سلط الزميل الزائر بجامعة ليدز ورئيس منظمة "أصدقاء الأقصى" في بريطانيا، إسماعيل باتيل، الضوء على ما كشفه العدوان الإسرائيلي بقطاع غزة من ضعيف شديد للأمم المتحدة، مشيرا إلى أن هذا الضعف هو ما دفع المجتمع المدني العالمي ونشطاء السلام إلى تحديد يوم 13 يناير/كانون الثاني الجاري باعتباره "يوم العمل العالمي" من أجل غزة.

وذكر باتيل، في مقال نشره بموقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الدعوة إلى التحرك العالمي من أجل غزة تأتي في أعقاب 12 أسبوعًا من المظاهرات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، التي شارك فيها مواطنون في آلاف البلدان، من ملاوي إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك الآيسلنديين والأمريكيين الأصليين.

ويهدف هذا اليوم العالمي إلى تسليط الضوء على إدانة القصف والحصار الإسرائيلي المستمر على غزة، والذي يودي بحياة حوالي 300 شخص يوميًا، والتطهير العرقي المستمر في الضفة الغربية، والتمييز ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل، والهجمات الاستفزازية الإسرائيلية التي تستهدف سوريا ولبنان.

وإلى جانب فضح الفظائع والاعتداءات الإسرائيلية، فإن اليوم العالمي سيسلط الضوء على قضايا أخرى، تشمل المخاوف العالمية بشأن الهيكل الهرمي للأمم المتحدة الذي يعمل فقط لصالح المصالح الجيوسياسية لأعضاء "نادي النخبة".

نظام معيب

وهنا يشير باتيل إلى أن الأمم المتحدة نظام ذو مستويين: مجلس الأمن في الأعلى، والجمعية العامة تحته، ويتألف مجلس الأمن من 5 أعضاء دائمين: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا وفرنسا والصين، مع 10 أعضاء متناوبين، تنتخبهم الجمعية العامة للعمل في المجلس لمدة عامين، فيما يملك حق النقض الأعضاء الخمسة الدائمين فقط.

أما الجمعية العامة فهي المكان الذي تجتمع فيه أغلب الدول الأخرى، وهي المكان الذي قد تكون فيه هذه الدول متفرجة، والقرارات التي تتخذها هي مجرد "آراء غير ملزمة"، وفي أحسن الأحوال يمكنهم فقط الإشارة إلى إحباطهم من الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن.

 وباعتبارهما عضوين في مجلس الأمناء الخمس، فإن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تعرقلان دعوات بقية دول العالم لوقف إطلاق النار في غزة، ولذا جاء يوم الاحتجاج العالمي كأداة قوية لفضح هذا النظام "غير العادل وغير الفعال"، حسب توصيف باتيل، مضيفا: "يسلط هذا اليوم الضوء أيضا على كيفية قيام حكومتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة باحتجاز العدالة كرهينة بينما تحميان إسرائيل باستمرار من المساءلة".

اقرأ أيضاً

عشرات الآلاف من الأتراك يتظاهرون فوق جسر غلاطة تضامنا مع غزة

ومن خلال فضح هذا النظام المعيب، يأمل المتظاهرون بيوم العمل العالمي من أجل غزة في تمكين الدول التي تتمتع بالاستقلال الأخلاقي لتجاوز دعم الحق الفلسطيني في الأمم المتحدة، ويدعون القادة إلى فرض العقوبات وممارسة الضغوط الاقتصادية على إسرائيل والدفع لإحالتها إلى محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

ويلفت باتيل، في هذا الصدد، إلى أن الاحتجاجات المناهضة لحرب فيتنام في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ساعدت في وضع حد للهجمات الأمريكية، كما شهدت الاحتجاجات ضد الحرب على العراق مشاركة الملايين من الأشخاص حول العالم. ورغم أنهم لم يوقفوا الحرب، إلا أنهم لعبوا دورًا فعالًا في إدانة المتورطين فيها باعتبارهم دعاة حرب ومنبوذين.

