[email protected]
في توالي الأعوام؛ كما هو الحال في توالي الأيام؛ هناك شيء من السلوى، بأن العام التالي ربما سيكون الأفضل، وبأن اليوم التالي ربما سيكون أفضل، وهكذا نخاتل مشاعر أنفسنا بنوع من المهادنة، لعل في هذه المهادنات المستمرة شيئا من تخفيف الألم، فمن منا لم يوجعه الألم؟ ولماذا الألم؛ وليس السرور؟ وهل السرور قليل في حيواتنا؟ حتى نحلم بعام جديد، وبيوم جديد؟ ليتحقق رجاؤنا بأنه الأفضل؟ أم أننا هكذا جبلنا على تجاوز واقعنا، والنظر إلى البعيد، على أنه المحقق للآمال؟ ولأنه بعيد؛ نظل هكذا مشرئبة أعناقنا إلى هذا الطائر الأسطوري الذي سوف يحقق لنا ما نريد، وهذا مدعاة لأن تظل أنفسنا تواقة لشيء لن نستطيع تحقيقه، لأن ما هو متحقق لنا، وبين أيدينا لا نعيره اهتماما، وتفكيرنا دائما في العام الجديد، وفي الغد الجديد، فتتراكم الحسرات، لأن العام الذي كان جديدا؛ مر دون أن ننتبه، والغد هو الآخر مر دون أن ننتبه، فلا تزال أبصارنا مشدودة نحو ذلك النور الذي هو في آخر النفق، ولم يظهر وميضه بعد! ويمضي العمر، ونحن لا نزال نقول: «كل عام وأنتم بخير».
أية فلسفة حياة نعيشها بهذه الصورة؟ حيث لا تزال مقولة أبي الطيب المتنبي تطاردنا - وفق هذه الفلسفة - «بأية حال عدت يا عيد»؟ وكانت الأعياد هي الأخرى كالأعوام، وكالأيام، لم تغير من واقعنا شيئا سوى هذا التكرار، الذي نعده مملا، ولذلك يمضي العمر، دون أن نعيَ أن هناك حملا ثقيلا نجره وراءنا: من السنين، من الأعمال (سيئها وحسنها) من المواقف، من الذكريات، من تحقيق الكثير من المنجزات، من كثير من الإخفاقات، والمفارقة أن هذا الرصيد المتراكم كـ «كرة الثلج» راكمناه بإرادتنا، وبكامل قدراتنا العقلية والشعورية، ولم يأت في غفلة منا، ومع ذلك نتجاوزه؛ مع أهميته؛ وما زلنا ننظر إلى العام التالي، وإلى الغد التالي، لتحقيق ما نصبو إليه، والمتحقق نغض الطرف عنه، لأن ما نحلم به مرهون بقدوم العام الجديد، وبقدوم الغد الجديد، ألم أشر بأنها فلسفة غريبة بعض الشيء؟
حياتنا؛ صفحات متراكمة؛ بها من الخربشات، ما لا يعد، وبها من خطوط الطول والعرض؛ ما لا يعد، وبها من الكثير الذي يجب أن ينظر إليه بالكثير من الأهمية، لأنه معبر عن ذاتنا التي نمتهنها عندما لا نفكر إلا في تجاوزها، مع أنها الحاضرة الحاضرة حتى في الغد، الذي أصبح اليوم، وسيصبح الأمس، ولذلك فهناك شيء من التحذير من تجاوز الواقع بكل ما فيه من تحقق، وما فيه من إنجاز، وما فيه من أشياء مهمة حققناها طوال سنوات العمر، والتي اليوم لا نضع لها اعتبار القيمة المهمة، فنتجاوزها لنفكر في تحقيق الأكثر، فما تحقق هي نعم لا تعد ولا تحصى، وما تحقق هو معبر عن حقيقة اشتغالاتنا، وما تحقق هو نحن؛ بكل تفاصيلنا المعلنة وغير المعلنة.
