استشهاد العاروري.. مزيد من الوقود لحماس والمقاومة
تاريخ النشر: 5th, January 2024 GMT
استشهد القائد صالح العاروري رحمه الله، ولكنّه تحول من قيادي ميداني إلى رمز كبير وحالة إلهام للمقاومة الفلسطينية بل وللشعب الفلسطيني وللأمة بشكل عام. وكذلك فعل رفاقه الذين شاركوه الشهادة أو سبقوه إليها.
الاستعمار والطغيان والرموز:
ما لا يدركه الاستعمار أو قوى الطغيان عند التعامل مع الثورات وحركات التغيير، أن قتل الرموز والقادة يؤدي في كثير من الأحيان إلى تأجيج الثورات التي تقوم على دين أو فكرة أو رسالة أو أيديولوجية تُعبّر عن الوعي الجمعي للشعب أو الأمة.
ما لا يدركه الاستعمار أو قوى الطغيان عند التعامل مع الثورات وحركات التغيير، أن قتل الرموز والقادة يؤدي في كثير من الأحيان إلى تأجيج الثورات التي تقوم على دين أو فكرة أو رسالة أو أيديولوجية تُعبّر عن الوعي الجمعي للشعب أو الأمة
هذه الظاهرة هي ظاهرة عامة في حركة الحياة وتجارب التاريخ، وتنطبق على مختلف الأيديولوجيات والشعوب؛ وهي تنطبق بشكل فعال على الشعوب الحية ذات العمق الحضاري والعقائدي والتاريخي وليس المجتمعات المفككة الهشة، وتنطبق على التيارات أو الحركات التي تجتمع على الفكرة والمبدأ وليس على الجماعات التي تلتف حول الشخص أو المصلحة.
وفي القرآن الكريم ترى ذلك في قصص سحرة فرعون وفي مؤمن آل فرعون، وفي زكريا عليه السلام الذي نشر بالمنشار، وفي يحيى عليه السلام الذي قطع رأسه لأجل امرأة غانية. وفي المسيحية يتخذ أتباعها بحسب اعتقادهم مصادر إلهام هائلة؛ من "تضحية" المسيح عليه السلام، ومن استشهاد ستيفن (ستيفانوس) وبطرس (بيتر) وبولس(بول).. وغيرهم.
وفي التاريخ الإسلامي نَبَعتْ عظمة الكثيرين من استشهادهم كما في سُمية وعمار وخبيب بن عدي رضي الله عنهم، ولعل نموذج الحسين بن علي رضي الله عنه هو الأشهر، والأكثر تأثيرا.
وفي تاريخ فلسطين الحديث تتربع نماذج القسام وعبد القادر الحسيني وعبد الفتاح حمود ومحمد يوسف النجار وخليل الوزير وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي.. وغيرهم كثير. وما ضَرَّ هؤلاء ألاّ تتحقق انتصارات كبرى على أيديهم، أو يحققوا أهداف العودة والتحرير؛ ولكن تضحياتهم كانت وما تزال نماذج ملهمة ووقودا للثورة وقوتها لمن حمل الراية بعدهم.
الشيخ صالح العاروري:
إن خسارة حماس بالشيخ صالح ورفاقه خسارة كبيرة، فهو الرجل الثاني في الحركة، ويتمتع بعدد من المواصفات قل نظيرها. فإلى جانب ذكائه الحاد وشخصيته القيادية القوية وشجاعته، وقدرته على الإقناع وديناميته العالية، وتواضعه وسهولة معشره، فقد كان يُعدُّ أحد مفكري الحركة ومنظري مرحلتها، وله دوره الكبير في إدارة علاقاتها الخارجية، خصوصا مع "محور المقاومة".
الشيخ صالح العاروري المولود سنة 1966، ترعرع في أحضان جماعة الإخوان المسلمين في قرية عارورة، وصار رئيسا للاتجاه الإسلامي في مدرسة القرية، ثم رئيسا للكتلة الإسلامية في جامعة الخليل، بينما كان يتابع تخصصه في الشريعة الإسلامية.