ويضيف أن تخصيص يوم للاحتجاج العالمي من أجل غزة له قيمة مضافة تتمثل في زيادة وضوح الإبادة الجماعية، وتحدي الخطاب الإسرائيلي اللاإنساني، وإظهار اتساع التضامن العالمي ضده، وهذا بدوره يمارس ضغوطًا على حفنة من حلفاء إسرائيل ويمكّن غالبية الدول من وضع حد للإبادة الجماعية الإسرائيلية.

قوة الشعوب

ويرى باتيل أن الأشهر الثلاثة الماضية أظهرت أن النكبة لم تنته أبدًا، وأن مظاهرها الأكثر حدة عام 1948 تعود بقوة أكبر، وذلك على الرغم من شعارات "لن يحدث ذلك مرة أخرى أبدًا"، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي، واتفاقيات جنيف، وتعزيز المُثُل الديمقراطية على مستوى العالم، مشيرا إلى أن قوة الشعوب مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى.

ويشير إلى أن هذه القوة ظهرت من سبعينيات إلى تسعينيات القرن الماضي في شكل الحركة المناهضة للفصل العنصري، وتمكنت من إنهاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، على الرغم من دعم الولايات المتحدة وبريطانيا لبريتوريا.

وينوه باتيل إلى أن الهجمات الإسرائيلية على غزة تولد دماراً لا يقل حجمه عن الحروب الأكثر تدميراً في القرن الماضي. وبحلول منتصف ديسمبر/كانون الأول، كانت إسرائيل قد أسقطت 29 ألف قنبلة وذخيرة وقذيفة على غزة.

وتعرض 70% من منازل غزة، البالغ عددها 439,000 منزلاً، للتدمير الكامل أو الجزئي، ما يعادل تدمير مدن مثل بوسطن وهلسنكي وروتردام وليدز.

ووفقا للأمم المتحدة، فإن الحرب الإسرائيلية في غزة تركت نصف سكان القطاع، البالغ عددهم حوالي 2.2 مليون نسمة، معرضين لخطر المجاعة، ويقول 90% منهم إنهم يبقون بانتظام دون طعام لمدة يوم كامل.

وإضافة لذلك، تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن الهجمات الإسرائيلية على البنية التحتية الصحية تؤدي إلى انتشار الأمراض، التي قد تقتل في نهاية المطاف عددًا من الناس أكبر من الذين تقتلهم القنابل الإسرائيلية.

ولذا يشدد باتيل على أن يوم العمل العالمي هو، في حد ذاته، إدراك المواطنين حول العالم أن جهودهم مطلوبة لإنهاء الإبادة الجماعية في غزة، عبر الضغط على حكوماتهم ومؤسساتهم بالابتعاد عن الحرب والدخول في نظام عالمي إنساني قائم على المساواة والعدالة.

ولهذه الأسباب، يشير باتيل إلى انضمام مجموعات إلى دعوة يوم العمل العالمي من أجل غزة، من ماليزيا وجنوب أفريقيا والهند والأمريكتين وآسيا وأوروبا، وجميعها بدأت في التحشيد استعدادًا ليوم 13 يناير/كانون الثاني.

اقرأ أيضاً

تضامنا مع غزة.. إضراب شامل ومسيرات واسعة في موريتانيا

المصدر | إسماعيل باتيل/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غزة فلسطين الأمم المتحدة فيتنام العراق العالمی من أجل غزة یوم العمل العالمی الولایات المتحدة إلى أن

إقرأ أيضاً:

شيءٌ من المجاملة على الأقل!

انتهت القمة العربية غير العادية، التي استضافتها القاهرة في الرابع من مارس الجاري، بمشاركة كل الدول العربية، وهي القمة التي خُصصت للرد على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ٢٥ من يناير الماضي، عن ضم غزة وضرورة تهجير الفلسطينيين منها إلى مصر والأردن، وأن الولايات المتحدة ستقوم بالسيطرة على غزة وتحويلها إلى منتجع سياحي، يعود ريعه بالنفع على الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، في إشارة واضحة إلى عدم احترام القانون الدولي أو المواثيق والعهود الدولية، وتعد جريمة تطهير عرقي، أي جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة (٧) من ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية، توجب محاسبة مرتكبيها.

