على الرغم من أن إيران تتحكم بالعديد من الأذرع العسكرية في لبنان والعراق وغيرها إلا أن النظام الإيراني فضل استخدام الحوثيين لإثبات حضوره في تلك الحرب، يسلط المقال الضوء على المقومات الاستراتيجية التي يمتلكها الحوثيون للقيام بهذا الدور.

  

منذ بداية الصراع بين إسرائيل وحماس، اتخذ الحوثيون اليمنيون المدعومون من إيران خطوة غير عادية بالوقوف إلى جانب مناضلي حماس.

لقد شاركوا في ضربات صاروخية وعمليات اختطاف بحرية وإطلاق طائرات بدون طيار. وعلى الرغم من فشل معظم هذه الجهود وعدم وصول أي من الهجمات إلى "إسرائيل"، إلا أن ذلك يثير سؤالاً وثيق الصلة: لماذا يبدو أن الحوثيين، من بين جميع حلفاء إيران الشيعة، يتصرفون بمثل هذا العدوان؟ ربما يلفت هذا السؤال الانتباه، خاصة وأن عدداً كبيراً من الهجمات الحوثية لم تنجح. يقودنا هذا الواقع إلى أول الافتراضات العديدة حول سبب لعب إيران بورقة الحوثيين.

وحقيقة أن الحوثيين، في الوقت الحالي، لا يمتلكون القدرة على مهاجمة "إسرائيل" بنجاح، لا يجعلهم بالضرورة ورقة غير مرغوب فيها بالنسبة لإيران. ويدعم هذا الموقف التقارير الإعلامية الأخيرة التي تشير إلى أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي صرح صراحة خلال اجتماع عقد في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني مع زعيم حماس إسماعيل هنية، بأن إيران لا تنوي المشاركة في الهجمات. وبحسب التقارير، صرح خامنئي أنه بما أن حماس بدأت العملية بشكل مستقل عن إيران، فيجب عليها المضي قدمًا بشكل مستقل.

 

سيكون الخيار الأقل خطورة هو الانخراط في إجراءات رمزية أو غير فعالة إلى حد كبير. وقد يفسر هذا المنطق سبب سماح إيران للحوثيين، شريكها الأقل قدرة على إيذاء إسرائيل

وعلى الرغم من موثوقية هذه التقارير، فمن المعقول القول بأنه نظراً للتفاوت الكبير في القوة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل وطبيعة الحكومة الإيرانية، سيكون من المعقول للجمهورية الإسلامية عدم شن حرب على "إسرائيل". وفي الواقع، فإن إحجام إيران عن إطلاق العنان لحزب الله في لبنان أو غيره من الوكلاء في سوريا ضد "إسرائيل" هو أمر مفهوم أيضا، لأن تلك الهجمات يمكن أن تخرج بسرعة عن نطاق السيطرة، مما يؤدي إلى التصعيد، وهو ما قد يؤدي إلى مواجهة "إسرائيلية" إيرانية مباشرة.

وفي الوقت نفسه، ونظراً للدور الذي نصبته إيران لنفسها باعتبارها حامية المجتمع الإسلامي و"الشعب المضطهد"، فإن التقاعس عن العمل ليس خياراً قابلاً للتطبيق. ففي نهاية المطاف، تقود إيران سلسلة من الوكلاء في جميع أنحاء المنطقة تُعرف باسم "محور المقاومة". وفي هذا السيناريو، فإن إيران مضطرة إلى التصرف بطريقة تقلل من التداعيات المحتملة. وسيكون الخيار الأقل خطورة هو الانخراط في إجراءات رمزية أو غير فعالة إلى حد كبير. وقد يفسر هذا المنطق سبب سماح إيران للحوثيين، شريكها الأقل قدرة على إيذاء إسرائيل، بإطلاق الصواريخ والتهديد بالسلاح، وبالتالي الحد من خطر التصعيد دون فقدان ماء الوجه.

