حرب اللغات الأهلية لفتح الخرطوم
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
(في سياق الحرب القائمة في يومنا لحيازة الخرطوم أعيد نشر جزء من بحث عنوانه "صفوة البجا: من قيد الاستضعاف إلى القوة" درست فيه حيل أمثال المرحوم أبو هدية، الناشط العظيم لنهضة البجا عن طريق تعليم صبيانهم، ليخرجوا من الضعف للقوة بمكر استثنائي. وقدمت الورقة في الإنجليزية لورشة انعقدت بسنكات في نحو 1990 تناصرت عليها جامعة الخرطوم وجامعة بيرقن النرويجية في مشروع جمع بينهما لدراسة آثار الجفاف والتصحر على مجتمع البجا.
تدور حرب لغوية غير معلنة بين العديد من المجموعات العرقية السودانية لامتلاك الخرطوم، المدينة العاصمة، كوطن أصلي لها دون بقية الجماعات. وتدعي كل من هذه المجموعات أن اسم " الخرطوم " مشتق من لغتها. وتحاول بذلك إثبات أنها الساكن الأصلي لمركز السلطة الوحيد بالبلاد.
لقد اعتبر الناس في الشمال النيلي وغيرهم طويلاً كلمة " الخرطوم" كلمة عربية تعني خرطوم الفيل. ويقال في هذا السياق أن العاصمة القومية سميت " الخرطوم " لأنها مكان التقاء النيلين الأبيض والأزرق وموضع التقائهما يشبه خرطوم الفيل.
ولكن هذا الادعاء العربي يواجه بالاعتراض من جانب الدينكا والنوبة الشمالية. فيقول بعض مثقفي الدينكا إن اسم "خرطوم" هو صيغة محرفة للكلمة الدينكاوية " كيرتوم - Kiertoum " والتي تعني أيضاٌ ملتقى النهرين. وبالإضافة إلى ذلك فإن الدينكا يتتبعون أسماء بعض ضواحي الخرطوم مثل "بري " حتى يصلوا بها إلى أصول دينكاوية. أما النوبة فيصف أحد كتابهم ادعاء الدينكا لاسم " الخرطوم" بأنه " مفهوم خاطئ ولا يعدو أن يكون خيالاً". ويرجح أن "خرطوم " جاءت في الأصل من اللغة النوبية. وتأتي وجاهة هذا الافتراض، فيما يقول محمد إبراهيم أبو سليم، من كون الخرطوم تقع في قلب مملكة النوبة العليا التاريخية، التي كانت عاصمتها سوبا (إحدى ضواحي الخرطوم اليوم). ولم يقدم أبو سليم أي أصل لغوي نوبي محدد للاسم، لكن حسن شكري يرى أنه - أي الاسم - كان في الأصل " أقارتوم - Agartum " وتعني مقر أو مقام أتوم (Atum) إله الخلق عند قدماء المصريين. ويرى شكري أيضاٌ أن اسم توتي - الجزيرة المحاذية للخرطوم - هو تحريف للكلمة المصرية القديمة " توتد Thutid " وتعني حاجب معبد توت - Thut، إله الحكمة.
يخالف البجا كافة الحدوس والاجتهادات آنفة الذكر حول أصل كلمة "خرطوم". فرأى أدروب أوهاج أن الكلمة بجاوية. ويقول إن بعض المجموعات السودانية قد تنجح في رد كلمة "خرطوم" إلى لغاتها المخصوصة. ولكن تبعة البرهان أكبر. وهو يحتم عليها أن تجد أصلاً في لغاتها المختلفة لا لكلمة "خرطوم" وحدها، بل لطائفة كبيرة من اسماء الأماكن الأخرى التي تكتنف العاصمة. ولا يكتفي أدروب في دعم نظريته برد الخرطوم إلى أصل بجاوي، بل يورد جدولاٌ بالأصول البجاوية لأسماء العديد من ضواحي المدينة.
