مجدداً توعده بالرد على اغتيال العاروري.. نصر الله: أمامنا فرصة تاريخية لتحرير كل شبر من لبنان والمنطقة من الاحتلال الأمريكي
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
الجديد برس:
جدد الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الجمعة، تأكيده أن استهداف الاحتلال الإسرائيلي، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد القائد صالح العاروري في بيروت، هو “خرق كبير وخطير”.
وشدد حسن نصر الله، في ذكرى مرور أسبوع على رحيل النائب اللبناني السابق، والمعاون التنفيذي للأمين العام لحزب الله، محمد حسن ياغي، على أن “قتل الشيخ صالح العاروري قطعاً لن يكون بلا رد أو عقاب”، مؤكداً أن الميدان هو الذي يملي الرد، “وهو آتٍ حتماً، ولا يمكننا الصمت حيال ذلك”.
وأضاف أن حزب الله “لا يستطيع أن يسكت على خرق بهذا المستوى من الخطورة، والذي يعني أن لبنان سيصبح مكشوفاً”.
وفي معرض حديثه عن إنجازات الجبهة اللبنانية ضد الاحتلال في الجنوب وهدف فتحها، أكد نصر الله أننا “أمام فرصة تاريخية الآن للتحرير الكامل، لكل شبر من أرضنا، ولتثبيت معادلة تمنع العدو من اختراق سيادة بلدنا”، موضحاً أن “هذه الفرصة فتحتها الجبهة اللبنانية من جديد”.
كذلك، عرض نصر الله، في هذا الإطار، إحصائية عن عمليات حزب الله، ضد مواقع الاحتلال الإسرائيلي ومستعمراته منذ 8 أكتوبر، موعد دخول حزب الله في قتال مع الاحتلال في جنوب لبنان، على امتداد أكثر من 100 كلم.
وفي تفاصيل إحصائية المرحلة الأولى من المعركة، “نفذت المقاومة الإسلامية ما يزيد على 670 عملية خلال 3 أشهر، حيث جرى استهداف 48 موقعاً حدودياً أكثر من مرة”، بحسب نصر الله.
كما “نفذت المقاومة الإسلامية 494 استهدافاً، من بينها 50 نقطة حدودية استُهدفت أكثر من مرة، وأيضاً جرى استهداف التجهيزات الفنية والاستخبارية في كل المواقع المعادية، “والتي تقدر بمئات ملايين الدولارات”.
وأوضح نصر الله أن حزب الله كان “يستهدف أهدافاً عسكرية وضباطاً وجنوداً، وإذا ضرب بيوتاً، فإنما يكون رداً على استهداف المدنيين جنوبي لبنان”.
أما في المرحلة الثانية، فقد “هرب جنود العدو إلى المستعمرات الخالية من السكان، وإلى محيط المواقع، خوفاً من فصائل المقاومة وهجومها على بعض المواقع”، وفق ما أفاد به نصر الله.
وأكد في هذا السياق، أن حزب الله يحصل على معلومات جيدة ودقيقة وصور وأفلام بخصوص تموضعات الاحتلال وتجمعاته، وفق حسن نصر الله، وقد استطاع حزب الله “تدمير عدد كبير من الدبابات والآليات التابعة للعدو، ما جعل الضباط والجنود مختبئين اليوم”.
لكن الاحتلال، “يمارس تكتماً إعلامياً شديداً إزاء قتلاه وجرحاه”، مشيراً إلى أن “الخبراء الإسرائيليين يقولون إن عدد القتلى الحقيقي هو ثلاثة أضعاف ما يعلنه جيش الاحتلال”.
ولفت في هذا الإطار، إلى إحصاء صادر عن وزارة الصحة في كيان الاحتلال، يفيد بأن هناك نحو 2000 إصابة في جبهة الشمال حتى الآن، الأمر الذي دفع أحد وزراء الحرب الإسرائيليين، “إلى وصف ما يجري عند الحدود الجنوبية بأنه إذلال لإسرائيل”.
وبين السيد نصر الله، بناءً على هذه المعطيات، أن “التهجير والتشريد الحاصل، سيشكل ضغطاً سياسياً وأمنياً على حكومة العدو”.
