مصر تطرح شهادات ادخار بعائدات قياسية.. هل تنجح في مواجهة التضخم؟
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
القاهرة- واصلت مصر طرح شهادات ادخار بعائد سنوي قياسي، من خلال أكبر مصرفين حكوميين للمرة الثالثة امتدادا لما قاما به منذ مارس/آذار 2022 مع بداية الأزمة الاقتصادية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.
وأصدر بنكا مصر والأهلي شهادتي ادخار لمدة عام بعائد 23.5% يصرف شهريا، و27% يصرف نهاية المدة بعد عام تزامنا مع موعد استحقاق شهادات الإيداع ذات العائد 25% الصادرة في الفترة ذاتها من العام الماضي بقيمة نحو 500 مليار جنيه، (16.
كانت المرة الأولى في مارس/ آذار 2022 عندما طُرِحَت شهادات بأعلى عائد سنويا حينها بلغ 18% بالتزامن مع إجراء زيادة مفاجئة للفائدة من قبل البنك المركزي بواقع 100 نقطة للمرة الأولى منذ 5 سنوات، وخفض قيمة الجنيه 16%.
كان الهدف وقتها من تلك الإجراءات الاقتصادية، التي وصفت بالمؤلمة والضرورية مع نزوح رؤوس أموال الاستثمار الأجنبي بأكثر من 20 مليار دولار كبح التضخم ودعم النشاط الاقتصادي، وعدم التحوط بشراء الدولار من خلال امتصاص السيولة من أيدي المواطنين، ونجحت الشهادات في جمع 750 مليار جنيه (نحو 41 مليار دولار بسعر ذلك الوقت) بحسب البنك المركزي المصري.
كيف تحولت أسعار الفائدة المرتفعة إلى سالب؟لكن محللين وخبراء اقتصاد خلصوا إلى أن تلك الإجراءات لم تحقق أهدافها، إذ كان التضخم في مصر حينها 8.8% في حين بلغ الآن 36.5%، وانخفض الجنيه أمام الدولار ويتم تداوله الآن عند 53 جنيها في معاملات السوق الموازي الفورية، وارتفعت الفائدة إلى 20% الآن.
لا تعكس أسعار فائدة شهادات الادخار لمدة عام لدى البنكين الحكوميين 27% أسعار الفائدة في البنك المركزي البالغة 19.25%، 20.25% و19.75% على الترتيب، ولكنها لا تزال أقل من معدل التضخم 36.5%.
في عام 2022 رفع المركزي المصري أسعار الفائدة 300 نقطة أساس ونحو 800 نقطة أساس خلال عام 2023، وذلك في محاولة لامتصاص موجة التضخم.
ارتفاع الدولار إلى 53 جنيها في السوق السوداء بمصر مقابل 30.8 في البنوك (الجزيرة) تراجع الاستثمار في الأوعية الادخارية الجديدةسعر الفائدة الحقيقي في مصر هو معدل الفائدة الاسمي (27%) مطروحا منه معدل التضخم (36.5%) أي أنها لا تزال عند سالب 10% في حال تم صرف العائد في نهاية المدة أو عند سالب 14% في حال تم صرف العائد بشكل شهري.
يشكل هذا الوعاء الادخاري بنسبة 27% فرصة للذين يفضلون عدم المخاطرة بأموالهم خارج الأوعية المصرفية الرسمية، إذ تبلغ أعلى نسبة فائدة الآن على شهادات الادخار نحو 19% لمدة 3 سنوات.
لكن هذه النسبة من الباحثين عن الاستثمار المستقر بدأت تتناقص في كل مرة يتم فيها طرح شهادات ادخار جديدة بأسعار مرتفعة أعلى بدلا من أن تزيد، وذلك لسبب رئيسي هو تآكل تلك الأرباح السنوية مقابل زيادة الأسعار والغلاء وتضاعف الأرباح في الأوعية الادخارية الأخرى التي تتطلب نوعا من التحرر من صورة الاستثمار التقليدي.
في الطرح الأول عام 2022 جمع البنكان الحكوميان 750 مليار جنيه (نحو 41 مليار دولار بسعر ذلك الوقت)، وفي الطرح الثاني عام 2023 جمعا 470 مليار جنيه فقط (نحو 19 مليار دولار بسعر ذلك الوقت)، وذلك بعد أن عزف الكثيرعن الاستمرار في حفظ أموالهم في أوعية ادخارية.
