يكاد اغتيال القائد صالح العاروري يشكّل أهم إنجاز إسرائيلي للحرب منذ حوالي ثلاث شهور، إذ باستثناء عمليات التدمير والقتل الهمجيين، اللذين يخلوان من أي بعد استراتيجي ولا يعكسان قدرة استثنائية لجيشها، الذي يمتلك ميزة الفضاء المفتوحة في مواجهة حركة تحرّر محدودة الأدوات والإمكانيات، فإن إسرائيل لم تنجز أي شيء يعيد موازين الردع ومعادلات القوّة كما كانت قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أو على الأقل كما كان حسب تقديراتها وتصوراتها لموازين القوة.
لا شك أن الشهيد العاروري بوصفه أحد القادة الفاعلين والمؤثرين في هيكلية حماس، ويُنسب له دور فاعل في تأسيس كتائب القسام، كما أنه المحرك والقائد للكتائب في الضفة الغربية، وبالتالي فإن اغتياله في هذه اللحظة سيشكل ضررا استراتيجيا لحماس نظرا لما يملكه من خبرات ورؤى تم بناؤها عبر مسار طويل جمع خلاله المعرفة والخبرة والنضوج. ويذكّر اغتيال العاروري باغتيال خليل الوزير "أبو جهاد" في تونس عام 1988، وهو الذي لعب دورا مهما في إدارة فعاليات الانتفاضة الأولى.
إذا ظل حزب الله محافظا على مستوى النار الحالي فقد يدفع ذلك حكومة إسرائيل إلى زيادة العيار وفرض قواعد اشتباك جديدة. فالعملية بحد ذاتها تعتبر إسقاطا لقواعد الاشتباك الحالية، فضلا عن كونها وقعت في قلب المنطقة التي تمثّل الثقل السياسي والأمني والشعبي لحزب الله، والدافع لذلك هو إحراج الحزب وإضعاف صورته في إسرائيل
ويأتي اغتيال العاروري في سياق لهاث حكومة بنيامين نتنياهو بحثا عن أي إنجار له قيمة استراتيجية بعد أن تحولت حربه في غزة إلى مجرد قتل للأطفال والنساء وتدمير المدن بشكل همجي، رغم أن العاروري لم يكن هدفا صعبا بالحسابات العسكرية، فالرجل يتحرك ضمن بيئة مكشوفة، كما أن ضرورات إدارة الحرب ودوره التنسيقي مع الفصائل الفلسطينية في لبنان ومع حزب الله، تدفعانه إلى التحرك بشكل مكثف ومكشوف. وكانت صحيفة "يديعوت أحرنوت" قد أكدت في وقت سابق أن العاروري الذي وصفته بأنه "أداة شد الخيوط" عندما يتعلق ذلك بنشاط حماس في الضفة الغربية والقدس، هو الآن في متناول يد إسرائيل.
ورغم ذلك، فإن اغتيال العاروري ينطوي على دلالات سياسية وأمنية، ويأتي ضمن سياق أوسع تحاول إسرائيل من خلاله اختبار مسارين مهمين في هذه المرحلة:
الأول: مستوى رد حزب الله، خاصة وأن الاغتيال يأتي بعد أيام قليلة من اغتيال رضي موسوي، القائد في الحرس الثوري الإيراني في دمشق، ويبدو أن إسرائيل تحاول اختبار الحزب لتبني على الشيء مقتضاه، فإذا ظل حزب الله محافظا على مستوى النار الحالي فقد يدفع ذلك حكومة إسرائيل إلى زيادة العيار وفرض قواعد اشتباك جديدة. فالعملية بحد ذاتها تعتبر إسقاطا لقواعد الاشتباك الحالية، فضلا عن كونها وقعت في قلب المنطقة التي تمثّل الثقل السياسي والأمني والشعبي لحزب الله، والدافع لذلك هو إحراج الحزب وإضعاف صورته في إسرائيل.
عمليا، أنتجت حرب غزة معضلة إسرائيلية في الشمال، تتمثل بنزوح عشرات الآلاف وتعطل الحياة الاقتصادية في تلك المناطق، ولا تريد إسرائيل أن يتحوّل هذا الوضع إلى معادلة دائمة وترغب في الخروج منها مهما كلف الثمن، لكن من غير المرجح أن تأخذ إسرائيل اغتيال العاروري مقياسا لرد فعل الحزب لسببين مهمين؛ أن العاروري ليس من حزب الله، وأن قرار عدم الانجرار للحرب نهائي، بدليل أن الأمين العام للحزب حسن نصرالله والذي أكد في خطابه على أن العملية لن تمر دون رد، وضع الرد في سياق ما يجري من عمليات بين الطرفين على الحدود، وأكد بنفس الوقت أنه إذا ما شنت إسرائيل الحرب عليه سيتجاوز كل الخطوط الحمراء، بمعنى أنه لن يكون المبادر في الحرب الواسعة.
القرار الأمريكي لسحب حاملة الطائرات يعني أن تقدير الموقف الأمريكي للحرب قد انخفض، وهذا يستدعي بالتبعية تخفيض تزويد إسرائيل بالأسلحة والمعدات، وإجبارها على إعادة صياغة حربها على غزة، وهو ما تدعوه بالمرحلة الثالثة، أي الاقتصار على عمليات نوعية لا حاجة فيها لجسر جوي لإمداد إسرائيل بالأسلحة
المسار الثاني: يتعلق بسحب الولايات المتحدة حاملة طائراتها من المنطقة، وهو ما يبدو أن إسرائيل قرأت هذا السلوك في سياق احتمال توصل واشنطن وطهران إلى تفاهم بعدم توسيع اذرع ايران الحرب على إسرائيل من لبنان، وهو أمر لا تريده إسرائيل التي تريد من القوّة الأمريكية الانتظار حتى الانتهاء من حرب غزة والتحوّل باتجاه لبنان. كما أن القرار الأمريكي لسحب حاملة الطائرات يعني أن تقدير الموقف الأمريكي للحرب قد انخفض، وهذا يستدعي بالتبعية تخفيض تزويد إسرائيل بالأسلحة والمعدات، وإجبارها على إعادة صياغة حربها على غزة، وهو ما تدعوه بالمرحلة الثالثة، أي الاقتصار على عمليات نوعية لا حاجة فيها لجسر جوي لإمداد إسرائيل بالأسلحة.
