السفير علي محسن حميد ما إن تنتقل إلى رحمة ربها شخصية عامة يمنية تولت منصبا أو عدة مناصب رفيعة معظم أو طول حياتها حتى يسارع البعض بمنحها صفات لم تتجسد في سلوكها وفي مواقفها وهم بذلك إما يخدعون ذاكرتهم أو يستسهلون توظيف نعوت يمنحونها بالمجان لمن لا يستحقها بوصفهم المتوفي بصفات لم تكن ملموسة في سلوكه ولم تعززها خبرة من تعاملوا معه.
وحرصا على قيمة الكلمة لنحرص على أن لا نخترع أو نسرف في إضفاء نعوت لو سمعها المتوفي في حياته لتوارى خجلا ولقال ” بلاش حنبات” (مشاكل) رجاء لا تورطوني. لأنه يعلم أنها لم تلازم سلوكه السياسي أو إنتاجه الفكري، النثري أو الشعري ، أو مواقفه من كثير من القضايا التي تتطلب التعبير عن موقف وعدم الصمت حيالها. على سبيل المثال عندما تُوفي ضابط في الأمن السياسي قبل عشر سنوات تقريبا وصف ب”المناضل الجسور”، مع أن طبيعة مهنته تتعارض كلية مع هذا السخاء الذي لا يمكن هضمه لأن وظيفة رجل الأمن هي أن يقف في الضفة المضادة لضفة المناضلين ومنها القمع أو التعذيب أو على الأقل النميمة المؤذية المدفوعة الثمن من المال العام .حتى الأمنيين الحزبيين فيما مضى كانوا يتفننون في تعذيب خصومهم الحزبيين. مثلا اعتاد رئيس وحدة محاربة اليسار والقوميين تعذيب بعض خصومه السياسيين حتى الموت وعندما ينتقل هذا الرجل إلى رحمة الله قد يتجنى البعض عليه وعلى الحقيقة ويصفه بالمناضل الجسور. المناضل والمناضل الجسور ثقافة مجانية سادت في عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح وقد أطُلق عليه شخصيا هذين الوصفين وهو منهما براء، وأطلقت ثلاثة نعوت هي ” المناضل الوطني الجسور” على شقيقه، رئيس وحدة الاغتيالات في الأمن المركزي بعد وفاته وهو المتهم بتصفية العقيد ماجد مرشد. ومنطقيا يستحيل في اليمن بالذات حيث الوظيفة العامة ،مغنم صافٍ، الجمع بين منصب رئيس الدولة وحتى منصب وزير وما في حكمه وبين العمل النضالي. قد يكون للفرد إسهاما نضاليا ما في فترة مبكرة من حياته ولكن توليه سلطة ما يضع حدا فاصلا بين مرحلتين من حياته .لقد وُصف رئيس وزراء تداول اليمنيون طويلا عبارة نسبت إليه وهي ” إذا لم نغتنِ في عهد علي عبد الله صالح فلن نغتني أبدا”، وعند عودته من رحلة علاجية عُلقت بأمر من صالح نفسه يافطات كبيرة في محيط مطار صنعاء رحبت به ك”مناضل جسور” وعند وفاته وصِف بالكلمتين ذاتهما. إذا كان النضال مواقف ومواقف فقط، فعلينا ضبط لغتنا ولا نرص بحسن نية أحيانا نعوتا لا صلة لها بحقيقة مواقف من نحب مجاملته بعد وفاته . وينبغي هنا استحضار المواقف النضالية الحقيقية للفقيد ونفصلها كلية عما بعدها التي قد تتضمن شبهة فساد إذا كنا نعني ونعي ما نكتب . على سبيل المثال لا الحصر ماذا كان موقف المتوفي من: ١- حربي ١٩٩٤ ضد الجنوب وصعدة بأهدافهما وتركتهما الكارثية على جميع الصعد ؟. و٢ – هل أعلن موقفا رافضا أو مستنكرا لاغتيالات الاشتراكيين قبل وبعد الوحدة وطرد أكثر من مائة ألف جنوبي من وظائفهم بعد حرب ١٩٩٤؟. و٣ – هل كان له موقف معارض على موافقة الرئيس صالح وشريكيه رئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية على النفاذ النهائي لاتفاقية الطائف لعام ١٩٣٤ ؟. و٤- هل كانت له مواقف علنية ضد الفسادين المالي والإداري والمحسوبية والاستبداد والقمع والاختفاء القسري؟. و٥- هل وقف ضد توريث السلطة للسلالة وفساد حكم الأسرة؟. .