في حقيقة أنفسنا؛ نود أن نعيش تفاصيل الصفحة التالية، فنعيش مع الزمن صراع البقاء، حتى الرمق الأخير، فتنسل منا متعة الحياة، فلا نعيش تفاصيلها المباركة، يكبر أطفالنا دون أن نشعر، وتشيب تفاصيل أجسادنا دون أن ننتبه، ويذهب العمر سريعا دون أن نعيشه على حقيقته، وقد يذهب القريب منا دون أن نجلس معه لحظة إنسانية، أو نشعره بأنه قريب منا، كل ذلك يحدث لأننا مسكونون كثيرا بـ «الصفحة التالية».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دون أن
إقرأ أيضاً:
استعد للعام الجديد بـقائمة الأمنيات العكسية
كعادة كل سنة، أنت على الأغلب تستعد لكتابة قائمة مهام العام الجديد الزاخرة بالطموحات التي تتطلع إلى تحقيقها في الـ12 شهرا المقبلة، وهو الروتين السنوي الذي يقوم به ملايين البشر حول العالم.
لكن على الأرجح، مثل الغالبية العظمى من الناس، ستتفاجأ عندما تجد أنك تقوم بشكل ميكانيكي بنقل نفس مهامك وطموحاتك القديمة والمؤجلة للعام التالي ثم للذي يليه، فأنت لم تجد الوقت أو القدرة على تحقيقها أبدا، وهذا عادة ما يسبب الإحباط بشكل يدفع أكثر من 40% ممن يقومون بكل حماس بكتابة قائمة مهام العام الجديد، باتخاذ قرار عدم الالتزام بها بعد انقضاء يناير/كانون الثاني فقط.
إذن لماذا نخفق في الالتزام بهذه الورقة من الخطط رغم رغبتنا في تحقيقها؟ يتضح أن الحل قد يكمن ببساطة في كتابة ما يُعرف بـ"قائمة مهام العام الجديد المعكوسة".
معضلة العام الجديد المتجددةيمتلك معظمنا قائمة بالأشياء التي يطمح إلى تحقيقها. سواء كانت مكتوبة على ورقة صغيرة أو محفوظة في الذهن، فإن لكل شخص تقريبا مجموعة من الأهداف والطموحات التي يسعى لإنجازها قبل نهاية العام.
غالبا ما يلجأ الناس إلى إعداد هذه القوائم كوسيلة لتحسين حياتهم، أو هكذا نعتقد. لكن، في الواقع، تفشل هذه الفكرة مرارا بنفس الطريقة كل عام. ووفقا للخبراء، تكمن المشكلة في الطريقة التقليدية لكتابة هذه القوائم. لذا، يقترحون استبدالها بما يُعرف بـ"قائمة الأمنيات المعكوسة" أو "قائمة أهداف العام الجديد بأسلوب معكوس".
إعلانوتتميز هذه القائمة بسهولتها وبساطتها: بدلا من تدوين الأمور التي تطمح إلى تحقيقها في المستقبل خلال فترة زمنية محددة، يمكنك كتابة قائمة تضم كل ما أنجزته بالفعل وما يجعلك تشعر بالفخر والامتنان عند النظر إلى العام بعد انقضائه.
ورغم أن الخبراء لم يركزوا على دراسة فوائد استخدام هذا الأسلوب العكسي في كتابة قوائم الأمنيات بشكل محدد، إلا أن الفكرة ترتكز على مفاهيم مدروسة جيدا، أبرزها مفهوم الامتنان.
ويُعرف الامتنان عادة على أنه تقدير لما تمتلكه في لحظة معينة، لكنه يمتد أيضا ليشمل التجارب التي عشتها والإنجازات التي حققتها في الماضي.
الامتنان هو تقدير لما تمتلكه في لحظة معينة، لكنه يمتد ليشمل التجارب التي عشتها والإنجازات التي حققتها (شترستوك)وفي دراسة أجريت عام 2015 ونشرت في مجلة علم النفس الإيجابي، تناول الباحثون تأثير "السرد بالامتنان" على تحسين رفاهية الفرد. وقد أظهرت الدراسة أن المشاركين الذين دوّنوا يوميا 3 أمور إيجابية حدثت لهم خلال الـ48 ساعة الماضية، لمدة أسبوع واحد فقط، أصبحوا أكثر قدرة على تذكر اللحظات الإيجابية. وهذا التمرين المنتظم لاستذكار التجارب الجميلة ساهم في تحسين شعورهم العام بالرفاهية والسعادة.
وعند كتابة قائمة المهام بأسلوب عكسي كتمرين يمزج بين السرد والامتنان، فإنك تمنح نفسك فرصة للاستمتاع بإنجازاتك وتقدير تجاربك، مع تخصيص وقت لتشعر بالامتنان تجاهها.
