بقي قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو في الظل خلال الأشهر التسعة الأولى من النزاع في السودان، إلى أن وقّع مؤخراً إعلاناً مع المدنيين وقام بجولة إفريقية يبحث خلالها عن شرعية دولية سعياً لحسم معركته مع الجيش.

في أواخر العام الماضي، قام قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بجولات خارجية تزامنت مع جهود دبلوماسية لإنهاء الحرب التي اندلعت منتصف أبريل، وألقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

في المقابل بقي خصمه دقلو المعروف بحميدتي، بعيداً عن الأنظار واكتفى بمواقف من خلال التسجيلات الصوتية.

لكن في الأيام الأخيرة، ومع تحقيق قواته تقدماً ميدانياً، استبدل دقلو زيّه العسكري بالملابس المدنية، وقام بجولة خارجية تخللها لقاء مسؤولين كبار في أوغندا وجيبوتي وكينيا وإثيوبيا وجنوب إفريقيا.

ويرى الخبير في الشأن السوداني أليكس دي فال أن دقلو "في حالة صعود"، في حين يقول كليمان ديهي، المتخصص في الشؤون السودانية في جامعة السوربون بباريس، إن دقلو تمّ استقباله "بمراسم تخصص لرئيس دولة".

وأودى اندلاع القتال في 15 أبريل بين الحليفين السابقين البرهان ودقلو، بأكثر من 12190 شخصا، وفق تقديرات منظمة "مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها" (أكليد)، وهي حصيلة يُعتقَد أنها تبقى دون الفعلية، كما تسبب بنزوح أكثر من سبعة ملايين شخص داخل وخارج البلاد بحسب الأمم المتحدة.

إعلان أديس أبابا

أبعد من الميدان، يحاول دقلو تحقيق مكاسب سياسية في حربه ضد الجيش، وقد وقّع الثلاثاء إعلاناً سياسياً في العاصمة الإثيوبية مع عبد الله حمدوك الذي سبق أن تولى رئاسة الوزراء في السودان قبل أن يطيحه انقلاب عسكري قاده البرهان ودقلو في العام 2021.

جانب من كلمتي خلال توقيع إعلان أديس أبابا مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) pic.twitter.com/E0pIGtM1uf

— Mohamed Hamdan Daglo (@GeneralDagllo) January 2, 2024

وكانت الهيئة التنسيقية للقوى الديموقراطية المدنية برئاسة حمدوك دعت مؤخراً لعقد "لقاءات عاجلة مع الجيش وقوات الدعم السريع، تبحث قضايا حماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية وسبل وقف الحرب عبر المسار السلمي التفاوضي".

ونتيجة لاستجابة الدعم السريع فقط لهذه الدعوة إلى الآن، وقّع دقلو وحمدوك "إعلان أديس أبابا" الذي تبدي من خلاله قوات الدعم "استعدادها التام لوقف هجمات فوري وغير مشروط عبر تفاوض مباشر مع القوات المسلحة".

كما تتعهد "فتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية، وتهيئة الأجواء لعودة المواطنين لمنازلهم في المناطق التي تأثرت بالحرب".

ويرى أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة كينغز كوليدج بلندن أندرياس كريغ أن الإعلان "هو الخطوة الأكثر أهمية التي يمكن لدقلو القيام بها لكسب الشرعية".

ويقول ديهي لفرانس برس إن "توقيع المدنيين على اتفاق مع حميدتي، على الرغم من التطهير العرقي في دارفور والاغتصاب والنهب الممنهج في وسط السودان ودارفور، يمنحه الشرعية في نظر المجتمع الدولي".

وقبل نشوب النزاع بينهما، كان دقلو نائباً للبرهان، حيث قاما بتنظيم انقلاب أكتوبر 2021 الذي أطاح الحكومة المدنية برئاسة حمدوك. وأعيد الأخير إلى منصبه لفترة وجيزة، قبل أن يستقيل في مطلع 2022 ويغادر السودان، ولم يلتق القائدان العسكريان منذ اندلاع الحرب على رغم محاولات الوسطاء.

