الدكتور محمد فتحي يونس يكتب: حينما تتحول الألعاب الرياضية لـ«فرجة» لا تنتهي وعرض مستمر
تاريخ النشر: 5th, January 2024 GMT
بداية التسعينات، ذهبت مع أبى لقرية القرين بالشرقية، كنا فى زيارة لصديقه استمرت ليومين وليلة واحدة، قابلنا الرجل بمحبته المعتادة ولهجته الحميمة وحكايات لا تنتهى عن ذكريات قديمة. فى الليل كان جهازا الفيديو والتليفزيون على كرسيين منفصلين، فى فناء المنزل، الذى يظلله النخل وتكتسى أرضه بالخضرة ونحو مائة فرد تحلقوا حول مباريات متتالية من المصارعة، استمرت لساعات.
كنا فى شرفة المنزل بالدور الأول وأنا أراقب كطفل، ولع الناس وحماسهم بهذه الرياضة التى جاء ابنهم من الخليج بجهاز إعجازى يجمع لحظات اعتادوا مشاهدتها سريعاً مغرب كل جمعة فى التليفزيون، فى ساعات متصلة، يخلع الواحد منهم حذاءه ويجلس سعيداً، يتناول أكواب الشاى ويصفق ولا يفيق من النشوة إلا قرب منتصف الليل. نام أبى، وودعنا صديقه وذهب بدوره للنوم وظللت أتابع المنسحبين، واحداً تلو الآخر ثم حمل أحدهم الجهاز السحرى لصالة المنزل، استعداداً لليلة قادمة مشابهة.
قديماً قال رولان بارت إن المصارعة الحرة ليست رياضة بل (فرجة جوهرها مبالغة، فى جوهرها تفخيم لما كان يجرى فى المسرح القديم، فيها يؤدى المهزوم والمنتصر دوراً). المصارعة رياضة دنيوية، مثل مطاردة الثيران، والوقوف أمام الوحوش قديماً، ليست فى سمو سباق الخيل لا ترتبط بالسماء ورومانسيتها بل الأرض التعبة.
كان الجلوس يتابعون المباريات بشغف، تمهد أقنعة المصارعين وحركاتهم لشخصياتهم، فذاك الشرير القبيح، وهذا الطيب الذى ينتصر عليه، وذاك الخائن الذى طعن خصمه فى لحظة سهو، ونال جزاءه سريعاً. لم تتسلل المصارعة فى مسارها الطبيعى، لتكتسب أبعاداً قومية وطائفية على غرار ما كشفه مثلاً حازم صاغية فى كتابه «حدث ذات مرة فى لبنان» عن اللبنانى إدموند الزعنى الذى أكل أحدهم أذنه، فرد بغرس أصابعه فى أحشائه، «ورفع اسم لبنان عالياً»، ثم درب شباب الكتائب. وبالمثل توزع المصارعون على الطوائف على القومى السورى والمخيمات الفلسطينية، وموارنة الجبل. تورطوا فى الأرضى، تاركين السماء لغيرهم.
فى القرين كانت الليلة (لحظة حداثة) مثلها الفيديو وسط النخل، استدعت بدائية ما، ذكرتهم بحلقات السيرك، والقتل الرمزى، لحظة مغايرة لسماوية حلقات الذكر، أو أخلاقية راوى السير. طوى الزمن «فرجة» المصارعة ومعها الفيديو.. ولم يعد يتذكر أحد هؤلاء الذين لبسوا الأقنعة.. أو أسالوا دماً، وتبادلوا التورط فى العروض والحروب.. وأفسحوا المسرح للاعبين جدد.
كرة القدم بدأ تحولها إلى «فرجة» عالمية مع كأس العام 1970، وقتها ظهرت ملاعب الكرة لأول مرة بالألوان، شكلت الأعلام بألوانها الزاهية ورقصات أمريكا اللاتينية عرضاً خاصاً للعالم كله، طبقت تقنية التصوير البطىء، وإعادة الهدف، أمكن اصطياد لحظات الفوز الحاسمة، واستدعت الكرة منذ هذه اللحظة، أشياء جديدة كحقوق النقل التليفزيونى، والإعلانات التجارية، وحقوق البث، وأجور اللاعبين المليونية، لك أن تتخيل أن نصيب الفيفا من حقوق البث فى مونديال إيطاليا بلغ 62.6 مليون يورو، فى حين وصل فى مونديال قطر إلى 7.5 مليار دولار من الصفقات التجارية المرتبطة بالبطولة.
