بقلم: بلال التليدي

أثار تصريح وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف حول العلاقة الدبلوماسية مع المغرب كثيرا من التساؤل، فلم يكن معهودا في التعبيرات الدبلوماسية الجزائرية على الأقل في السنتين الأخيرتين أن تصدر إشارات إيجابية، من قبيل الحديث عن ميل الجزائر لإيجاد حل سريع مع المغرب.

المثير للانتباه في هذا التصريح هو الجهة التي اختارها لتصريفه، أي قناة الجزيرة، بل ومذيعة الجزيرة خديجة بن قنة، التي سبق لها أن أدارت حوارا مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وعبر عن مواقف حدية من المغرب، فقد صرح أحمد عطاف لإحدى حلقات برنامج «ذوو الشأن» على منصة «أثير» التابعة لقناة الجزيرة، بأن حلم بناء المغرب العربي لا يمكن أن يُقضى عليه، وأن دور الجزائر ومسؤوليتها تهيئ أرضيته».

وسائل الإعلام الجزائرية لم تلتفت كثيرا لهذا التصريح، ولم تسلط الضوء عليه، تقديرا منها ربما إلى أنه يندرج ضمن التصريحات الكلاسيكية التي تركز على مسؤولية الجزائر في إعادة بناء المغرب لتحميل المغرب مسؤولية العطل الذي أصابه، لكن، ثمة شكوكا حول دوافع عدم تسليط الضوء على هذه التصريحات وخلفياتها وإشارتها هذه المرة للبحث عن حل سريع مع المغرب، فالخلاف الذي يخترق الدولة الجزائرية، لاسيما بين المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية، لا يترك مساحة التوجه الغالب، وأي مستقبل ستختاره الجزائر في إدارة علاقتها بالمغرب على المدى القريب والمتوسط.

معظم التحليلات تركز في تفسير هذا التحول في الموقف إلى زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكية إلى المنطقة، ولقائه بالمسؤولين الجزائريين، وأن الإدارة الأمريكية، لا تريد اشتعال جبهة جديدة في المنطقة المغاربية أو منطقة الساحل جنوب الصحراء، وأنها ترى في تسوية النزاع بين الجزائر والمغرب شرطا ضروريا لتلافي هذا السيناريو، ووضع حد لتوسع النفوذ الروسي في المنطقة.

لكن المؤشرات المرتبطة بالحراك الدبلوماسي المغربي تشير إلى معطيات جديدة، قد تغير المعادلة الجيوستراتيجية في المنطقة، فالمغرب أضاف إلى لائحة دينامياته الدبلوماسية ورقة أخرى، تتعلق باستقطاب دول الساحل جنوب الصحراء وتمكينها من منفذ للمحيط الأطلسي وذلك في سياق تأهيلها وخلق فرص تنمية توفر أرضية لإدماج هذه المناطق وتأمين استقرارها الاقتصادي والسياسي.

تعود هذه المبادرة إلى نداء للملك محمد السادس وجهه لهذه الدول في خطاب المسيرة الخضراء (6 نوفمبر) تشرين الثاني الماضي، لتمكينها من الولوج إلى المحيط الأطلسي، معتبرا أن نجاح هذه المبادرة، يبقى رهينا بتأهيل البنيات التحية لدول الساحل، والعمل على ربطها بشبكات النقل والتواصل بمحيطها الإقليمي.

المبادرة تم نقلها سريعا إلى أرض الواقع، في اجتماع مراكش الذي حضرته إلى جانب المغرب خمس دول من منطقة الساحل جنوب الصحراء، وهي مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، إذ تم الاتفاق فيه على إنشاء فريق عمل وطني في كل دولة لإعداد واقتراح سبل تفعيل هذه المبادرة.

في الواقع، تقدم المواقع الجغرافية لهذه الدول مؤشرا أوليا يمكن أن يفسر تخوف الجزائر من هذه المبادرة، بحكم أنها ترتبط بثلاث دول منها بحدود واسعة (تشاد، النجير، مالي) فهذه المبادرة، فتحت أفقا اقتصاديا وتنمويا لهذه الدول المتاخمة للحدود الجزائرية، وأدمجتها في حراك مشترك مع المغرب، متعدد الأبعاد (اقتصادي، تجاري، لوجستي) وفرضت حتمية تقوية تعاونها مع الرباط، وذلك في مختلف المستويات بما في ذلك المستوى السياسي. وقد بدأ المغرب بالفعل تجسيد هذا التعاون، ووضع ممهدات أساسية لاحتضان هذه الدول، من خلال إجراءات محفزة كإلغاء الديون، وتخفيض رسوم الجمارك وتوسيع التعاون الثقافي والتربوي (توسيع استفادة طلبة هذه البلدان من التكوين بالمؤسسات الجامعية المغربية).