المسؤول الفعلي!

ترى المحللة السودانية خلود خير أن جولات دقلو الخارجية أشعرت البرهان بـ"استياء"، خصوصاً مع محاولات الأول "تقديم نفسه كزعيم سياسي وطني".

وفي كلمة ألقاها الأسبوع الماضي لمناسبة استقلال السودان، انتقد البرهان زيارات دقلو ومضيفيه، وخاطب الدول "التي تستقبل هؤلاء القتلة" طالبا منها كف أيديها "عن التدخل في شأننا" معتبراً "استقبال أي جهة معادية للدولة لا تعترف بالحكومة القائمة يعتبر عداء للدولة". إلا أن اللقاء بين حمدوك ودقلو أعاد فتح الباب أمام تكهنات قديمة.

دقلو: نهدف لإجراء انتخابات ديموقراطية أبدى الفريق محمد حمدان دقلو نائب زعيم المجلس العسكري السوداني الحاكم حماسه لإجراء انتخابات ديمقراطية وذلك خلال لقاء مع جمع من زعماء القبائل ودبلوماسيين كبار السبت في الوقت الذي سعى فيه لتفادي المسؤولية عن العنف الذي وقع بالخرطوم الأسبوع الماضي.

وتوضح خير لفرانس برس "الشائعات حول وجود صلة بين قوى الحرية والتغيير وحميدتي، والتي كانت منتشرة حتى قبل الحرب، زادت الآن بسبب مشهد الاجتماع" بين حمدوك ودقلو بغياب البرهان.

وفي مقاطع فيديو نشرت على منصات التواصل لاجتماع أديس أبابا، شوهد حمدوك وغيره من السياسيين وهم يصطفون لمصافحة دقلو. وتقول خير "ظهر حميدتي خلال الاجتماع وكأنه هو المسؤول".

وكانت الهيئة التنسيقية للقوى الديموقراطية المدنية نشأت من كتلة المعارضة الرئيسية، أي ائتلاف قوى الحرية والتغيير الذي أدى دورا رئيسيا في الإطاحة بالرئيس عمر البشير. وترى خير أن هذا التحالف المشكل حديثاً لا يزال "ائتلافاً ضعيفاً مكوناً من ائتلافات ضعيفة"، وقد لا يمتلك القدرة على تغيير الأوضاع.

خطأ دبلوماسي

اتهم نشطاء حمدوك بخيانة المدنيين لتحقيق مكاسب سياسية. وكتب مستخدم على منصة "إكس"، "هذا هو حميدتي ذاته الذي اتفق مع الجيش لفض الاعتصام وشارك في انقلاب 25 أكتوبر"، في إشارة إلى الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم في يونيو 2019 للمطالبة بالحكم المدني.

ويستبعد خبير الشؤون الإفريقية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن كاميرون هيودسون أن يلبّي البرهان حالياً دعوة حمدوك للقائه، خصوصاً بعد الإعلان بين الأخير ودقلو.

إلا أنه يرجح أن يكون "هذا هو القصد تحديداً من الطرفين، لأن عدم لقاء البرهان بحمدوك سيجعل الجيش يبدو معارضاً للسلام ويصور حميدتي على أنه الطرف الأكثر عقلانية ومسؤولية".

ويرى دي فال أن حمدوك ارتكب "خطأ دبلوماسيا فادحاً" بالظهور مع الدعم السريع وبعيداً عن الجيش.

من جهته، يعتبر ديهي أن الجيش أصبح "معزولاً أكثر فأكثر"، وأن ما تكبدته القوات المسلحة من خسائر في الميدان أبعد عنها حلفاء أقوياء مثل القاهرة.

ويضيف أنه بات في مقدور دقلو الآن "بدء المفاوضات من موقع قوة"، محذّراً من أن عزل البرهان بشكل إضافي "سيؤدي حصراً إلى تعقيد الوضع وتوفير مزيد من الوقت والمجال لاستمرار القتال".