كتائب القسام في الضفة:
كانت المحطة الفارقة في حياة العاروري دوره الرئيس في تأسيس كتائب الشيخ عز الدين القسام في الضفة الغربية. فقد كانت حماس قد شكلت جناحها العسكري الحالي "كتائب عز الدين القسام" في 1990، الذي حلّ محل "المجاهدون الفلسطينيون"، في قطاع غزة. أما في الضفة الغربية فقد أخذ العمل العسكري في البداية شكل المبادرات الفردية أو المنظمة المحدودة، وكانت أحد أولى المبادرات "مجموعة بيت أمر" والتي تعود أولى عملياتها إلى آذار/ مارس 1988؛ ومجموعة سمير الأسطة في نابلس؛ ومجموعات البراق التي تشكلت بإشراف قيادة حماس في الخليل، في النصف الأول من 1990، بالإضافة إلى محاولة الشيخ محمد أبو طير بعد الإفراج عنه في آذار/ مارس 1991.
ويعود اتخاذ كتائب القسام شكلا مستقرا في الضفة سنة 1991، إلى الدور الذي لعبه الشيخ صالح العاروري عندما كان أمير الكتلة الإسلامية في جامعة الخليل، والتقى في السجن مع عادل عوض الله، أمير الكتلة الإسلامية في جامعة بيت لحم، وإبراهيم حامد، أمير الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت، حيث قرروا إطلاق العمل العسكري بعد خروجهم من السجن وإعادة تشكيل المكتب الإداري للكتلة الإسلامية في مدينة رام الله وقُراها برئاسة العاروري وعضويتهما سنة 1991. واستخدموا مواقعهم لترشيح أعضاء في العمل العسكري، على أن يقود العاروري الجهاز ويكون نائبه عوض الله، ويتولى حامد التواصل مع الخارج لجلب الدعم للجهاز.
وقام العاروري بتجنيد موسى دودين وعباس شبانة من الخليل، واستقبل عددا من مطاردي القسام من غزة، وتولى إيواءهم وتسليحهم. ونسَّق العمل في شمال الضفة مع زاهر جبارين وعدنان مرعي، كما نسَّق مع قطاع غزة. ونسَّقت قيادة الحركة في الخارج العمل مع صالح العاروري ورفاقه، بإشراف موسى أبو مرزوق، وأرسلت محمد صلاح بمبالغ مالية لتمويل العمل العسكري في الضفة، وتمّ تثبيت اسم كتائب القسام في الضفة بالتوافق مع الخارج وغزة سنة 1992. ونُفذت أولى العمليات باسم القسام في الضفة على يد محمد بشارات الذي قَتَل جنديا صهيونيا في 22 أيلول/ سبتمبر 1992. ثم تواصل العمل، بالرغم من اعتقال العاروري في تشرين الأول/ أكتوبر 1992 وحبسه إداريا.
في السجون الإسرائيلية:
مكث الشيخ صالح في السجون الإسرائيلية نحو 18 عاما (1992-2010) تخللتها فترة قصيرة أفرج عنه فيها ثم أعيد اعتقاله. وتميز خلال اعتقاله بكونه شخصية إجماع وطني، بالإضافة إلى كونه أحد أبرز رموز حماس في السجون. وكان عادة ما يكون مرجعا معتمدا لتسوية الأمور وحل أي خلاف بين الأسرى، بفضل ما يتحلى به من حكمة وقدرات قيادية وإمكانات استيعابية واسعة للعناصر المختلفة. وقد لعب الشيخ صالح دورا أساسيا في ترتيب صفقة شاليط من داخل السجون بالتنسيق مع يحيى السنوار ورفاقه في حماس، والتي أدت إلى إطلاق سراح 1,027 أسيرا، بينهم أكثر من 300 من المحكومين بالمؤبدات.
متابعة الضفة الغربية:
التجربة التاريخية، تشير إلى قدرة هذه الحركة على التعافي والاتساع، وتحويل التضحيات إلى حالة من مراكمة المنجزات، التي تعمق مصداقيتها، وتزيد دائرة تأثيرها، وتجتذب الجماهير نحوها
أُطلق سراح الشيخ صالح قبيل صفقة شاليط، وأُبعد عن فلسطين المحتلة سنة 2010، حيث غادر إلى سوريا لينضم إلى قيادة حماس هناك، وليتابع ملف الضفة الغربية من خارج فلسطين؛ وقد ظل يدير هذا الملف حتى استشهاده. وكان للشيخ صالح دور أساس في تفعيل العمل العسكري في الضفة الغربية بالرغم من الظروف القاسية التي تعانيها الضفة في ظل التنسيق الأمني بين سلطة رام الله والكيان الصهيوني. وقد جعل هذا الدور الشيخ صالح أحد أكبر المطلوبين للتصفية في قوائم الاحتلال.
