#الغرب و #ديمقراطية_الوحوش!
د. #فيصل_القاسم
لا شك أن كثيرين فوجئوا، وربما أصيبوا بصدمة كبرى، وهم يرون ما يسمى بالدول الديمقراطية الغربية، التي تتشدق بالعدالة وحقوق الإنسان ليل نهار، وهي تدعم الهجوم الإسرائيلي على غزة عسكرياً وإعلامياً وسياسياً بكل فجاجة، وتبارك حتى القتل والتجويع والتنكيل بالفلسطينيين، وتضرب عرض الحائط بكل مبادئها الديمقراطية والإنسانية المزعومة.
لقد قالها الروائي الروسي الشهير تولوستوي ذات يوم: «إن المتحضرين المزعومين هم أعتى وأسوأ السفاحين والقتلة على مدى التاريخ». وطبعاً يقصد الغرب الذي يرفع شعارات الحرية والأخوة والمساواة والحضارة وحقوق الإنسان، لكنه أكبر منتهك لتلك الشعارات مع الشعوب الأخرى. ألم تروا ما فعله المستعمر الغربي (الهمجي المتحضر) مع شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية؟ يكفي أن تتذكروا فقط أن أمريكا لوحدها قتلت أكثر من مئة مليون هندي أحمر وأقامت امبراطوريتها الحالية على جماجمهم. لكن هذا لا ينفي مطلقاً أن الغرب يبقى ديمقراطياً حتى النخاع داخل بلاده ودائرة مصالحه الخاصة.
صحيح أن المستعمر البريطاني مثلا مارس أبشع أنواع العنصرية في تعامله مع الشعوب التي استعمرها. ولا أحد يستطيع أن ينكر جرائم الاستعمار الغربي من فرنسي وبرتغالي وهولندي وألماني في أفريقيا، فقد كان ذلك الاستعمار ساقطاً بكل المقاييس. لكن يجب ألا ننسى أيضاً أن المستعمر اللعين كان غاية في اللطف والتعامل مع مواطنيه داخل بلاده ومع حلفائه المقربين، فقد كان يستعبد الآخرين ويقتلهم ويمتهن كراماتهم، وينهب خيراتهم من أجل شعوبه وأوطانه ومصالحه.
وإذا نظرنا إلى واقع العلاقات الدولية الحالية نرى أنها لا تختلف بأي حال من الأحوال عما كان عليه الوضع أيام الاستعمار القديم، فالغرب يتصرف الآن مع بقية دول العالم بنفس الطريقة البشعة التي كان يتصرف بها المستعمر مع مستعمراته، فلم يتردد المخطط الاستراتيجي الأمريكي الشهير بريجنسكي ذات مرة في وصفنا ووصف بعض المناطق الآسيوية بأننا ننتمي إلى فئة البرابرة. ولا ننسى أن مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل وصف أوروبا قبل فترة «بالحديقة الغنّاء التي يجب أن نحميها من المتوحشين خارجها».
متى يا ترى كان الغرب ديمقراطياً أو محترماً لحقوق الإنسان والإنسانية أصلاً خارج حدود بلاده ودوائر نفوذه ومصالحه الخاصة؟
مقالات ذات صلة قادة الخير وقادة الشر 2024/01/05وقد يتساءل البعض حائرين من هذه الازدواجية الصارخة في طريقة التعامل الغربي مع الداخل والخارج. كيف يمكن أن يكون الزعماء الغربيون ديمقراطيين ومتسامحين مع مواطنيهم وكل من يدور في فلكهم إلى أقصى درجة ويطبقون المعايير الديمقراطية بحذافيرها من احترام للحريات ومراعاة للحقوق، بينما يدوسون في الوقت نفسه على كرامات وحريات وحقوق الشعوب الأخرى بطريقة مهينة للغاية دون أي تردد أو وخز للضمير؟ لماذا يخشى الزعيم الغربي من مجرد دعوى قضائية بسيطة قد يرفعها مواطن ضد الحكومة، بينما يضرب عرض الحائط بكل الاحتجاجات الدولية الشعبية منها والرسمية ضد سياسة بلده؟ لماذا يلتزم القائد الغربي بأبسط قواعد التصرف مع مواطنيه وحلفائه، بينما ينتهك كل القوانين والأعراف والقيم والنواميس الدولية الأخرى حينما يتعلق الأمر ببلدان وأقوام أخرى؟
