أمين صالح يكتب انطباعات عن تجربة شخصية والذيب يدعوا لإنقاذ التنوير!
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
في مستهل العدد الجديد (114) لـ«مجلة البحرين الثقافية»، الذي تصدر غلافه الراحل الناقد إبراهيم غلوم، يكتب رئيس التحرير كمال الذيب عن «إنقاذ التنوير»، آسفًا على غياب الخطاب الفلسفي في الفضاء العربي، و«الردة الكاسحة في مجالات العقلانية والتنوير»، والتي يرجعها إلى تخلف بنية أنظمة التعليم ومحتواه في معظم البلاد العربية، والتراجع في مساحة التسامح والقبول بالآخر، وضيف مساحة الحرية الفكرية والعقلانية، وغيرها، ليخلص إلى «أهمية العمل على إنقاذ حركة التنوير العربي، بالانفتاح على التيارات الفكرية والفلسفية في عالم اليوم، واستيعابها، بعيدًا عن مغريات الحرفية والتقليد».
وحاور العدد الفنان العُماني أنور سونيا، المنشغل بالهوية الثقافية العُمانية، المحارب للعولمة عبر تأصيل الخصائص المحلية، إذ تمحور الحوار حول «حضور الهوية العُمانية في نتاجه التشكيلي، وآليات استلهامه لبعض مكوناتها في إغناء تجربته التشكيلية، وتكوين رؤيته الفنية الخاصة». فيما كتب الدكتور عصام الجودر عن العلاقة المتقاطعة بين اللحن والنص. وكتب يوسف الصديق، عن «تأثير الترجمة في اللغة العربية المعاصرة، بين فرص الإغناء ومزالق التهجين». أما الدكتور محمد بكاري، فكتب عن الفلسفة لتفكيكية لقراءة النص، والتي تجعل النص «مضاداً لنفسه». وتناول الدكتور زكوان العبدو بالدراسة «ثيمة البحر في القصة القصيرة الإماراتية». وخُصص ملف العدد، الذي أعدّه الكاتب غسان الشهابي، للراحل إبراهيم غلوم «المثقف المنتج للروح»، حيث أكد المشاركون بأن أفضل تكريم لذكرى الراحل «إعادة نشر مشروعه النقدي والفكري»، وشارك في الملف، الناقد أحمد المناعي، الذي تحدث عن مؤثرات نمو الوعي الفكري والمعرفي عند الراحل، فيما تناول الدكتور عباس القصاب، الجهد النقدي المسرحي المتفرد لدى غلوم، أما الأكاديمي محسن الكندي، فتحدث عن الجوانب الفكرية والاجتماعية في حياة هذا الناقد الفذ. كما تضمن العدد، مجموعة من المقالات في الفنون، والعمارة، والتاريخ والسير، والترجمات، والمراجعات. إلى جانب تضمنه نصوصًا إبداعية لعددٍ من الكتاب، أبرزهم الكاتب والمترجم أمين صالح، الذي كتب «انطباعات عن تجربة شخصية»، مؤكدًا: «كان لدينا حلم، تغذى بالوهم، حتى فتكت به الهزيمة» مشيرًا لرهان جيله «على إمكانية تغيير الواقع وتحويل المجتمع، عبر الثورة الاجتماعية والثقافية»، وعليه يأخذ في سرد انطباعاته على شكل شذرات حول المدينة، وضرورة الضحك، وهوية المنتج الأدبي، وعبء الكتابة، والبُعد الساسي، وتطرف النقد، ورعشة المجازفة، إذ كتب في موضعٍ من النص: «حواري مع الشباب: حوار بين ماضٍ (لم يعد يمتلك أي حصانة)، ومستقبل (يتذرع بالمجهول)، في حاضر (يزداد التباسًا يومًا بعد يوم)». فيما كتب في موضع آخر: «ما دامت القوى السياسية والاجتماعية والدينية -في المجتمعات العربية تحديداً- ما تزال تراقب الكلمة، وتحاسب أي خروج أو نقض لما هو سائد ومسلم به، فإن الكاتب - بالضرورة، وعلى نحو ضمني - لا يزال يشكل خطورة.. رغم وضعه الهامشي، والاستهانة بدوره ووظيفته».