وفي الواقع، يوضح التاريخ أن القرارات الوطنية، بما في ذلك تلك التي تتخذها جمهورية إيران الإسلامية، تتأثر بمجموعة من العوامل. وبالتالي، يمكن أن يُعزى اختيار إيران الاستفادة من فصيل الحوثي في‌​⁩اليمن إلى اعتبارات استراتيجية مختلفة

·     أحد العوامل الرئيسية هو أن اليمن يقع خارج المجال التقليدي للعمليات الاستخباراتية "لإسرائيل". تاريخياً، كانت إحدى نقاط قوة "إسرائيل" تتلخص في قدراتها الاستخباراتية القوية، والتي لعبت دوراً حاسماً في نجاحاتها العسكرية. ويمكن ملاحظة ذلك في الأحداث التاريخية مثل حرب الأيام الستة عام 1967، وعملية "أوبرا" ضد المنشأة النووية العراقية في عام 1981، والعملية "خارج الصندوق" التي استهدفت المنشأة النووية السورية في عام 2007، والعمليات المختلفة التي عطلت المساعي النووية والباليستية الإيرانية.

وفي حين تفوقت شبكة الاستخبارات "الإسرائيلية" في اختراق خصومها الأساسيين، فإن هذا التركيز ربما أدى إلى إهمال نسبي للكيانات الأقل تهديدًا بشكل مباشر. وكانت الهجمات المفاجئة التي وقعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول بمثابة شهادة على هذا الخطأ.

ونتيجة لذلك، فإن اليمن، على النقيض من قلب محور المقاومة، الذي يمتد من بيروت إلى طهران، يشكل نقطة عمياء نسبياً بالنسبة للمخابرات "الإسرائيلية". هذا الافتقار إلى "العيون والآذان" على الأرض يمكن أن يوفر لإيران شعوراً بالأمان في استخدام الحوثيين كوكيل استراتيجي دون التعرض لخطر مباشر من الضربة الاستباقية أو الانتقام "الإسرائيلي".

  

·     وتشكل المسافة الجغرافية بين اليمن و"إسرائيل"، إلى جانب التضاريس الجبلية الوعرة في اليمن، عاملاً مهماً آخر في الحسابات الاستراتيجية الإيرانية لاستخدام فصيل الحوثي. حيث تمثل المسافة التي تبلغ حوالي 2211 كيلومترًا (1373 ميلًا) تحديات لوجستية للعمليات العسكرية الإسرائيلية.

فعلى سبيل المثال الطائرة المقاتلة الرئيسية في إسرائيل ، F-35 Lightning II، لديها نطاق تشغيلي يتراوح بين 900 إلى 1200 ميل بحري، والطائرة F-16، وهي طائرة مهمة أخرى في أسطولها، يبلغ مداها حوالي 500 ميل دون التزود بالوقود. وبالنظر إلى قدرة "إسرائيل" المحدودة على التزود بالوقود جواً ، فإن هذه النطاقات تجعل العمليات المستمرة عبر هذه المسافات أكثر صعوبة.

بالإضافة إلى ذلك، في حين أن مقاتلات F-15 Eagles الإسرائيلية يمكنها العمل ضمن نطاق ممتد يبلغ حوالي 3000 ميل، فمن الجدير بالذكر أن مقاتلات F-15 مصممة في المقام الأول للقتال جو-جو، والتي قد لا تتماشى بسلاسة مع متطلبات المسافات الطويلة. مهمات هجومية ضد الحوثيين.

وعلى الرغم من أن "إسرائيل" تمتلك صواريخ باليستية بعيدة المدى من طراز أريحا 2/3 (YA-3/4)، قادرة نظرياً على الوصول إلى اليمن، فإن قرار نشر مثل هذه الأصول الاستراتيجية ينطوي على اعتبارات متأنية. ويشكل الهيكل اللامركزي وشبه القبلي لميليشيا الحوثي ووجودها المتناثر في المناطق الجبلية تحديا أمام الاستهداف الدقيق. إن استخدام صاروخ باليستي ضد هذا الهدف السائل والمراوغ يثير تساؤلات حول الفعالية التشغيلية والقيمة الاستراتيجية لمثل هذا العمل بالنسبة "لإسرائيل". وفي هذا السياق، فإن تحليل التكلفة والعائد لنشر موارد عسكرية كبيرة ضد عدو غير واضح ومشتت نسبيا مثل الحوثيين في تضاريس اليمن الصعبة يصبح جانبا حاسما في عملية صنع القرار الاستراتيجي لإسرائيل.

