أهداف التنمية المستدامة.. هل تتحقق؟
تاريخ النشر: 5th, January 2024 GMT
إذا قلت لك إنني حددت 17 هدفا عاما للسنة الجديدة تشمل كل شيء من الانكباب على المزيد من العمل وممارسة المزيد من التمارين الرياضية وقضاء المزيد من الوقت مع أسرتي ربما ستنتابك الشكوك بأنني أغالي في طموحي. وإذا أمضيت أكثر وشرحت لك أن هذه الأهداف تتضمن داخلها 169 هدفا فرعيا قد تستنتج أنني أبالغ في الدقة ويقينا سأفشل في تحقيق أهدافي العامة والفرعية.
لكن هذا هو بالضبط عدد الأهداف التي وضعها العالم لنفسه في عام 2015 عندما وافق 193 بلدا في الجمعية العامة للأمم المتحدة على أهداف التنمية المستدامة لصون كوكب الأرض وتحسين الحياة البشرية على ظهره. وعلى الرغم من أن هذه البلدان منحت نفسها 15 عاما لتحقيق هذه الأهداف الطموحة إلا أنها قررت في الوقت ذاته أن تفشل في ذلك.
مع انقضاء نصف الفترة المقررة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بنهاية عام 2030 ربما ستفاجأون إذا علمتم أن كوكب الأرض انحرف عن المسار المقرر لبلوغ هذه الغاية. فقد نشرت الأمم المتحدة تقريرا في يوليو حذرت فيه من أن أهداف التنمية المستدامة «في خطر» وأن 12% فقط من هذه الأهداف في المسار الصحيح.
إلى ذلك، أوضحت دراسة منفصلة لشركة اكسنتشر أن 49% فقط من حوالي 2800 من قادة الأعمال يعتقدون أن أهداف التنمية المستدامة سيتم الوفاء بها بحلول عام 2030. ومع اشتمالها على أهداف معلنة مثل «إنهاء كل أشكال التمييز ضد النساء والفتيات في كل مكان» كل ما يمكن أن أقوله: أنه هو من الجيد أن نعلم بأن روح التفاؤل لا تزال شائعة في قطاع الشركات.
يمكنكم أن تدركوا لماذا تحددت أهداف التنمية المستدامة التي هي امتداد للأهداف الإنمائية للألفية (الثمانية فقط) المقررة في عام 2000؟ الفكرة وراء أهداف التنمية المستدامة كانت نصب مرآة أمام «العالم» والمساعدة على تنظيم وحشد الموارد من أجل تحسين صورته المنعكسة في المرآة.
لكن الحقيقة القاسية هي أن أهداف التنمية المستدامة كان مصيرها الفشل منذ البداية. والنظرة الخاطفة للأهداف الـ 17 تخبرنا لماذا. فالهدف رقم 1 «إنهاء الفقر بكل أشكاله وفي أي مكان» طموح محمود حقا. لكنه هدف يجب أن نعلم بيننا وبين أنفسنا أنه مغالى فيه جدا.
المشكلة الحقيقية هي التعقيد الذي ينطوي عليه مثل هذا الطموح وليس مستواه. فالهدف رقم 3 من أهداف التنمية المستدامة يغطي «الصحة الجيدة والرفاهية.» وهو مقسم إلى 13 هدفا فرعيا تمتد من إنهاء كل الوفيات التي يمكن تجنبها للأطفال تحت سن الخامسة إلى خفض إصابات ووفيات الطرق.
كما أن بعض الطموحات مهما كانت مدعاة للإعجاب متناقضة. فلكي تَفِي جمهورية الكونغو الديمقراطية بالهدف رقم 9 «البنية التحتية المرنة» سيلزمها تشييد المزيد من الطرق. وهي بلد بمساحة غرب أوروبا ولكن طرقها الممهدة لا تزيد عن بضعة آلاف من الكيلومترات مقابل 6.5 مليون كيلومتر من الطرق في غرب أوروبا. نعم بناء المزيد من الطرق يحقق للناس في جمهورية الكونغو المزيد من المنافع بما في ذلك تيسير مراجعة الأطباء والذهاب إلى المدارس. لكن من المؤسف أنها أيضا ستتسبب في المزيد من الوفيات في الحوادث المرورية. أيضا الطرق قد تترتب عنها عواقب أخرى غير متوقعة وهذا يناقض الهدف رقم 15 من أهداف التنمية المستدامة (حماية الحياة بأنواعها على الأرض) فهي يمكنها أن تسرِّع من وتيرة إزالة الغابات بفتح مناطق معزولة لشركات تصدير الأخشاب.