المصدر: صحيفة الأيام البحرينية
كلمات دلالية: فيروس كورونا
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الفهم الصحيح لآليات التعامل مع الموروث الإسلامي من أسباب النهضة الحضارية
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، فى منشور جديد له عبر صفحته على فيس بوك: إن من المهام الأولى لعلماء الأزهر نقل هذا الدين لمن بعدهم بصورة صحيحة.
أوضحت أنه لابد أن يمتلكوا الأداة الضرورية اللازمة لفهم آليات التعامل مع «الموروث الإسلامي»، ليستطيعوا أن ينقلوه في إطاره الصحيح الذي وصل إليهم من أسلافهم إلى من يخلفهم، مع ضرورة حفظ التمييز بين الأصلين المنزَّهين (الكتاب والسُّنة)، وسائر التراث الذي اجتهد في إنتاجه المسلمون من علوم وفكر، وفقه وفتاوى، ورؤى وواقع تاريخي.
وأشار الى إنه لاشك أن هناك فجوة مشهودة بين أجيال الباحثين المعاصرين وهذا الموروث الثمين، فكثيراً ما نقرأ القرآن أو السُّنة أو علوم التراث الإسلامي ولا نفهم دلالات المقروء، فلا نستطيع الاستفادة منها، ومن ثم فإن أول مطلوب هو «الفهم»، فهو الخطوة الأولى لسائر الخطوات، فلا يمكنني نقد هذا الموروث أو تطبيقه دون فهم.
ونوه ان كثيراً ما يتساءل الباحثون عن آليات تطبيق هذا الموروث في مجالاتهم العلمية والبحثية الحالية، وعن «الحلقة الواصلة» بين الموروث وهذه العلوم الحديثة، في حين أن المطلوب أولاً -قبل التطبيق- هو «الفهم».
وبين ان تحديد الهدف والخطوات وتمثُّل هذه الخطوات جيداً، هو أمر مطلوب جداً من أجل الوعي والاستفادة.. لكن تشوُّف الباحث إلى ما هو أمام، وتعجُّله قطف الثمار قبل النضج - وربما قبل الزرع والإنبات - هو ما يدفعه إلى نوع من القفز وعدم الاتزان، فأنا -كباحث أو كدارس اطَّلعت على العلوم الحديثة- أريد أن أستفيد مما رأيته أو استشعرته في الموروث من منهجية ومضمون في دراستي لهذه العلوم، وهذا -بعد تحقيق «الفهم»- يحتاج إلى عملية أكبر، وهي ما يمكن تسميتها بعملية «التجريد»، ثم تتلوها عملية ثالثة وهي «الاستنباط»، والمقصود بها استنباط المناهج والقواعد والأدوات التي يمكن بها أن يواصلوا المسيرة ويكملوا البنيان.
وذكر انه ليس المراد من الاطلاع على هذه العلوم والأفكار وما فيها من منهجيات أن نحاكيها، فتتوقف مسيرة العلم، ونذهب في رحلة موات، بل أن نستخلص منها ما نحتاج إليه.
ولفت الى ان الموروث -بجملته- عبارة عن مكوّنين: نتاج فكرى، وواقع تاريخي. النتاج الفكري له «محلٌ» عَمِل الفكر فيه، وهو القرآن والسُّنة مصدرا المعرفة الأساسيان عند المسلمين باعتبارهما وحياً.
والنتاج الفكري له «ثمرة»، وهي ما يخرجه البشر بتفاعلهم مع هذا المحل من رؤى وأفكار وعلوم ومناهج وأحكام وممارسات.
محور الحضارة الإسلامية
وكشف عن ان محور الحضارة الإسلامية الذي بنيت عليه هو (النص): الكتاب والسُّنَّة، فما معنى المحور؟ معنى المحور أن كل العلوم خادمة له، وقد أنشئت لتخدمه، وهو المعيار للتقويم، والإطار المرجعيّ.