كما تسلط هذه التقنية الضوء على فوائد الحنين إلى الماضي. فقد أظهرت الدراسات أن استرجاع التجارب الإيجابية أو ذات المعنى من الماضي يمكن أن يساهم في التغلب على مشاعر الوحدة، الملل، والقلق في الحاضر. إلى جانب ذلك، يعزز الحنين مشاعر الكرم والتسامح، حيث يصبح الناس "أكثر سخاءً مع الغرباء وأكثر تسامحا تجاههم"، وفقا لما نشرته صحيفة نيويورك تايمز.
إعلان طريقة فعّالة لتعزيز الشعور بالإنجاز الحقيقيإن إعداد قائمة مهام عكسية يمكن أن يمنحك شعورا حقيقيا بالتقدم والإنجاز. وغالبا ما تكون قوائم المهام التقليدية مرهقة وتبدو أحيانا مستحيلة التنفيذ، وهذا يثير مشاعر التوتر، القلق، التسويف، وحتى جلد الذات.
في المقابل، التركيز على ما أنجزته بالفعل والامتنان لنفسك يخلق إحساسا بالتقدم والرضا. وهذا الشعور لا يعزز فقط احترامك لذاتك، بل يحفزك أيضا على مواصلة تحقيق المزيد، وهذا يزيد من إحساسك بالرضا والسعادة.
إعداد قائمة مهام عكسية يمكن أن يمنحك شعورا حقيقيا بالتقدم والإنجاز (بيكسابي)إذا وجدت صعوبة في تذكر إنجازاتك للعام الماضي، يمكنك استرجاعها من خلال محادثاتك مع الأصدقاء، العائلة، وزملاء العمل. كما يمكنك مراجعة منشوراتك على مواقع التواصل الاجتماعي، أو الاطلاع على الصور ومقاطع الفيديو التي حفظتها على هاتفك، حيث غالبا ما توثق اللحظات التي تشعر فيها بالفخر والامتنان.
أما إذا كنت من الأشخاص الذين يكتبون يومياتهم أو يدونون ملاحظاتهم بشكل أسبوعي أو شهري، فستكون العملية أكثر سهولة، وهذا يسمح لك بتحديد إنجازاتك وأهدافك المحققة بكل يسر ووضوح.
ماذا عن "القائمة العكسية للطموحات الشخصية"؟في مفهوم مقارب طرحه البروفيسور بجامعة هارفارد، آرثر سي بروكس، يمكن لقائمة الأهداف العكسية أن تعني أيضا المزيد من البحث وراء الأسباب والدوافع التي تقودك لاختيار أهداف بعينها لتحقيقها مستقبلا بالصورة المعهودة، والمشكلات التي تسبب لك التعثُّر في تحقيقها.
وتكمُن الخطوة الأولى من هذا البحث في كتابة رغباتك وطموحاتك بوضوح في قائمة تقليدية معهودة، بعد ذلك، اجلس وتخيل كيف ستكون حياتك بعد 5 سنوات إذا كنت سعيدا وناجحا وفقا لقيمك الذاتية العميقة وتشعر بالسلام النفسي كليا.
أما الخطوة الأخيرة والأهم هي مقارنة القائمتين ببعضهما.. هل الأشياء التي تشتهيها أو التي أدرجتها في قائمة أمنياتك ستقربك بالفعل من طموحاتك ورؤيتك للحياة الطيبة؟
قائمة الأهداف العكسية تعني المزيد من البحث وراء الأسباب والدوافع التي تقودك لاختيار أهداف بعينها (بيكسلز)الغرض من هذا التمرين ليس إحباطك أو تقليل سقف طموحاتك، بل مساعدتك على تعزيز معرفتك بذاتك واكتشاف الدوافع الحقيقية التي تجعلك تطمح لما تطمح إليه.
إعلانإذا وجدت أن أحد العناصر في قائمتك يتماشى مع قيمك وأهدافك العميقة، احتفظ به وواصل السعي لتحقيقه. أما إذا كان مدرجا فقط لإرضاء الآخرين أو تلبية رغبات سطحية لا تتوافق مع رؤيتك للنجاح، فقد يكون من الأفضل تعديله أو حذفه بالكامل.