تحديات هائلة تواجه أهالي غزة لاستئناف حياتهم الطبيعية
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
دينا محمود (غزة، لندن)
أخبار ذات صلةمع اقتراب الحرب الدائرة في قطاع غزة من إكمال شهرها الثالث، تتصاعد مخاوف الفلسطينيين هناك، من أن تقود المعارك إلى تغيير صورة الحياة في مدنهم وبلداتهم بشكل لا رجعة فيه، وذلك في ضوء الحجم الهائل للدمار، الذي لحق بالاقتصاد المحلي والبنية التحتية للقطاع، منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي.
ويؤكد مسؤولون فلسطينيون، أن الحرب ألحقت الضرر بكل سكان غزة، سواء كانوا أثرياء أم فقراء، مشيرين إلى أن جميع الأسر في القطاع تقريباً، فقدت أحد الأقارب أو الأصدقاء، وذلك بعد أن بلغت حصيلة الضحايا، أكثر من 22 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال.
كما أجبرت المعارك أكثر من 85% من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، على النزوح من ديارهم.
فضلاً عن ذلك، قوضت الحرب مختلف مقومات حياة فلسطينيي غزة، من مدارس ومستشفيات إلى ورش وشركات ومتاجر، ومصالح حكومية ومخابز وغير ذلك من مرافق البنية التحتية الأساسية والاقتصادية، ما حدا بكثير من السكان للقول إنهم يشعرون بالرعب، من شعورهم بأنه لن يوجد ما سيعودون إليه، عندما تضع الحرب أوزارها في نهاية المطاف.
ويخشى هؤلاء من أن يكون من بين أهداف الحرب الحالية جعل قطاع غزة غير صالح للسكن، بما يجبرهم بشكل غير مباشر على النزوح منه بشكل كامل، خاصة بعد أن أصبح عدد كبير من السكان، يتكدسون في الوقت الحاضر، في المناطق الجنوبية، حيث يقيمون في خيام مرتجلة أو مراكز إيواء مؤقتة أو حتى في مبانٍ سكنية، مكتظة على نحو مفرط.
وبحسب تقديرات أممية، أدت المعارك إلى تدمير أكثر من 60% من المباني السكنية في القطاع أو تضررها، وذلك جنباً إلى جنب، مع إلحاقها الدمار بمئات المدارس والمساجد والطرق والمخابز،
وآلاف من المحال التجارية والمنشآت الاقتصادية الأخرى.
أما النظام الصحي فقد تم تفكيكه، كما يقول أطباء، على نحو منهجي، ما قاد إلى أن تخرج أكثر من نصف المستشفيات في غزة، من الخدمة.
ونقلت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية عن محللين قولهم إن «غزة تحتاج إلى بناء كل شيء من الصفر»، بعد أن جعلتها الحرب، نسخة من المدن الألمانية، التي دُمِرت بشكل كامل تقريباً، خلال الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، وذلك وسط مخاوف من أن تبلغ فاتورة إعادة إعمار القطاع مبالغ فلكية، في ضوء أن المواجهات الأضيق نطاقاً، التي اندلعت فيه عام 2014، خلّفت أضراراً تراوحت قيمتها ما بين ثلاثة و6 مليارات دولار.
ويعني ذلك، أن سكان غزة سيواجهون تحديات هائلة من أجل استئناف حياتهم الطبيعية، إذا توقفت الحرب غداً بمعجزة ما. فالوضع الراهن، يهدد مئات الآلاف من سكان القطاع، بمواجهة مجاعة بكل معنى الكلمة.
كما أن أكثر من 75% من أهل غزة، كانوا يعتمدون من الأصل على المساعدات الدولية، حتى قبل اندلاع القتال، وذلك وسط معدلات بطالة ناهزت آنذاك 44%.
ويقول محللون، إن قطاع غزة سيحتاج إلى خطة إعادة إعمار ضخمة مماثلة لمشروع مارشال، الذي أطلقته الولايات المتحدة لإعادة ضخ الحياة في شرايين أوروبا، بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ما يتطلب أن يُبعث الأمل أولاً، في إمكانية تحقيق حل الدولتين، كي يتسنى جمع التمويل اللازم لتلك الخطة، وضمان ألا يُهدم ما سيُعاد بناؤه حال تجدد المواجهات.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: غزة فلسطين إسرائيل قطاع غزة أکثر من
إقرأ أيضاً:
المدارس الخاصة بأفغانستان بين تحديات البقاء وفرص إصلاح التعليم
كابل- منذ عقود، تواجه أفغانستان أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية متلاحقة أثرت على كل مناحي الحياة بسبب ظروف الحرب وعدم الاستقرار، حتى قبل عودة حركة طالبان للحكم في أغسطس/آب 2021، لكن قطاع التعليم تلقى الضربة الأقسى مع انهيار البنية التحتية الحكومية وفرض السياسات التقييدية التي غيرت ملامح المشهد التربوي.
