اتفاق أرض الصومال يحوّل أثيوبيا إلى قوّة بحرية.. التداعيات الجيوسياسية
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
وقعت أثيوبيا وأرض الصومال الأسبوع المنصرم اتفاقية مثيرة للجدل تمنح الثانية بموجبها أثيوبيا حق الوصول إلى مياه البحر الأحمر. وبموجب هذا الاتفاق، ستقوم أرض الصومال غير المعترف بها دولياً بإعطاء أثيوبيا، الدولة الحبيسة، منفذاً على البحر بطول 20 كلم يمكّنها من استخدام ميناء بربرة وإنشاء ميناء عسكري والوصول بحريّة تامة لمياه البحر الأحمر وذلك لمدّة 50 عاماً في مقابل وعد للاعتراف الرسمي بها من قبل أثيوبيا.
ويعد هذا الاتفاق، الذي وقعه رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد ورئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي، بمثابة اتفاق تاريخي لأديس أبابا التي فقدت منفذها على البحر بعد انفصال أريتريا عنها وإعلان استقلالها عام 1993. وبالرغم من أنّ أثيوبيا اعتمدت على ميناء عصب الأريتري بعدها، إلاّ أنّها فقدت القدرة على استخدامه خلال النزاع بين البلدين بين عامي 1998 و2000، ما دفعها إلى توظيف ميناء جيبوتي لتنشيط تجارتها.
ففي تصريحات تعكس طموح أثيوبيا في تأمين وصول مستدام على البحر الأحمر فضلاً عن بناء قاعدة عسكرية بحريّة، أكّد أبي أحمد في أكتوبر الماضي أن الحصول على منفذ بحري قضية حياة أو موت لبلاده الحبيسة، مشيراً إلى أنها ستحصل على هذا الحق بالقوة أو بوسائل أخرى، وهو الأمر الذي انتهى إلى التوصل إلى صفقة مع أرض الصومال. ويُعدّ هذا الاتفاق بمثابة اختراق استراتيجي للسلطات الأثيوبية، وهو يصب الزيت على نار التنافس المحتدم في منطقة القرن الأفريقي، الأمر الذي يمكن رصده من خلال ردود الأفعال التي صدرت حتى الآن تعقيباً على الاتفاق.
وفي هذا السياق، نددت الحكومة الصومالية، التي تعتبر أرض الصومال جزءا من أراضيها، بالصفقة باعتبارها انتهاكا لسيادتها وسلامة ووحدة أراضيها. وتضمّن هذا الرفض الصارم من جانب الصومال، استدعاء سفيرها من أثيوبيا. كما أعربت مصر، وهي لاعب رئيسي في المنطقة، عن مخاوفها. وشددت وزارة الخارجية المصرية على أهمية احترام وحدة الصومال وسيادته، مُلمّحة إلى احتمال عدم الاستقرار الذي قد يثيره الاتفاق في منطقة القرن الأفريقي. وقد رددت جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي نفس الموقف، حيث يدعو كلاهما إلى الحفاظ على السيادة الصومالية، أمّا الولايات المتّحدة فقد عبّرت عن قلقها البالغ إزاء هذه الخطوة.
ويربط البعض الاتفاق بعوامل أخرى تتعلق بالسياق والتوقيت، وهو ما قد يستدعي الإمارات وإسرائيل بشكل غير مباشر. فالسياق يشير إلى أنّ دورا سبّاقا للإمارات في أرض الصومال حيث كانت قد وقّعت عام 2016 اتفاقاً بقيمة 442 مليون دولار عبر شركتها "موانئ دبي العالمية"، لتشغيل مركز لوجستي في ميناء مدينة بربرة التجارية. كما التزمت الإمارات ببناء قاعدة عسكرية في جوار مطار المدينة وواجهتها البحرية، قيل حينها أنّها ستُستخدم لمحاربة الحوثيين.
