مليشيات الجنجويد (الدعم السريع) تاني وتالت ورابع
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
حدثتني شقيقتي عما ألم بها و بقية الأسرة من المعاناة و الألام الممتدة جرآء تعاملاتهم/إحتكاكاتهم مع جنود مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) الذين إقتحموا البيوت في مدينتنا ، مدينة ود مدني السني ، و روعوا ساكنيها...
و قد عجزت شقيقتي تماماً عن وصف ما أصابهم من الخوف و الرعب و الألام جرآء الممارسات الإرهابية و الغير أخلاقية من قبل أفراد مليشيات الجنجويد المتعطشين إلى الإرهاب و الترويع و القتل و النهب و هتك الأعراض ، و ذكرت أنها و في مرحلة من مراحل التجربة القاسية و عند مواجهتها أفراد من المليشيات فقدت المقدرة على النطق جرآء الرعب و من بعد ذلك المقدرة على النوم ، و ذكرت في وصفها العنجهية و الصلف و الغلظة و القسوة و الفظاظة التي يتمتع بها أفراد المليشيات ، و كيف أنهم كانوا يتلذذون بإخافتهم للناس و إرهابهم لهم بأحاديثهم الفظة و صراخهم في الوجوه و هم يقتحمون الأبواب يضربونها في عنف بأعقاب البنادق و يطلقون عليها و العربات (السيارات) الموجودة وابل الطلقات السريعة من بنادقهم الأوتوماتيكية ، و كيف أنهم يتلذذون بإطلاق زخات الرصاص تحت أقدام الرجال أثنآء عمليات الإستجواب و الإستفسار عن أماكن الأشيآء و السيارات و الأموال و المقتنيات و مواقع البنوك!!!.
و أكثر ما ألمني و أقلقني من الوصف هو ما أصاب الكثير من الأطفال في العآئلة من الخوف و الهلع بسبب تصرفات و سلوك أفراد مليشيات الجنجويد ، و كيف أنهم أصبحوا يرتعدون و يصيحون و يبكون لمجرد رؤية أفراد المليشيات المسلحين في عماماتهم الضخمة المسماة الكَادَمُول ، أو حين سماع أحاديثهم و صراخهم بلهجاتهم/ألسنتهم المميزة!!!...
و ما زالت شقيقتي و بقية عآئلتي هآئمين حول البقاع يبحثون عن الملجأ الآمن و عن الطمأنينة التي تعيد إليهم إمكانية النوم الخالي من الكوابيس ، أما أنا القابع في المهجر البعيد فقد ظلت نفسي و أنفس أخرى عزيزة تشاركني المسكن و الجينات حآئرين تخالجنا أحاسيس هي خليط من: العجز و الخيبة و الألم و الحزن و الكآبة و الغضب و الحنق و الغيظ و الإكتئاب ، و ما انفكت الأنفس الحآئرة تبحث عن ملجأ يعيد إليها الطمأنينة المفقودة ، و قد عجز الصمت و نوبات من البكآء عن إزاحة الأحزان و الكآبة و الألام و الأحاسيس الغير إيجابية التي سكنت الأنفس و القلوب و الأفئدة...
و لم تكن الإعتقادات و المعرفة السابقة عن مليشيات الجنجويد ، و أنهم جماعات من قاطعي الطريق (الرَّبَّاطَة) ، و أنهم يفتقرون إلى جميع أساسيات الأخلاق و القيم التي تميز بني الإنسان عن بقية المخلوقات ، في حوجة إلى وصف شقيقتي حتى تزداد رسوخاً ، و لقد تأكد من سلوكيات المليشيات أنهم لم يعايشوا مرحلة (الأَنسَنَة) التي تنقل المخلوقات البشرية إلى مرحلة الإنسان الذي يعقلُ و يعي و تتراكم لديه العلوم و المعارف و المعتقدات و القيم التي تضبط تصرفاته و سلوكه ، و أن الأوصاف المتعارف عليها مثل القتلة و الأوباش و الهمج و الرعاع و المتوحشين لا تنطبق عليهم لأنهم أسوأ من ذلك بدرجات عديدة و مراحل ، و أنه لا يمكن وصفهم بالشياطين ، و ذلك لأن الشياطين تغوي و تقعد الصراط المستقيم لكنها لا تقتل ، و أنه من الجآئر وصفهم بالمخلوقات الشرسة مثل الضواري و الكواسر و الجوارح ، و ذلك لأن هذه المخلوقات لا تقتل إلا عند الحوجة إلى الغذآء ، و لا تسبب الأذى للآخرين إلا دفاعاً أو حمايةً ، و ليس لذةً أو شهوةً كما تفعل أفراد مليشيات الجنجويد...