انتهت القمة، التي تم التجييش لها إعلاميًا بطريقة غير مسبوقة، وذلك لخطورة وأهمية المشهد الخاص بفلسطين وغزة تحديدًا، وتأثير هذا المشهد على السيادة الوطنية لكل من مصر والأردن، باعتماد الخطة المقدمة من جمهورية مصر العربية «التعافي المبكر وإعادة إعمار وتنمية غزة»، بالتنسيق مع دولة فلسطين والدول العربية.

وتتكون الخطة من ٩٠ صفحة، حيث تشمل الوضع السياسي والأمني والوضع الإنساني والاقتصادي، وتوضح منهجية ونطاق وأهداف الخطة، وكذلك تقييم الأضرار والخسائر والاحتياجات، وتوضيح آلية التنفيذ، ابتداء من الإسكان المؤقت وتحديد المدى الزمني للتنفيذ، وكذلك الاحتياجات التمويلية ومصادر التمويل، المقدرة بـ ٥٣ مليار دولار، خلال مدة زمنية قدرها ٥ سنوات، باعتبارها خطة عربية جامعة. واستندت هذه الخطة إلى الدراسات التي أجراها البنك الدولي والصندوق الإنمائي للأمم المتحدة بشأن التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة.

لم تمر دقائق على انتهاء هذه القمة وإصدار البيان الختامي، والذي ركز كالعادة على عبارة العرب الشهيرة «على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته» ـ وكأن العرب ليسوا جزءا من المجتمع الدولي ويتحملون جزءا من هذه المسؤوليات ـ واعتماد هذه الخطة، حتى أعلن الكيان الصهيوني - من خلال وزارة خارجيته - رفضه مخرجات وقرارات القمة العربية، ومن ضمنها خطة الإعمار هذه. وبعدها بدقائق معدودات، أعلن الرئيس الأمريكي رفضه لهذه الخطة، وتمسكه بمقترحه الهادف إلى تهجير سكان قطاع غزة، مما أفسد على العرب قمتهم وفرحتهم بهذا الإنجاز النظري.

وإن كان مفهومًا أن الكيان الصهيوني متخصص في التنغيص على الفلسطينيين والعرب، وهذا شيء طبيعي لكونه كيان مجرم وخارج عن الفطرة السوية للبشر، إلا أن المفاجأة، أن الحليف الأكبر والاستراتيجي للدول العربية - الولايات المتحدة -، والتي تتغنى هذه الدول وعلى مدى عقود بخصوصية هذه العلاقة، لكونها علاقة بين حلفاء تربطهم مصالح مشتركة. حيث لم تشفع المصالح المشتركة هذه للعرب، وأعلنت الولايات المتحدة بوضوح، كما أسلفنا، أنها ترفض الخطة - مع أنها خطة متكاملة وهناك جهد واضح في الإعداد لها. بمعنى أن الولايات المتحدة لا تنظر للعرب النظرة الواجبة من الاحترام والحرص على هذه المصالح، وذلك لسبب واضح، أنها لم تر من هذه الدول - على ما يبدو - أي رأي يخالف رأيها.

بل طاعة تامة لكل ما يصدر من واشنطن، إلا موضوع التهجير هذا، لأنه إن تم، فسيكون نهاية حقيقية للنظام الرسمي العربي، وسيضع حكومات الدول المعنية، في مأزق حقيقي تاريخي أمام شعوبها قد لا تحمد عواقبه. وبالرغم أن البيان الختامي لهذه القمة بدأ في فقرته الأولى بخطاب تطبيعي، فيه الكثير من الخنوع والضعف واستجداء هذا التطبيع، في انفصام واضح عن حقيقية ما جرى من مجازر وإبادة جماعية، قام بها هذا الكيان الصهيوني المجرم.