وفي العام 2018، وقع الطرفان اتفاقية لتطوير مشروع منطقة اقتصادية حرة كانت أثيوبيا طرفاً فيه. وتتمتع أبو ظبي بعلاقات قوية مع أثيوبيا حيث دعمتها مؤخراً ضد التمرد الداخلي الذي اندلع، كما يقال أنّها تدعم موقفها في سد النهضة ضد مصر. ومن أجل كل ذلك، من الصعب تصوّر أنّ الإمارات لم يتم إطلاعها على الأمر ما لم تكن هي المسهّل الحقيقي لهذا الاتفاق.
تعد اتفاقية الوصول إلى البحر بين أثيوبيا وأرض الصومال تطوراً محورياً له آثار بعيدة المدى. فهو لا يعيد تعريف الاستراتيجية البحرية لإثيوبيا فحسب، بل يؤثر أيضًا على توازن القوى الإقليمي.وفيما يتعلق بالتوقيت، يثير التصعيد الأخير الحاصل قبالة البحر الأحمر نتيجة تهديد الحوثيين باستهداف السفن المتوجهة إلى إسرائيل علامات استفهام حول ما إذا كانت إسرائيل حاضرة في الاتفاق بشكل غير مباشر. إذ تتمتع إسرائيل بعلاقات جيّدة مع أثيويبا الذي كانت تاريخيا جزءاً من استراتيجية الحزام المحيط بالعالم العربي الإسرائيلية. خلال السنوات الماضية، لم يخف الإسرائيليون دعمهم للتواجد العسكري والاقتصادي الإماراتي في أرض الصومال وتشجيع سياسة مواجهة الحوثيين ومن خلفهم الإيرانيين من هناك.
وتتأثر مصالح إسرائيل في المنطقة بشكل خاص بهذا التطور. فالموقع الاستراتيجي للقرن الأفريقي، وخاصة قربه من مدخل البحر الأحمر، أمر بالغ الأهمية لأمن إسرائيل وتجارتها خاصة في ضوء التهديدات التي يفرضها تزايد النفوذ الإيراني. إن تاريخ إسرائيل من التعاون العسكري والاستخباراتي مع دول مثل أريتريا أيضاً، واهتمامها المتجدد بأفريقيا، يشير إلى نواياها الاستراتيجية في القرن الأفريقي. إن الجولات التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ العام 2016 إلى العديد من البلدان الأفريقية، بما في ذلك تلك الموجودة في القرن الأفريقي، تسلط الضوء على توجه إسرائيل لتعزيز التعاون لاسيما من الناحية الأمنيّة.
وفي هذا السياق، يقدم الاتفاق بين أثيوبيا وأرض الصومال ديناميكيات جديدة في الجغرافيا السياسية الإقليمية، مما يؤثر بشكل مختلف على مصالح إسرائيل ومصر والإمارات العربية المتحدة من بين دول أخرى. وبالنسبة لإسرائيل، فإن هذا الاتفاق يمكن أن يعزز دورها ونفوذها البحري في البحر الأحمر، خاصة في ظل سيطرة الحوثيين بالقرب من المدخل البحري. وقد تزود إسرائيل أيضًا بقدرات استخباراتية معززة لمراقبة التهديدات الإقليمية. علاوة على ذلك، يمكن أن يكون الاتفاق بمثابة كدخل لتحقيق ثقل موازن للنفوذ المتزايد لتركيا وقطر في القرن الأفريقي، علما أنّ لتركيا علاقات مهمّة مع أثيوبيا ومصر أيضاً، وهو ما قد يفتح الباب أمام مزيد من التقارب المصري مع تركيا لموازنة النفوذ الأثيوبي المتزايد في البحر الأحمر.
باختصار، تعد اتفاقية الوصول إلى البحر بين أثيوبيا وأرض الصومال تطوراً محورياً له آثار بعيدة المدى. فهو لا يعيد تعريف الاستراتيجية البحرية لإثيوبيا فحسب، بل يؤثر أيضًا على توازن القوى الإقليمي. ردود الفعل القادمة من الصومال ومصر والجامعة العربية، والفوائد المحتملة لإسرائيل والإمارات، تسلط الضوء على التفاعل المعقد بين المصالح في القرن الأفريقي. ومع تطور المشهد الجيوسياسي، لا شك انّنا سنتابع تداعيات هذا الاتفاق عن كثب في المرحلة المقبلة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أثيوبيا اتفاقية أثيوبيا اتفاقية رأي ارض الصومال مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أثیوبیا وأرض الصومال فی القرن الأفریقی البحر الأحمر أرض الصومال هذا الاتفاق
إقرأ أيضاً:
“أكسيوس”: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
الولايات المتحدة – صرح مسؤولان إسرائيليان كبيران ومسؤولان أمريكيان لموقع “أكسيوس” بأن إسرائيل ولبنان على وشك التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإنهاء النزاع بين تل أبيب وحركة الفصائل اللبنانية.
وقال المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون إن الولايات المتحدة وافقت على منح إسرائيل ضمانات تتضمن “دعما للعمل العسكري الإسرائيلي ضد التهديدات الوشيكة من الأراضي اللبنانية، واتخاذ إجراءات لتعطيل أشياء مثل إعادة تأسيس الوجود العسكري لحركة الفصائل اللبنانية بالقرب من الحدود أو تهريب الأسلحة الثقيلة”، وبموجب الاتفاق، ستتخذ إسرائيل مثل هذا الإجراء بعد التشاور مع الولايات المتحدة وإذا لم يتعامل الجيش اللبناني مع التهديد.
ويتضمن مشروع اتفاق وقف إطلاق النار فترة انتقالية مدتها 60 يوما ينسحب خلالها الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، وينتشر الجيش اللبناني في مناطق قريبة من الحدود وتنقل الفصائل اللبنانية أسلحتها الثقيلة شمال نهر الليطاني، ويتضمن مشروع الاتفاق لجنة إشرافية بقيادة الولايات المتحدة لمراقبة التنفيذ ومعالجة الانتهاكات، وفق ما أفاد موقع “أكسيوس”.
كما سيسمح الاتفاق لمئات الآلاف من المدنيين على جانبي الحدود بالعودة تدريجيا إلى ديارهم.
وأشار المسؤولون إلى إن الاتفاق كان يقترب من الاكتمال يوم الخميس الماضي عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، وجاءت هذه الأنباء بينما كان نتنياهو يلتقي بالمبعوث الأمريكي الخاص آموس هوكشتاين، الذي يتوسط منذ عام بين إسرائيل ولبنان.
وغضب نتنياهو، وازداد غضبه بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن فرنسا ستنفذ حكم المحكمة، وكان ذلك سببا في عرقلة المفاوضات، حيث أراد لبنان أن تكون فرنسا جزءا من لجنة الرقابة لمراقبة تنفيذ الاتفاق، وفق المسؤولين.
وتحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الجمعة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمحاولة حل المشكلة.
وقال مسؤول أمريكي إن بايدن أخبر ماكرون أن نتنياهو محق في غضبه.
وأبلغ ماكرون بايدن أنه يريد المساعدة ولكن “وزارة خارجيته كانت توضح فقط التزاماتها القانونية تجاه المحكمة الجنائية الدولية”، وأصدر الفرنسيون بيانا ثانيا لمحاولة تهدئة التوترات.
ويوم السبت، أرسل هوكشتاين رسالة إلى نتنياهو عبر السفير الإسرائيلي في واشنطن مايك هيرتزوج هدد فيها بالانسحاب كوسيط إذا لم تتحرك إسرائيل نحو التوصل إلى اتفاق في الأيام المقبلة، بحسب مصدر مطلع على الأمر.
وعقد نتنياهو اجتماعا بشأن محادثات وقف إطلاق النار يوم الأحد ضم العديد من كبار الوزراء ورؤساء المخابرات، كما قال المسؤولون الإسرائيليون.
وتم اتخاذ قرار بالتحرك نحو الاتفاق، وفقا لمسؤول إسرائيلي كبير، والذي قال إن الإعلان قد يأتي هذا الأسبوع.
وكشف مسؤول إسرائيلي ثان حضر الاجتماع أن “الاتجاه إيجابي ولكن العديد من القضايا لا تزال دون حل ولم يتم الانتهاء من الصفقة”.
في حين قال مسؤولان أمريكيان كبيران على دراية مباشرة بالقضية إن الطرفين يقتربان من التوصل إلى اتفاق “لكنه لم يكتمل”.
المصدر: “أكسيوس”