اتجه العازفون عن الاستمرار في الاستثمار في شهادات الادخار إلى 3 مسارات متوازية، وهي كالآتي: الاستثمار في الذهب كملاذ آمن حيث ارتفع خلال عام من 1700 جنيه للجرام عيار 21 إلى 3200 جنيه بنسبة زيادة 89%. التحوط بشراء الدولار الذي زاد من 31 جنيها للدولار خلال عام إلى 53 جنيها مرتفعا بنسبة 69%. الاستثمار في العقارات التي زادت بنسب متفاوتة حسب نوع ومكان العقار، ولكنها ارتفعت بشكل عام بنحو 100% وأكثر. سعر الذهب قفز في مصر بنحو 90% خلال عام 2023 (الجزيرة) امتصاص السيولة والاحتفاظ بأموال المودعينفي تقديره لتلك الخطوة يقول الخبير المصرفي محمد علي، إن "إطلاق شهادات ادخار جديدة من قبل بنكي الأهلي والمصري يهدف إلى امتصاص السيولة الناجمة من الأسواق بسبب موعد استحقاق شهادات الـ 25% التي تنتهي هذا الأيام، وبالتالي عدم زيادة معدلات التضخم المرتفعة، وكذلك الاحتفاظ بأموال المودعين الجدد لديهما".
ورأى، في حديثه للجزيرة نت، أن حجم السيولة (نحو 500 مليار جنيه) إن لم تجد وعاء ادخاريا جديدا بفائدة أعلى قد تتجه إلى مسارات أخرى غير مصرفية مثل شراء الذهب أو الدولار كنوع من الاستثمار، وستظل هناك شريحة تفضل الادخار الآمن والمستقر.
ولكنه اعتبر قرار التوجه للاستثمار في الذهب أو الدولار هذه المرة يختلف عن المرات السابقة، رغم أنه أثبت نجاحه سابقا، لأن الدولار والذهب عند أعلى مستوى تاريخي لهما، وبالتالي هل يجب احتساب حجم المخاطرة في الدخول عند هذه الأسعار؟.
وأشار الخبير المصرفي إلى أن خيارات التوجه إلى الذهب أو الدولار أو العقار تحكمها ظروف مستقبلية خاصة أن الدولة قد تتخذ إجراءات للحد من تلك الارتفاعات، وبالتالي قد يصبح الوعاء الادخاري في شهادات الإيداع بنسبة 27% هو الأفضل.
الحكومة تسير على خيط رفيع بين خفض الجنيه وارتفاع الدولاراعتبر خبير أسواق المال وائل النحاس أن "الهدف من رفع نسبة الفائدة على الشهادة الجديدة هو استمرار الاحتفاظ بأموال المودعين وعدم خروجها للأسواق وشراء الذهب أو الدولار أو السلع والحيلولة دون حدوث مضاربات في الأسواق لاستغلال تلك السيولة".
في حديثه للجزيرة نت، أوضح النحاس أن هذا الوعاء الادخاري مؤقت لمدة سنة، ومرهون بتطورات الأوضاع الاقتصادية، وجزء كبير من أموال المودعين يذهب لاستثمار بنكي مصر والأهلي في أدوات الدين المحلية التي يطرحها البنك المركزي نيابة عن وزارة المالية لتمويل العجز في الموازنة، وهي تقترب من 27%.
أدى التعرض لأدوات الدين الحكومية (حيازتها) إلى خفض تصنيف أكبر 4 بنوك حكومية في مصر، وخفضت وكالة فيتش، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تصنيف كل من البنك الأهلي المصري وبنك مصر وبنك القاهرة، وكذلك البنك التجاري الدولي الخاص إلى "سالب بي" (-B) من "بي" (B) مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن جزءا كبيرا من المودعين يعتمدون على ريع تلك الشهادات في معيشتهم، وكان من الأفضل مد مدة تلك الشهادات إلى 3 سنوات على الأقل، حتى يصبح هناك نوع من التوازن وإعادة استثمار هذه الأموال، وليس إعادة صناعة تضخم من خلال استغلالها في أدوات الدين الحكومية خاصة أن حجم عجز الموازنة ضخم.