قرأ المسلمُ النصَّ، فلما استعصى عليه أمرٌ ما فيه راح يبحث عن وسائل فهمه، فصار هناك المُعجم وظهرت التراكيب والنحو والصرف.. تساءل: هل هذا الكلام معتاد أم معجز؟ ما الذي جعله متميزاً؟ فظهر علم البلاغة.. تساءل: إذا كنت قد فهمت دلالات اللفظ (المفردات والتراكيب)، فماذا عن الدليل والمدلول؟ وبالمثل ظهر علم النقل والتوثيق، وهو علم لم يخرج مثله في الأمم، وذلك لخدمة الوثوق في النص، وتوالت التصنيفات بين علوم ذاتية كالتفسير والحديث، وعلوم مضمونية كالتوحيد والفقه، وتقسيمات أخرى هي من نتاج تعامل العقل المسلم مع النص.
فالفقه -مثلاً- من القرآن إجمالاً، والقليل منه هو من القرآن مباشرةً، فهناك نحو مليون ومائتي ألف مسألة فقهية، بينما الآيات أقل من ذلك بكثير من حيث العدد والحجم، إلا أن القرآن العظيم منه الانطلاق، وإليه العودة، وبه التقويم، وله الخدمة، في علم الفقه وغيره من العلوم التي ورثناها.
وأضاف: الشق الثاني للموروث -الذي يقابل النتاج الفكري- هو الواقع، وهو يتكون من خمسة عوالم: عالم الأشياء، وعالم الأشخاص، وعالم الرموز، وعالم الأفكار، وعالم الأحداث.. فما معنى أن النص الذي هو محور الحضارة له دور في التعامل مع عوالم الواقع؟ إن ذلك يعني أنني عندما أتعامل مع الواقع أضع على عيني نظارة النص.
إذن الموروث إما مصادر أصلية وإما نتاجاً بشرياً، والواقع هو العوالم الخمسة، وما نريده في البداية هو الفهم -الفهم الصحيح- وليس النقد أو التجريد أو التطبيق، وعلى ذكر «الفهم الصحيح»، فمع الدعوة للتأمل وتحريك الذهن في مختلف المسائل، ننبه إلى أن هناك سقفاً للفهم الصحيح ينبغي ألا يتم تجاوزه، وهو يشتمل على خمسة حدود لابد من معرفتها والالتزام بها في مطالعة التراث:
حدود الفهم الصحيح
1- اللغة العربية، التي هي وعاء المنطق العربي المتصل بالفطرة الإسلامية.
2- الإجماع، الذي ينبغي على الساعي إلى الفهم ألا يـخـرقه أو يتجاهله.
3- المقاصد الكلية للشريعة، من حفظ الدين والنفس والعِرض أو النسل والعقل والمال.
4- النموذج المعرفي، وهو ما نسميه العقيدة أو الرؤية الكلية.
5- القواعد الفقهية أو المبادئ العامة للشريعة، من قبيل: لا ضرر ولا ضرار، لا تزر وازرة وزر أخرى... إلخ.
لابد من ذلك كله حتى نخرج عقليات من أمثال ابن مقلة وابن الهيثم والبيروني وابن خلدون وابن رشد وغيرهم، ونؤكد أن أهم ما يعنينا استخلاصه في هذا التراث هو «المناهج» وطرائق التفكير: كيف كانوا يُعملون عقولهم في واقعهم؟ ولا يهمنا بالضرورة «الموضوعات» أو الجزئيات التفصيلية التي كانوا يفكرون فيها. سأجد أنني أبحث في المصادر، وطرق البحث وأدواته، وآليات الاحتجاج والاستدلال، وفي شروط الباحث.. تلك الأمور التي أخذها روجر بيكون وجعلها أصولاً للمنهج العلمي الحديث، وهي لا تتجاوز تعريفات الرازي والبيضاوي لعلم أصول الفقه.
إن من يطالع هذا التراث الكنز -اليوم- سوف يُفاجأ بمنهج ضخم وأسئلة جوهرية ربما لا إجابة عنها إلا في هذا التراث نفسه، مطالعة هذا التراث هي أصل المنهج الأزهري القويم الذي يجب أن يكون الإطار العام لكل من أراد أن يسلك طريق العلم والتفقُّه.