المصدر: الحرة

إقرأ أيضاً:

السودان في ظل حرب أهلية جديدة: التدخلات الخارجية ومحاولات حل النزاع

التدخلات الخارجية

رفض الجيش السوداني توسط كينيا في مفاوضات إنهاء الحرب في يوليو 2023 بعد أن اتهم البرهان الرئيس الكيني ويليام روتو بأن له مصالح تجارية مع حميدتي، وبتوفير الدعم لقوات الدعم السريع، وقد رفض الجيش السوداني مقترحا بتدخل قوات أفريقية لحفظ السلام يتم إرسالها عبر الهيئة الحكومية للتنمية  “إيغاد”، وهي منظمة شرق أفريقية إقليمية تضم عددا من دول المنطقة، لأن روتو يرأس المنظمة حاليا، كما اتهم نائب برهان، الجنرال ياسر العطا الرئيس الكيني بأنه مرتزق يخدم مصالح دولة أخرى، وهددت الحكومة السودانية بالانسحاب من منظمة “إيغاد” إلا إذا تنحى روتو من رئاسة المفاوضات التي تقيمها المنظمة.

كما اتهم الجيش السوداني دولة الإمارات العربية المتحدة بإرسال مساعدات إلى قوات الدعم السريع، ما أدى إلى تفاقم أزمة دبلوماسية بين البلدين بعد تصريحات دبلوماسيين سودانيين في الأمم المتحدة، وقد نفت الخارجية الإماراتية في عدة بيانات رسمية تسليح أي من أطراف النزاع، مؤكدة أيضا عدم تقديم أي دعم عسكري أو لوجستي أو مالي أو سياسي لأي فصيل في السودان، خصوصا وأن ذلك يخالف الحظر المفروض على تسليح الجماعات في السودان منذ حرب دارفور في بدايات الألفية، ففي عام 2005، فرض مجلس الأمن الدولي حظراً على توريد السلاح إلى الحكومة السودانية والفصائل المسلحة في دارفور، بسبب النزاع الدائر بين القبائل غير العربية والحكومة السودانية المدعومة بقوات الجنجاويد، ويتهم بريان كاستنر، خبير الأسلحة في منظمة العفو الدولية، الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بمسيرات سبق وأن أرسلتها الإمارات إلى حلفاءها في مناطق صراع أخرى كاليمن وأثيوبيا، كما تم الاستحواذ على صناديق قذائف صربية في مناطق متفرقة بالسودان، تفيد بأنها مستوردة بواسطة الإمارات.

صورة لشحنة أسلحة صربية قال الجيش السوداني أنه استحوذ عليها، وتفيد أنه تم استيرادها عبر الإمارات

ووفقاً لتقرير صدر عن خبراء في الأمم المتحدة، تلقت قوات الدعم السريع دعمًا من خطوط إمداد تمر عبر تشاد، وليبيا، وجنوب السودان، وأفريقيا الوسطى، وخلال عام 2024، رصد صحفيون استقصائيون 7 رحلات جوية على الأقل للطائرة Ilyushin 76 EX-76003  من أبوظبي إلى تشاد، مما يدل على استمرارية الجسر الجوي حتى نهاية 2023 وفقًا للتقرير، ويظهر تتبع مسار بعض الطائرات انطلاقها من مطار أبوظبي، مرورا بمطاري نيروبي وكامبالا، قبل أن ينتهي في مطار أم جرس في تشاد، بالقرب من الحدود الغربية للسودان، حيث مواقع سيطرة قوات الدعم السريع، تنفي الإمارات أن تكون هذه الرحلات تنقل الأسلحة، وتقول إنها مخصصة لتوصيل مساعدات إنسانية، في الوقت نفسه، يتم الحديث عن إمداد الدعم السريع عبر جسر جوي لنقل السلاح بمسيرات تجارية تم تعديلها لتلقي القذائف، حيث ظهرت أدلة على استخدام مسيرات انتحارية من طراز كواد كابتر، مصنوعة من مكونات تجارية، وليست عسكرية.