·     هناك عامل آخر يجب أخذه بعين الاعتبار وهو الموقع الجغرافي الاستراتيجي لليمن، حيث يقع على حدود البحر الأحمر ومضيق باب المندب، الذي يمر عبره 40% من التجارة الدولية. وقد يمنح هذا الموقف الحوثيين وداعمتهم الرئيسية، إيران، شعوراً (حتى لو كان زائفاً) بالأمان، معتقدين أن المجتمع الدولي لا يستطيع تحمل حرب طويلة الأمد في تلك المنطقة. وربما يفترضون أنه إذا اندلع صراع هناك، فإن الضغوط التي تمارسها الجهات الفاعلة الدولية ستكون كبيرة للغاية، بحيث إن أي عملية تقودها الولايات المتحدة سيكون محكوم عليها بأن تكون قصيرة الأجل.

·     وأخيرًا، من المهم أن ندرك أن شبكات وكلاء إيران ليست مجرد أدوات للنفوذ الإقليمي، ولكنها أيضًا مكونات رئيسية لاستراتيجيتها الردعية. ومن خلال تسليح هذه الجماعات، تشير إيران إلى خصومها بالفوضى المحتملة التي يمكن أن تجتاح المنطقة إذا تم حشد هؤلاء الوكلاء. وفي هذا السياق، تعتبر كيانات مثل حزب الله والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا حيوية للغاية بحيث لا يمكن المخاطرة بها في الصراعات الدائرة حول حماس. لكن الحوثيين لديهم وضع مختلف. لقد تمكنت إيران من تحقيق أهدافها الإقليمية منذ حوالي أربعين عاماً مع الحد الأدنى من الاعتماد على الحوثيين، مما يشير إلى أنها يمكن أن تستمر في القيام بذلك. ويشير هذا إلى أنه، على عكس وكلاء إيران الآخرين، قد يُعتبر الحوثيون أكثر قابلية للاستهلاك في نطاق أوسع من الاعتبارات الاستراتيجية لإيران.

   

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

روبوتيم وجاكوار والكلب الآلي.. لماذا فشلت الروبوتات الإسرائيلية أمام أنفاق غزة؟

في مايو/أيار الماضي أعلنت شركة "روبوتيم" (Roboteam) الإسرائيلية، المتخصصة في تصنيع الأنظمة الأرضية المُسيّرة والروبوتات القتالية، عن تلقيها أمر شراء من سلاح مشاة البحرية الأميركية (المارينز) لتوريد 200 قطعة من أنظمة الروبوتات الأرضية التكتيكية الدقيقة (إم تي جي آر)، في صفقة تبلغ قيمتها نحو 30 مليون دولار. وقالت الشركة إن مشاة البحرية اختاروا نظام "إم تي جي آر 15" (MTGR15) الذي يعدّ واحدًا من 5 أنواع من المُسيرات الأرضية التي تصنعُها، وهو من فئة الروبوتات التكتيكية الصغيرة الحجم، إذ يزن نحو 8 كيلوغرامات ولا يتجاوز طوله نصف متر، مما يسمح بإمكانية حمله داخل حقيبة ظهر في ساحة المعركة.

ويمكن تشبيه هذا النظام بدبابة مصغرة، فهو عبارة عن منصة روبوتية عالية المناورة مرتكزة على عجلات، يتم التحكم به عن بُعد من خلال وحدة تحكم مدمجة وشاشة قياس 7 بوصات. وبإمكانه القيام بمهام عدة في ساحة المعركة، من ضمنها: التخلص من الذخائر المتفجرة، والمناورات التكتيكية، ومهام الاستطلاع، مما يقلل من تعرض الجنود للمخاطر والكمائن الميدانية.

(الجزيرة)

 

تقنيات تتحطم على صخرة غزة

انتهزت "روبوتيم" فرصة الصفقة للترويج لجدارة أنظمتها، إذ أشارت إلى أن القوات الجوية الأميركية سبق لها شراء المئات منها بقيمة تزيد عن 25 مليون دولار، فضلا عن كون تلك الأنظمة مُجرّبة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي وأثبتت كفاءتها خلال حرب غزة، مما يدل على فعاليتها وأنها باتت أفضل خيار لـ "عملاء المستوى الأول في العالم"، وفق مزاعم الشركة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2احتكار القتل في فلسطين.. هل يمتلك أحد الحق في قتلنا؟list 2 of 2ثورتنا العلمية في مهب الريح.. هل نحن في حاجة إلى فيزياء كونية جديدة؟end of list

لطالما استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة كصالة عرض حية للصناعة العسكرية الإسرائيلية. هذا وتشير التقارير إلى أن أنظمة "روبوتيم" تُستخدم في غزة منذ عام 2014 بغرض استكشاف شبكة الأنفاق الواسعة التي بنتها المقاومة ورسم خريطة لها، وكذلك في محاولة التعرف على نشطاء فصائل المقاومة، إذ زوِّدت تلك الأنظمة بعدسة تكبير 10 أضعاف، كما أنها استُخدمت مؤخرًا بكثافة خلال العدوان الحالي على غزة، وفي العمليات التي استهدفت تحديد أماكن المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة.