ورداً على السؤال المطروح في الآونة الأخيرة عن “هدف فتح جبهة لبنان، ومحور المقاومة في سوريا والعراق واليمن، الحرب مع الاحتلالين الإسرائيلي والأمريكي”، أجاب نصر الله، بأن الهدف الأول من هذه الجبهات “هو الضغط على حكومة العدو واستنزافه وإيلامه من أجل وقف العدوان على غزة”.
أما الهدف الثاني، للجبهة اللبنانية الجنوبية، فهو “تخفيف الضغط عن الوضع الميداني في غزة”، لافتاً إلى أن “العدو، عندما اضطر إلى سحب الفرق في الأعياد، جاء بفرق من غزة وليس من الجبهة الشمالية”.
وتابع أنه منذ عام 1948، و”إسرائيل” هي التي تهاجم جنوب لبنان، وتعتدي على الناس وعلى الجيش اللبناني وترتكب المجازر، ودائماً ما كان أهل الجنوب يهجرون، “لكن اليوم، المحتل الإسرائيلي هو الذي يهجر”.
وتوجه نصر الله، إلى المستعمرين والمستوطنين في الشمال الذين يصرخون كل يوم، ويخافون ويطالبون حكومة الاحتلال بالحزم العسكري مع لبنان، قائلاً إن ذلك “خيار خاطئ لكم ولحكومتكم، فأول من سيدفع الثمن هو أنتم ومستوطنات الشمال، والحل هو أن تطالبوا بوقف العدوان على غزة”.
كما رد على كلام نتنياهو بشأن ردع حزب الله، و”اختفاء خيمة حزب الله على الحدود اللبنانية”، قائلاً إن هذه “الخيمة صارت من الماضي، أما اليوم فنحن أمام معركة حقيقية تجري”، مضيفاً لنتنياهو: “جنودك مختبئون كالفئران”.
وتوجه نصر الله، في هذا السياق، إلى الصامدين في القرى الأمامية، وإلى البيئة التي تدفع الثمن المباشر للمعركة ببيوتها وأرزاقها، قائلاً إن “هذه البيئة هي بيئة صابرة مُحتسبة وصاحبة بصيرة، وتعلم ماذا تعني هذه المعركة”.
وأضاف: “يا أهلنا في الجنوب، لو كان قدر للعدو أن يهزم المقاومة في غزة ويهجر أهلها، لكانت النوبة بعد غزة في جنوب لبنان، وتحديداً في جنوبي الليطاني، وأنتم الذين كسرتم أطماعه”.
العراق أمام فرصة للتخلص من الاحتلال الأمريكيكذلك، تطرق نصر الله إلى العمليات العسكرية للمقاومة العراقية، مؤكداً أن سببها الحقيقي “هو إسناد غزة”، فيما “الإدارة الأمريكية قلقة منها، في وقتٍ تواجه مأزقاً في أوكرانيا”.
وأضاف أن “الولايات المتحدة أمام هزيمة استراتيجية كبرى في أوكرانيا، وهي لا تريد توسعة الحرب في المنطقة”.
وبحسب نصر الله، فإن “من بركات قيام المقاومة الإسلامية في العراق، في فتح جبهتها نصرةً لغزة، أن العراق أمام فرصة حقيقية للتخلص من المحتل الأمريكي”.
وبيّن أن اليوم، هناك فرصة تاريخية أمام الحكومة العراقية ومجلس النواب والشعب العراقي، “ليُغادر المحتلون والقتلة الذين سفكوا دماء العراقيين والإيرانيين وشعوب المنطقة”.
وأكد أن العراق لا يحتاج إلى الأمريكيين لقتال “داعش”، “فهم الذين يرعونه اليوم في سوريا أيضاً”.
وتوجه نصر الله في السياق، إلى “العراق ومرجعيته والحشد الشعبي وحركة النجباء بالتعزية بالشهيد القائد في الحشد الشعبي أبو تقوى السعيدي، الذي ارتقى أمس (الخميس)، رفقة شهيد آخر، من جراء عدوان أمريكي على مقر الحشد الشعبي في بغداد، بينما أُصيب 6 أشخاص”.
اليمن أصبح جزءاً من المعادلة الدوليةكذلك، تحدث الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عن جبهة اليمن، قائلاً إن “الأنظمة الساكتة والمتخاذلة، بُغتت بما فعله اليمنيون في البحر الأحمر”.