ومن المعروف أيضا أن الولايات المتحدة جعلته في قوائم الإرهاب منذ أيلول/ سبتمبر 2015، ووضعت لاحقا مكافأة بمبلغ خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض عليه.
من ناحية أخرى، فإن الشيخ صالح انتخب نائبا لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس في 2017 وأعيد انتخابه للموقع نفسه في 2021. ولعب خصوصا في السنوات الست الماضية دورا مفصليا في صناعة قرار الحركة وبناء توجهاتها، إلى جانب دوره في إدارة الضفة الغربية.
* * *
بالرغم من الخسارة الكبيرة والفراغ الذي سيتركه الشيخ صالح رحمه الله، باستشهاده وعدد من رفاقه؛ فإن حركة حماس حركة إسلامية ذات قاعدة شعبية واسعة، حافلة بالرموز والقيادات والكفاءات. وإن التجربة التاريخية، تشير إلى قدرة هذه الحركة على التعافي والاتساع، وتحويل التضحيات إلى حالة من مراكمة المنجزات، التي تعمق مصداقيتها، وتزيد دائرة تأثيرها، وتجتذب الجماهير نحوها.
twitter.com/mohsenmsaleh1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العاروري حماس كتائب القسام الاحتلال حماس الاحتلال كتائب القسام شخصيات العاروري مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإسلامیة فی جامعة القسام فی الضفة صالح العاروری الضفة الغربیة العمل العسکری الشیخ صالح
إقرأ أيضاً:
مذكرتا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت.. إسرائيل إلى مزيد من العزلة
الثورة /
ترى الصحافة الدولية والإسرائيلية في مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت انتكاسة لإسرائيل وتصعيداً سياسياً قانونياً دراماتيكياً يحمل تداعيات عديدة قد تقوم إلى عزل دولة الاحتلال وفرض قيود على سفر مسؤوليها إلى عشرات الدول، وإضعاف موقفها على المستوى الدولي وهي التي لطالما نافحت عن “ديمقراطيتها” الموسومة اليوم بجرائم الإبادة الجماعية في غزة.
وفي سابقة تاريخية، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، أمس الأول الخميس، أوامر اعتقال بحق كل من رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيشه المُقال يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.
وركزت مذكرات الاعتقال على اتهام المسؤولين الإسرائيليين بارتكاب جرائم حرب ترقى إلى الإبادة الجماعية، بينها تجويع شعب بكامله ومنعه من حقه في الوصول إلى مقومات حياته.
وقد أثار القرار عاصفة سياسة في الحلبة الدولية، فبينما أكدت العديد من الدول الأوروبية التزامها بتنفيذ أمر المحكمة، توجهت الأنظار نحو إسرائيل وكيف ستتعامل مع القرار الذي عدته أوساط إسرائيلية صفعة قوية يصعب تخيل عواقبها، حتى وإن رفضت الإدارة الأمريكية القرار بادعاء أن الجنائية الدولية لا تملك الولاية القضائية في هذه المسألة.
نتنياهو المأزوم والمشهور بقوته الخطابية، لم يجد أفضل من وصف القرار بأنه “محاكمة درايفوس” الجديدة، مشبها نفسه بالضابط اليهودي الفرنسي الذي جرت محاكمته عام 1859 لأنه يهودي، وكان هذا التوصيف مقدمة لاعتبار القرار لا ساميا ومعاديا لليهود وللحضارة الإنسانية ويوما أسود في تاريخ الشعوب المتحضرة.
وقبل بضعة أشهر، وصف نتنياهو طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بأنه “سخيف وكاذب.. وتشويه للواقع”، وتبع نتنياهو في مثل هذه التوصيفات كل أقطاب الحلبة السياسية في إسرائيل، الذين هبوا للدفاع عما اعتبروه “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” ضد البربرية والظلامية، وضد من يسعون لإزالتها عن وجه الأرض.