ويمكن إضافة قضايا أخرى كموقفه من المواطنة المتساوية وحكم الدستور والقانون والإصرار على كسر عداد الدستور الخ… وكبديهية ليس من حقنا انتقاد من آثر الصمت أو حتى المداهنة لأن ذلك كان اختياره الذي لاحق لأحد التدخل فيه ولكن النقد هنا ينصب على إضفاء صفة المناضل على المهادن والمتواطئ بصمته. ومهما كانت عواطف أي شخص جياشة نحو المتوفي فليس من حقه منحه صفات لم تكن من جنس أفعاله ،كالمناضل، والمناضل الجسور ، والوطني، والرمز، والرمز الوطني الخ…..لأن في هذا امتهانا للكلمة وانتقاصا من تضحيات مناضلين حقيقيين قضوا في صمت وأن المتوفي قضى حياته معارضا ومدافعا عن حقوق الإنسان ومتصديا لانتهاكاتها من قبل السلطة وفاضحا لتزييف السلطة للانتخابات وقمعها للحريات العامة ومتصديا لنهبها المال العام ولفشلها التنموي وأنه في حياته ك” مناضل” أو “مناضل جسور” كان ما إن يغادر السجن حتى يعود إليه وأن السلطة آذته في معيشته وفي وظيفته وأقلقت أمنه وأمن أسرته وأن صوته وصل إلى مسامع منظمات دولية تناصر، عن حق أو عن باطل أو نص نص، حقوق الانسان . تقول مقولة مصرية الصحاب مش بعدد السنين وإنما بعدد المواقف. والموقف هو سيد الموقف والحَكم لهذا وذاك حيا أو ميتا. وأخيرا فإن من حق الشخصية العامة في ظل نظام قمعي أن تحرص على سكينتها و حياتها وأن لا تمارس أي دور معارض ، أو “نضالي” ، وتكتفي بحرصها على نظافة اليد واللسان والقلم . وفي هذه الحالة فما تؤديه في وظيفتها هو واجب لا يستحق ثناء لا في حياتها ولا بعد مماتها لأنها كانت تتقاضى عليه أجر كبير ،مكنها من العيش عيشة رغيدة ومن استخدام سيارة / سيارات فخمة بترو لها ومرتب سائقها وصيانتها من المال العام، وعاشت في بيت كبير وربما في قصر وكانت محروسة في مسكنها بجنود تدفع الدولة مرتباتهم وفي تحركاتها كان جنود الحراسة لا يفارقونها وربما أنها امتلكت أكثر من عقار وأكثر من رصيد مالي وبأكثر من عملة، وإذا مرضت كانت تعالج بالمال العام في الخارج وفي الغالب علمت أولادها أو بناتها بمنح حكومية في جامعات غربية وليست عربية ولم تعان من الفاقة ولا دخلت السجن و عُذّبت فيه بسبب أرائها ومعتقداتها السياسية. إذا كان هذا هو الحال فهي لا تستحق أن توصف بأنها من المناضلين. هذا إذا كنا نريد تجنب الانحراف الثقافي والسياسي وتقويم اعوجاجات لغتنا السياسية وانحياز عواطفنا تحت دافع غير موضوعي. ثقافة المواطن المدني لا تجيز هذه المبالغات المفرطة والضارة التي تعادل عمليات غسيل للسمعة وعلينا أن نمتنع عن إطلاق نعوت مجانية لم يدفع المتوفي أثمانها في حياته. لقد توفي البردوني وهو متحرر من “العاهة النضالية” مع أنه كان مناضلا حقيقيا قبل وبعد الثورة والوحدة ويتذكره الناس كشاعر وطني لم يتزلف للسلطة أو يداهنها أو يصمت على أفعالها وجرائمها. كاتب يمني
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
فی حیاته
إقرأ أيضاً:
أزمة نفسية تقود "استورجي" لإنهاء حياته شنقا في العمرانية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أنهي استورجي حياته شنقا لمروره بأزمة نفسية داخل مسكنه بدائرة قسم شرطة العمرانية بالجيزة.
تلقت غرفة عمليات النجدة بمديرية أمن الجيزة بلاغا بالعثور علي جثة استورجي مشنوق داخل مسكنه بدائرة قسم شرطة العمرانية، وعلى الفور انتقلت الأجهزة الأمنية إلي محل البلاغ بالفحص تبين العثور علي جثة استورجي مشنوق ومدلي بحبل مربوط نهايته بجنش المروحة
بعمل التحريات تبين أن المتوفي أقدم علي إنهاء حياته لمروره بأزمة نفسية ولم تتهم أسرته أحد بالتسبب في ذلك ونفت وجود شبهة جنائية في الواقعة وتم نقل الجثة إلي ثلاجة المستشفى تحت تصرف النيابة العامة.
تم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة حيال الواقعة وتولت النيابة العامة مباشرة التحقيقات.