لقد حاولت ونقبت كثيراً كي أجد جواباً شافياً لهذه المعضلة الأخلاقية المعقدة، ولعلني نجحت في إيجاد الحل، فقد توصلت إلى نتيجة مفادها أن الزعيم الغربي يتعامل مع شعبه وأقرانه بنفس الطريقة التي يتعامل بها الوحش المفترس في الغابة مع الحيوانات الأخرى. لا شك أنكم شاهدتم كيف يتصرف الأسد والنمر والفهد والضبع والذئب وغيرهم من الحيوانات الكاسرة مع بقية الحيوانات، فالضباع والذئاب والفهود مستعدة أن تصطاد الغزال وحمار الوحش والجواميس وغيرها بكل وحشية كي تأكل وتُطعم أبناءها. إنه لمنظر عجيب أن ترى اللبوة أو النمر يمزق أشلاء الأرانب والغزلان والجواميس، ثم بعد لحظات قليلة تراه يداعب أبناءه الصغار بحنو وعطف ودماثة عز نظيرها، فالحيوانات المفترسة تبدو في غاية الديمقراطية والتسامح مع جرائها والمقربين منها من الحيوانات الضارية الأخرى، لكنها في غاية التسلط والديكتاتورية والوحشية والعدوان والقمع والبطش مع الحيوانات الأخرى. وهكذا الأمر بالنسبة للديمقراطيات الغربية، فهي «بالفطرة الديمقراطية» نعامة مع شعوبها وحلفائها وبيئتها، وعلى الشعوب الأخرى أسود ضارية. ولا ننسى مثلاً أن وزيرة الخارجية الألمانية زعيمة حزب الخضر رفضت هدم عمارة وبناء مستشفى مكانها في إحدى المدن الألمانية حفاظاً على حياة مجموعة من الخفافيش، لكنها في الآن ذاته كانت تدعم الهجوم الإسرائيلي على غزة بقوة.
بعبارة أخرى، فإن الديمقراطية تبقى شأنا مصلحياً داخلياً خاصاً في مجتمعي الإنسان والحيوان، ولا ديمقراطية أبداً في العلاقات الخارجية أو الدولية. لكن الأمر معكوس في العالم العربي، فالزعيم العربي أكثر ديمقراطية مع الخارج ألف مرة مما هو مع شعبه، فهو يتواضع ويتسامح ويلين مع الغير، حتى لو باع الوطن أحياناً، أما مع شعبه فهو وحش مفترس يبطش ويقمع ويضطهد ويسحق ويعتقل ويهجّر ويصادر ويدوس الأخضر واليابس، لأنه أصلاً مجرد «سلوقي» صيد منتخب من الصيادين مشغليه في الخارج.
ليت حكامنا ذات يوم يتعلمون أصول الديمقراطية من الحيوانات الكاسرة، فيهتمون بأوطانهم وشعوبهم ويدافعون بأسنانهم عن مصالحهم الوطنية، حتى لو تجنّوا على الآخرين، لكن وا أسفاه، فهم كواسر على شعوبهم وأرانب مع الغير، على عكس كل النواميس الغربية والحيوانية.
كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: فيصل القاسم
إقرأ أيضاً:
الأدب الإماراتي يضيء بلغات أخرى
هزاع أبوالريش
تلعب المؤسسات الثقافية ودور النشر المحلية دوراً رائداً ومتميّزاً في مجال ترجمة الأعمال الأدبية الإماراتية إلى اللغات الأخرى، وهو ما يسهم في تقديم المنتج الإبداعي للعالم، ويرسّخ حضور المبدع الإماراتي على الساحة العالمية. كما أن الترجمة تبنى جسور التواصل مع الثقافات الأخرى، وطالما ساهمت في إثراء الحضارات الإنسانية عبر التاريخ.
