اعتاد حزب الله أن يفعل ما يريد، ويخلق الاستفزازات والتصعيد، ويضغط مراراً وتكراراً ليرى ما هو فعال، لكنه لا يمكنه أن يتقدم إلى ما هو أبعد من ذلك، فلديه الكثير ليخسره في لبنان.

هكذا يخلص تحليل لصحيفة "جيروزاليم بوست"، العبرية في نسختها الإنجليزية، وترجمه "الخليج الجديد"، لافتا إلى أنه طوال التسعين يوما الماضية من الحرب، اعتاد حزب الله على العزف على الكمان، وبدأ مهاجمة شمال إسرائيل، بعد يوم واحد من هجمات حماس على جنوب دولة الاحتلال إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وبينما كانت هناك مخاوف أولية في المنطقة وواشنطن من احتمال تصاعد ذلك، بدا أن حزب الله يفضل هجمات يومية صغيرة على حرب أكبر، ربما تكون حاملة طائرات أمريكية متوقفة في البحر الأبيض المتوسط قد جعلتها تفكر مرتين.

وتتجه حاملة الطائرات هذه الآن بعيداً، مما يسمح لحزب الله بالشعور بقدر أكبر من القوة في قراراته، ويجب أن يصطاد السمك أو يقطع الطعم.

ويقول التحليل: "مشكلة حزب الله هو أنه أصبح كبيراً جداً في السنوات الأخيرة، رغم أنه لا يحتل مساحة كبيرة من لبنان، ويجعل السياسة اللبنانية رهينة فحسب، بل إنه قوي للغاية لدرجة أن إيران تخشى خسارتها في حرب، مثل قطعة متقدمة على رقعة الشطرنج، حيث تستمر في إرسال المزيد من القطع لحمايتها".

ويضيف: "لئلا تنتهي هذه القطعة إلى الضياع في بعض التضحيات المعقدة، فإيران لا تريد التضحية بحزب الله، لكنها تريد أيضًا أن يشكل حزب الله تهديدًا لإسرائيل".

اقرأ أيضاً

إيكونوميست: لا رغبة لإيران وحزب الله في التصعيد.. لكن "مقامرة إسرائيل" قد تشعل الحرب مع لبنان

وحتى الآن نجح حزب الله في طرد نحو 80 ألف إسرائيلي من منازلهم على الحدود الشمالية، وهذا أمر غير مسبوق، إذ لم تقم إسرائيل قط في التاريخ بإخلاء الحدود بأكملها.

ووفق التحليل، يستطيع حزب الله أن يتظاهر بأنه انتصر، لكنه خسر أيضاً نحو 140 أو أكثر من مقاتليه.

ويقارن التحليل بين ما تقوم به حماس وحزب الله ضد إسرائيل، ويقول: "تقوم حماس بإطلاق صواريخ وقنابل مضادة للدبابات على إسرائيل، وهو عمل صغير يسبب أضرارًا ولكنه لا يكسب الحرب، كما يستخدم حزب الله الطائرات بدون طيار أيضًا، لكنها لا تكسب الحروب أيضًا".

ويضيف: "يدرك حزب الله أن وتيرة الحرب آخذة في التحول، وتقوم إسرائيل بتحويل العمليات في غزة إلى صراع أقل حدة، وهو ما يعني أن القوة الجوية الإسرائيلية ليست نشطة على غزة، ويعني ذلك أيضًا أن جنود الاحتياط يغادرون غزة، وأنه في الأسبوع الماضي، كان هناك المزيد من التعليقات من قبل المسؤولين الإسرائيليين حول الشمال".

ويتابع: "يجب على حزب الله أن يتساءل إذن، إذا كان الإيقاع يتغير، فماذا يعني ذلك بالنسبة لحزب الله؟، وقد تم استخدامه لتنفيذ هجمات في الزمان والمكان الذي يختاره، وذلك رداً متناسباً".

وعلى مدى العقدين الماضيين، اكتسب حزب الله الكثير من القوة وتمكن من وضع قدمه في سوريا وتوسيع عمله مع وكلاء إيران لتهديد إسرائيل من سوريا.

اقرأ أيضاً

مشادات بجلسة الحكومة الإسرائيلية بسبب إدارة الحرب مع حزب الله

لكن "جيشاً إرهابياً مثل حزب الله لا يمكنه أن يتقدم إلى ما هو أبعد من ذلك"، وفق التحليل الذي يقول: "لدى حزب الله الكثير ليخسره في لبنان".

وأمام ذلك يتوقع التحليل أن قرار حزب الله يجب أن يتخذه بنفسه، بعدما وضع خطوطه الحمراء وقدم مطالب وتهديدات، دون أن تؤخذ على محمل الجد، وحتى بات أمين حزب الله حسن نصرالله معتاداً على إلقاء الخطابات لدرجة أنه يشعر أن الخطابات كافية.

