بعد شح التساقطات.. هل تحلية مياه البحر خطوة كافية لتوفير مياه الشرب للمغاربة؟ خبير دولي يجيب
تاريخ النشر: 5th, January 2024 GMT
أخبارنا المغربية ــــ ياسين أوشن
أمسى ملف الماء في المغرب موضوع الساعة لدى الكبار كما الصغار، لاسيما مع توالي سنوات الجفاف نتجت عنها قلة التساقطات المطرية وشح السماء، وسط دعوات إلى ترشيد هذه المادة الحيوية وحسن استعمالها، نظرا إلى أهميتها لاستمرار حياة الأفراد والمجتمعات على حد سواء.
وللغوص أكثر في هذا الملف الحارق، الذي استأثر باهتمام الرأي العام الوطني، وسبر أغواره؛ حاور موقع "أخبارنا" محمد بازة، خبير دولي في الموارد المائية من روما، من أجل تسليط الضوء على أهمية ودور "إكسير الحياة"، ومدى خطورة الوضع بفعل استمرار موجة الجفاف.
1- هل الوضعية المائية، اليوم، بالمغرب في حالة حرجة؟
بلى، الوضعية المائية التي يعيشها المغرب اليوم يمكن وصفها بالحالة الحرجة؛ بل وحتى الأزمة الحادة؛ وهي في تفاقم متزايد؛ أي أنها تصير أسوأ مع مرور الزمن، لأن مسبباتها تتفاقم أيضا.
إن معدل التساقطات المطرية ينخفض ومعدل الواردات المائية على مستوى السدود في تراجع مستمر، ومستوى المياه في الطبقات الجوفية في نزول مستمر أيضا، إن لم تكن قد جفت. ومقابل ذلك، بقي الطلب على الماء كما كان عليه، بل ارتفع في أغلب الأحيان نتيجة التوسع في العمران وفي الري.
الخلاصة، إذن، أن الهوة بين ما هو متاح من المياه، أي العرض، من جهة، والاحتياجات المائية للشرب والصناعة والفلاحة والبيئة، وغيرها، من جهة أخرى، تتوسع مع الزمن.
أما الإجراءات التي تقوم بها السلطات المعنية، التي ترتكز أساسا في رفع كميات المياه المتاحة على بناء سدود جديدة وتحلية المياه، فإنها غير صائبة بالنسبة للسدود في الأحواض المغلقة من الناحية الهيدروليكية، فيما تبقى كميات المياه المحلاة ضعيفة بالمقاربة مع النقص الحاصل في المياه، لكنها تكتسي أهمية قصوى في تزويد مياه الشرب للساكنة.
أما باقي الإجراءات، مثل تقنين التزود بمياه الشرب أو منع استعمال المياه الصالحة للشرب لبعض الأغراض التي تدخل في إطار تدبير الأزمة، فتهدف إلى تقليل الضغط على تلك المياه لكي تغطي المتطلبات الأساسية للشرب لمدة أطول في حال امتداد فترة الجفاف، فيما يهدف إجراء وقف الري إلى تطبيق القانون المتعلق بالاحتفاظ بما يعادل سنتين من متطلبات التزويد بمياه الشرب، وهذا الإجراء لا يؤدي فعليا إلى تقليل الطلب بالنظر إلى عدم وجود مياه لتلبية ذلك الطلب.
إن ندرة المياه أصبحت هيكلية في المغرب، نتيجة الانخفاض في التساقطات المطرية بجميع أشكالها (مطر، ثلج، بَرَد... إلخ)، بسبب تغير المناخ الناجم عن انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
كما أن وتيرة سنوات الجفاف ارتفعت، وأصبح الجفاف يستمر لفترات زمنية أطول وأكثر حدة وأكثر انتشارًا في جميع أنحاء البلاد. ونتيجة لكل هذا، فإن معدل الإمدادات المائية السنوية آخذة في التناقص تدريجياً مند ثلاثين سنة على الأقل.
