البيئة المحلية والموروث الشعبي تجسدها أعمال التشكيلي الأردني نصر الزعبي
تاريخ النشر: 5th, January 2024 GMT
عمّان "العُمانية": انطلق التشكيلي الأردني نصر الزعبي من المدرسة الواقعية لإنجاز لوحات مستوحاة من بيئته المحلية هو المولود في "الرمثا" المفتوحة على سهل حوران برمزيته التاريخية والحضارية.
نهل الزعبي من عناصر التراث الثقافي والشعبي في محيطه، فصوّر الطبيعة بما فيها من أشجار وأزهار وينابيع وشلالات مياه، مستخدما ألوانا مبهجة منحت لوحاته مشاعر عميقة، كما وثق عبر ريشته الأزياء التراثية للمرأة الريفية التي تعتمد غالبا على الملابس المطرزة أو الملونة التي يطغى عليها اللون الذهبي مع غطاء مميز للرأس ومطعَّم بقطع الزينة الخاصة من مثل الدنانير الذهبية وخيوط القصب.
ورصد الزعبي الذي يحمل شهادة الماجستير في علم المتاحف، العادات اليومية المرتبطة بحياة البيئتين الريفية والبدوية، وتحديدا البيوت المبنية من الحجارة القديمة وبيوت الشَّعر ودلال القهوة، مركزا على تفاصيل عميقة يمكن قراءتها عبر المشهد البصري توثق الأفراح والاجتماعات والصداقات واللقاءات العائلية، وإلى جانب ذلك رسم الفنان العديد من الأماكن الأثرية والسياحية في الأردن كالبترا، وأيضا المدن الفلسطينية وأبرزها القدس.
واستوحى الزعبي الذي أقام معرضا بعنوان "عبق الروح" عام 2018 العديدَ من تشكيلاته اللونية من البساط العربي بزخارفه ذات الأشكال الهندسية والتداخلات اللونية الجاذبة، حيث تتلاحم المثلثات وتتداخل المربعات المحاطة بخطوط أفقية وعرضية، وإذا كانت هذه النقوش واضحة في المرحلة التعبيرية من تجربة الزعبي فإنها لم تغب عن المرحلة التجريدية ولكن برؤية بصرية جديدة.
ففي هذه المرحلة، اختار الزعبي التجريد اللوني لخلفيات اللوحات بينما بقي الشكل الواقعي والتعبيري هو المركزيّ فيها، وركز الفنان على "موتيفات" بعينها مثل الطيور وبخاصة الحَمَام الذي يقدمه وفق منظور يعبّر عن الحرية والسلام، حيث يظهر شكل الحمام واضحا في اللوحة بينما ألوان الخلفية تتداخل ضمن دوامات أو خطوط لونية متمازجة.
وركز الفنان أيضاً على مفردة المرأة وأظهرها بصورة جمالية، سواء بلباسها التلقيدي كلوحته التي تصور امرأة بالزي التقليدي تقود حصانا، أو المرأة العصرية كلوحته التي تناولت فتاة ترقص الباليه وتظهر في عمق اللوحة كأنها داخل كتلة من الألوان الهادئة والمختلطة، وكذلك لوحته التي صور فيها رقص الدراويش حيث تظهر حركة الراقص بشكل روحاني عميق بينما الخلفية تتراكب من البنّي وتدرجاته.
وعبر هذه المرحلة تظهر في أعمال الزعبي العديد من الرموز الموحية ذات الدلالة والرسالة، سواء ما تعلق منها بالطاقة الروحانية الصوفية، أو ما تعلق بقيم العدالة والانطلاق والحب والحرية، فهو يصور الطيور كما لو أنها خارجة عبر النوافذ، أو محلّقة حولة دوامات اللون، أو واقفة بهدوء وسلام تراقب المحيط.
كما يصور مدينة القدس عبر تراكبات شكلية تظهر أجساد النساء والرجال التي تحمل قبة الصخرة وترفعها عاليًا بالأكفّ، وهو ما يرمز إلى أهمية الصمود وتقديم التضحيات من أجل الحفاظ على ذلك الرمز التاريخي والديني والإنساني.
أما المرحلة الثالثة من فن الزعبي الذي أقام معرضًا بعنوان "ملامح أردنية" عام 2022، فاتجهت نحو التجريد الكامل، منتقلًا بذلك من الواقعية إلى التعبيرية التجريدية، إلى التجريدية الخالصة، محاولًا في هذه المرحلة التحرر من قيود الشكل، والعمل على التعبير اللوني عن المشاعر والأفكار، حيث التدفق اللوني والتناغم الهرموني يمنحان اللوحة إيقاعًا بصريًا خاصًا.