وأضاف أنه من البركات الوطنية، أن حكومة صنعاء “لم تعُد فئة داخلية، بل أصبحت جزءاً من المعادلة الدولية التي يقف العالم أمامها على رجل ونص”.
ووفق نصر الله، فإن “رسالة اليمن اليوم هي رسالة للولايات المتحدة، مفادها أنها لا تواجه حركة أنصار الله، بل عشرات الملايين من الشعب اليمني الذي كل تاريخه إلحاق الهزائم بالمعتدين”.
ورأى حسن نصر الله أن “اليمن يزداد عزاً في العالمين العربي والإسلامي، وفي عيون أصدقائه وأعدائه، من خلال اتخاذ موقفه من غزة”.
كما شدد في هذا الإطار، على أن “من يقلل من شأن أعمال محور المقاومة اليوم، هم الذين لم يقدموا شيئاً منذ بدء العدوان على غزة”، تغطيةً لتخاذلهم.
وفي معرض حديثه عن الفقيد محمد حسن ياغي “أبو سليم”، أوضح نصر الله، أن ياغي كان “ثائراً وفاعلاً في منطقته ومحيطه ابتداءً من بعلبك”، مشيراً إلى أن “ملهمه الأول كان سماحة السيد موسى الصدر”.
وأضاف: “عملنا معاً لأكثر من 40 سنة، وتقدمنا في تحمل المسؤولية، إذ كان قدرنا أن نكون ونعمل معاً في بدايات حزب الله في البقاع، عندما تأسست قيادة منطقة البقاع”.
وأكد نصر الله أن الحاج أبو سليم، كان متمسكاً وسائراً في “مسير الإمام موسى الصدر والسيد عباس الموسوي والسيد محمد باقر الصدر، والذي يوصل إلى قيادة الإمام الخميني التاريخية”.
كما شدد على أنه كان “مُعاوناً ومُعيناً وسنداً ومُساعداً وحاضراً لأداء التكليف، في أي من المواقع على طول هذه المسيرة، بحيث إن بصيرته أنتجت هذا الثبات”.
وبيّن نصر الله أيضاً أن “حضور أبو سليم كان كبيراً، فأغلب شبابه وعمره قضاه في خدمة البقاع وأهله، الذين يستحقون كل هذا الوفاء منه”.
وأيضاً، توجه نصر الله إلى عوائل شهداء المقاومة الإسلامية (حزب الله) قائلاً: “ما أتمناه وأرجوه، لولا ظروفي الأمنية، هو أن أقف إلى جانبكم وأن أقبل أيديكم وجباهكم”.
كما توجه إلى المقاتلين، في الجبهة الجنوبية في ظل ظروف صعبة، بالتحية والتقدير والتكريم والدعاء لهم بالثبات والنصر، وأن يسدد الله رميتهم، وأن يوفقهم ليصنعوا بدمائهم وسهر الليالي وتعب الأيام، “هذا النصر للبنان وفلسطين وكل الأمة”.
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: المقاومة الإسلامیة حسن نصر الله نصر الله أن حزب الله فی هذا
إقرأ أيضاً:
تحرير البلدات الحدودية اللبنانية وبطولات المُقاومين
د. هيثم مزاحم **
انسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي أخيرًا من البلدات الحدودية في جنوب لبنان تنفيذًا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع بين لبنان والكيان الإسرائيلي برعاية أمريكية– فرنسية في 26 نوفمبر 2024، برغم تمديده لمهلة الستين يومًا لـ22 يومًا أخرى.
وعلى الفور، عاد السكان إلى بلداتهم، الوزاني والعديسة وكفركلا ومركبا وحولا وميس الجبل وبليدا ويارون وعيتا الشعب ومارون الراس ومحيبيب، بلدات شهدت أساطير من البطولة والصمود والفداء سطّرها أبطال وشهداء المقاومة الإسلامية، بلدات ستكتب قصصًا كثيرة من الإيثار والتضحية والكرامة والتمسّك بهذه الأرض المباركة، جارة فلسطين والمسجد الأقصى الذي بارك الله تعالى من حوله. بلدات هي جزء من الجليل الذي عاش فيه السيد المسيح عليه السلام ونشر دعوته فيه بعدما رفضه أحبار اليهود في القدس والضفة الغربية.
