الإفتاء توضح حكم زيارة قبور أولياء الله الصالحين للرجال والنساء
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
أوضحت دار الإفتاء، حكم زيارة قبور أولياء الله الصالحين للرجال والنساء، في فتوى تحمل رقم “2382” قائلة:- الزيارة لغة: القصد، يقال: زاره يزوره زورا وزيارة، أي: قصده وعاده. وفي العرف: هي قصد المزور إكرامًا له واستئناسًا به. انظر: "المصباح المنير" (ص: 260، مادة: ز ور، ط. المكتبة العلمية).
والمراد بزيارة القبور: هو الذهاب إلى مقابر عامَّة أو مقبرة معينة إِمَّا لإكرام الْمَزُورِ؛ لأَنَّهُ يأنس بزيارته، وللدعاء له، أو لِدُعَاءِ الزَّائِر لنفسه عند قبر أحد الأنبياء أو الصالحين، أو لِلْعِظَةِ والاعتبار من مآل كل إنسان في نهاية عمره.
ويُنْدَبُ زيارة القبور التي فيها المسلمون للرجال بالإجماع؛ قال الإمام النووي في "المجموع" (5/ 285، ط. المنيرية): [اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يستحب للرجال زيارة القبور، وهو قول العلماء كافة، نقل العبدري فيه إجماع المسلمين] اهـ.
بل قال بعض الظاهرية بوجوبها ولو لمرة. انظر: "المحلى" للإمام ابن حزم (3/ 388، ط. دار الفكر).
وقد كانت زيارة القبور مَنْهِيًّا عنها ثم نُسِخَت؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه الإمام مسلم من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوهَا».
ومَن كان يُستحَب له زيارتُه في حياته من قريبٍ أو صاحبٍ، فيُسَن له زيارتُه في الموت كما في حال الحياة؛ روي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَزُورُ قَبْرَ حَمِيمِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيهِ وَيَقْعُدُ عِنْدَهُ إِلا رَدَّ عَلَيهِ السَّلامَ وَأنسَ بِهِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ عِنْدَهُ» أخرجه الإمام الديلمي في "الفردوس" من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها.
وفي رواية: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ المُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيهِ إِلا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيهِ السَّلامَ» أخرجه أبو الحسين الصيداوي في كتابه "معجم الشيوخ"، والخطيب البغدادي في "تاريخه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي رواية: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَزُورُ قَبْرَ أَخِيهِ وَيَجْلِسُ عَلَيهِ إِلا اسْتَأنَسَ وَرَدَّ حَتَّى يَقُومَ» ذكره ابن كثير في "تفسيره" عن ابن أبي الدنيا من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها.
وأَمَّا زِيَارَة قبور العلماء والأولياء والصالحين فشأنها شأن سائر القبور في أَنَّ زيارتها سُنَّة مُسْتَحَبَّة، لاسيَّما وأَنَّ في زيارتهم فوائد للزَّائِرِ والْمَزُورِ، ففيها للزَّائِرِ عِبْرَةٌ وعِظَة، واسْتِجَابَةٌ للدُّعَاء عند قبورهم، ولِلْمَزُورِ نَفْعٌ بالسَّلامِ عليه والدُّعَاء له، وبأُنْسِهِ بِمَنْ يزوره.
وَوَصْلُ العلماء والصالحين بعد موتهم خَيْرٌ وأَوْلَى من وَصْلِ الأَقَارِب؛ فَإِنَّ لهم حَقًّا على الأمة آكد من حقِّ الوالد على ولده، فهم حُرَّاسُ العِلْمِ وقادة الأُمَّة والْمُبَلِّغُون عن ربِّهم، وهم ورثة الأنبياء؛ قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]، فمن حقِّهم إكرامهم وتوقيرهم ووصلهم ولو بعد مَوْتِهم، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويَعْرِفْ لعَالِمِنَا حَقَّهُ» رواه الإمام أحمد والطبراني واللفظ له. وقد قيل: شيخُك أبوك، بل أعظمُ حقًّا من والدك.