في هذا السياق، يأتي اغتيال العاروري بمثابة تذكير لواشنطن بأن الحرب الكبرى ما زالت واردة، وبالتالي على واشنطن إعادة حساباتها، لأن حكومة المتطرفين الصهاينة لن تتردد في اللعب على حافة الهاوية إذا ما شعرت أنها تخسر الحرب.
بكل الأحوال، مثلما يبدو أن اغتيال العاروري، رغم وزنه وتأثيره، لن يضعف مقاومة حماس نظرا لوجود قادة ميدانيين يملكون من الخبرة ما يكفي لمواصلة القتال، كذلك فإن لا حزب الله سيغير من أسلوب عمله لحسابات داخلية وإقليمية، ولا أمريكا عادت قادرة على دعم الحرب الإسرائيلية بنمطها الحالي على الأقل، وبالتالي فإن اختبارات إسرائيل جاءت بغير وقتها.
twitter.com/ghazidahman1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العاروري إسرائيلي حماس غزة حزب الله إسرائيل حماس غزة حزب الله العاروري مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إسرائیل بالأسلحة اغتیال العاروری حزب الله
إقرأ أيضاً:
عمرو خليل: إسرائيل في أزمة حقيقية.. وخسائرها أكبر بكثير من المعلنة
قال الإعلامي عمرو خليل، إنّ خسائر إسرائيل من حربها وعدوانها على قطاع غزة، أكثر بكثير مما يعلنه الاحتلال سواء كانت الخسائر البشرية في القتال أو الخسائر الاقتصادية جراء الحرب التي استمرت على مدار 15 شهرا، مواصلا: «إسرائيل في أزمة حقيقية على كافة المستويات، وتحتاج أكثر من غيرها إلى الجنوح للسلام وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، ووقف عدوانها على الضفة الغربية.. وإلا ستكون الخسائر كارثية ومن الصعب أن تصمد أمامها».
وأضاف خليل، مقدم برنامج «من مصر»، المذاع عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، أنّ رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الجديد إيال زامير، كشف عن خسائر قياسية تعرض لها الجنود منذ بداية أحداث السابع من أكتوبر عام 2023، وهي الأرقام التي تكذب التصريحات الرسمية السابقة عن حصيلة القتلى والمصابين.
6 آلاف عائلة إسرائيلية انضمت إلى قائمة الأسر الثكلىوتابع عمرو خليل، أن إيال زامير، قال في تقرير بثته القناة 12 الإسرائيلية إن نحو 6 آلاف عائلة إسرائيلية جديدة انضمت إلى قائمة الأسر الثكلى خلال العام المنصرم 2024، بالإضافة إلى أكثر من 15 ألف مصاب.
وأوضح، أن تعبير قائمة الأسر الثكلى مستخدم في أدبيات جيش الاحتلال كمصطلح يدل على أعداد الأسر التي تأكد مقتل أحد أفرادها من العسكريين خلال الحرب، وتعتبر الأرقام الجديدة -التي نشرها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد مخالفة تماما لبيانات الجيش السابقة التي كانت تتحدث فقط عن نحو 1800 قتيل.
وواصل: وسبق أن اتهمت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، حكومة بنيامين نتنياهو بالتضليل في عدد القتلى والمصابين، وأكدت أن الجيش الإسرائيلي يعلن عن أرقام تقل كثيرا عن العدد الحقيقي الذي يصل المستشفيات الإسرائيلية.
فجوة كبيرة بين بيانات جيش الاحتلال والأرقام الصادرة عن المستشفياتونشرت هآرتس تحقيقا بالتعاون مع المستشفيات الإسرائيلية، كشف عن فجوة كبيرة وغير مفسرة بين البيانات الرسمية للجيش والأرقام الصادرة عن المستشفيات، حيث أظهرت بيانات المستشفيات أن عدد الجنود الجرحى يفوق الرقم الذي أعلنه الجيش مرتين، ما يعزز الشكوك حول حجم الخسائر الحقيقية التي تتكبدها إسرائيل خلال الحرب.
وأكد أنه بسبب تلك الخسائر، أعلن جيش الاحتلال تنفيذ مشتريات عسكرية بقيمة 220 مليار شيكل (نحو 62 مليار دولار)، وتشمل 40 ألف ذخيرة جوية، بالإضافة إلى تخصيص 190 مليار شيكل لميزانية الجيش، وهي الأكبر في تاريخ إسرائيل.
وذكر، أنّ التقارير الصحفية أشارت إلى أن تكاليف الحرب المباشرة من دون الأخذ في الاعتبار التداعيات التي تسببت بها الحرب على مختلف مناحي الحياة في إسرائيل، بلغت نحو 250 مليار شيكل (70 مليار دولار) حتى نهاية عام 2024، وفيما يخص الأحوال المعيشية، فقط تضرر 65% من الإسرائيليين ماليا بسبب الحرب فيما يعيش 25% من المجتمع الإسرائيلي تحت خط الفقر، فيما تدهور قطاع السياحة بنسبة 70%.