ويضيف: "لابد أن إيران تتساءل أيضاً، بعد التقارير عن غارات جوية أمريكية في العراق الخميس وتعبئة الولايات المتحدة لوقف الحوثيين، ما إذا كانت تواجه الآن صراعاً متعدد الجبهات من صنعها".

وكانت إيران سعت إلى توسيع عدد "الساحات" التي تهدد إسرائيل، لكن كلما زاد عدد الساحات التي يستغلها، كلما زاد عدد الأماكن التي يتركها مفتوحة للانتكاسات، وفق التحليل.

ويضيف: "كلما زاد عدد البيادق التي يتحركها للأمام على اللوحة، كلما زاد عدد البيادق التي يجب عليه الدفاع عنها، وماذا يحدث عندما يتحول تهديد البيادق إلى سلسلة من المناورات الخاسرة؟".

ويختتم: "علاوة على ذلك، هذا سيحدث عندما يصبح كل ما استثمرته إيران في حزب الله موضع شك حول مدى قوته".

اقرأ أيضاً

محلل إسرائيلي ينتقد استخبارات بلاده: قللت من قدرات حماس وبالغت في حزب الله

المصدر | جيروزاليم بوست - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: صحيفة عبرية حزب الله إيران حرب غزة حسن نصرالله حزب الله أن الله ا

إقرأ أيضاً:

إيران الدولة الثوريّة تشدّ أحزمة المواجهة

 