واعتمد الزعبي في لوحاته التجريدية على تجاور الألوان الحارة والباردة التي تتحرك فيها كتل اللون بتشكيلات موحية تسمح للمُتلقي بتقديم قراءاته الخاصة عن العمل الذي يبدو في عدد من الأعمال كما لو أنه مسطحات مائية، بينما يظهر في أعمال أخرى شبيهًا ببركان ثائر، وفي مجموعة ثالثة من الأعمال كما لو أنه احتراق تَبرز من داخله ولادة جديدة تجعل باب الحياة مشْرعًا على الأمل.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
خبير دولي: الأسد يتشبث بالكرسي بينما سوريا تحترق
بينما ينصب تركيز العالم على حربي إسرائيل في قطاع غزة ولبنان، لا تحظى "المأساة" المتفاقمة في سوريا باهتمام كبير رغم أن الأخيرة تشهد موجة من العنف لا يلاحظها أحد، وهي في الواقع نذير شؤم، كما يفيد مقال لخبير دولي في صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وتتجلى أعمال العنف تلك في الغارات شبه اليومية التي تشنها إسرائيل على مواقع قيادية وعسكرية إيرانية وسورية، بما في ذلك في العاصمة دمشق، وتتأثر بها أرجاء سوريا، وفق المقال.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب روسي: التعاون بين كييف وكابل يشكل تحديا لموسكوlist 2 of 2طلاب الجامعات الأميركية المؤيدون لفلسطين يشْكون انحياز السلطات ضدهمend of listففي سبتمبر/أيلول الماضي، طال الدمار منشأة رئيسية للإنتاج العلمي والعسكري تديرها إيران وسوريا وحزب الله. كما هاجمت الميليشيات السورية المدعومة من إيران مواقع أميركية في الشرق، مما دفع واشنطن إلى شن عمليات انتقامية كبيرة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد كتب إيميل هوكايم مدير قسم الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، في مقاله المشار إليه، أن تركيا -بدورها- قصفت مواقع للأكراد في شمال شرق سوريا ردا على الهجوم الذي استهدف شركة عسكرية مملوكة للدولة في أنقرة الشهر الماضي.
وفي الوقت نفسه، يقصف جيش النظام السوري وحليفه الروسي آخر معقل للمعارضة في إدلب، "ربما قبل البدء بحملة برية جديدة"، في حين بدأ تنظيم الدولة الإسلامية يطل برأسه في صحراء سوريا الشرقية.
ويضيف كاتب المقال إلى ذلك أن البلاد تعاني من تراجع سريع للمساعدات الإنسانية لما يقرب من 17 مليون شخص، علاوة على نصف مليون لاجئ لبناني وسوري إضافي فارين من الحرب التي تدور رحاها في لبنان.
وقال إن الرئيس السوري بشار الأسد يراقب كل هذا بقلق شديد، وهو مدين في بقائه في السلطة لإيران وحزب الله المتورطين في الحرب الأهلية في بلده.
ووصف الكاتب الأسد بأنه "ضعيف، ويسهل معاقبته" فهو "يتصرف لحماية نفسه"، مضيفا أنه وافق للمليشيات المدعومة من إيران باستخدام أراضيه في الجنوب لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، "مع أن جيشه ليس في حالة تسمح له بالانضمام إلى القتال وأجهزته الأمنية مخترقة من قبل الاستخبارات الإسرائيلية".
ومضى هوكايم إلى أن الأسد، بذلك، يغامر بتعريض بلاده لهجوم إسرائيلي كبير يمكن أن يقضي على نظام حكمه. وأوضح أن هذا هو السبب الذي يجعله يلتزم الصمت المطبق بشأن الحرب في قطاع غزة، فهو لم يغفر لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقوفها إلى جانب الانتفاضة السورية، حسب تعبيره.
ولكن الخبير في شؤون الأمن الإقليمي يشير إلى أن الرئيس السوري يعتقد أن هناك فرصة سانحة الآن في عملية إعادة التوازن الكبير الجارية في المنطقة حاليا. فقد شعر أنه مقيد وتعرض للإذلال باعتماده على إيران وحزب الله الذي كان يرى في أمينه العام الراحل حسن نصر الله "مرشدا له" وفي جماعته المسلحة "مصدرا للشرعية الإقليمية".
واللافت أن الأمر استغرق من الأسد يومين عقب اغتيال نصر الله لإصدار بيان "عاطفي"، يرى هوكايم -ساخرا على ما يبدو- أنه كمن أراد أن يقول لزعيم حزب الله الراحل: "شكرا على خدماتك. سررت بمعرفتك. وداعا".
على أن الاعتقاد لدى الرئيس السوري -حسب المقال- أن إضعاف إيران وحزب الله قد يسمح له بالاعتماد أكثر على روسيا والتودد إلى دول الخليج والدول العربية الأخرى. وفي سعيه للحصول على التمويل والاحترام السياسي، يرى الأسد أن موسكو في وضع جيد لمواجهة النفوذ الغربي، وتسهيل التقارب مع تركيا وتسريع إعادة الانخراط العربي.
وهذا هو السبب الذي جعله "مبتهجا" أثناء حضوره مؤتمر الرياض للترويج للدولة الفلسطينية الأسبوع الماضي.
وزعم هوكايم أن الأسد بدا "مستمتعا" بشكل خاص بلقائه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، "الذي وضع نهاية لإقصائه من جامعة الدول العربية".
غير أن الكاتب لا يعتقد أن التوقعات بشأن ما يسميها "إعادة تأهيل الأسد" في غير محلها، لا سيما من قبل بعض الدول الأوروبية، مثل إيطاليا والمجر واليونان، التي تسعى للتخلي عن سياسة عزله الحالية.
ووفقا لهوكايم، فإن الأسد لا يبدو أنه سيتخلى قريبا عن إيران، فهو يظن أن طهران ستكون بحاجة إليه في لحظات الخطر التي تمر بها حاليا وليس العكس، مشيرا إلى أن الرئيس السوري "لطالما اعتبر تقديم التنازلات علامة ضعف"، وأنه يفضل أن يبقى صامدا وينتظر تغيرا في البيئة المحيطة به.