من الممكن القول: إن السكان الذين تربطهم الطرق بهذه المناطق ربما لن يمارسوا زراعة «الحرث والحرق» أو استخدام الحطب لأغراض الطهي. لكن المسألة هنا هي أن التحول (مثل شق طرق جديدة) لا يمكن التنبؤ بنتائجه. والتحسينات المجتمعية نادرا ما تتسق معه. فالتنمية ليست عملية يسيرة تتبع مخططا مرسوما مسبقا.
أيضا زيادة الدخل (الهدف رقم 1 من أهداف التنمية المستدامة) وتقليل اللامساواة (الهدف رقم 10) قد يقودان إلى اتجاهين متعاكسين. فعندما تشرع المجتمعات في التخلص من الفقر حتما ستتحسن أوضاع بعض الناس أولا وقبل الآخرين، كما يجادل بذلك بعض الاقتصاديين بمن فيهم انجوس ديتون الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد.
تلك كانت هي النظرة الثاقبة للزعيم الصيني دنج شياو بينج (1978-1992) الذي أشرف على إصلاحات القضاء على الفقر في الصين عندما ««مجَّد» الثراء لشعب بلده الاشتراكي الفقير.» نعم لم يتمكن كل أحد في الصين من تحقيق ذلك المجد (الثراء) على الفور. لكن عديدين فعلوا ذلك في النهاية.
أهداف التنمية المستدامة عبارة عن قائمة «أماني» للعالم. لكن وكما كتب ريتشارد روميلت الأستاذ بجامعة كاليفورنيا «إعدادُ قائمة بالنتائج المرغوبة» ليس استراتيجية. فالإستراتيجيات تنطوي على عزل جوهر المشكلة وإيجاد أفضل طريقة لمعالجتها.
من المعقول أن يركز البلد الفقير كل قدراته على هدف التنمية المستدامة رقم 5 وهو المساواة بين الجنسين (إنصاف النساء.) فمن أجل تحسين حياة وخيارات النساء حقا سيلزم الحكومات أن تحقق تقدما في العديد من أهداف التنمية المستدامة الأخرى أيضا. وفي الوقت المناسب قد يكون بمقدور النساء اللاتي يحصلن على التمكين المساهمة في معالجة القضايا الأخرى ذات الصلة بأهداف التنمية المستدامة.
بالقدر نفسه يمكن لإحدى الحكومات أن تقرر التركيز على البنية الأساسية. فالطرق الريفية من شأنها أن تساعد الفلاحين على بيع المزيد من المنتجات الغذائية للمدن وتوفير العملة الصعبة التي يستورد بها البلد المعني سلع الغذاء وتكوين فائض مالي يمكن أن يعاد توجيهه لقطاعات أخرى.
استراتيجيات التنمية المعقولة تختلف من بلد إلى بلد آخر. وهي لا يمكن فرضها من الخارج.
إضافة إلى ذلك، البلدان الفقيرة تفتقر إلى القدرة على عمل كل شيء في الوقت نفسه حتى في ظروف متخيَّلة تتوافر فيها تدفقات مالية كافية من الخارج. واقع الحال، أهداف التنمية المستدامة تعتبر كل شيء أولوية. لكن في العالم الحقيقي يعني ذلك عدم تحديد أية أولوية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من أهداف التنمیة المستدامة المزید من
إقرأ أيضاً:
نهيان بن مبارك: الإمارات تضع التنمية المستدامة في صدارة أولوياتها
أكد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش، أن دولة الإمارات، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، تضع التنمية المستدامة في صدارة أولوياتها، من خلال الاستفادة الكاملة من الموارد البشرية، وبناء اقتصاد متنوع ومستدام وحماية البيئة، إلى جانب التركيز على الاستقرار والتماسك الاجتماعي وتعزيز الهوية الثقافية.