بداية تقول شيخة عبدالله المطيري، رئيس قسم الثقافة الوطنية، بمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث: «تبسط المكتبات أرففها أمام ما يصلها من نتاج معرفي وثقافي من أقلام اللغات الأم، لتكون المكان الذي يليق بالعقول المنتجة من أبناء البلد، كما يكتمل عطاؤها حين تجد مساحة رائعة للكتب المترجمة، والتي تحدث التواصل الإنساني بين العالم. ونحن في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث نهتم كثيراً باقتناء الكتب المترجمة من نوادر الإصدارات وما يصدر حديثاً، لذا يتم البحث الدائم عن هذه الترجمات وتوفيرها للباحثين من مرتادي المكتبة. كما يحرص المركز على إقامة الندوات المتخصصة في مجال ترجمة الأدب والعناية بعمل المترجمين وتقديم المنصة الجيدة للتواصل بينهم وبين القارئ».
وتضيف: يحرص المركز كذلك على اقتناء المخطوطات المترجمة من القرون العلمية الأولى ويرفد بها المشتغلين في قطاع البحث من مؤسسات وأفراد، ويشرك المجتمع في هذه المعرفة من خلال إقامة معارض تتحدث عن النتاج المترجم، ويستضيف المركز بشكل دائم الباحثين من أقطار العالم المختلفة على تنوع لغاتهم وثقافاتهم، وذلك بسبب وجود المكتبة العالمية التي توفر لهم ما يبحثون عنه.
مبادرات وطنية
من جانبه يقول محمد أحمد صبري، مترجم ومحرر صحفي، تحظى مهنة الترجمة باهتمام كبير في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتلعب العديد من المؤسسات الثقافية دوراً محورياً في هذا المجال، حيث تعمل على إثراء الثقافة العربية بترجمات أدبية إماراتية لها قيمتها الفكرية التي تستحق الإطلاع عليها ومتابعتها من مختلف الدول الأخرى. وهناك العديد من المؤسسات والجهات الحكومية التي لديها مبادرات مميزة في ترجمة الأعمال الإماراتية إلى اللغات الأخرى، حيث يترجم سنوياً مئات الأعمال الأدبية الإماراتية إلى اللغات الأخرى، وتأتي هذه المبادرات الوطنية كفرصة من أفضل الممارسات في مجال الترجمة الأدبية. ومن بين الجهات الفاعلة أيضاً في مجالات أخرى، ما يقوم به مركز الترجمة في أكاديمية سيف بن زايد للعلوم الشرطية والأمنية في إثراء مهنة الترجمة التخصصية في أحدث المجالات العلمية والأمنية، مما تعكس هذه الجهود التزام الإمارات بنقل التراث الأدبي والفكري إلى القارئ العربي، وإلى العالم، حيث يسهم في بناء جسور ثقافية بين الشعوب، بما يرسخ ذلك المكانة الثقافية لدولة الإمارات على الصعيد العالمي.
ويرى الشاعر الدكتور طلال سعيد الجنيبي، أن دولة الإمارات العربية المتحدة تزخر بالعديد من الجهات التي تعتني بمسألة الترجمة، والجدير بالذكر أن الترجمة تمثل جسراً معرفياً ما بين الإبداع بلغته الأصلية وما بين العالم الذي نفتح عليه، والجدل القائم الذي لم ينتهي، إن كان الشعر خيانة للنص الأصلي أو كان إيصالاً لأفكارها ومضمون ما تحتويه، ولكن يبقى أن للترجمة رؤية مختلفة نسعى من خلالها إلى نقل مضامين وفكر وإبداع مجتمع ومبدعين يمثلون هذه الثقافة المعنية. وفي الإمارات نقف على الكثير من الجهات التي تعتني بالأعمال الأدبية الإماراتية وترجمتها والاحتفاء بالأدباء والمثقفين في المحافل الدولية لتوقيع إصداراتهم الأدبية المترجمة إلى اللغات الأخرى، وهذا ما يشجع المبدع لأن ينتج ويبدع ويستمر في الوهج والتألق الفكري لأنه يشعر من خلال هذا الاحتفاء بأن إصداره الأدبي وصل إلى الآخر ولامس فكره، ورسالته الأدبية اجتازت وطنه وتعدّت محيطه لتستقر بمكانٍ آخر، وحاز على شريحة أوسع من الجمهور ونطاق أبعد من نطاقه المحلي، فكل ذلك يصب في قيمة الأدب المحلي وثيمة الجهود المبذولة لخدمة الإبداع الإماراتي ووصوله إلى الآخر.