ويرى مقال في صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن إصدار “الجنائية الدولية” مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت يمثل انتكاسة لإسرائيل ويعكس أدنى مستوى لها في معركتها من أجل الشرعية وحشد الدعم الدولي.
ووفق المقال، فإن الإسرائيليين الذين شعروا بدعم كثير من دول العالم بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 “يفيقون اليوم بعد 13 شهرا ليجدوا بلادهم معزولة ومدانة ومتهمة بارتكاب جرائم حرب”.
تصعيد دراماتيكي
بدورها، وصفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية قرار الجنائية الدولية بالتصعيد الدراماتيكي في الإجراءات القانونية ضد إسرائيل على خلفية الحرب على غزة، مشيرة إلى أنه القرار الأول من نوعه ضد مسؤول مدعوم من الغرب.
وحسب الصحيفة، فإن من شأن القرار تعزيز الشعور بأن إسرائيل تعيش عزلة دولية متزايدة بسبب سلوكها في الحرب على غزة.
أما صحيفة لوموند الفرنسية، فقالت في تقرير لها إن الولايات المتحدة معزولة بعد استخدام حق النقض (الفيتو) مرة أخرى ضد قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة.
وفق التقرير، كان يتوقع المفاوضون أن تراجع إدارة الرئيس الحالي جو بايدن موقفها قبل وصول إدارة دونالد ترامب المؤيدة بشدة لإسرائيل.
تداعيات محتملة
أما صحيفة “نيويورك تايمز”، فقد سلطت الضوء على ثلاث تداعيات محتملة لمذكرات الاعتقال الصادرة عن الجنائية الدولية، أولها العزل الدبلوماسي، إذ يزيد القرار من عزلة إسرائيل في المجتمع الدولي، خصوصا بين الدول الموقعة والمصادقة على الولاية القضائية للمحكمة الموكلة بمحاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ما قد يعوق العلاقات الدبلوماسية والتعاون العسكري بين سلطات الاحتلال والعديد من الدول.
وترى الصحيفة الأمريكية أن مذكرة الاعتقال ستعيد وضع القادة الإسرائيليين تحت مجهر القانوني الدولي، مما يجعل سفرهم خارج إسرائيل محفوفا بالمخاطر، إلى جانب إضعاف الموقف الإسرائيلي، حيث تقول الصحيفة إن المذكرة تعزز الانتقادات الدولية ضد العمليات العسكرية الإسرائيلية، ويضعف من الدعم الذي تتلقاه من حلفائها، خاصة في أوروبا.
وتنقل نيويورك تايمز عن الخبير في القانون الدولي فيليب ساندز، أن ثمة قيود قانونية تواجه المحكمة الجنائية الدولية في تنفيذ مذكرات التوقيف، “إلا أن القرار يحمل رمزية قوية تعكس تغيرا في الموقف الدولي تجاه إسرائيل”، مشيراً إلى أن الدول الموقعة ملزمة باعتقال “المطلوبين إذا دخلوا أراضيها. هذا التزام قانوني واضح”.
ومع ذلك، فإن تبنه الصحيفة إلى سوابق مثل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدول موقعة من دون اعتقال ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة المحكمة على فرض قراراتها عمليا.
حظر توريد السلاح لإسرائيل
ويرى محلل عسكري إسرائيلي، أن مذكرتي الاعتقال الدوليتين بحق نتنياهو وغالانت تفتحان الباب أمام فرض حظر على توريد أسلحة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ويشير المحلل بصحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل إلى أن قرار الجنائية الدولية “قد يعطي دفعة قوية للشكاوى والتحقيقات الجنائية ضد جنود وقادة الجيش الإسرائيلي والتي تجري في العديد من البلدان”.
ويلفت هارئيل إلى العديد من التداعيات للقرار بما فيها إمكانية اعتقال نتنياهو وغالانت في أكثر من 120 دولة أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية حال وصلا إليها، ويقول إن من شأن القرار خلق فرصة لحظر الأسلحة من قبل دول غربية إضافية، والتي اكتفت حتى الآن بإجراءات “أكثر اعتدالاً ضد إسرائيل”.