مضمون هذه المبادرة، أن المغرب ضرب على الوتر الحساس لهذه الدول، أي رفع مؤشر التنمية، على اعتبار أن الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار الأمني، يعود أساسا إلى هذه النقطة، ففتح إمكانا اقتصاديا كبيرا (الاستفادة من مبادرة الأطلسي) يضطرها إلى تقوية بنياتها اللوجستية بما يربط مصالحها الحيوية بالمغرب.

الجزائر، تدرك أن هذه المبادرة، ستكون مركز استقطاب دولي، لاسيما من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بحكم أنها تقدم إسهاما في حل مشكلة الأمن والاستقرار في منطقة الساحل جنوب الصحراء، وفي الوقت ذاته، توفر إحدى الأجوبة الممكنة لتلافي توسع النفوذ الروسي في المنطقة، لكن الخطورة في المبادرة، بالتقدير الاستراتيجي الجزائري، ليست فقط من هذه الزاوية، وإنما هي من زاوية أمنية، فالجزائر تبعا لهذه المبادرة، ستكون في عزلة شبه كاملة، وذلك من جميع حدودها، فباستثناء تونس، التي لا تزال علاقتها مع المغرب وحتى مع الجزائر مترددة، فالرباط نجحت في أن تحاصر الجزائر من خلال إدماج الدول الحدودية مع الجزائر في خيارات استراتيجية مع المغرب. فالدور الذي يقوم به المغرب منذ مدة طويلة لتسوية النزاع في ليبيا، والخروج بها من المرحلة الانتقالية إلى الوضع المؤسساتي المستدام، ثم هذه المبادرة التي تخاطب ثلاث دول متاخمة لحدود الجزائر وقادرة على منع تمددها في العمق الإفريقي، لم يبق للجزائر سوى واجهة وحيدة مفتوحة هي موريتانيا، التي يفرض عليها موقعها الجغرافي والاستراتيجي كثيرا من الحذر والتوازن في إدارة العلاقة مع القوتين الإقليميتين المغرب والجزائر.

بعض وسائل الإعلام خاصة منها الجزائرية، حاولت تفسير غياب موريتانيا عن المبادرة، بكونه اصطفافا مع الجزائر التي اشتغلت على تحسين علاقتها مع نواكشوط، لكن في الواقع، لا وجود لمؤشرات مقنعة تؤكد خروج موريتانيا عن منطق إدارة التوازن، فلم تقدم-على الأقل في ظل حكم محمد الغزواني-بأي موقف يجسد الخروج عن منطق الإفادة من واقع الصراع بين الجزائر والمغرب، وتعزيز منطق الحياد والقيام بمبادرات محسوبة مع البلدين معا.

الظاهر أن موريتانيا في سياقات مختلفة انخرطت في مبادرات إقليمية مهمة، اندرجت في سياق تقديم جواب أمني أو حتى سياسي لمنطقة الساحل جنوب الصحراء، ولم تتردد في أن تكون شريكا فاعلا في سياسة الناتو في المنطقة، وهو ما يطرح التساؤل عن سبب غيابها عن المبادرة المغربية.

الجواب عن ذلك، يأخذ منحيين، الأول التمييز بين المبادرات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية أو يقودها الناتو، والتي تشارك فيها موريتانيا، وتريد من ذلك أن تكرس نفسها فاعلا أساسيا في المنطقة، وبين المبادرة المغربية، التي تصير فيها نواكشوط مجرد فاعل صغير ضمن خطة فاعل أكبر (المغرب) المفترض أن يكون في تقديرها مجرد منافس. والثاني، أن نواكشوط تملك هي الأخرى واجهة أطلسية، والمبادرة بهذا الاعتبار لا يتقدم لها شيء إضافي، كما أنها لا تريد للمغرب، الذي تتقاسمه هذه الورقة نفسها أن يحظى بدور إقليمي يغطي على دورها، خاصة وأن الطلب على دورها أمريكيا وأطلسيا أبان عن جديته في السنوات القليلة الماضية.

في المحصلة، لا يعتبر الموقف الموريتاني خادما للجزائر إلا من جهة توفير مساحة ضد ضيقة للتنفس جهة الجنوب، بحكم العزلة التي أضحت مطبقة على الجزائر من جميع حدودها، ولذلك، ربما جاءت تصريحات وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف تستبق السيناريو الأسوأ، لتفتح شعاع ضوء يمكن أن يوفر لها مخرجا في المديات القريبة والمتوسطة في الجواب عن التحدي الذي بات يمثله الحراك الدبلوماسي النشط.