و لقد تأكد يقيناً أن كثيرين من أفراد مليشيات الجنجويد يحملون في دواخلهم مقادير عظيمة من الأحقاد و الأضغان ضد ساكني الوسط و الشريط النيلي و ضد جماعات الزُّرقَة (الأعراق الأفريقية) و كل مظاهر المدنية لا يمكن وصفها أو تحديد مقاديرها ، و أن الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و آخرون قد خلقوا للمليشيات الغطآء القانوني و السياسي و التسليح اللازم حتى يتمكنوا من توظيف مقدراتهم/ملكاتهم الشريرة في ممارسة مهنتهم/حرفتهم/متعتهم الأساسية في: القتل و السلب و الإغتصاب و قطع الطريق على أعنف و أفظع و أتم وجه ، هذا إلى جانب إحداث أقصى درجات الدمار و الخراب و الرعب في كل البلدات التي يمرون عليها...
و لقد ترسخ أيضاً أن الحرب الدآئرة الآن في بلاد السودان ، و التي أزكى نيرانها قآئد مليشيات الجنجويد المدعو محمد حمدان دقلو الملقب بـ(حِمِيدتِي) ، لم تنشب للأسباب التي ذكرها و رمى فيها جميع/كل اللوم على شركآءه في الجرم جماعة الإخوان المتأسلمين (الكيزان) الطامحين في العودة إلى سدة الحكم ، و أن الإنتهاكات لم يرتكبها متفلتون بل غالبية أفراد مليشياته (الجنجويد/الدعم السريع) التي أدمنت القتل و النهب و الإغتصاب ، و أن حميدتي الطامع في الأمارة و المتطلع إلى الحكم ، و منذ أمدٍ بعيدٍ ، قد أدمن/إمتهن الكذب في المنابر و المحافل ، و أنه قد إنطلق في أرجآء القارة الأفريقية ، و يداه متلطختان بدمآء السودانيين ، يكذب و يتحدث تقيةً عن السلام و الحرية و الديمقراطية و العدالة و الدولة المدنية!!! ، و أنه قد وجد الترحيب و القبول ، مما يعطي الإنطباع أن دهاليز السياسة و الحكم و القضآء في القارة الأفريقية أحياناً/كثيراً ما تغض الطرف عن التطهير العرقي و الإبادات الجماعية و إنتهاكات حقوق الإنسان!!!...
و لقد ترسخ و تأكد أن لا مجال أو مقام لأغلب أفراد مليشيات الجنجويد في سودان ما بعد الحرب ، و ذلك لأنهم قد تجاوزوا مرحلة إعادة التأهيل و الإصلاح ، و لا يبدوا حالياً أن هنالك مجال/إستطاعة/مقدرة لإخضاعهم للمحاسبة و المسآءلة و المحاكمة و العقاب على ما إرتكبوه من جرآئم ، و يبدوا أن الخيار الوحيد المتاح هو القضآء عليهم ، و يبدوا أن ذلك ممكناً عبر المقاومة الشعبية المنظمة الخالية من تداخلات/مزايدات جماعة الإخوان المتأسلمين (الكيزان) ، و قد يقترح آخرون التدخل الدولي الذي يرى كثيرون ، بل يعتقدون إعتقاداً راسخاً ، أنه أولى خطوات تقسيم بلاد السودان إلى دويلات...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع في دارفور يفقد حاضنته السياسية والاجتماعية ويتفكك إلى عناصره الأولية
مستشار سابق لحميدتي كان ذكر ما معناه أن معركة الفاشر لن تكون بين الجيش والدعم السريع كقوات، لأن القبائل التي تقاتل مع الدعم السريع تفهم المعركة في الخرطوم على أنها ضد الجيش ولكن معركة الفاشر ينظر لها كمعركة بين الزغاوة الرزيقات، أي كقتال قبلي. وبقية القبائل التي تقاتل في الدعم السريع من مسيرية وقبائل جنوب دارفور لا داخل لها في هذا الصراع.
فزع الزرق سيكون فزعا قبليا من عشيرة حميدتي الأقرب. لن تكون معارك شمال دارفور هي معارك الدعم السريع المليشيا التي قاتلت في الخرطوم والجزيرة وسنار. هل يتصور أحد أن شخصا مثل البيشي أو كيكل حينما كان في المليشيا أو أبوشوتال سيذهب للقتال في شمال دارفور؟
نفس الأمر ينطبق على القادة من قبائل دارفور، جلحة أو قجة أو غيرهم.
عندما نقلت المليشيا الحرب إلى دارفور قلت إن الناس هناك لن ينظروا إلى الدعم السريع كقوة شبه نظامية ذات طابع قومي تمثل تطلعات ثورة ديسمبر أو تحالف قوى الإطاري ولكن سينظرون إليها كقبائل، ولا تستطيع المليشيا أن تتجاوز هذا الوضع في دارفور.
في شمال دارفور وبالذات خارج الفاشر، سيقاتل الدعم السريع كفرع من الرزيقات والكل هناك سينظر إلى الحرب على هذا أنها صراع رزريقات وزغاوة، ولا مكان للتوصيفات السياسية. أي أن الدعم السريع في دارفور يفقد حاضنته السياسية والاجتماعية ويتفكك إلى عناصره الأولية.
ولذلك ستسمعهم يتكلمون عن الفزع ولا يطالبون بارسال تعزيزات عسكرية من القيادة المركزية لدعم السريع.
حليم عباس