وبمعاونة ودعم واضح من الولايات المتحدة الأمريكية، عسكريًا واستخباراتيا واقتصاديا. كانت نتيجتها أكثر من ١٦٠ ألف فلسطيني بين قتيل وجريح - ٧٠٪ منهم من النساء والأطفال والعزل -، و١٤ ألف مفقود، وتدمير ١٧٠ ألف مبنى، وكل الجامعات والمدارس والمستشفيات والمنشآت الرسمية -تقريبا. كذلك خلفت هذه المجازر الوحشية وراءها ٤٠ ألف طفل فلسطيني يتيم.

كل هذه الخسائر في الأرواح ليس لها قيمة - كما يبدو - عند العرب، ولا زالوا ينادون بالتطبيع، ويرددون نفس العبارة منذ مارس عام ٢٠٠٢م. عندما قدموا «مبادرة السلام العربية» في قمة بيروت، التي تهدف إلى تطبيع تام بين الدول العربية وإسرائيل، مقابل إقامة دولة فلسطينية. ولم تقم إسرائيل بالرد على هذه المبادرة حتى الآن، وفضلت القيام بعملية تطبيع ثنائي وليس جماعي مع الدول العربية، حتى لا تقوم بتنفيذ هذه الرغبة، حيث لم تلزمها اتفاقيات التطبيع الثنائية هذه بتقديم أي شيء للعرب تجاه القضية الفلسطينية.

لقد راعت القمة العربية مشاعر مجرم الحرب نتنياهو، فلم تتم الإشارة إليه كمجرم حرب مطلوب لدى العدالة الجنائية الدولية، تسبب في كل هذا الدمار البشري والمادي الهائل، ولم يطلب منه كذلك حتى المشاركة في التعويض المالي لخطة الإعمار هذه. وكذلك تمت الإشادة في أكثر من موقع في البيان الختامي بالولايات المتحدة، وهي التي تسببت من خلال وكيلها في الشرق الأوسط - الكيان الصهيوني المحتل - بكل هذه المأساة.

فلم يجامل مجرم الحرب نتنياهو أصدقاءه العرب، وبالمثل فعل ترامب. فهل بعد هذا التصرف يعتقد البعض أن للعرب مكانة أو تقديرا على الساحة الدولية، وهم - بالرغم من قوتهم - لم يستطيعوا منذ بداية شهر رمضان الفضيل إدخال عبوة ماء واحدة، لأشقائهم الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة، وهم مقبلون على مجاعة قاتلة.

لقد أثبتت الأحداث الأخيرة، ولغة الخطاب الأمريكي فيها، أن لا مكان للضعيف في هذا العالم، وأن لغة الدبلوماسية والعبارات المنمقة قد ولى زمانها، وأن التاريخ سيحاسب أبناء هذا الجيل من العرب، على ضعفهم «المتعمد» هذا، ووقوفهم موقف المتفرج تجاه قضيتهم التاريخية العادلة وهي القضية الفلسطينية.

خالد بن عمر المرهون متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية.

مقالات مشابهة

  • خطة القرن.. الأمم المتحدة تشرع بعملية لمواجهة قرار ترامب
  • سياسات البنك المركزي التحوطية لمواجهة تاثيرات المتغيرات في الاقتصاد العالمي
  • شيءٌ من المجاملة على الأقل!
  • «تيته» تلتقي رؤساء بعثات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي
  • من قطر وعُمان..العراق يبحث عن بديل للغاز الإيراني بعد ضغط واشنطن
  • توافد ممثلى الدول على مقر الأمم المتحدة بفيينا للمشاركة فى اجتماعات اللجنة الدولية للرقابة على المخدرات
  • المجلس العالمي للتسامح يشيد بإقرار الأمم المتحدة اليوم الدولي للتعايش السلمي
  • ما هو ترتيب الدول العربية على مؤشر الإرهاب العالمي 2025؟
  • الأمم المتحدة تحي اليوم الدولي للقاضيات
  • قطاع الفنون التشكيلية يفتتح معرض" فوتوغرافيا الشعوب الدولي السابع".. صور