 

كاتب وباحث مغربي

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: هذه المبادرة فی المنطقة لهذه الدول أحمد عطاف مع المغرب هذه الدول

إقرأ أيضاً:

برلمانية: مبادرة وقف إطلاق النار تؤكد التزام مصر التاريخي تجاه القضية الفلسطينية

أكدت النائبة إيلاريا سمير حارص، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب عن حزب الشعب الجمهوري، أن المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة تجسد التزام مصر الثابت تجاه الشعب الفلسطيني ودعمها المستمر لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، موضحة أن مصر، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تسعى بجهد مكثف لإيجاد حل سياسي وإنساني للتوترات التي يعاني منها المدنيون في القطاع، مشيرةً إلى أن حماية الشعب الفلسطيني والتخفيف من معاناته الإنسانية هما من أبرز أولويات مصر في هذه المرحلة الحساسة.

وأوضحت حارص في تصريحات صحفية لها اليوم، أن المبادرة المصرية، التي تتضمن تبادل الرهائن وإطلاق سراح الأسرى، تعكس رغبة مصر الحقيقية في إيجاد حلول عملية تساهم في تحقيق تهدئة طويلة الأمد، مشيرةً إلى أن هذه المبادرة تأتي كجزء من التزام مصر التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، مؤكدة أن الدور المصري الداعم للشعب الفلسطيني هو امتداد لسياسة مصر الراسخة في الوقوف إلى جانب الشعوب العربية، حيث لا تدخر القيادة المصرية جهدًا في السعي لتأمين المساعدات الإنسانية العاجلة وضمان إيصالها إلى أهالي القطاع المحاصرين، بما يعكس اهتمام مصر بمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني.

وأشادت حارص بالتعاون الدولي الذي تعززه مصر من خلال التنسيق مع الدول الأوروبية والدول الكبرى، حيث تلعب القاهرة دورًا محوريًا في حشد الدعم الدولي لصالح تهدئة الأوضاع في غزة ولبنان. وأكدت أن لقاء الرئيس السيسي برئيس مجموعة "حزب الشعب الأوروبي" بالبرلمان الأوروبي يعدّ خطوة هامة لتعزيز هذا التعاون، موضحةً أن مصر تعمل على بناء شراكات استراتيجية تدعم الاستقرار الإقليمي وتساهم في إنهاء الأزمات بشكل سلمي يضمن حقوق الشعوب المتضررة.

وشددت على أن مصر ستظل قوية وثابتة في مواقفها تجاه قضايا المنطقة العربية، خصوصًا القضية الفلسطينية، وأنها لن تتوانى عن تقديم الدعم للأشقاء في فلسطين ولبنان، مؤكدة أن المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار تعكس رؤية مصر الواضحة للسلام القائم على العدالة وحقوق الشعوب، مؤكدةً أن مصر ستبقى داعمًا رئيسيًا للسلام والأمن في المنطقة العربية، ولن تدخر جهدًا في تحقيق مستقبل أفضل وأكثر أمانًا واستقرارًا للجميع.

مقالات مشابهة

  • الجوية الجزائرية: إقتناء 15 طائرة.. وأوّلُها تصل في جوان 2025
  • شيخي: 1 نوفمبر 1954 هو الشعاع الذي مزّق سماء الجزائر المظلم
  • عاطف سعداوي: نتيجة الانتخابات الأمريكية ستلعب دورا كبيرا بتحديد شكل السياسة الأمريكية تجاه العالم
  • ساندرز: سنغيّر السياسة الأميركية تجاه إسرائيل إذا فازت هاريس
  • كيف يتم الاستعلام عن نتائج قرعة الحج 2025؟.. “وزارة الأوقاف الجزائرية” توضح
  • برلمانية: مبادرة وقف إطلاق النار تؤكد التزام مصر التاريخي تجاه القضية الفلسطينية
  • أحزاب ومنظمات ومتظاهرون مغاربة يستنكرون تصريحات ماكرون في برلمانهم عن المقاومة الفلسطينية
  • ساندرز: سنعمل على تغيير السياسة الأمريكية تجاه نتنياهو بعد فوز هاريس في الانتخابات
  • مقدم برامج فرنسي شهير: جلالة الملك هو الذي دعاني ولم أسافر على حساب الفرنسيين
  • تقرير : الجزائر تطلب الوساطة لعودة العلاقات مع المغرب