«الفرجة» صاحبتها «فرجات» فرعية، كنزاعات الألتراس، والهوليجانز، وأغانى روابط المشجعين، وعروض شعبوية لاستوديوهات التحليل، وتراشقات عبر السوشيال ميديا، بين لاعبين ومحللين، ومشجعين، وأخبار عن الصفقات، تحصد أموالاً، تتمدد «الفرجة» لأطول فترة ممكنة، بابتكار مناسبات جديدة، فبطولة «دورى الأبطال» تلاها «دورى السوبر الأفريقى»، الذى يضم كبار البطولة الأولى، فى نمط سريع يغذى ما يعرف فى الإعلام الحديث «بالمشاهدة الشرهة»، تزداد الحصيلة، ومباراة السوبر مدد لأربع مباريات، والدورى الأوروبى تتبعه محاولة دورى السوبر.
ويتساقط مع توالى العروض أبطالها المجهدون تباعاً، لنتأمل مثلاً فريقاً مثل ريال مدريد، كواحد من أهم فرق العالم، خلال أربعة أشهر فقط، يصاب بالرباط الصليبى، المدافع النمساوى ديفيد ألابا والمدافع البرازيلى إيدير ميليتاو، والحارس البلجيكى تيبو كورتوا.. وبالمثل المئات حول العالم ضحايا «تمدد الفرجة». يسقطون كأسود منهكة فى أقفاص السيرك.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الشرقية الألعاب الرياضية مشاهدة الرياضة
إقرأ أيضاً:
من إنتاجنا.. أنوسة كوتة تكشف تفاصيل تقديم فيلم وثائقى عن محمد رحيم
كشفت أنوسة كوتة مدربة الأسود وأرملة الملحن الراحل محمد رحيم عن تفاصيل الفيلم الوثائقى الذى من المقرر أن يتم تقديمه عن الملحن الراحل محمد رحيم.
وقالت أنوسة كوتة فى تصريح لـ “صدى البلد” : الفيلم من إنتاجنا ومن المقرر أن يقوم بإخراجه على العلى ونحن حاليا فى مرحلة التحضيرات.
وأضافت أنوسة كوتة : نحن حاليا مشغولين أكثر بالأربعين ولكن بعد ذلك نتفرغ لإنتاج الفيلم الذى أعتبر من أهم الأعمال التى تقدم عن محمد رحيم لانه يستحق أن نوثق حياته الفنية فى عمل فنى يليق به.
وأشارت أنوسة كوتة : محمد رحيم قدم كثير من الأعمال الفنية وكان من الشخصيات المؤثرة فى الموسيقى وتعاون مع كثير من النجوم والمطربين وحقق نجاحات كثيرا طوال مسيرته الفنية.
ابنة محمد رحيم مع تامر حسنىمن ناحية أخرى تحدثت ماسة محمد رحيم، ابنة الموسيقار الراحل، عن علاقتها وعلاقة والدها بالفنان تامر حسني، منذ الطفولة.
وقالت ماسة محمد رحيم خلال لقائها مع عرب وود، إنها سعيدة للغاية بمشاركة تامر حسني الغناء فى حفل تكريم الراحل محمد رحيم الذى أقيم أمس بدار الأوبرا المصرية.
وأضافت ماسة أنها صاحبة الفكرة وعندما طلبت من تامر حسني تقديم الأغنية وافق على الفور وحققت نجاحا كبيرا وظهرت بشكل مميز بلمسة تامر حسني.
وانهارت ماسة ابنة محمد رحيم بالبكاء بعد أن قدمت أغنية في حفل تكريم والدها الراحل الذى أقيم أمس والذي لم يستطع أن يكملها معها.
واعتذر الفنان هيثم شاكر عن حضور حفل تكريم صديقه الموسيقار الراحل محمد رحيم بسبب تعرضه لوعكة صحية مفاجئة.
وعلم صدى البلد من مصدر مقرب من داخل جمعية المؤلفين والملحنين أنه كان من المفترض أن يحضر هيثم شاكر حفل اليوم إلا أنه تعرض لأزمة صحية دخل على أثرها المستشفى لتلقى العلاج.
كما حرص عدد من النجوم على التواجد منهم الملحن عمرو مصطفى، المؤلف ايمن بهجت قمر، وغيرهم.
وبدأ المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية في اطلاق حفل تكريم الملحن الراحل محمد رحيم التي تقام تحت رعاية وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو، والدكتور مدحت العدل رئيس جمعية المؤلفين والناشرين والتي تنطلق تحت عنوان “ليلة حب وتكريم محمد رحيم”.