في غزة بدر الكبرى (أول معركة مواجهة فاصلة بين المسلمين والمشركين)، كان أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) من كبار مستشاري النبي ﷺ، ومن أعظم الصحابة رأياً وتأثيراً فيها وقائع ونتائج غزوة بدر، كما شارك برأيه المؤيد للمواجهة حين طلب النبي ﷺ الرأي قبل المعركة.

وقد رافق الصديق (رضي الله عنه) النبي المصطفى ﷺ في جولاته الاستطلاعية لجمع المعلومات عن الغزو، وكان في حراسة النبي ﷺ بالعريش الذي خصصه لقائد المعركة.

علاوة على الدور الحاسم الذي لعبه الصديق في تحديد مصير أسرى المعركة، وهنا لابد من وقفة تأملية نستنبط منها عبرا ودروسا عظيمة تعج بقيم الرأفة والإنسانية.

قال ابن عباسٍ (رضي الله عنه): فلمّا أسروا الأسارى؛ قال رسول الله ﷺ لأبي بكرٍ، وعمر: «ما ترون في هؤلاء الأسارى؟». فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العمِّ، والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فديةً، فتكون لنا قوَّةً على الكفار، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام. فقال رسول الله ﷺ: «ما ترى يأبن الخطاب؟». قال: لا والله لا يراسل الله! ما أرى الذي يراه أبو بكرٍ، ولكنِّي أرى أن تمكِّننا منهم، فنضرب أعناقهم، فتمكِّن عليّاً من عقيل، فيضرب عنقه، وتمكِّنني من فلانٍ (نسيباً لعمر) فأضرب عنقه، فإنَّ هؤلاء أئمَّة الكفر، وصناديدها ( ابن حنبل، 1999، ج3/167)

فهوى رسول الله ﷺ إلى ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلتُ، فلمّا كان الغد جئت، فإذا برسول الله ﷺ، وأبو بكرٍ قاعدين يبكيان، قلت: يراسل الله! أخبرني من أيِّ شيءٍ تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكـاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله ﷺ: «أبكي لِلذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهـم الفداء ولقـد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشَّجرة». ـ شجرة قريبة من النبيِّ ﷺ ـ وأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67] إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا} [الأنفال: 69] فأحلَّ الله لهم الغنيمة ( ابن حنبل، 1999، ج3/167).

وفي روايةٍ عن عبد الله بن مسعودٍ (رضي الله عنه) قال: لمّا كان يوم بدرٍ قال رسول الله ﷺ: «ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟» فقال أبو بكرٍ: يا رسول الله! قومك، وأهلك، استبقهم واستأن بهم، لعلَّ اللهَ أن يتوب عليهم. وقال عمر: يراسل الله! أخرجوك، وكذَّبوك، قرِّبهم، فاضرب أعناقهم. وقال عبد الله بن رواحة: يراسل الله! انظر وادياً كثير الحطب، فأدخلهم فيه، ثمَّ أضرم عليهم ناراً، فقال العبّاس: قطعت رحمك، فدخل رسول الله ﷺ، ولم يردَّ عليهم شيئاً، فقال ناسٌ: يأخذ بقول أبي بكرٍ، وقال ناسٌ: يأخذ بقول عمر، وقال ناسٌ: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، فخرج عليهم رسول الله ﷺ فقال: «إن الله ليلين قلوب رجالٍ فيه حتى تكون ألين من اللَّبن، وإن الله ليشدُّ قلوب رجالٍ فيه حتى تكون أشدَّ من الحجارة، وإنَّ مثلك يا أبا بكر! كمثل عيسى ـ عليه السلام ـ إذ قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [المائدة: 118] وإن مثلك يا عمر! كمثل نوحٍ، إذ قال: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا *} [نوح: 26]، وإن مثلك يا عمر كمثل موسى إذ قال: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ*} [يونس: 88] » (ابن كثير، 1988، ج2/325).

كان النبيُّ ﷺ إذا استشار أصحابه أوَّلُ من يتكلَّم أبو بكرٍ في الشُّورى، وربما تكلَّم غيره، وربما لم يتكلَّم غيره، فيعمل برأيه وحده، فإذا خالفه غيره اتَّبع رأيه دون رأي من يخالفه (مال الله، 1989، ص325).

لم يكن أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) شخصية عادية في تاريخ الإسلام، فهو الصديق الأقرب إلى رسول الله ﷺ، ومستشاره الأول، ورفيق دربه في دعوته إلى الإسلام في مكة، وخلال الهجرة، وفي المدينة، وفي كل الغزاوت، وهو الخليفة الأول الذي أدار دفعة الأمة وقادها إلى بر الأمان والنصر، وكان في بدر نبراساً فخر النبي الكريم ﷺ برأيه ومشورته، واعتد به. رضي الله وأرضاه.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: قال رسول الله ﷺ رضی الله عنه أبو بکر

إقرأ أيضاً:

أحمد عمر هاشم: هذا هو ما رآه رسول الله في رحلة الإسراء والمعراج

تحدث الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، عن رحلة الإسراء والمعراج.

كادت تشعل نزاعا.. أحمد عمر هاشم يروي كيف عالج الرسول أشد الأزمات بحكمتهأحمد عمر هاشم: شهادة التوحيد لا يُقبل عمل من الأعمال الصالحة بدونها

وقال الدكتور أحمد عمر هاشم، خلال تقديمه برنامج “كأنك تراه”، على قناة "صدى البلد"،: "فريضة الصلاة شرعها رب العزة سبحانه وتعالى من فوق 7 سبوات، وشرعت على لسان ملك الوحي، وكانت مباشرة من الحبيب لحبيبه".

وأضاف: "في الإسراء والمعراج أطلع الله حبيبه على ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"، متابعا: "عندما طلب سيدنا موسى من ربه الرؤيا قال له لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني".

وتابع: "أما سيدنا محمد فقال ما كذب الفؤاد ما رأى.. أي أنه ثابت الفؤاد فيما رأى وأنه رأى رب العزة على حقيقته وأنه سعد بهذه الرؤيا سعادة أبدية وأنه حظى في هذه الرؤيا برؤيته وبرؤية الكرسي والعرش فكانت نعمة عظمى حظي بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم".

مقالات مشابهة

  • دعاء الصائم عند الإفطار .. كما كان يردده النبي
  • غربال الثورة الناعم
  • للصائم دعوة لا ترد
  • شخصيات إسلامية.. أبو سعيد الخدري سعد بن مالك الأنصاري
  • أحمد عمر هاشم: شق صدر النبي حدثت 4 مرات
  • أحمد عمر هاشم: هذا هو ما رآه رسول الله في رحلة الإسراء والمعراج
  • رمضان والجنة
  • الذكرى تنفع المؤمنين.. هذا هو شهر رمضان
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • الحياء.. شعبة من الإيمان