وقصد الأماكن والْمَعَالم الْمُبَاركة التي يُرجَى فيها استجابة الدعاء والتَّوسل إلى الله كالمساجد والأضرحة مَنْدُوبٌ إليه، وقد بيَّنت كتب الحديث في أبواب الدعاء أَنَّ هُنَاك أَمْكِنَة وأَزْمِنَة يكون الدعاء فيها أرجى من غيرها؛ لِقَدَاستها وطهارتها ونزاهتها عن الدنس والخطيئة، ثم إِنَّ في مشاهد الحج واختيار أماكن معينة فيه للدعاء والتعبد ونحوه أكبر دليل على ذلك، ويؤيده حديث شدّ الرحال إلى المساجد الثلاثة، فقصد الأماكن والمعالم المباركة للزيارة والدعاء عَمَلٌ مندوب إليه، وقد ورد عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال عن مسجد قباء: "لَو كُنتَ عَلَى مَسِيرة شَهرٍ لضَرَبنا إليك أَكْبَادَ الإبِلِ". انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (36/ 81، ط. دار الفكر).
وقد كثرت عبارات العلماء في بيان فضل زيارة قبور الصالحين والدعاء عندها؛ يقول الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (10/ 106-107، ط. مؤسسة الرسالة) في ترجمة السيدة نفيسة رضي الله عنها: [السيدة الْمُكَرَّمة الصَّالِحَة ابنة أمير المؤمنين الحسن بن زيد ابن السيد سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما... وقيل: كانت من الصالحات العوابد، والدعاء مُسْتَجَابٌ عند قَبْرِهَا، بل وعند قبور الأنبياء والصالحين] اهـ.
وقال أيضًا في ترجمة معروف الكرخي (9/ 343): [وعن إبراهيم الحربي قال: قبر معروف الترياق الْمُجَرَّب] اهـ.
وقال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 142، ط. دار الفكر): [ويُسْتَحَبُّ الإكثار من الزيارة، وأن يكثر الوقوف عند قبور أهل الخير والفضل] اهـ.
وقال العلامة ابن الجزري صاحب "الحصن الحصين": وجُرِّب استجابةُ الدعاءِ عند قبور الصالحين. انظر: "تحفة الذاكرين" للإمام الشوكاني (ص: 74، ط. دار القلم).
أَمَّا زيارة القبور للنساء فَإِنَّها تُكْرَهُ عند الجمهور؛ لأَنَّهَا مظنة لطلب بكائهن ورفع أصواتهن لما فيهن من رِقَّة القلب، وكثرة الجزع، وقِلَّة احتمال المصائب، وإِنَّمَا لم تحرم لأنه صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ بامرأة على قبر تبكي على صبي لها، فقال لها: «اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي» متفق عليه، فلو كانت الزيارة حرامًا لنهى عنها.
وأخرج الإمام مسلم عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ -يعني إذا زرتُ القبور-؟ قال: «قولي: السَّلامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ، يَرْحَمُ اللهُ المُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالمُسْتَأخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ».
ويُسْتَثْنَى من كراهة زيارة القبور للنساء عند الجمهور زيارة قبر سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن زيارته من أعظم القربات للرجال والنساء، وكذلك قبور بقيَّة الأنبياء والعلماء والصالحين والشهداء، وقد أجمعت الأمة الإسلامية سلفًا وخلفًا على مشروعيَّة زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. انظر: "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" لتقي الدين السبكي (63، ط. دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد الدكن)، و"أسنى المطالب" (1/ 331، ط. دار الكتاب الإسلامي).
وبناء على ما سبق: يتبين أن زيارة قبور أولياء الله الصالحين للرجال والنساء جائزةٌ شرعًا، بل هي من جملة المندوبات، خاصة إذا اقترن بها الدعاء للنفس أو للغير.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الافتاء توضح أولياء الله الصالحين للرجال والنساء صلى الله علیه وآله وسلم للرجال والنساء زیارة القبور رضی الله من حدیث ی الله ة قبور
إقرأ أيضاً:
هل الاعتكاف في المسجد ضرورة .. وماهي أشكاله الشرعية؟
يعد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان من أبرز السنن الثابتة والتي يحرص عليها الكثيرون، وتقول دار الإفتاء إن الاعتكاف في المساجد مندوب إليه بالقرآن الكريم، وبالسنة المطهرة، وبإجماع الأمة، وآكد ما يكون في العشر الأُخر من رمضان لطلب ليلة القدر؛ فقد روى الشيخان في "صحيحيهما" عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ".
والمقصود من الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان الانقطاعُ عن الناسِ والتفرغ لطاعةِ الله في المسجد طلبًا للثواب وإدراكِ ليلة القَدْرِ، ولذلك ينْبغِي للمعتكفِ أنْ يشتغلَ بالذكرِ والقراءةِ والصلاةِ والعبادةِ، وأن يتَجنَّب ما لا يَعنيه من حديثِ الدنيَا، ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة.
حكم الاعتكاف
وأكدت دار الإفتاء، أن الاعتكاف سنة نبوية ومن تتاح له فرصة للاعتكاف ولو قليلة جاز له شرعًا أن يعتكف اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، موضحة: ومن لا يتاح له ذلك فليس مطلوبا منه الاعتكاف، ويصل له ثواب البقاء في المسجد حتى لو كان انتظارًا للصلاة، مشيرة إلى أنه يمكن له أن يعتكف ليلة أو أكثر من قبل الغروب إلى بعد الفجر.
شروط الاعتكاف
وشددت على أنه يشترط للاعتكاف ستة أمور: الإسلام، والعقل، والتميز، والنية، والمسجد، والطهارة من الجنابة والحيض والنفاس، مشددة على أنه يكره للمعتكف البيع والشراء، والكلام بما فيه إثم، والصمت عن الكلام مطلقا إن اعتقده عبادة.
محظورات الاعتكاف
أفادت دار الإفتاء المصرية، بأن الاعتكاف في المساجد سُنة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، مشيرة إلى أن له شرطين أساسيين، أولهما النية، وثانيهما المكوث في المسجد حتى تنتهي فترة الاعتكاف التي نواها المعتكف.
وأوضحت «الإفتاء» في إجابتها عن سؤال: «ما شروط الاعتكاف وأركانه وزمانه وما المباحات والمحظورات على المعتكف؟»، أنه من الأمور المحظورة بالنسبة للمعتكف أثناء فترة اعتكافه بالمسجد، أمران، أولهما عدم الخروج من المسجد إلا لضرورة، وثانيًا عدم إتيان الزوجة مُدَّة الاعتكاف بالمسجد.
أركان الاعتكاف وشروطها
المُعتكِف، والنِّية، والمُعتكَف فيه، واللَّبث في المسجد.
المعتكف: وهو الشخص الذي ينوي الاعتكاف، سواء كان رجلا، أو إمرأة، أو صبيا مميزا -وهو الصبي الذي بلغ من العمر سبع سنوات فأكثر ولم يصل سن البلوغ بعد-، ويشترط في هؤلاء عدة شروط: الإسلام، والعقل، والتمييز، والطهارة من الحدث الأكبر، والطهارة من الحيض والنفاس للمرأة.
النية: تشترط نية الاعتكاف لكي يصح الاعتكاف، سواء كان الاعتكاف مسنونا أم واجبا -كأن ينذر المسلم الاعتكاف لله فيصبح واجبا-، ليتم تمييز الفرض عن السنة، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
مكان الاعتكاف: ويشترط بمكان الاعتكاف أن يكون مسجدا ولا يصح بغيره، وتجدر الإشارة إلى أن الاعتكاف في المسجد الحرام يعد من أفضل أماكن الاعتكاف مطلقا، ثم يليه المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى، وهذا باتفاق الفقهاء، ويشترط في المسجد المراد الاعتكاف فيه أن يكون مسجدا تقام فيه صلاة الجماعة، ولا يصح بالمسجد الذي لا تقام فيه صلاة الجماعة.
اللبث في المسجد: يعد اللبث في المسجد ركنا من أركان الاعتكاف عند جميع الفقهاء، إلا أن آرائهم في مقدراه تعددت إلى عدة أقوال كما يأتي: ذهب الحنفية إلى أن أقل مدة للبث مقدار ساعة. قال بعض المالكية إن أقل اللبث يوم وليلة، وقال البعض الآخر منهم إن أقله يوم.
ذهب الشافعية إلى إطلاق مدة اللبث وعدم تقييدها من الأساس؛ بل قالوا إن اللبث لا يقدر بزمن معين، وإنما يكون أقله ما يسمى به عرفا عكوفا وإقامة، وبهذا قال الشيخ ابن باز؛ إذ إنه يرى عدم ورود دليل على تحديد اللبث بمدة معينة طالت أم قصرت.
أعمال تستحب للمعتكف
يستحب للمعتكف أثناء فترة اعتكافه ومكوثه في المسجد أعمال عدة، نذكر منها ما يأتي:
-إخراج الصدقات، لما لها من فضل كبير عند الله تعالى
- الإكثار من تلاوة القرآن الكريم.
- تدراس القرآن الكريم.
-حضور مجالس أهل العلم إن أقيمت في المسجد.
-الإكثار من فعل المعروف، وعمل الخير والطاعات.
إقامة الصلاة وكذلك السنن والنوافل.
الإكثار من ذكر الله تعالى والاستغفار
الإكثار من الدعاء والتذلل فيه، والإكثار من الاستغفار، وصلاة النوافل، والتهجد، وصلاة الوتر.