لكن هل حققت أنظمة "روبوتيم" ذلك النجاح الذي تروج له الشركة حقا؟ والجواب أنه بالنظر إلى مرور 9 أشهر على بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، وفشل جيش الاحتلال في حل أحجية الأنفاق في غزة، ناهيك عن إخفاقه في تحديد أماكن أسراه طوال هذه المدة رغم المساعدات الاستخباراتية التي تلقاها من الولايات المتحدة وغيرها، فإن مزاعم الشركة الإسرائيلية بخصوص كفاءة أنظمتها هي موضع شك في أدنى الأحوال، وبالنظر إلى كون أنظمة الشركة تُستخدم بالفعل في الصراع منذ 10 سنوات، فإن الإخفاق سيكون هو الإجابة الأكثر منطقية، وليس النجاح.

هناك العديد من العوامل التي يمكن أن يُعزى إليها فشل الروبوتات الأرضية في غزة، ولعل أبرزها أن إدارة هذه الأنظمة تحتاج في الأخير إلى كفاءة العنصر البشري الذي يوجّه النظام، في حين أثبتت حرب غزة أن كفاءة الجندي الإسرائيلي باتت محل شك وفق تصريحات العديد من المسؤولين العسكريين الإسرائيليين السابقين، رغم ما يتمتع به من تقنيات وأسلحة حديثة. وتوضح الخبيرة الإسرائيلية في القانون والتكنولوجيا تهيلا ألتشولر الأمر بقولها إن الجيش الإسرائيلي "خضع للتكنولوجيا وأسلم لها زمام أمره على مدى سنوات، مما أدى إلى إضعاف قدرات العامل البشري وانفصال الجنود عن ساحة المعركة".

وعند تطبيق رؤية ألتشولر على تقنية مثل الروبوتات الأرضية والمُسيرات التي يتم التحكم بها عن بُعد، نجد أنها تحوّل ساحة المعركة إلى مشهد أقرب لألعاب الفيديو، الأمر الذي يُفقد الجنود حساسية الميدان والقدرة على استنباط المخاطر المحيطة واتخاذ القرار الملائم. وفي سياق مشابه، يرى مدير كلية القيادة والأركان السابق في سلاح مشاة البحرية الأميركية العقيد توماس جرينوود أن حسم المعركة يتحدد من خلال العامل البشري في نهاية المطاف، وأن التفوق التقني في الحرب لن يعوّض الإستراتيجية المعيبة أو التصميم العملياتي الرديء، مؤكدا أن التكنولوجيا ليست علاجا سحريا لكل داء، فلا بد أن تكون مصممة وفقا لخطط ومفاهيم و"بيئة تشغيل محددة". علاوة على ذلك، فإن الهيمنة التكنولوجية على العدو لا تضمن النجاح الإستراتيجي في تحقيق الأهداف السياسية التي تقاتل الدول من أجل تحقيقها.

جرينوود يتخذ دولة الاحتلال الإسرائيلي مثالا لإثبات صحة رؤيته، إذ يشير إلى أن تفوق الاحتلال التقني وكونه أحد كبار المنتجين والمصدرين للتكنولوجيا العسكرية، لم يمنع المقاومة من مباغتته وإحداث صدمة في صفوفه في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مما يعني أن الخلل يكمن في كفاءة العنصر البشري واستعداده في المقام الأول.

الشيطان في متاهة

يمكن أيضا لمصطلح "بيئة التشغيل المحددة"، الذي أورده جرينوود، أن يفسر القصور الذي أظهرته تقنية الروبوتات الأرضية في سبر أنفاق غزة، نظرا لأن البيانات تشير إلى أن أقصى مدى تشغيل لأنظمة "روبوتيم" لا يتجاوز ربع الميل (نحو 400 متر)، في حين يُقدّر الطول الإجمالي لشبكة أنفاق غزة بنحو 500 كيلومتر، كما يُعتقد أن عمقها يصل في أحيان لأكثر من 80 مترا، إضافة إلى أنها مليئة بالعقبات التي يمكن أن تحتجز الروبوت أثناء طريقه، نظرا لأنه مؤهل لصعود درج أو تخطي عقبة يبلغ ارتفاعها 20 سنتيمترا فقط ويعجز عن عبور ما هو أكثر من ذلك، مما يعني أن الأنفاق المستهدفة أكثر تعقيدا بكثير من "بيئة التشغيل" التي يمكن لهذه الأنظمة العمل خلالها.