حزمت “إيران الإسلاميّة ” موقفها، عزم قائدها على تدبّر الأمر متوكّلًا على ربّه، توسّط مشهدًا جامعًا لأركان الحكم، على يمينه قادة الأجهزة العسكريّة والأمنيّة، وعلى يساره رئيس الجمهوريّة ورؤساء المجالس والمؤسسات العليا الرسميّة؛ وبلسان الواثق من شعبه، ألقى فصل خطابه أمام العالم وأمام نزق “دونالد ترامب” بكلمته المدوّية “لا” للهيمنة الأمريكيّة وسياساتها الاستكباريّة وأساليبها الاستعلائيّة، بعدما أثبتت التجربة صوابيّة منطق عدم الثقة بالإدارة الأمريكيّة.
تدرك “إيران” اللحظة التاريخيّة جيّدًا، وتعي جدّيّة المخاطر وأهوالها، وتعرف بعمق ما يصيب مجتمعها من آثار عدوانيّة مستمرة منذ عقود عبر ضغوط اقتصاديّة قصوى عليها، لا سيّما بعد تمزيق “ترامب” الاتفاق النووي عام 2018، والافتعالات الدائمة لإضعافها من الداخل وتحريك موجات الفتن فيها، وتفرقة وحدتها وتشويه هويّتها وممارسة كافة أشكال الحرب النفسيّة والناعمة عليها؛ وإعاقة تقدّمها وعلاقاتها.
كما تعلم “طهران” علم اليقين ما أصاب “جبهة المقاومة” من فقد قادتها الكبار منذ كانون الثاني 2020 إلى نهاية العام 2024؛ وهي تراقب عن كثب التغيّرات الاستراتيجيّة في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق واليمن، وتدرس نتائج الحرب العالميّة المتمادية للقضاء على المقاومة والانقلاب على الممانعة السياسيّة للإملاءات الأمريكيّة.
كما أن “طهران” لا تستهين بمسالك المملكة العربيّة السعوديّة نحو التطبيع، وأن ما رعته الصين من تسوية إيرانيّة-سعوديّة لا يعوّل على استمراره، رغم حرصها الأكيد على استقرار المنطقة، إذا ما أُطلقت الصافرة الأمريكيّة للإخلال بها.
تصغي “طهران” دون اضطراب إلى التهديدات المتكرّرة الموجّهة إليها. كما تقرأ بحكمة وشجاعة الرسائل الديبلوماسيّة والإعلاميّة. ويمكن إيراد تهديدين (أمريكيّ وإسرائيليّ) وتحذير (تركيّ)، لاستجلاء الواقع.
التهديد الأبرز، أعلنه “ترامب” واضعًا إيران بين خيارين “الاتفاق أم الحرب”، مستأنفًا عقوبات ولايته الأولى على صادرات النفط الإيرانية.
ينسب “ترامب” إلى “إيران” الضعف حاليًا، فيتحفّز لاتخاذ إجراءات حاسمة ضدّها، وفق ما أدلى به مستشار الأمن القومي مايك والتز (19 كانون الثاني/يناير 2025). حدّد شهرًا واحدًا أمام إيران للانصياع إلى مفاوضات شكلية تنتهي بإملاءاته على برنامجها النووي ثم يستلحقه بتقييد دورها في المنطقة والبحث حول صواريخها الباليستيّة.
فيما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية هدف مناورتها مطلع آذار الجاري بمشاركة وحدة قاذفاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط “تعزيز التنسيق مع الشركاء الإقليميّين وإظهار قدراتها العسكرية”.
يساوق التهديد الأمريكيّ تحريض إسرائيلي قديم جديد على ضرب إيران، وقد أعلن “بنيامين نتنياهو” عشية الإعلان عن وقف إطلاق النار المزعوم في لبنان، أن السبب الأول لإعلانه هو التزامه بالأمن القومي وتركيز الجهود على مواجهة إيران ومنع طهران من تطوير سلاح نووي، مضيفًا أنه “لن يعطي المزيد من التفاصيل حول ذلك”. بينما أعلن رئيس أركانه الجديد “إيال زامير” أنّ عام 2025 سيركّز على الصراع في غزّة ومع الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة، وأنه سوف تتمّ إعادة هيكلة استراتيجية “الجيش” الإسرائيليّ للتعامل مع التهديد الإيرانيّ على وجه التحديد.
أما التحذير التركيّ لوزير الخارجية “هاكان فيدان، فإنّه يختلف نوعيًّا عما سبقه، لكونه لا يهدّد إيران ومقدّراتها وبرنامجها النوويّ، إنّما يتكامل مع الوعيدين الأمريكيّ-الإسرائيليّ، حاملًا لهجة استقواء ودلالات جديدة أمام الأحداث الجارية وموقعه منها، حيث بدا “كاتم أسرار أردوغان” واضحًا بالنزول عند رغبات الغرب وعدم التصدّي للتوسّع الإسرائيليّ إلا من بضعة تحفّظات كلاميّة، جازمًا في سعي أنقرة إلى ملء الفراغ وتصدّره في الساحة السوريّة على حساب الدور الإيراني الذي غالب إسقاط الدولة السورية وتفكيك وحدتها وانعدام استقرارها وانسلاخها من تاريخها وإيقاعها في فم التنين الأمريكيّ والاحتلال الإسرائيليّ وقطع طرق الإمداد على حركات المقاومة اللبنانيّة والفلسطينيّة.
يتضح أن ما يسمى بالمفاوضات التي يتم التداول حولها ما هي إلا خديعة بائسة لتشويش الرأي العام، وتصب لصالح الهيمنة الأمريكيّة وتستجيب لمعالجة الهواجس الأمنيّة الإسرائيليّة، ولإضعافها أمام منافسيها الإقليميّين، وليست من أجل حلّ المشكلات الإيرانيّة.
يمكن الجزم، بعدم رغبة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في إثارة مواجهة واسعة النطاق، خاصة أنّ تغيّر المشهد الجيوسياسي الراهن لا يبدو في مداه القصير لصالحها، قبل أن تستعيد حركات المقاومة عافيتها وقوّتها، وقبل أن يرسو المشهد السوري على أرضية مغايرة. إلّا أنّ “إيران الإسلاميّة” بكل تأكيد لن تقبل بالرضوخ لشروط “ترامب”، مما يرفع من احتمالية الصراع دون أن تتحدّد معالمه بوضوح.
تقتحم “طهران” مخاطر احتمالية الحرب عليها، بعدما نقضت الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) عهدها بالتعويض عن إنسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وبعدما استنفد مسؤولها كافة الإجراءات والتدابير الديبلوماسيّة، واتبعت “أقصى درجات العقلانية”، وتحكّمت بردود أفعالها، وهي تشاهد حرب الإبادة في غزّة والجرائم الأمريكيّة الإسرائيليّة تصب جام حممها على لبنان واليمن والعراق وسورية، فاحتفظت لنفسها بحق الرد على العدوان الإسرائيليّ السافر داخل أراضيها في محافظات طهران وخوزستان وإيلام (26 تشرين الأوّل 2024م).
وتؤكّد “طهران” أن نهجها مستمر، كدولة ثوريّة تضبط مصالحها على مبادئها، وتسير ضمن حدّي درء الخطر وحفظ هويتها وسيادتها وكرامتها الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة؛ إلا إذا وضعت الحرب أثقالها فالسبيل الوحيد هو الدفاع والمواجهة.
باحث في الشؤون الإيرانيّة

مقالات مشابهة

  • (واتساب) سيتيح إضافة روابط حسابات مواقع التواصل للملف الشخصي
  • صحيفة عبرية: أسبوعان حاسمان.. هل نشهد اليوم الأخير لحكومة نتنياهو؟
  • أغلبية في إسرائيل تفضل إعادة الأسرى على القضاء على حماس
  • صحيفة: حماس فاجأت إسرائيل والوسطاء بشرط جديد في مفاوضات غزة
  • صحيفة عربية: تهديدات الدبيبة بالعودة إلى الحرب استجابة لدعوات الغرياني
  • مجلة عبرية: مبادرة قطرية جديدة ضد إسرائيل.. تطالب بتفتيش النووي
  • صحف عبرية: إسرائيل استنفدت كل وسائل الضغط المتاحة علي حماس
  • معاريف: إسرائيل تنتظر الدعم الأمريكي لمهاجمة إيران وترامب له رأي آخر
  • إيران الدولة الثوريّة تشدّ أحزمة المواجهة
  • كيف تتغير عاداتنا الاستهلاكية في شهر رمضان؟