وسط هذا الواقع المضطرب، تبرز المدارس الخاصة كملاذ حيوي لملايين الأطفال والشباب الذين يتوقون للعلم، تقاوم التحديات وتسجل نموا لافتا في بعض المناطق -خاصة النائية- وتشكل بصيص أمل في ظل أنظمة تعليمية حكومية متداعية، وسط التساؤلات الكثيرة عن مستقبل التعليم في البلاد.
وفقا لبيانات اتحاد المدارس الخاصة في أفغانستان، يتجاوز عدد المدارس الخاصة حاليا 3650 مدرسة موزعة عبر البلاد، منها 1350 في العاصمة الأفغانية كابل وحدها.
وكشف رئيس الاتحاد محمد عظيم ميدانوال للجزيرة نت أن ما بين 500 و600 مدرسة جديدة افتتحت خلال العام الماضي، لا سيما في المناطق الريفية التي كانت محرومة من هذه المؤسسات، وقال "في قرى لم تكن تعرف المدارس الخاصة من قبل، أصبح مئات الأطفال اليوم يتعلمون القراءة والكتابة، وهو دليل على قدرة القطاع الخاص على سد الفجوات التي خلفتها الأنظمة التعليمية الحكومية".
إعلانوأضاف أن أكثر من 1.5 مليون طالب يتلقون تعليمهم في هذه المدارس، بينهم 200 إلى 300 ألف طالبة حتى الصف السادس، وهو السقف المسموح به للفتيات بموجب قرارات الحكومة الأفغانية التي تقودها حركة طالبان.
وتشير تقارير محلية إلى تحسن ملحوظ في جودة التعليم بالمدارس الخاصة، وهو ما يعكس قدرة هذا القطاع على التكيف مع الظروف الاستثنائية، حسب ما يؤكد رئيس فرع اتحاد المدارس الخاصة في العاصمة كابل المهندس إسلام الدين يارمل، ويقول إن "جودة التدريس تتقدم يوما بعد يوم، حيث يحقق طلابنا نتائج متميزة في امتحانات القبول الجامعي، متفوقين غالبا على نظرائهم في المدارس الحكومية".
وأضاف أن هناك جهودا مستمرة لإنشاء صفوف نموذجية مزودة بوسائل تعليمية حديثة، وتطوير مناهج تركز على المهارات الأساسية رغم شح الموارد.
في مدرسة جهان الخاصة بكابل، يروي المعلم أحمد نسيم -الذي يعمل منذ عقد- للجزيرة نت "كنا نعاني نقص الكتب، لكننا بدأنا نستخدم أجهزة لوحية تبرعت بها منظمات محلية، مما غيّر طريقة تدريسنا".
ورغم أن هذه الخطوات الصغيرة تُظهر كيف تسعى المدارس الخاصة لتعويض ضعف البنية التحتية الحكومية، فإن خبراء يحذرون من أن استمرار هذا التقدم مرهون بتجنب هجرة المعلمين وتوفير دعم مالي مستدام، خاصة مع تزايد الضغوط الاقتصادية على الأسر.
وتواجه المدارس الخاصة تحديات جمة، تتصدرها القيود المفروضة على تعليم الفتيات بعد الصف السادس، إلى جانب غياب إطار قانوني واضح ينظم عمل هذه المدارس، كما تعاني من ضغوط مالية، وهجرة المعلمين المؤهلين إلى الخارج بحثا عن فرص أفضل.
ففي ولاية هرات غرب أفغانستان، تحكي نادية عزيزي، وهي معلمة سابقة في مدرسة خاصة، تجربتها للجزيرة نت "كنت أعلم الفتيات بكل شغف، لكن بعد الحظر، اضطررت لترك التدريس والعمل في الخياطة، أخشى أن يضيع جيل بأكمله".