بعد أكثر من عام من خروجهم منها، عاد أبناء هذه البلدات مجددًا الثلاثاء بعدما كانوا تعرضوا لإطلاق النار من العدو الإسرائيلي واستشهد وجرح منهم العشرات عندما عادوا في 26 يناير الماضي عند انتهاء مهلة الستين يومًا.
عاد سكان هذه البلدات الحدودية الـ11، ليجدوا منازلهم ركامًا فوق ركام، ويعاينوا الدمار المُتعمَّد الذي نفذته قوات الاحتلال الإسرائيلي مرة بالغارات الجوية بمئات الأطنان من القذائف والصواريخ، ومرة بالتفجير والتجريف للمنازل والمنشآت والطرقات، بعدما احتل العدو هذه القرى بالمكر والخداع، بعد انسحاب المقاومين؛ تنفيذًا لاتفاق وقف إطلاق النار، في خرق فاضح للاتفاق، في ظل صمت لجنة المراقبة الدولية المعنية بالإشراف على تطبيق الاتفاق.
لقد صمد مقاومو "حزب الله" 65 يومًا في هذه البلدات الحدودية ومنعوا جيش الاحتلال الإسرائيلي من دخول هذه البلدات وارتقى منهم آلاف الشهداء؛ حيث لا يزال مئات الشهداء تحت الأنقاض وبعضهم لم يبق منه أثر نتيجة أطنان المتفجرات التي قصفت بها هذه البلدات. وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية معلنة بعد بعدد شهداء المقاومة في هذه المعركة المجيدة، جبهة إسناد غزة، لكن يروي البعض بأن كل بلدة من بلدات الجنوب اللبناني، وخاصة البلدات الحدودية مع فلسطين المحتلة، قد شهدت ارتقاء عشرات الشهداء من المقاومين، فضلًا عن آلاف الشهداء المدنيين في المدن والبلدات في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت وحتى في العاصمة بيروت وجبل لبنان.
على سبيل المثال، بلدة عيترون الحدودية التي تحررت من الاحتلال قبل نحو أسبوعين، ارتقى 84 شهيدًا من أبنائها خلال الأشهر الأخيرة للعدوان الإسرائيلي.
لكن فرحة التحرير نغّصها بقاء جيش الاحتلال في 5 تلال استراتيجية داخل المناطق اللبنانية، وهو ما رفضه لبنان واعتبره استمرارًا للاحتلال وخرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار والقرار الأممي 1701، الذي بدا أنه يتم تنفيذه من طرف واحد، نتيجة الانتهاكات الإسرائيلية اليومية بالتوغلات والغارات والاغتيالات وتفجير وحرق المنازل والمتاجر والمساجد وجرف الطرقات والبساتين والمقابر واقتلاع الأشجار.
إنَّ استمرار الاحتلال في التوغل في البلدات الحدودية وتفجيره المنازل والمباني وجرف الطرق، هدفه جعل الحياة مستحيلة في هذه البلدات، وخلق منطقة عازلة بين جنوب لبنان والمستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة. وهذا ما سيجعل إعادة إعمار هذه البلدات والقرى تحديًا كبيرًا أمام لبنان حكومةً وجيشًا وشعبًا ومقاومة؛ إذ لا تزال قوات الاحتلال متمركزة في 7 نقاط داخل الأراضي اللبنانية وتمنع الأهالي من الاقتراب من السياج الشائك مع فلسطين المحتلة.
الحكومة اللبنانية الجديدة تريد اعتماد الطرق الدبلوماسية من أجل تحرير باقي الأراضي المحتلة، سواء عبر لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، أو عبر شكوى لمجلس الأمن راعي القرار 1701. أما "حزب الله" فهو يمنح فرصة كافية للحكومة كي تُجرِّب الوسائل الدبلوماسية لتحرير بقية الأراضي ووقف الانتهاكات الإسرائيلية التي جعلت وقف إطلاق النار من جانب واحد. فإسرائيل احتلت البلدات الحدودية بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وانسحاب مقاتلي "حزب الله" من جنوب الليطاني تنفيذًا للقرار 1701، واستمرت في التوغلات وتفجير المنازل وتدميرها حتى يوم أمس، على مدى 3 أشهر، بحيث فاق التدمير خلال فترة وقف النار ما دمره الاحتلال خلال 13 شهرًا من الحرب.