قال بيان لمسؤول إماراتي إن بلاده بدأت بناء مستشفيين قرب الحدود التشادية مع السودان، وهما مستشفى أم جرس الميداني ومستشفى أبشي الميداني، حيث هرب آلاف المدنيين السودانيين إلى المنطقة نتيجة للمعارك الدائرة، وأن بناء المستشفيين قد تم بعد رفض السلطات السودانية في مايو/أيار 2023 إقامة مستشفى داخل الأراضي السودانية كما قال، وفي بداية 2024، توسعت المعارك إلى مناطق جديدة خارج العاصمة، وتم توثيق مقتل مدنيين في هجمات بالمسيرات لأول مرة في مناطق شمالية وشرقية ووسطى من السودان، وفي يوليو 2024، جرى اتصال هاتفي بين الشيخ محمد بن زايد حاكم الإمارات والفريق عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، بعد أكثر من عام على آخر حديث بينهما، وبعد الأزمة الدبلوماسية وتبادل الاتهامات في جلسات مجلس الأمن وتبادل طرد دبلوماسيين بين البلدين.

ويشكل الكيان الصهيوني هو الآخر جزءًا من المشهد السوداني، حيث اكتسبت المحادثات بين الحكومة والكيان الصهيوني طابعًا أكثر جدية بعد إطاحة عمر البشير، مع سعي القادة العسكريون للتوجه نحو الطرف المعاكس للقاعدة الإسلامية التي اعتمد عليها البشير في ترسيخ حكمه، وذلك من خلال التقارب مع خصومهم، ففي البداية كان هناك خلاف بين العسكريين المؤيدين للتطبيع وبعض الشركاء المدنيين في الحكومة، بما في ذلك عبدالله حمدوك، فعندما تسربت أخبار زيارة عبدالفتاح البرهان إلى العاصمة الأوغندية عنتيبي في 3 فبراير 2020 للقاء نتنياهو سراً، اعتبرت “قوى إعلان الحرية والتغيير”، التي تمثلت في الأحزاب والنقابات التي دفعت لإسقاط عمر البشير، تلك الزيارة مخالفة للإعلان الدستوري الصادر في 2019.

لقاء وزير الخارجية الصهيوني إيلي كوهين مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان فبراير 2023

أما بعد انتشار خبر اللقاء وحدوث لقاء علني بين البرهان ووزير الخارجية الإسرائيلي، زعم رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان أن حزب الأمة السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي كانا على استعداد لقبول قرار التطبيع إذا حصل على غالبية الأصوات في هيئة تشريعية انتقالية غير منتخبة، أي المنصب الذي يمثله البرهان، وبالمقابل أعلن “تحالف الإجماع الوطني”، الذي يضم “الحزب الشيوعي”، و”البعث العربي الاشتراكي”، و”الناصري”، رفضه القاطع للتطبيع عبر بيان أصدره الجمعة 23 تشرين الأول/أكتوبر السنة، كما رفض حزب الأمة القومي السوداني قرار التطبيع، كانت الحجة الرئيسية في التوجه نحو التطبيع هي اعتماد سياسة واقعية تتفق مع مطالب الولايات المتحدة وسياسات الرعاة الإقليميين مثل الإمارات، وحتى المملكة العربية السعودية التي تفضل أن يكون السودان بعيدًا عن حليفه السابق إيران، وفي يناير 2021، انضم حكام السودان الجدد إلى محادثات “الاتفاقيات الإبراهيمية” بوساطة الولايات المتحدة والإمارات.