أحد التحديات الأخرى المتعلقة بالبيئة التشغيلية هو محدودية استقبال الإشارة داخل الأنفاق، وفي هذا الصدد يشير المسؤول السابق في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إيال بينكو إلى أن التقنيات المتطورة فشلت أمام أنفاق غزة، نظرا لتشعب الأخيرة وتعدد طبقاتها وعمقها الكبير. ويضيف بليك رينسيك، المدير التنفيذي لشركة "برينك" الأميركية المتخصصة في صناعة المُسيّرات، أن المشكلة الكبرى في نشر تلك التقنيات تحت الأرض في الوقت الحالي هي أنها قد تصل إلى مسافة 100 قدم داخل النفق قبل أن ينعطف الأخير يمينا أو يسارا وتُفقد الإشارة تماما.

إضافة إلى ذلك، فإن طبيعة الحروب الحضرية تقلل من فعالية أجهزة الاستطلاع والمراقبة، كما تحرم القوات المهاجمة من مزاياها التقنية التي تؤهلها للاشتباك عن بُعد، بالنظر إلى أن الهجوم على مدينة ليس مجرد مهمة ضد مبنى واحد، إنما عملية تشمل آلاف الأبنية خلال مدى زمني طويل، وتحتاج إلى تنقّل القوات المهاجمة بين تضاريس مجهولة بالنسبة إليها. وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن غطاء المهاجم يكون محدودا في الحروب الحضرية مقارنة بالقوات المدافعة، فإن تعدد التقنيات المحمولة يمثل عبئا إضافيا على حركة القوات المهاجمة وعلى قدرتها على المناورة ويسهّل عملية رصدها.

كل ذلك ولم نستعرض بعد تكتيكات المقاومة الفعالة أمام تقنيات الاحتلال، حيث يرجح الخبراء العسكريون أن المقاومة تستخدم أجهزة تشويش تجارية محمولة متاحة في الأسواق العالمية مقابل مبلغ زهيد (أقل من 800 دولار)، وهي أجهزة يمكنها التشويش على الإشارات وتعطيلها. في هذا الصدد، تقول مؤسسة "بروكينغز" الأميركية إن إخراج اتصالات العدو من الخدمة إحدى القواعد الأولى للحرب، وهو ما يبدو أن حماس تعرفه جيدا.

التكتيك الآخر الذي استخدمته المقاومة بنجاح هو ما يمكن تسميته بـ"النفق الخداعي"، وهو عبارة عن نفق مصمم لإيهام العدو بأنه جزء من شبكة الأنفاق، بيد أنه مجرد نفق يمتد لمسافة قصيرة وله وظيفة محددة هي الانفجار في وجه جنود الاحتلال بعد تفخيخه من جانب أفراد المقاومة، التي بثت في أبريل/نيسان الماضي مشاهد لتفخيخ أحد هذه الأنفاق، بعد استدراج قوة من جنود الاحتلال إليه، بواسطة عبوات ناسفة مضادة للأفراد، تنشر شظاياها دائريا لتحقيق أعلى معدلات إصابة ممكنة.

لكن، ما الذي يدفع البحرية الأميركية لدفع ملايين الدولارات مقابل أنظمة قتالية مشكوك في كفاءتها في أفضل الأحوال؟ الجواب الأقرب هو أن الجيش الأميركي سوف يستخدم هذه الأسلحة في مهام أكثر مباشرة وأقل تعقيدا من أنفاق غزة. السبب الأكثر وضوحا هو أن الولايات المتحدة لديها مصلحة واضحة في دعم الشركة الإسرائيلية، التي يشكل قدامى المحاربين في الجيش الأميركي نسبة 75% من موظفيها، كما أن 95% من إيراداتها السنوية يتم توليدها في الولايات المتحدة، مما يجعل من استمرار نشاط الشركة مسألة ضرورية بالنسبة للحكومة الأميركية.