وواصلت إسرائيل غاراتها على عدد من المنازل والمواقع في مناطق لبنانية خارج جنوب الليطاني في الجنوب والبقاع، ونفذت عمليات اغتيال لمقاومين في شمال نهر الليطاني وصولًا إلى اغتيال المسؤول العسكري لحركة حماس في لبنان، محمد شاهين، بغارة بواسطة مسيّرة في مدينة صيدا التي تبعد نحو 60 كيلومترًا عن الحدود مع فلسطين، فضلًا عن الغارات على مواقع في عمق البقاع اللبناني وعلى الحدود مع سوريا، تزعم إسرائيل أنها مخازن أسلحة لحزب الله.
لا شك أن "حزب الله" يُراقب هذه الخروقات بينما يُعيد تنظيم نفسه، وهو مشغول حاليًا بمسألة إيواء النازحين الذين دُمِّرت منازلهم وتعويض من تضررت منازلهم، والتحضير لإعادة الإعمار، وكذلك الإعداد لتشييع أمينه العام الشهيد السيد حسن نصرالله، وخليفته الشهيد السيد هاشم صفي الدين، يوم الأحد المقبل 23 فبراير الجاري.
ويرى البعض أن قرار المقاومة بكيفية التعاطي مع استمرار احتلال التلال الخمس والانتهاكات والاغتيالات والغارات الصهيونية، مؤجّل إلى ما بعد تشييع الشهيدين الأحد المقبل، لكنني أعتقد أن "حزب الله" سيصبر لفترة أطول ويمنح رئيس الجمهورية المنتخب جوزيف عون وحكومة نواف سلام التي لم تحصل على ثقة مجلس النواب بعد، فرصة كافية لتحقيق تحرير الأرض المحتلة ووقف الانتهاكات عبر الدبلوماسية إذ اتفق عون وسلام ورئيس البرلمان نبيه برّي، بعد اجتماعٍ طارئ في قصر بعبدا، على "التوجّه إلى مجلس الأمن الدوليّ الذي أقرّ القرار 1701، لمطالبته باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الخروقات الإسرائيليّة وإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوريّ حتّى الحدود الدولية، وفقًا لما يقتضيه القرار الأمميّ والإعلانات ذات الصلة".
وأكد بيان صادر بعد اجتماع الرؤساء الثلاثة على "استكمال العمل والمطالبة، عبر اللجنة التقنية العسكرية للبنان والآلية الثلاثية اللتين نصّ عليهما إعلان 27 نوفمبر 2024، من أجل تطبيق الإعلان كاملًا". كما دعا إلى "متابعة التفاوض مع لجنة المراقبة الدولية والصليب الأحمر الدولي لتحرير الأسرى اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل".
وأكّد بيان بعبدا على "تمسّك الدولة اللبنانية بحقوقها الوطنية كاملة، وسيادتها على كامل أراضيها، والتأكيد على حقّ لبنان في اعتماد كل الوسائل اللازمة لضمان انسحاب العدو الإسرائيليّ"، في إشارة إلى ترك خيار المقاومة الشعبية المدنية والمقاومة العسكرية متاحًا أمام لبنان كورقة قوة لإلزام الاحتلال بالانسحاب وتنفيذ القرار 1701 ووقف خروقاته.
إلّا أن خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي، مجرم الحرب المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية، بنيامين نتنياهو، تقوم على الضغط العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي على لبنان، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل قيام الحكومة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله، في محاولة لخلق فتنة بين الجيش اللبناني والمقاومة، تحت طائلة بقاء قوات الاحتلال في النقاط المحتلة واستهدافه لمواقع ومقاومي "حزب الله"؛ بل إن التهديدات الإسرائيلية طالت مطار بيروت الدولي؛ حيث أنذرت لبنان بأنها ستستهدف المطار في حال هبوط طائرات ركاب مدنية إيرانية في المطار، بذريعة أنها قد تنقل أموالًا إلى "حزب الله" لتمويل إعادة إعمار المباني والمنازل المُدمَّرة والمُتضرِّرة.