وحسب ما جاء في مداخلة وزير التجهيز والماء نزار بركة أمام مجلس المستشارين يوم ثاني يناير الحالي، فإن المعدل السنوي للواردات المائية تقلص إلى 11.5 مليار متر مكعب خلال الفترة 1945 إلى 2023، و7.2 مليار خلال العشر سنوات الأخيرة (2013-2023)، و5.2 مليار خلال الخمس سنوات الأخيرة، ومجرد 3 مليار أو أقل خلال الثلاث سنوات الأخيرة.
وبناء على هذه المعطيات، فإن النصيب الفردي السنوي من المياه المتعلق بالفترة ما بين 1945-2023 انخفض إلى حوالي 320 متر مكعب للفرد في السنة فقط، وهو أدنى بكثير من عتبة الإجهاد المائي المطلق، التي هي 500 متر مكعب للفرد في السنة. والأسوأ من ذلك، هو أن الدراسات تتوقع أن موارد المياه المتاحة ستنخفض أكثر وبنسبة قد تصل إلى 80٪ في غضون الخمسة وعشرين سنة المقبلة.
وبالإضافة إلى الأسباب المناخية، فإن الأزمة المائية الحالية ناتجة أيضا عن أسباب بشرية تكمن في سوء تدبير الموارد المائية المتاحة، أو بالأحرى في غياب إدارة متكاملة وفعالة للطلب على المياه.
2- ماذا تقترح على المستهلكين والمغاربة لترشيد استعمال المياه في المغرب؟
إن ترشيد استعمال المياه يمثل العمود الفقري للتحكم في الاستهلاك المائي، أو ما يسمى بإدارة الطلب على المياه، التي تهدف إلى تشجيع الاستخدام الأفضل لإمدادات المياه المتاحة، من خلال إدارة اقتصادية وفعالة، قبل التفكير في زيادة العرض.
لكن ما يلاحظ في المغرب هو غياب شبه كامل لإدارة الطلب على المياه، بصرف النظر عن بعض الإجراءات الخجولة في أوقات ندرة المياه، مثل تلك التي أشرنا إليها سابقا.
ويتجلى القصور في إدارة الطلب على المياه بشكل خاص في الفوضى السائدة في الاستخراج غير القانوني للمياه الجوفية، والتوسع في المساحات المروية من الفرشات المائية، بدعم من الدولة للري الموضعي والمحاصيل الزراعية، ما يشكل تهديدًا لاستدامة المياه الجوفية للأجيال القادمة. كما يتجلى أيضًا في قلة وعي المستخدمين بقيمة المياه وفي عدم وجود حوافز للحفاظ عليها.
أما فيما يخص الإجراءات التي يجب اتخاذها للتخفيف من ندرة المياه، فإنها تدخل في إطار إدارة الأزمة في انتظار عودة التساقطات المطرية، مع الحرص على تفادي القيام بإجراءات تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، سواء حاليا أو في المستقبل.
وما يأتي على رأس الأوليات هو توفير مياه الشرب للسكان والمواشي بالكم والنوع المطلوبين. فالتهيؤ لإدارة الكوارث الطبيعية بما فيها الجفاف يكون قبل وقوعها. ومن بين الإجراءات المتعلقة بالتأهب للجفاف، نذكر، على سبيل المثال، التنقيب عن المياه الجوفية بالقرب من المناطق النائية الآهلة بالسكان، بهدف تحديد مكان المياه والاحتفاظ به لزمن الأزمة، مع الحرص على منع حفر الآبار من قبل الخواص في المنطقة المجاورة للمكان المحدد.
مثال آخر يكمن في تحديد الآبار الخاصة التي تكون مياهها صالحة للشرب، بهدف استعمالها للسكان المتواجدين قريبا منها خلال فترة الجفاف، مع دفع تعويضات لملاك تلك الآبار.