ويضيف: “هذا من شأنه أن يعطي دفعة قوية للعديد من الشكاوى والتحقيقات الجنائية ضد جنود وقيادات الجيش الإسرائيلي والتي تجري في العديد من البلدان. كما أنه بمثابة تذكير بأن هناك محوراً آخر للتحقيق الجنائي يتمثل في الأحداث الجارية في الضفة الغربية، مع التركيز على المستوطنات”.
بابان لا ثالث لهما
الكاتب والخبير في الشؤون الإسرائيلية، إيهاب جبارين تحدث عن بابين لا ثالث لهما أمام هذا المنحنى الذي تتعرض له إسرائيل.
ووفق مقالة لجبارين فإن الباب الأول، أفرز نتنياهو كعقبة أمام مسمى إسرائيل الأسمى، “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” التي تغنّى بها، فهذا القرار يشكّك بديمقراطية دولة الاحتلال قبل أي شيء آخر، كما يشكّك باستقلالية القضاء الإسرائيلي وقدرته على محاسبة ذاتية منصفة.
ويضيف: “على مدى سنوات أغمض الغرب عيونه عن أعتى ممارسات إسرائيل الاحتلاليّة، فقط لكونها تمارس هذا الاحتلال تحت عباءة الديمقراطية والقيم الليبرالية، ولكن الآن وبعد أن زجّت المحكمة اسم نتنياهو جنبًا إلى جنب مع البشير، تجد إسرائيل نفسها في اختبار حقيقي، وعليها أن تقرر من تفضل؟ سمعة إسرائيل أم سمعة رئيس حكومتها الذي جلب لها العار؟”.
ويؤكد جبارين أن هذه النقطة تحديدًا هي اختبار للدولة العميقة في (إسرائيل)، ومدى إحكام وسيطرة نتنياهو عليها، “وهنا نستطيع القول إنّ هذه المجريات أعادت إسرائيل إلى المربع الأول، إذا أرادت الانتصار في الحرب، عليها الانتصار على نتنياهو، الأمر الذي تجاوزه نتنياهو حتى وصل إلى ما وصلنا إليه اليوم”.
وختم حديثه عن الباب الأول بالقول: “مرة أخرى توضع الدولة العميقة في إسرائيل في هذا الاختبار المصيري: إمّا أن تنتصر هي، وإمّا أن ينتصر هو، ومن بعده فليكن الطوفان”.
أمام الباب الثاني وفق جبارين، فهو يعني الجزم بأنّ إسرائيل باتت دولة الرجل الواحد، وهنا يتوجب على الساحر الدبلوماسي (نتنياهو) أن يمارس جهوده السابقة والتي قد أفلح بها مرات كثيرة بأن يخرج إسرائيل من عزلتها الدبلوماسية من خلال ضرب المحكمة الدولية بجهود استخباراتية قبل الدبلوماسية، مشيراً إلى أن ملف كريم خان “مجرد مقدمة، لما تجهز له إسرائيل لكل من يقف أمامها، سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات أو حتى دولًا، تمامًا كما الدول المارقة الجانحة”.
ويتابع جبارين في مقاله: “وهنا لن يكون اختبارًا لنصر شمشون إسرائيل (نتنياهو) فحسب، إنما هو اختبار لكل القيم الدوليّة والديمقراطية، بل وسيكون مقياسًا ومعيارًا من معايير غزة الكاشفة لمواثيق حقوق الإنسان التي ضاقت على الفلسطيني”.
ويؤكد الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي، أن على العالم أن يحدد ماهيّة تعريف “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بالأخص أنّ كل ممارساتها وكل ما ارتكتبه يصنّف اليوم كجرائم حرب وَفقًا لاعتراف محكمته الدولية”.
ويختم بالقول، إن “جملة التصريحات الإسرائيلية لم تبقِ أمام الخيارين الكثير من التخبط، فلم يبقَ إلا أن تعلن إسرائيل الحرب على لاهاي، وضرورة الاستيطان فيها بعد محوها كإجراء عقابي لكل من يجرؤ على الوقوف أمام هذا الشمشون”.