جاء ذلك خلال استقبال معاليه لكبار الشخصيات المشاركة في الاجتماع السنوي للشبكة العالمية للاستدامة، والتي ضمت شخصيات محلية وعدد من قادة الأديان، ورواد الأعمال، وقادة المجتمع المدني من مؤسسي الشبكة، وذلك بمجلس معاليه في العاصمة أبوظبي أمس.
وتناول الاجتماع دور الشبكة على المستوى المحلي والعالمي في دعم كل ما يتعلق بالاستدامة من قيم وأهداف وآليات، وأشاد الاجتماع بالتزام دولة الإمارات بتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز التعاون الدولي لتحقيق الهدف الثامن من الأهداف السبعة عشر للأمم المتحدة.
وأعرب معالي الشيخ نهيان بن مبارك، في كلمته الافتتاحية،عن شكره لمؤسسي الشبكة، ممثلين في رضا جعفر والأسقف أليستير ريدفيرن، على جهودهما التي جعلت من الشبكة منصة ناجحة للتغيير الإيجابي.
وأكد أن هذا الاجتماع يمثل فرصة لتبادل الأفكار الإبداعية، حول تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، وتوفير فرص عمل منتجة، بما يضمن حياة كريمة وسعيدة للجميع.
وأشار الشيخ نهيان بن مبارك إلى أهمية الشمولية والتعاون بين مختلف القطاعات، بما في ذلك الحكومات، والأوساط الأكاديمية، ووسائل الإعلام، ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق الهدف الثامن بحلول عام 2030، مشددا على أهمية تعزيز التسامح والأخوة الإنسانية لمعالجة التحديات العالمية، موضحا أن التسامح في الإمارات يعني الاعتراف بالتنوع واحترامه ودعمه ورعايته.
وأكد أن تحسين جودة الحياة يتطلب إعادة التفكير في السياسات والمواقف الحالية، مع التركيز على التعليم للجميع، والقضاء على الفقر، وتحسين الصحة العالمية، وتعزيز التعاون الدولي، داعيا الجميع إلى أن يتعهدوا معا بمنح جميع فئات المجتمع والعالم، كل الفرص الممكنة لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم والعيش في سلام وكرامة، من خلال ما يمكن تقديمه من مبادرات ومشروعات وأنشطة مختلفة.
ووجه الشيخ نهيان بن مبارك، الشكر للمشاركين في شبكة الاستدامة العالمية على تفانيهم وإبداعهم، متمنيًا لهم اجتماعات مثمرة وتجربة مميزة في العاصمة أبوظبي، قائلا : “ دعونا نتعهد اليوم بمنح جميع الناس حول العالم القوة لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم، والقدرة على تحقيقها”.
وأضاف معاليه : “دعونا نتعهد بتوفير حياة صحية وتعليم سليم للجميع. ودعونا نتعهد بالوفاء بالتزامنا الجماعي لجعل هذه الحياة ممكنة لجميع مواطني العالم، أنتم في شبكة الاستدامة العالمية تلبون هذا الالتزام، أفعالكم تمكّن المزيد من الأشخاص المحرومين في العالم من عيش حياة سعيدة ومنتجة، شكرًا لكم جميعًا على تفانيكم وإبداعكم وسخائكم ، وشكرًا لتذكيرنا بأنه يجب علينا جميعًا العمل معًا لخلق نظام عالمي يعزز الأمل والتفاهم والاستقرار والسلام والتعاون والازدهار”.
وتعمل الشبكة العالمية للاستدامة على تعزيز التعاون بين قادة الأديان، ورواد الأعمال، والمجتمع المدني لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، مع التركيز بشكل خاص على الهدف الثامن الذي يدعو إلى “تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والشامل، وتوفير العمل اللائق للجميع” من خلال عشرات المبادرات والأنشطة السنوية.وام