كان لافتا في الحراكات والتفاعلات الشعبية في العالمين العربي والإسلامي ضد العدوان الوحشي على غزة وأهلها، ظهور توجهات تسعى لإثارة الخلافات الطائفية والمذهبية والفكرية بين المسلمين وتأجيجها، ما نتج عنه ازدراء أية جهود ميدانية، أو التقليل من شأن أي مشاركات سياسية وإعلامية بحجة أنها تأتي من أطراف خارج أهل السنة والجماعة أو منحرفة عن منهجهم وطريقتهم.



ووفقا لمراقبين فإن أصحاب تلك التوجهات لا ينفكون عن التحذير من تلك الجهود والمشاركات باعتبار أنها تأتي من جهات وقوى لها مصالحها وسياساتها الخاصة بها، وتسعى لتحقيق أجندات طائفية ومذهبية في المنطقة، في إطار سياسات الهيمنة وبسط النفوذ عبر أذرعها وامتداداتها من قوى وأحزاب وتنظيمات معروفة، أو من حركات وشخصيات منحرفة وضالة لا ينبغي الاعتداد بها أو الترويج لها.

صانع المحتوى الموريتاني محمد لغظف ولد أحمد وصف تلك الظاهرة في بعض تجلياتها الواقعية بالقول: "العرب والمسلمون لديهم الآن مأساة الأهل في غزة، يتفقون جميعا على ضرورة إيقافها، ويتفقون على بشاعتها، لكن بسبب الشعبوية والطائفية والمذهبية يصر البعض منا على رفض كل جهد مناصر لغزة لأن صاحب ذلك الجهد يخالفه مذهبيا أو طائفيا أو سياسيا".

وأضاف في فيديو منشور على اليوتيوب "تأتي بمقطع لعزمي بشارة عن العدوان على غزة، يقول أحدهم لا نريد نصرته فقد كان عضوا في الكنيست الإسرائيلي، تشير إلى حلقة للدحيح عن فلسطين، يقولون لا نريد نصرته فهو يروج للداروينية، تأتي لأبيات لتميم البرغوثي في نصرة غزة، يقولون لا نريد نصرته لأنه يمدح حزب الله، تأتي بخبر عن اليمن لا نريد نصرتهم، فهؤلاء حوثيون ملاعين".

وتابع: "تنشر كلاما في نصرة غزة لمفتي سلطنة عمان، فيقولون لا نريد نصرته لأنه إباضي قال كذا وفعل كذا، تأتي بكلام للدودو في نصرة غزة، يقولون لا هذا إخواني ما كان عليك أن تنشر له" معقبا على تلك التوجهات بالقول "يا جماعة لديكم أزمة كبرى طارئة تتفقون على بشاعتها، وتتفقون على ضرورة إنهائها وحدوا جهودكم لإنهاء هذه الأزمة، وبعد ذلك تفرغوا للخلافات الحزبية والمذهبية..".



إن النزوع إلى إثارة الخلافات الطائفية والمذهبية والفكرية حين يتداعى العرب والمسلمون لنصرة بلد يتعرض لعدوان ظالم يفتح الباب أمام أسئلة الواجب الشرعي حيال ذلك، فهل من الحكمة الدينية والواقعية إثارة تلك الخلافات وتأجيجها في مثل تلك الأوقات العصيبة أم الواجب يحتم على الجميع الكف عن ذلك والانشغال بواجب النصرة والدعم والمساندة؟

الأمر يعود برمته إلى "تدني الوعي الشرعي والسياسي والفكري لدى عدد كبير من المسلمين خاصتهم وعامتهم، وهو ما جعلهم عاجزين عن استيعاب واقع الخلاف المذهبي والطائفي في مجتمعات الأمة المعاصرة، حين جهلوا أن اختلاف الناس في المعتقدات والمذاهب هو مقتضى إرادة الله الكونية" حسب الأكاديمي المغربي، المتخصص في أصول الفقه ومقاصد الشريعة، الدكتور محمد رفيع.


                              محمد رفيع.. متخصص في أصول الفقه ومقاصد الشريعة

وأضاف: "وهو ما يتعين بها لا معارضتها، يقول تعالى (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة)، وقال (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم..)، مضيفا "فالاختلاف الحاصل في المجتمعات بجميع أنواعه آية من آيات الله، يجب التسليم به، وإنما كلفنا شرعا بحسن تدبيره، على قواعد التواصل والتعارف والتعاون على الجوامع المشتركة، والمصالح المؤتلفة".

واستشهد الباحث رفيع في حواره مع "عربي21" بقوله تعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، وبقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، فلا يشترط في المتعاونين والمتضامنين أن يتفقوا في كل شيء، فما يجري في غزة من عدوان بربري همجي صهيوني غير مسبوق، مدعوم أمريكيا وأوروبيا، ومن كل صهاينة العالم، يفرض على المسلمين على سبيل الوجوب العيني بكل طوائفهم ومذاهبهم أن يهبوا لنصرة إخوانهم، كل من موقعه، وحسب وسعه".

وتابع: "كما يفرض على كل أحرار العالم أن يهبوا جميعا للتضامن، كما حصل ويحصل الآن في مختلف مناطق العالم، لأن القضية الفلسطينية أعدل قضية إنسانية في العالم، وعلى المسلمين أن يكونوا في مستوى اللحظة التاريخية الراهنة، وأن يسموا بوعيهم، فيعملوا على توسيع دائرة التعاون والتحالف العابرة للمذاهب والطوائف والمعتقدات والأديان، لتضييق الخناق على الصهاينة".

وعن إثارة الخلافات والحسابات الطائفية والمذهبية، والتقليل من إسهامات بعض الطوائف في نصرتها لأهل غزة، في سياق معركة طوفان الأقصى المشتعلة الآن، وصف رفيع ذلك بأنه "تحريف لبوصلة المعركة، ومناقض للمصلحة الأولوية الزمنية العظمى للأمة ولأهلنا في غزة".

وتساءل: "فبأي عقل، وبأي منطق نستخف بمساهمة طوائف الشيعة في المعركة، وإسهامهم واقع حاصل ماله من دافع، ثم نغض الطرف عن سلسلة الأنظمة العربية السنية المتخاذلة والمتآمرة على أهل غزة ومقاومتها؟، فالواجب الزمني الآن هو التركيز على المعركة واستنفار الجميع، مع شكر وتقدير كل من أسهم في المعركة، مهما قل إسهامه" حسب قوله.

من جهته أوضح الباحث الشرعي في دائرة الإفتاء الأردنية، الدكتور حمزة مشوقة "أن أكثر المتدينين الذين يدرسون العلم الشرعي يتجهون اتجاهات مذهبية، وهذا غير مذموم بحد ذاته، لأن كل مذهب له تصوراته وأصوله وفروعه، وحق العلم يقتضي تحقيق المسائل العلمية وتحييد الجوانب العاطفية".


                            حمزة مشوقة، باحث شرعي في دائرة الإفتاء الأردنية.

وتابع: "لكن الإشكالية تتمثل عندما يقف أغلب هؤلاء الدارسين عند الخلافات المذهبية حتى يصبغوا بها عقولهم وقلوبهم وأرواحهم، فتنقلب المبادئ الإسلامية العامة مثل الأخوة والموالاة والإنصاف والعدل والإحسان لمفاهيم تربط بينهم وبين أبناء مذهبهم، ويصبح التعامل مع أهل دينهم من المذاهب الأخرى كالتعامل مع أهل الكتاب".

ونبَّه مشوقة في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "ما يلزم كل مذهبي أن يعلمه أن أصولا عامة للدين الإسلامي تتفق عليها أغلب المذاهب الإسلامية، وهذه الأصول تجمعه مع المنتمين لتلك المذاهب، كما يلزم المذهبي أن يدرك أن للمعركة التي تعيشها أمتنا اليوم حقوقا، وحق المعركة يتعلق بالأزمات والمؤامرات التي تتعرض لها الأمة، وكيف نواجهها كمسلمين في صف واحد بعيدا عن الخلافات المذهبية".

وعن دور العالم والمتخصص في علوم الشريعة لفت إلى أهمية أن "يكون صاحب بصيرة بفقه الأولويات وفقه الموازنات، وهو ما يحتاج إلى خبرة فقهية عالية ليستطيع التمييز بين المصالح والمفاسد المتعارضة، وإدراك أخف المفسدتين وأعظم المصلحتين فتصبح فتواه أقرب لروح الشريعة، ويصبح صاحب بصيرة بفقه الواقع، وكيفية إنزال أحكام الشريعة على الواقع الذي يعيشه، فيكون فقهيا للأمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى".

وفي ذات الإطار شدد الباحث اليمني، المدرس للعلوم الشرعية، الدكتور عبد الفتاح اليافعي على أننا "أحوج ما نكون هذه الأيام إلى الاتحاد والاجتماع، وتوحيد الكلمة، وتضافر الجهود لمواجهة العدوان الذي يشنه العدو الصهيوني على أهلنا في غزة، وفلسطين، والمسجد الأقصى، بما له من قدسية خاصة عند المسلمين".


                               عبد الفتاح اليافعي، باحث يمني ومدرس للعلوم الشرعية

وردا على سؤال "عربي21" إذا كان واجب المسلمين جميعهم نصرة إخوانهم في غزة، فهل يصح شرعا وواقعا رفض جهود بعضهم لبعض أو التقليل منها لاعتبارات طائفية ومذهبية وفكرية.. استشهد اليافعي بواقعة حضور النبي صلى الله عليه وسلم لحلف الفضول قبل البعثة، وما قاله بعد البعثة "لقد حضرت في دار ابن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت"ز

وأردف: "وهو حلف على نصرة المظلوم من المشركين، لأنه كان قبل البعثة، فإذا كان التعامل مع المشرك في الخير مطلوب فكيف مع المسلم، فالواجب هو تكاتف المسلمين وتعاونهم مهما اختلفوا لإخراج المحتلين من بلاد المسلمين، لا سيما المحتل المغتصب لأرض فلسطين والمسجد الأقصى".

ودعا المسلمين في ختام حديثه إلى تحكيم الشريعة، وتحكيم العقل، فالشريعة تدعوهم للألفة والمحبة والتعاون، والمحافظة على حقوق الأخوة الإسلامية بصرف النظر عن مذاهبهم وطوائفهم، مع مناصحة بعضهم بعضا بـأدب وتواضع، وفي ذلك ما يعينهم على تجاوز النظرات الضيقة التي ترسخ تشرذمهم، وتشتت جهودهم، وتضعف جبهتهم الداخلية".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير غزة فلسطين احتلال فلسطين غزة تداعيات تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة نصرة غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

التمديد لتجنب الفراغ الدستوري.. مستقبل مفوضية الانتخابات وسط الخلافات

8 يناير، 2025

بغداد/المسلة: في خطوة تضمن استمرار العملية الانتخابية في العراق دون تأجيل، أعلن مجلس القضاء الأعلى عن تمديد عمل مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات، مؤكدًا على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد في تشرين الأول \ أكتوبر المقبل.

يأتي هذا القرار وسط تحذيرات من حدوث فراغ دستوري أو قانوني نتيجة لعدم انعقاد مجلس النواب، وهو ما قد يؤثر بشكل كبير على استقرار البلاد.

و بينما يعكس قرار تمديد عمل المفوضية خطوة حاسمة في مواجهة محاولة بعض القوى السياسية فرض تأجيل الانتخابات، يعكس هذا القرار أيضًا تباينًا في الآراء داخل الأوساط السياسية.

بعض الآراء اعتبرت أن التمديد هو خطوة حاسمة لقطع الطريق أمام أولئك الذين يسعون لإدخال البلاد في حالة من الفراغ الدستوري، مما يهدد استقرار الوضع السياسي في العراق.

من جهة أخرى، طرح البعض الحاجة إلى تعديل قانون المفوضية بحيث يتم انتخاب أعضائها من قبل الشعب مباشرة، وفقًا لنسب السكان في كل محافظة، وهي فكرة يرى فيها البعض ضرورة لتجديد عملية انتخابية تتسم بالنزاهة والشفافية.

في هذا السياق، يعتقد النائب رائد حمدان المالكي أن اختيار أعضاء مجلس المفوضية يجب أن يكون من صلاحيات مجلس النواب، مشيرًا إلى ضرورة حسم هذا الأمر في غضون أسبوعين.

وأشار المالكي إلى أن استمرار التشكيلة القضائية الحالية يتطلب ترشيح قضاة جدد من قبل مجلس القضاء الأعلى، يصوت عليهم مجلس النواب. أو ربما يتم تعديل قانون المفوضية لتضم أعضاء غير قضائيين يتم اختيارهم من قبل المجلس ذاته.

أما النائب رعد الدهلكي، فقد أكد أن معظم السياسيين كانوا على علم مسبق بتاريخ انتهاء صلاحية مفوضية الانتخابات، لكنه أشار إلى عدم وجود تحركات جادة من قبل القوى السياسية لمعالجة هذه المشكلة. وفي هذا السياق، اعتبر الدهلكي أن المزاج السياسي سيكون المتحكم في هذه القضية، مع رفض بعض الكتل السياسية لاستمرار القضاة في المفوضية.

من جهتها، تحمل النائب سروة عبدالواحد مسؤولية تأخر اتخاذ الإجراءات اللازمة على مجلس النواب، مشيرة إلى عدم التوصل إلى اتفاق حول إبقاء المفوضية الحالية أو تغييرها. هذا الانقسام داخل البرلمان يضيف طبقة جديدة من التعقيد للمسألة.

في المقابل، أشار النائب سجاد سالم إلى أن بقاء مفوضية الانتخابات الحالية يعد من أهم المكتسبات التي تحققت بعد انتفاضة تشرين، في حين أضافت النائب زهرة البجاري أن أغلبية أعضاء مجلس النواب تدعم تمديد عمل المفوضية، مما يعكس اتجاهًا عامًا في البرلمان نحو الإبقاء على الوضع الحالي.

وفي إطار هذا الجدل، أطلق ائتلاف النصر تصريحات تركز على ضرورة استبدال لجنة مفوضية الانتخابات، معتبراً أن ذلك يمثل خطوة ضرورية لضمان النزاهة والاستقلالية وإنهاء المحاصصة.

وتستمر هذه الخلافات في رسم ملامح المستقبل السياسي للانتخابات العراقية، إذ تبرز مسألة استقلالية المفوضية وأدوار القوى السياسية المختلفة في هذا الملف الحيوي.

 

 

 

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • مكانة عقد الزواج وخطورته في الشريعة الإسلامية.. الإفتاء توضح
  • مفتي الجمهورية: الشريعة الإسلامية سبقت كل الشرائع في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة
  • المفتي: الشريعة الإسلامية سبقت كل الشرائع في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة
  • المفتي: الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان
  • المصائب لا تأتي فرادى: إثيوبيا تتعرض لزلزالين جديدين
  • منعطف حرج.. تفاقم الخلافات بين إثيوبيا والصومال رغم «إعلان أنقرة»
  • التمديد لتجنب الفراغ الدستوري.. مستقبل مفوضية الانتخابات وسط الخلافات
  • يسبب أمراضا خطيرة وعلاجه بهذه الطرق.. أسرار غير متوقعة عن نقص الأكسجين
  • أستاذ علاقات دولية: القمة المصرية اليونانية القبرصية تأتي في توقيت مهم جدا
  • انتهت بجريمة بشعة.. ماذا حدث بين الترزي وزوج شقيقته في سوهاج؟