إعلانكما تقول فاطمة علي زاده، وهي أم لثلاث طالبات في ولاية باميان وسط أفغانستان، للجزيرة نت "ابنتي الكبرى تتوقف عن التعليم عند الصف السادس هذا العام، ولا أعرف كيف سأواجه حزنها".
من جهتها، تشير تقديرات منظمة "اليونسكو" إلى أن هذا الحظر يحرم نحو 2.2 مليون فتاة من التعليم الثانوي، مما يجعل دور المدارس الخاصة أكثر أهمية في المراحل الدنيا، وتصف منظمة "هيومن رايتس ووتش" هذا الحظر بـ"الانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان"، محذرة من تداعياته على مستقبل البلاد الاقتصادي والاجتماعي.
كما صرح مدير إحدى المدارس الخاصة في كابل -فضل عدم الكشف عن هويته- للجزيرة نت "نواجه تغييرات مفاجئة في القوانين وضغوطا سياسية متصاعدة، ومع ذلك نحاول الحفاظ على جودة التعليم في ظل هذه الظروف القاسية".
انطلق العام الدراسي الجديد في أفغانستان في 20 مارس/آذار الماضي، وسط آمال حذرة وتحديات مستمرة، وقد أعلن وزير التربية والتعليم الأفغاني بالوكالة المولوي حبيب الله آغا، في حفل الافتتاح الذي أقيم بكابل، عن "مراجعة شاملة للمناهج الدراسية لتتماشى مع القيم الدينية والتقاليد الأفغانية".
وقال الوزير "سنزيل أي مواد تتعارض مع ثقافتنا وديننا، لنصيغ منهجا دينيا حديثا يناسب مجتمعنا، بغض النظر عن الآراء الخارجية"، حيث تشمل هذه المراجعة -وفق مصادر حكومية- التركيز على المواد الدينية وتقليص العلوم الحديثة، وهو الأمر الذي أثار مخاوف أولياء الأمور.
وتسعى الجهات الرسمية إلى ضمان توافق المدارس الخاصة مع رؤيتها التعليمية، حيث قال المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم الأفغانية للجزيرة نت "نعمل على تنظيم هذا القطاع ليلتزم بالمناهج الوطنية وفق سياساتنا".
وفي خطوة لتنظيم القطاع، أقرت وزارة التربية والتعليم الأفغانية نظاما جديدا لتصنيف المدارس الخاصة إلى 3 فئات: عالية، متوسطة، ومنخفضة الجودة، بناء على الرسوم الدراسية، وأوضح المتحدث باسم الوزارة منصور أحمد حمزة أن "الرسوم تُحدد حسب قدرة الأسر، مع رقابة صارمة لضمان عدم التجاوز".
إعلانمن جانبه، دعا رئيس اتحاد المدارس الخاصة ميدانوال الوزارة إلى تكثيف الإشراف وفرض عقوبات تصل إلى الإغلاق على المدارس التي تفرض رسوما باهظة دون مبرر.
مبادرات فعّالةوفي مبادرة رسمية، أُعفيت المدارس الخاصة من الضرائب، وهي خطوة ساهمت في تخفيف الأعباء عن المدارس، ورحب بها القائمون على القطاع بما تقدمه من تشجيع لدخول مستثمرين جدد إلى القطاع.
كما جرى تشجيع استخدام التكنولوجيا، مثل منصات التعليم عن بُعد، سعيا للوصول إلى المناطق النائية، "لكن ضعف الإشراف الناتج عن نقص الموارد يبقي جودة التعليم متفاوتة" وفق تأكيد ميدانوال.
من جهة أخرى، ظهرت مبادرات مجتمعية مدعومة من الجاليات الأفغانية في أوروبا بالظهور، حيث أسهمت هذه الجاليات في تمويل إنشاء صفوف دراسية صغيرة، وتوفير منح تعليمية للطلبة الفقراء، إلى جانب إطلاق منصات تعليم عن بُعد توفر محتوى تدريسيا للفتيات المحرومات من الذهاب إلى المدارس، وتساعد الأطفال في المناطق الجبلية أو النائية على مواصلة تعليمهم.
وتقول أم لطالبة في ولاية هرات للجزيرة نت "ابنتي تتعلم عبر الإنترنت بمساعدة أقارب لنا في الخارج، لم نتوقع أن يكون ذلك ممكنا، لكنه منحها الأمل مجددا".