وحسب رؤيته فإن "خرطوم " تحريف لكلمة " هارتوما - Hartouma " البجاوية والتي تعني " اجتماع ". ومن الجلي أن كلمة " اجتماع " قريبة الصلة بـ" ملتقى" الأنهار وهو الأصل في فكرة اسم " خرطوم " في كافة اللغات التي تعرضنا لها. ولكي يتفادى أدروب تأسيس نظريته على مفردة واحدة فقط فهو مشغول ببحث يتتبع فيه الأسماء ذات الصلة بالخرطوم في اللغة البجاوية. ويوضح الجدول التالي ما توصل إليه:
ضاحية الخرطوم الأصل البجاوي المعنى
كرري كاري + ري
كاري = إنسياب، جريان
ري = مجرى مجرى الماء
شمبات شم + بات
شم = قليلاٌ
بات = مائل قليلاٌ إلى جانب (شجرة) مائلة قليلاٌ إلى جانب
توتي توي + تِ + يي حيوان كاسر سواء كان تمساحاٌ أو فرس النهر
بري اللاماب اماب = نوع من الشجر
بر = مكان المكان الذي ينمو فيه شجر الاماب
باقير با + أقير المكان الذي يمنع الماء من الارتداد إلى الوراء
في سياق حرمان البجا من دست السلطة يمكن اعتبار نظرية أدروب عن أصل اسم الخرطوم، بغض النظر عن مدى صحتها، محاولة رمزية لاحتلال سدة السلطان السوداني باللغة. وبرد البجا اسم الخرطوم وما يتصل بها من أماكن إلى لغتهم فإنهم يقيمون الحجة على بعد غورهم في تاريخ البلد. فإذا كان اسم مركز السلطة في البلاد مشتقاٌ من لغتهم فإنهم قمينون، بالتالي، بنصيب عادل من تلك السلطة.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
المسلماني: ترجمة الليث بن سعد وأم كلثوم وليالي الحلمية إلى السواحيلية والهاوسا أكبر اللغات الأفريقية
أطلقت الهيئة الوطنية للإعلام، برئاسة الكاتب أحمد المسلماني، مشروعًا لتعزيز القوة الناعمة المصرية على الصعيد القاري، يبدأ بترجمة مسلسلات وأفلام وبرامج وسهرات تمتلكها الهيئة إلى عدة لغات.
يبدأ المشروع بترجمة مسلسلات الليث بن سعد، وأم كلثوم، وليالي الحلمية إلى اللغة السواحيلية ولغة الهاوسا، وهما أكبر لغتين أفريقيتين؛ حيث تنتشر السواحيلية في شرق القارة بينما تنتشر الهاوسا في غربها.
ومن المقرر عرض المسلسلات بعد ترجمتهما على تليفزيونات الدول الأفريقية الشقيقة، عبر تفعيل آليات التعاون والتبادل القائمة، أو تأسيس آليات جديدة.
يتضمّن المشروع حضورًا للغات الأفريقية على الموقع الموحد للهيئة بعد تطويره، وكذلك إطلاق قناة يوتيوب باسم (ماسبيرو إفريقيا) لعرض عدد من برامج ماسبيرو باللغات الأفريقية.
وقال “المسلماني” في لقائه بمذيعي الإذاعات المصرية الموجهة باللغات الأفريقية: “لقد شهدت السياسة الخارجية المصرية في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي نقلة كبرى باتجاه إفريقيا، وقد عززت زيارت الرئيس للعديد من عواصم القارة العلاقات المصرية الأفريقية، كما عززت رؤية القاهرة لضرورة مكافحة الفقر والتطرف ودعم الأمن والتنمية بالقارة السمراء”.
وأضاف: “ستعمل الهيئة الوطنية للإعلام بالتعاون مع المؤسسات الثقافية والإعلامية ذات الصلة، على توسيع مساحة الوجود الفكري والفني المصري في إفريقيا، وعدم ترك الساحة لتنفرد بها قوى من خارج القارة”.
وتابع رئيس الهيئة الوطنية للإعلام: “إن سياسة الدولة المصرية ورؤية القيادة السياسية، هي دعم القيم التاريخية للقارة من التحرر الوطني والاستقلال، إلى مواجة الإرهاب والصراعات الأهلية، وقد اخترنا البدء بمسلسلات تغطي مجالات ثلاثة كبرى، لإعطاء صورة متكاملة للدين والفن والمجتمع، إذ يمثل مسلسل الإمام الليث بن سعد سيرة إمام أهل مصر، ورمز المعرفة والمواطنة، الذي قال عنه الإمام الشافعي إن الليث أفقه من مالك”.
وقالت الهيئة إن مسلسل أم كلثوم، يمثّل قصة حياة أشهر أساطير الفن على مستوى الشرق، بينما تقدم رائعة أنعام محمد على وإسماعيل عبد الحافظ (ليالي الحلمية) لوحة كبرى لحقبة مهمة من تاريخ مصر المعاصر.
وسوف يضم الاجتماع القادم أساتذة اللغة السواحلية والهاوسا بالجامعات المصرية مع مذيعي اللغات الأفريقية بماسبيرو، وذلك من أجل وضع خطة عمل وجدول زمني لبدء ترجمة الروائع الثلاث.