في 24 أبريل 2023، بعد بدء الحرب بأيام، عرضت حكومة العدو الصهيوني وساطتها بين عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، مقترحة استضافة لقاء بينهما في تل أبيب، مما يؤكد عمق التوغل الإسرائيلي في الشأن السياسي والعسكري السوداني، وقد كشف مسؤولون في الخارجية الإسرائيلية أن وزير الخارجية إيلي كوهين ومدير وزارته رونين ليفي تحدثا مباشرة مع البرهان وحميدتي وطالبوهم بوقف القتال، في حين نقل مسؤولون من الموساد أيضا رسائل إلى طرفي النزاع. وقد قام الجنرال دقلو بالتواصل مرارا مع مسؤولين صهاينة وقوّى علاقاته مع كبار القادة في الموساد والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وعلى صعيد منفصل فيما يخص التطبيع، ظهرت الصحفية السودانية نبأ محي الدين في نشرة الأخبار على قناة i24 الإسرائيلية من مدينة بورتسودان في مارس 2024، مما أثار استنكارًا من أحزاب سياسية سودانية.

لقد لعب السودان دورًا بارزًا في الصراع مع الكيان الصهيوني عبر التاريخ العربي الحديث، فقد احتل السودان مكانة مهمة في “عقيدة المحيط” الإسرائيلية، التي تستند إلى فكرة أن الدول العربية تحاصر إسرائيل، لذا فتنبغي محاصرتهم عبر عقد علاقات مع الدول المحيطة بهم، بناءً على هذا، قام الكيان الصهيوني بمحاولات للتقرب من تركيا وإيران في عهد الشاه، وأثيوبيا، وجنوب السودان، وتشير الوثائق إلى اتصالات إسرائيلية مع أحزاب سودانية مثل حزب الأمة منذ الخمسينيات لمناقشة تقديم الدعم الاقتصادي، كما حاول رئيس الوزراء السوداني حينها عبدالله خليل، ذو الخلفية العسكرية، العمل مع الولايات المتحدة على برنامج مساعدات اقتصادية في مقابل الانحياز السياسي ضد الشيوعية في أفريقيا والعمل على محاربة انتشارها، بما يشمل التقارب مع الكيان الصهيوني، ولا يختلف ذلك كثيرا عن القبول السوداني الحالي بالتطبيع مقابل المساعدات والمعونات، وقد استضاف السودان القمة العربية الطارئة بعد هزيمة عام 1967، حيث تم التوافق فيها على “اللاءات الثلاث”: لا سلام، ولا اعتراف، ولا تفاوض مع إسرائيل، وساهم الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري في تهجير يهود أثيوبيا إلى إسرائيل في الثمانينيات.

أما في عهد عمر البشير، فقد اتسم السودان بالقرب من بعض الإسلاميين محليًا، كما توجه السودان نحو التقارب مع إيران حتى انقطعت العلاقات بين البلدين في عام 2016 تضامنا مع المملكة العربية السعودية التي أغلقت سفارتها في طهران بعد اقتحامها، ودعم السودان حماس من خلال رجال أعمال وقادة إسلاميين، مثل عبدالباسط حمزة الحسن، الذي اعتقلته مصر في يناير 2024. استخدمت حماس السودان كمقر للتدريب والعمليات، وهو ما يتسق مع رغبة إيران في الحصول على موقع في منطقة بورتسودان، التي من الممكن أن تستخدم لنقل الأسلحة والأموال عبر البحر الأحمر إلى حماس في غزة، وقد استمر حضور حماس في السودان حتى بعد الإطاحة بعمر البشير في 2019

وبالإضافة إلى هذا الإرث التاريخي من الأحداث بين الكيان الصهيوني والسودان، فهنالك مصالح استراتيجية لتواجد الكيان الصهيوني على خارطة النزاع اليوم، حيث يسعى إلى خلق ظروف مناسبة لاستكمال التطبيع بعد وقف إطلاق النار وبدء العملية السياسية من جديد، ويرتكز عمل الكيان الصهيوني في السودان اليوم على الواقع الميداني، ويتم التواصل مع مختلف الأطراف السودانية عبر مؤسسات إسرائيلية مختلفة كوزارة الخارجية والموساد فضلا عن أشخاص نافذين وجمعيات إغاثة، ومن المهم المحافظة على العلاقة مع القوات المسلحة السودانية ورموزها المختلفة، والتواصل مع عدة قادة عسكريين لضمان استمرارية الاتصالات دون الاعتماد الكامل على سياسيين وعسكريين سودانيين محدودين.

فما يشغل الكيان الصهيوني ليس الحالة السودانية فقط، بل تأثير السودان والقدرة على الانطلاق منه إلى ميادين أخرى مثل تشاد والقرن الأفريقي، وللكيان الصهيوني حضور في دول أفريقية أخرى عبر مؤسسات اقتصادية واستثمارية مثل رواندا وبروندي، كما أن لها وجودا استخباراتيا وأمنيا في دول لم توقع اتفاقيات سلام أو سبق أن أقامت علاقات ثم قطعتها، دول مثل النيجر ومالي والسنغال، ويتم توظيف هذا الحضور في الدول الأفريقية للاطلاع على نشاطات مقاومة ومعادية للكيان الصهيوني ومن المهم ضم السودان إلى هذه الدول بشكل يمكن الكيان الصهيوني من الاستطلاع، والأهم من ذلك إبعاد السودان تماما عن الحلف الإيراني وقطع هذه العلاقات.

ومما يعقد الحرب السودانية أن كل الدول التي تدعم الحرب تسعى لمصالحها وليس لمصلحة الطرف السوداني الذي تزوده بالسلاح، وهذا الدعم الخارجي يحاول أن يحقق المكتسبات دون دفع ثمن مباشر في الميدان ودون اكتراث للأضرار التي تحصل للسودان كبلد وشعب، وهو ما يجعل إيقاف الحرب صعبا، كما يجعلها أكثر تدميرا مع استمرار الدعم الخارجي.

تدخل المجتمع الدولي ومحاولات حل النزاع

جرت أكثر من محاولة لعقد هدنة في أول أسابيع من المعارك وكذلك خلال رمضان الماضي (2024)، ووضعت الحكومة السودانية 4 شروط لتنفيذ الهدنة، شملت خروج قوات الدعم السريع من جميع المناطق التي تسيطر عليها في الخرطوم وإقليمي دارفور وكردفان، إضافة إلى ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض وسط البلاد.

ومنذ بدء الحرب قبل نحو عام، انهارت كل الهدن السابقة بين الجيش وقوات الدعم السريع خلال الحرب، ولم يصمد أي منها سوى لفترات قصيرة، أما مساعي وقف الحرب وإطلاق النار فقد بلغت حتى يوليو 2024 مجموع 9 مبادرات قامت بها الدول العربية والأفريقية والقوى الأوروبية والأمريكية.

لم تنجح حتى الآن أي من الجهود الدولية المبذولة لوقف الحرب، وفشلت وساطات كل من الأمم المتحدة ومصر والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، تمثلت هذه الجهود الدولية في ثلاث جولات من التفاوض في جدة، إضافة إلى قمتين للهيئة الدولية المعنية بالتنمية في إفريقيا “إيغاد”، بالإضافة إلى جولات مفاوضات في المنامة على هامش القمة العربية خلال يناير الماضي السنة، وقد أعربت حكومات كينيا، جنوب السودان، وجيبوتي في 17 أبريل السنة عن استعدادها لإرسال رؤسائها كوسطاء إلى السودان، ولكن بسبب إغلاق مطار الخرطوم الدولي على خلفية المعارك الدائرة حوله، أصبح وصولهم صعباً وخطرا.

ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2715، أُغلقت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) في 29 فبراير 2024 بسبب الظروف الصعبة والخطر المتزايد على العاملين في البعثة، وتسعى الدول الوسيطة لتحقيق تحييد المدنيين والمصالح الوطنية السودانية. أما في اتفاق جدة السنة فكانت أبرز البنود المطروحة للاتفاق (والتي لم تلتزم بها أطراف الصراع لاحقا):

التأكيد على ضرورة سماح الجيش وقوات الدعم السريع بالمرور الآمن للعاملين في المجال الإنساني.الالتزام بسيادة ووحدة وسلامة أراضي السودان.جعل مصالح وسلامة الشعب السوداني أولوية رئيسية.حماية كافة المرافق العامة والخاصة في السودان وعدم استخدامها لأغراض عسكرية.تبني إجراءات بسيطة لتنظيم عمليات الإغاثة الإنسانية في السودان.الالتزام بالإعلان الناتج عن هذا الاتفاق دون تأثير على الوضع القانوني أو الأمني أو السياسي للأطراف الموقعة عليه.

ومن جانب الجيش السوداني، تشهد المؤسسة العسكرية انقسامًا في مراكز صنع القرار، حيث أصبح هناك أكثر من مركز قرار كما يتضح من تصريحات قادة الجيش، خاصة أعضاء مجلس القيادة، هذه التصريحات تكشف عن تنازع التيارات السياسية التي تقتسم السيطرة على الجيش، بما في ذلك الإسلاميون الذين يتسمون بالتطرف في التعامل مع قضية إنهاء الحرب، يشير المحلل العسكري حسام الدين بدوي إلى أن عودة الجيش إلى طاولة المفاوضات يتطلب فصل قرارات قادته عن السياسيين المؤثرين عليهم، بينما يروى كمال بولاد من “قوى الإجماع الوطني” أن السياسيين الباقين من عهد البشير ينظرون إلى الوضع الحالي على أنه فرصتهم الأخيرة لاستعادة السلطة من خلال الجيش.

أما القوى المدنية المتمثلة بحركة “تقدم” (تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية السودانية)، فقد اختارت رئيس الوزراء قبل الانقلاب عبدالله حمدوك رئيسا لها، وعلى الرغم من تقديمها لحلول سلمية وتأكيدها على ضرورة تغليب المصالح المشتركة، إلا أنها لا تسيطر على الأحداث الميدانية ولا تمتلك تأثيرًا على المجريات الميدانية للصراع.

يشير المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إلى أن هناك أسباباً للاعتقاد بأن كلا الجانبين ربما يرتكبان جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية خلال هذه الحرب.

السودان إلى أين

يعاني السودان من دمار كبير وتراجع جراء الحرب الحالية، فبحسب مبعوث الأمم المتحدة ورئيس الإتحاد الأفريقي السابق محمد بن شامباس أرجعت الحرب البلاد عقود إلى الوراء، وسيتطلب الأمر أكثر من جيل لإعادة بناء السودان إلى ما كان عليه قبل الحرب، أما أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، منتصر مأمون، فيرى أن “الحرب ستشهد في عامها الثاني تحولات كبيرة، لأن الطرفين أدخلا عناصر جديدة على خط الصراع، ما ينذر بمعارك ضارية”، مشيرا إلى “صعوبة التكهن بمآلات القتال والغلبة الميدانية”.

الوسومأفريقيا إسرائيل الإمارات الجيش السوداني الحرب الأهلية السودان الكيان الصهيوني تشاد عبد الفتاح البرهان قوات الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • البرهان يرحب ببيان بايدن ويدعو لمحاسبة مساندي الدعم السريع
  • بعد عام ونصفه من جريمة حميدتي التاريخية يسأل عبدالرحيم دقلو أين أخي؟!
  • المغترب حمدوك الذي لم يُعرف له موقف ولم يُسمع له صوت قبل توليه المنصب
  • وزير الخارجية: توجيهات رئاسية بتقديم الدعم الكامل للبنان بعد الهجوم السيبراني
  • السودان في ظل حرب أهلية جديدة: التدخلات الخارجية ومحاولات حل النزاع
  • البرهان يوافق على مبادرة من سلفاكير بشأن الحرب مع الدعم السريع
  • قمة رئاسية ثلاثية تجمع البرهان مع رئيسي جنوب السودان وإريتريا في جوبا
  • البرهان يشارك بقمة ثلاثية في جوبا ومعارك في الخرطوم والفاشر
  • رئيس جنوب السودان يستقبل البرهان في مطار جوبا ضمن جولة اجتماعات يشارك فيها الرئيس الإرتري أسياس أفورقي
  • ???? هل سيحمل البرهان العالم لتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية؟