 

 نباح بلا عض

تدرك دولة الاحتلال الإسرائيلي إذن، بالتجربة الصعبة، أن تقنيات "روبوتيم" ليست بالفعالية التي يروَّج لها، ويشير الكاتب ساجي كوهين في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى أن الأحداث الأخيرة أظهرت بشكل صارخ أن الكثير من مشاريع الروبوتات القتالية غير ناجحة، وأنه لا يمكن الاعتماد على هذه التكنولوجيا وحدها.

على رأس هذه المشاريع الفاشلة يأتي الروبوت القتالي "جاكوار" من تطوير شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية "آي إيه آي" (IAI). وقد زُوِّدت به "فرقة غزة" المعنية بأمن الحدود بين الأراضي المحتلة وقطاع غزة، وكان من المفترض أن يحل الروبوت محل الجنود على طول السياج الفاصل، حيث يمكنه القيام بدوريات الحراسة وإطلاق النار، كما زُوِّد بخاصية التدمير الذاتي في حال وقوعه في الأسر.

وكما أثبتت الوقائع على الأرض، فإن الروبوت لم يعمل بشكل مناسب أثناء عملية "طوفان الأقصى"، كما أن ضباطا من جيش الاحتلال اعترفوا بأن المشروع لا يسير وفق ما خُطط له، وأنه يواجه صعوبات عدة تعوق استخدام الإصدار الحالي. وقد دفع ذلك جيش الاحتلال إلى تجربة بدائل أخرى وهي الكلاب الآلية من طراز "فيجن 60" (Vision 60) من تطوير شركة "جوست روبوتيك"، ومقرها فيلادلفيا في الولايات المتحدة. يتميز هذا الروبوت بقدرات أكثر تطورا على مستوي أنظمة استشعار، ويمكنه النهوض بعد السقوط أو الانزلاق. إضافة لذلك، بإمكان الروبوت العمل 3 ساعات متواصلة متحركا بسرعة 3 أمتار في الثانية، مما يعني أنه يتفوق على نظام "روبوتيم" في هذا الصدد.

الكلب الآلي من تطوير جوست روبوتيك

ومع ذلك، لا يخلو النظام من عيوب تشغيلية واضحة، فرغم مداه الذي يبلغ 10 كيلومترات، فإن وزنه ثقيل جدا يتخطى 50 كيلوغراما ما يُصعّب مهمة التنقل به داخل الميدان، إضافة إلى ارتفاع سعره البالغ 165 ألف دولار للوحدة، والأهم سهولة استهدافه، حيث تشير تقارير بأن جيش الاحتلال عثر على البعض من كلابه الآلية مدمرة بعد أن أجهز عليها أفراد المقاومة.

في النهاية، يبدو جيش الاحتلال الإسرائيلي غارقًا في وحل سببه الرئيسي الاعتماد المبالغ فيه على التكنولوجيا، فلا هو استطاع تطوير أدواته القتالية وتقنياته لتكون بالكفاءة اللازمة للحرب التي أعدت لها فصائل المقاومة في غزة، ولا هو تمكّن من إعداد جنوده لخوض معركة شرسة ومعقدة في مواجهة خصم أقل كفاءة تقنيا، لكنه أقوى عزيمة وأطول نفسا.

مقالات مشابهة

  •  مسيرة حاشدة بطنجة دعما لغزة
  • الأمم المتحدة: «انفراجة مهمة» بمفاوضات تبادل الأسرى في اليمن
  • زعيم الحوثيين: نصف الملاحة الإسرائيلية تعطلت والأمريكي وقع في مأزق حقيقي
  • جنيف.. معرض للصور يوثق انتهاكات مليشيا الحوثي بحق النساء في اليمن
  • انتهاء جولة مفاوضات مسقط بين حكومة اليمن والحوثي دون نتائج حاسمة
  • روبوتيم وجاكوار والكلب الآلي.. لماذا فشلت الروبوتات الإسرائيلية أمام أنفاق غزة؟
  • ذراع إيران تخير رجل أعمال بين التنازل عن أملاكه أو الإعدام
  • إعلامي تابع للانتقالي يكشف تفاصيل أزمة الطائرات الأخيرة في اليمن: الحوثيون أثبتوا أن صواريخهم تمنحهم الانتصار
  • هجمات الحوثي البحرية وحملة الاختطافات على رأس مباحثات أميركية- عُمانية
  • البنك المركزي بعدن يبدأ معركة الدعم للشركات الدوائية في اليمن ويحاصر الفروع الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي