامل يوقف هندسة الشعوب من طرف "حكومة العالم" ويعيد ترتيب أوضاع دولية ليس بين منتج ومستهلكين خانعين بل بين شعوب حرة تملك قياد نفسها وهو طموح الخمسينات الذي أجهض بقوى محلية انتهازية فاقدة لروح التحرر.

متى يكون خيار حماس ممكنا؟ عندما تصل الشعوب إلى وضع المواطن الغزاوي قبل حرب الطوفان، أي لا مخرج له ولا تعزية إلا أن يخوض حربه الأخيرة، فإما منتصر حر أو شهيد، أي عندما يتحول الدرس الغزاوي إلى كراس تطبيقي للتنفيذ خارج غزة.

مقالات مشابهة

  • بلا انتخابات بلا بطيخ.. لقد هندسونا
  • تطورات اليوم الـ350 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • مسير لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في بيت الفقيه بالحديدة
  • الحديدة.. مسير لخريجي دورات “طوفان الأقصى” بمديرية بيت الفقيه
  • طوفان الاستشهاديين سلاح حماس الذي تخشاه إسرائيل
  • مديرية شعوب تشهد مسيراً شعبياً مسلحاً احتفاءً بالعيد العاشر لثورة الـ 21 من سبتمبر المجيدة
  • الوحدة 8200.. فرقة استخبارات إسرائيلية فشلت في طوفان الأقصى فهاجمت لبنان
  • تطورات اليوم الـ349 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • الإسلاميون والقوميون والسابع من أكتوبر: مرحلة جديدة من التعاون والتنسيق
  • تطورات اليوم الـ348 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة