وقعت أثيوبيا وأرض الصومال الأسبوع المنصرم اتفاقية مثيرة للجدل تمنح الثانية بموجبها أثيوبيا حق الوصول إلى مياه البحر الأحمر. وبموجب هذا الاتفاق، ستقوم أرض الصومال غير المعترف بها دولياً بإعطاء أثيوبيا، الدولة الحبيسة، منفذاً على البحر بطول 20 كلم يمكّنها من استخدام ميناء بربرة وإنشاء ميناء عسكري والوصول بحريّة تامة لمياه البحر الأحمر وذلك لمدّة 50 عاماً في مقابل وعد للاعتراف الرسمي بها من قبل أثيوبيا.



ويعد هذا الاتفاق، الذي وقعه رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد ورئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي، بمثابة اتفاق تاريخي لأديس أبابا التي فقدت منفذها على البحر بعد انفصال أريتريا عنها وإعلان استقلالها عام 1993. وبالرغم من أنّ أثيوبيا اعتمدت على ميناء عصب الأريتري بعدها، إلاّ أنّها فقدت القدرة على استخدامه خلال النزاع بين البلدين بين عامي 1998 و2000، ما دفعها إلى توظيف ميناء جيبوتي لتنشيط تجارتها.

ففي تصريحات تعكس طموح أثيوبيا في تأمين وصول مستدام على البحر الأحمر فضلاً عن بناء قاعدة عسكرية بحريّة، أكّد أبي أحمد في أكتوبر الماضي أن الحصول على منفذ بحري قضية حياة أو موت لبلاده الحبيسة، مشيراً إلى أنها ستحصل على هذا الحق بالقوة أو بوسائل أخرى، وهو الأمر الذي انتهى إلى التوصل إلى صفقة مع أرض الصومال. ويُعدّ هذا الاتفاق بمثابة اختراق استراتيجي للسلطات الأثيوبية، وهو يصب الزيت على نار التنافس المحتدم في منطقة القرن الأفريقي، الأمر الذي يمكن رصده من خلال ردود الأفعال التي صدرت حتى الآن تعقيباً على الاتفاق.

وفي هذا السياق، نددت الحكومة الصومالية، التي تعتبر أرض الصومال جزءا من أراضيها، بالصفقة باعتبارها انتهاكا لسيادتها وسلامة ووحدة أراضيها. وتضمّن هذا الرفض الصارم من جانب الصومال، استدعاء سفيرها من أثيوبيا. كما أعربت مصر، وهي لاعب رئيسي في المنطقة، عن مخاوفها. وشددت وزارة الخارجية المصرية على أهمية احترام وحدة الصومال وسيادته، مُلمّحة إلى احتمال عدم الاستقرار الذي قد يثيره الاتفاق في منطقة القرن الأفريقي. وقد رددت جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي نفس الموقف، حيث يدعو كلاهما إلى الحفاظ على السيادة الصومالية، أمّا الولايات المتّحدة فقد عبّرت عن قلقها البالغ إزاء هذه الخطوة.

ويربط البعض الاتفاق بعوامل أخرى تتعلق بالسياق والتوقيت، وهو ما قد يستدعي الإمارات وإسرائيل بشكل غير مباشر. فالسياق يشير إلى أنّ دورا سبّاقا للإمارات في أرض الصومال حيث كانت قد وقّعت عام 2016 اتفاقاً بقيمة 442 مليون دولار عبر شركتها "موانئ دبي العالمية"، لتشغيل مركز لوجستي في ميناء مدينة بربرة التجارية. كما التزمت الإمارات ببناء قاعدة عسكرية في جوار مطار المدينة وواجهتها البحرية، قيل حينها أنّها ستُستخدم لمحاربة الحوثيين.

وفي العام 2018، وقع الطرفان اتفاقية لتطوير مشروع منطقة اقتصادية حرة كانت أثيوبيا طرفاً فيه. وتتمتع أبو ظبي بعلاقات قوية مع أثيوبيا حيث دعمتها مؤخراً ضد التمرد الداخلي الذي اندلع، كما يقال أنّها تدعم موقفها في سد النهضة ضد مصر. ومن أجل كل ذلك، من الصعب تصوّر أنّ الإمارات لم يتم إطلاعها على الأمر ما لم تكن هي المسهّل الحقيقي لهذا الاتفاق.

تعد اتفاقية الوصول إلى البحر بين أثيوبيا وأرض الصومال تطوراً محورياً له آثار بعيدة المدى. فهو لا يعيد تعريف الاستراتيجية البحرية لإثيوبيا فحسب، بل يؤثر أيضًا على توازن القوى الإقليمي.وفيما يتعلق بالتوقيت، يثير التصعيد الأخير الحاصل قبالة البحر الأحمر نتيجة تهديد الحوثيين باستهداف السفن المتوجهة إلى إسرائيل علامات استفهام حول ما إذا كانت إسرائيل حاضرة في الاتفاق بشكل غير مباشر. إذ تتمتع إسرائيل بعلاقات جيّدة مع أثيويبا الذي كانت تاريخيا جزءاً من استراتيجية الحزام المحيط بالعالم العربي الإسرائيلية. خلال السنوات الماضية، لم يخف الإسرائيليون دعمهم للتواجد العسكري والاقتصادي الإماراتي في أرض الصومال وتشجيع سياسة مواجهة الحوثيين ومن خلفهم الإيرانيين من هناك.

وتتأثر مصالح إسرائيل في المنطقة بشكل خاص بهذا التطور. فالموقع الاستراتيجي للقرن الأفريقي، وخاصة قربه من مدخل البحر الأحمر، أمر بالغ الأهمية لأمن إسرائيل وتجارتها خاصة في ضوء التهديدات التي يفرضها تزايد النفوذ الإيراني. إن تاريخ إسرائيل من التعاون العسكري والاستخباراتي مع دول مثل أريتريا أيضاً، واهتمامها المتجدد بأفريقيا، يشير إلى نواياها الاستراتيجية في القرن الأفريقي. إن الجولات التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ العام 2016 إلى العديد من البلدان الأفريقية، بما في ذلك تلك الموجودة في القرن الأفريقي، تسلط الضوء على توجه إسرائيل لتعزيز التعاون لاسيما من الناحية الأمنيّة.

وفي هذا السياق، يقدم الاتفاق بين أثيوبيا وأرض الصومال ديناميكيات جديدة في الجغرافيا السياسية الإقليمية، مما يؤثر بشكل مختلف على مصالح إسرائيل ومصر والإمارات العربية المتحدة من بين دول أخرى. وبالنسبة لإسرائيل، فإن هذا الاتفاق يمكن أن يعزز دورها ونفوذها البحري في البحر الأحمر، خاصة في ظل سيطرة الحوثيين بالقرب من المدخل البحري. وقد تزود إسرائيل أيضًا بقدرات استخباراتية معززة لمراقبة التهديدات الإقليمية. علاوة على ذلك، يمكن أن يكون الاتفاق بمثابة كدخل لتحقيق ثقل موازن للنفوذ المتزايد لتركيا وقطر في القرن الأفريقي، علما أنّ لتركيا علاقات مهمّة مع أثيوبيا ومصر أيضاً، وهو ما قد يفتح الباب أمام مزيد من التقارب المصري مع تركيا لموازنة النفوذ الأثيوبي المتزايد في البحر الأحمر.

باختصار، تعد اتفاقية الوصول إلى البحر بين أثيوبيا وأرض الصومال تطوراً محورياً له آثار بعيدة المدى. فهو لا يعيد تعريف الاستراتيجية البحرية لإثيوبيا فحسب، بل يؤثر أيضًا على توازن القوى الإقليمي. ردود الفعل القادمة من الصومال ومصر والجامعة العربية، والفوائد المحتملة لإسرائيل والإمارات، تسلط الضوء على التفاعل المعقد بين المصالح في القرن الأفريقي. ومع تطور المشهد الجيوسياسي، لا شك انّنا سنتابع تداعيات هذا الاتفاق عن كثب في المرحلة المقبلة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أثيوبيا اتفاقية أثيوبيا اتفاقية رأي ارض الصومال مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أثیوبیا وأرض الصومال فی القرن الأفریقی البحر الأحمر أرض الصومال هذا الاتفاق

إقرأ أيضاً:

اشتباكات بين الصومال وإثيوبيا بعد أيام على توقيع اتفاق لإنهاء التوتر

اتّهم الصومال القوات الإثيوبية بمهاجمة جنوده في منطقة حدودية أمس الاثنين، بعد أيام على توقيع البلدين اتفاقا يهدف لقلب صفحة شهور من التوتر.

وقالت وزارة الخارجية الصومالية في بيان إن الجنود الإثيوبيين هاجموا قواتها المتمركزة في قاعدة جوية في بلدة دولو في ولاية جوبالاند حوالى الساعة العاشرة صباحا.

وأفادت بأن الهجوم استهدف 3 قواعد يديرها الجيش والشرطة والمخابرات الوطنية ووكالة الأمن، وأسفر عن سقوط قتلى لم تحدد عددهم.

وأكدت الخارجية الصومالية أن هذا الهجوم يشكل "انتهاكا صريحا" لاتفاق أنقرة، وميثاق الاتحاد الأفريقي، والقوانين الدولية، فضلا عن كونه يتعارض مع مبادئ حسن الجوار.

وشددت على أنها لن تتهاون إزاء هذه "الاعتداءات المتكررة" التي تهدد سيادة البلاد واستقرارها، محذرة من تداعيات مثل هذه التصرفات على العلاقات بين البلدين.

وحذرت من أن مقديشو لن تبقى صامتة أمام هكذا انتهاكات واضحة لسيادة الصومال وسلامة أراضيه.

قوات صومالية تابعة لحكومة ولاية جوبالاند (الجزيرة) رواية مضادة

في المقابل، قال مسؤولون في ولاية جوبالاند إن الجنود الإثيوبيين المتمركزين أيضا في القاعدة الجوية كجزء من الجهود الرامية لمكافحة حركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة، تدخلوا لحماية مجموعة من السياسيين المحليين.

إعلان

وتخوض الحكومة الفدرالية في الصومال منذ أسابيع اشتباكات مع قوات من جوبالاند التي تحظى بحكم شبه ذاتي للسيطرة على مناطق رئيسية في الولاية.

وقال وزير الأمن في جوبالاند يوسف حسين عثمان في مؤتمر صحفي في دولو "بدأت الحادثة هذا الصباح بعدما تلقت القوات (الفدرالية) التي كانت متمركزة هنا تعليمات بإطلاق النار على طائرة تقل وفدا من ولاية جوبالاند يشمل مشرعين ووزراء في الحكومة والحاكم".

وأشار إلى أن تبادلا لإطلاق النار وقع في البلدة إلى أن تم "نزع سلاح" أفراد القوات الفدرالية الصومالية وأصيب عدد منهم بجروح.

وتهدد الحادثة بالتسبب بانهيار اتفاق رعته تركيا قبل أقل من أسبوعين لإنهاء نزاع مستمر منذ نحو عام بين الصومال وإثيوبيا.

وبدأ النزاع في يناير/كانون الثاني عندما وقعت إثيوبيا اتفاقية مع منطقة انفصالية أخرى في الصومال هي إقليم أرض الصومال لاستئجار مساحة ساحلية لإقامة ميناء وقاعدة عسكرية، رغم عدم صدور أي تأكيد لذلك عن أديس أبابا.

واعتبر الصومال الخطوة انتهاكا لسيادته، مما أشعل خلافا دبلوماسيا وعسكريا بين البلدين بدا أنه تم حله عندما اجتمع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في أنقرة في 12 ديسمبر/كانون الأول ووقعا على اتفاق يتوقع بأن يعطي إثيوبيا منفذا بحريا بديلا في الصومال.

مقالات مشابهة

  • 24 ساعة فارقة في القرن الأفريقي.. آبي أحمد يجهض إعلان أنقرة بشن هجوم على الصومال
  • نتنياهو يتهم حماس بتعطيل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
  • إعلان أنقرة لإنهاء التوتر بين الصومال وإثيوبيا في 5 أسئلة
  • صندوق النقد الدولي يعلن عن اتفاق مع مصر لصرف 1.2 مليار دولار
  • خبير عسكري: الاحتلال ينتهك اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بشكل متواصل
  • خبير عسكري: الاحتلال يخرق اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بشكل مستمر
  • على ساحل البحر الأحمر..السودان: مصرون على إقامة قاعدة روسية
  • اشتباكات بين الصومال وإثيوبيا بعد أيام على توقيع اتفاق لإنهاء التوتر
  • النفوذ الإيراني في اليمن على المحك.. إلى أين تتجه المواجهة بين إسرائيل والحوثيين؟
  • هآرتس: الحرب مع إسرائيل تعزز قبضة الحوثيين على الداخل وتثير قلق دول الخليج (ترجمة خاصة)