وعن احتمال خفض قيمة الجنيه (30.9 جنيها للدولار) توقع النحاس أن يحدث على مستوى سعر البنك المركزي والبنوك المحلية، وليس على مستوى السوق السوداء في حال احتفاظ البنك المركزي بسيولة دولارية تمكنه من تلبية طلبات السوق بدلا من اللجوء إلى السوق السوداء. أما لو ظل الحال كما هو عليه سنرى ارتفاعات جديدة هنا وهناك.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: البنک المرکزی شهادات ادخار الاستثمار فی ملیار دولار ملیار جنیه خلال عام فی مصر
إقرأ أيضاً:
البنك الدولي يدق ناقوس الخطر: اقتصاد اليمن في مواجهة تحديات خطيرة
شمسان بوست / متابعات
أكد البنك الدولي أن اقتصاد اليمن يواجه تحديات متزايدة مع استمرار الصراع وتصاعد التوترات الإقليمية. فقد توقع البنك أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي بنسبة 1% عام 2024، بعد انخفاضه بنسبة 2% سنة 2023، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي، لتصل نسبة الانخفاض إلى 54% منذ عام 2015.
وفي أحدث إصدار له من تقرير “المرصد الاقتصادي لليمن”، قال البنك إن اقتصاد اليمن لا يزال يواجه تحديات متفاقمة، إذ يؤدي طول أمد الصراع والتشرذم السياسي وتصاعد التوترات الإقليمية إلى دفع البلاد نحو منزلق أزمة إنسانية واقتصادية أكثر حدة وخطورة.
وبحسب التقرير، فقد دفع الصراع معظم اليمنيين إلى براثن الفقر، في حين وصل انعدام الأمن الغذائي إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يعاني أكثر من 60% من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي. وسلط الضوءَ على المصاعب الاقتصادية الكبيرة التي تعترض اقتصاد اليمن بسبب استمرار الحصار الذي فرضه الحوثيون على صادرات النفط، والذي أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة المعترف بها دولياً بنسبة 42% في النصف الأول من عام 2024، ما منعها من تقديم الخدمات الأساسية للسكان.
وأكد التقرير أن توقف الحكومة المعترف بها دولياً عن تصدير النفط أدى، إلى جانب الاعتماد الكبير على الواردات، إلى تكثيف الضغوط الخارجية، مما تسبب في انخفاض قيمة الريال اليمني في سوق عدن من 1619 ريالاً للدولار في يناير/كانون الثاني 2024، إلى 1917 ريالاً بنهاية أغسطس/آب.
ولفت التقرير إلى أنه منذ عام 2023، تدهورت الظروف المعيشية لغالبية السكان بشكل كبير، ففي يوليو/تموز 2024، أشارت مسوحات استقصائية هاتفية، أجراها البنك الدولي، إلى أن الحرمان الشديد من الغذاء، زاد بأكثر من الضعف في بعض المحافظات.
وأشار إلى استمرار تفاقم التشرذم الاقتصادي بين المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وتلك التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً، حيث يؤدي التفاوت في معدلات التضخم وأسعار الصرف إلى تقويض أسس الاستقرار وجهود التعافي في المستقبل.
وأوضح التقرير أن التوترات الإقليمية، وخاصة في البحر الأحمر، أدت إلى انخفاض حركة الملاحة بأكثر من 60% عبر مضيق باب المندب الإستراتيجي وقناة السويس، غير أن هذه الاضطرابات لم تسفر بعد عن زيادة كبيرة في أسعار المستهلكين. وأكد أن الآفاق الاقتصادية التي تنتظر اقتصاد اليمن لعام 2025 لا تزال قاتمة، بسبب استمرار الصراع الإقليمي، والصراع الداخلي، الذي يهدد بتعميق التشرذم في البلاد، وتفاقم أزمتها على الصعيدين الاجتماعي والإنساني.
وأوضى التقرير بتعزيز قدرة المؤسسات على الصمود، وذلك من أجل إدارة التضخم، ومواجهة تحديات المالية العامة. واقترح تحسين طرق التجارة وتيسير الوصول إلى الخدمات المالية، من أجل تخفيف الضغوط عن اقتصاد اليمن ومنع المزيد من التشرذم.
وفي هذا الصدد، قالت كتبت مديرة مكتب البنك الدولي في اليمن دينا أبو غيدا في متن التقرير: “تزداد حدة التحديات الاقتصادية والإنسانية في اليمن، إلا أن الفرصة لا تزال قائمة لتغيير هذا المسار في الهبوط، بتقديم الدعم المناسب. ولا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة، منها معالجة اختلالات حسابات المالية العامة والحسابات الخارجية، والتخفيف من حدة انعدام الأمن الغذائي، وتحقيق المزيد من الاستقرار. ولا نزال ملتزمين بالتعاون الوثيق مع الشركاء لدعم جهود التعافي وتمهيد الطريق لتحقيق مستقبل مستدام في اليمن”.