وقد رضخت حكومة لبنان لهذه التهديدات، التي نقلتها السفارة الأمريكية في بيروت، خوفًا على سلامة المطار والمسافرين والعاملين فيه وكذلك ركاب الطائرات الإيرانية، ما أدى إلى تعليق الرحلات الجوية لطائرات إيرانية كان يفترض أن تنقل زوارًا لبنانيين للمقامات الدينية في إيران؛ حيث باتوا عالقين في مطار طهران؛ الأمر الذي استدعى تظاهرات لمؤيدي "حزب الله" أقفلت الطريق إلى مطار بيروت لساعات عديدة، مُطالبين بالسماح للطائرات الإيرانية بالهبوط ورافضين الإملاءات الإسرائيلية التي تنتهك السيادة اللبنانية. لكن هذه المشكلة المُستعصِية الحل تزيد الضغوط على العهد الجديد، الذي تريد الإدارة الأمريكية منه نزع سلاح "حزب الله"، وربط إعادة الإعمار بهذه القضية، وهي مسألة يرفضها "حزب الله" والقوى المؤيدة للمقاومة؛ باعتباره شأنًا لبنانيًا يمكن حلّه داخليًا من خلال الحوار الوطني والتوصل إلى استراتيجية دفاعية يكون فيها للمقاومة دور ضمن سقف قرارات الحكومة اللبنانية بالحرب والسلم وبالتنسيق مع الجيش اللبناني.
ولا شك أن البيان الوزاري للحكومة الجديدة يؤكد على احتكار الدولة للسلاح في جميع الأراضي اللبنانية تطبيقًا لاتفاق الطائف (1989)، الذي استثنى المقاومة الوطنية من نزع سلاح ميليشيات الحرب اللبنانية، حتى تستكمل مهمتها بتحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي. وليس خفيًا على أحد أن التوازنات الإقليمية والمحلية قد اختلت لمصلحة خصوم المقاومة نتيجة الضربة التي تعرضت لها قيادات المقاومة وكوادرها ومخازنها، وسقوط النظام السوري وبالتالي فقدان ممر الأسلحة من إيران إلى لبنان عبر سوريا.
وعليه، فإن هذا الاختلال انعكس في بيان الحكومة وعدم ذكرها للمقاومة فيه بشكل صريح وتأكيده على احتكار الدولة للسلاح وتنفيذ القرار 1701 في إشارة إلى نزع سلاح حزب الله. كما ينعكس اختلال توازن القوى الإقليمي في العربدة الإسرائيلية ضد لبنان وسوريا، دون وجود رادع يردعها، وكذلك في الإملاءات الأمريكية على حكومة لبنان، والذي عبّرت عنها نائبة الموفد الأمريكي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، التي شكرت من القصر الجمهوري اللبناني إسرائيل على هزمها لحزب الله، دون أن يعترضها أحد أو يدين كلامها المذل للبنان والجارح لآلاف العائلات الذين قتلت وجرحت إسرائيل أبناءهم وعشرات آلاف اللبنانيين الذين دمرت منازلهم، وأكثر من مليون لبناني تم تهجيرهم من مناطقهم.
غير أن عودة الأهالي إلى بلداتهم المحررة وتمسكهم الأسطوري بأرضهم، وبحث بعض الآباء والأمهات، وبعضهم جاء من البقاع، عن جثامين أبنائهم الشهداء وآثارهم بين المنازل المدمرة، تشير إلى انتصار البيئة الحاضنة للمقاومة في حرب الإرادات، برغم التضحيات الكبيرة والخسائر الجسيمة. فعلى سبيل المثال، قدمت بلدة ميس الجبل في هذه الحرب ما يزيد على 100 شهيد، معظمهم من المقاومين، ودُمّر نحو 4000 من منازل البلدة، إضافة إلى المساجد والمدارس والمصانع والمحلات والمؤسسات التجارية. لكن أهالي البلدة عازمون على العودة والسكن فيها ولو في الخيام، كما يقولون.
سنحتاج إلى سنوات لتوثيق وكتابة آلاف القصص عن بطولات المقاومين الأسطورية وتضحياتهم في جبهة إسناد غزة، التي دامت 13 شهرًا، فقد استشهد الآلاف منهم داخل البلدات والقرى الحدودية ولم ينسحبوا منها؛ إذ منعوا قوات الاحتلال من دخول معظم هذه البلدات؛ بل بعضهم بقي داخلها حتى بعد احتلالها، فيما كان أهاليهم يظنون أنهم استشهدوا.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان
رابط مختصر