هذه الإجراءات وغيرها تعتبر استباقية، وتقوم بها الجهات المعنية في البلدان التي تتبنى سياسة التأهب للكوارث الطبيعية والأزمات كالحرب مثلا. أما بعد وقوع الكوارث أو الأزمات، فكل ما يمكن عمله هو تدبير الوضعية. لكن مثل هذه الاجراءات الاستباقية غالبا لا تحدث إلا في بعض البلدان.
إن إدارة أزمة المياه في المغرب أحسن نسبيا من إدارة المياه في الأوقات العادية. ومن بين الإجراءات الجاري بها العمل، تقوم السلطات المعنية بوقف ري المحاصيل الزراعية باستثناء الأشجار وإنتاج البذور، ووقف استعمالات أخرى مثل غسل السيارات وملء المسابح في مراحل معينة من الندرة.
ويتم توفير مياه الشرب من قبل الجهات المعنية، عبر تحويل أو نقل المياه السطحية المتوفرة والتنقيب عن المياه الجوفية في الفرشات المائية الضحلة والعميقة وتحلية المياه الجوفية المتملحة (saumâtres) بواسطة محطات صغيرة الحجم، وكذا تحلية مياه البحر عالية الملوحة، إذا توفرت المحطات المخصصة لذلك.
يمكن أن تضم الإجراءات أيضا استخدام المياه المالحة أو المتملحة والمياه العادمة المعالجة نسبيا لري المساحات الخضراء والملاعب وبعض الأشجار الملائمة.
إن بعض البلدان التي تصل ندرة المياه فيها إلى عدم القدرة على تغطية متطلبات الشرب تلجأ إلى الاستيراد من الخارج لتغطية النقص الحاصل. ولم يسبق أن حدث هذا في المغرب. لكن في عام 1995، اضطرت السلطات إلى إمداد مدينة طنجة بمياه الشرب عن طريق ناقلات من نوع ناقلات النفط. كما أن هناك إجراءات أخرى لا تتعلق مباشرة بالمياه تقوم السلطات بأخذها بهدف التخفيف من آثار ندرة المياه، بما فيها الإعانات المباشرة وغير المباشرة.
وإذا كانت ندرة المياه قد أصبحت دائمة أو هيكلية في المغرب؛ فمن اللازم أن تصبح إدارة ندرة المياه هي أيضا هيكلية، لكن ما نلاحظه في الواقع خاصة خلال العقد والنصف الماضي لا يعكس ذلك.
في الآونة الأخيرة؛ أدرك المتخصصون في تغير المناخ أن التوقعات كانت متحفظة للغاية، لأن المشكلات التي نشأت في هذه الأثناء في مناطق مختلفة من العالم كانت في الواقع أكثر إثارة للقلق مما كان متوقعًا.
يمكن إجراء ملاحظة مماثلة في مناطق معينة من المغرب، حيث انخفض متوسط الموارد المائية خلال موسم الصيف خلال الثلاثين إلى الأربعين سنة الماضية بنسبة تصل إلى 60٪ وأكثر مقارنة بما كان عليه من قبل.
لذا، يجب التأهب لكل الاحتمالات. لكن ما أصبح يهدد من رفع الأزمة المائية الحالية في المغرب إلى مستوى كارثة بكل المقاييس، هو تجفيف عدد كبير من المنابع المائية الطبيعية وصبيب الوديان في فصل الصيف وجل المناطق الرطبة، بما فيها الضايات والبحيرات، بسبب الآبار التي تم حفرها في أعالي هذه النظم المائية الطبيعية، وكذا استنزاف معظم الفرشات المائية التي كانت تشكل مخزونا استراتيجيا للمياه في البلاد، أيضا بسبب الآبار وعدم التحكم في المياه الجوفية وتطبيق القوانين المتعلقة بها.
لقد ازداد هذا التهديد تفاقما منذ بداية الأزمة الحالية ولا يزال ساري المفعول إلى يومنا هذا، لأن المياه الجوفية أصبحت المصدر الوحيد لمياه الري في معظم أنحاء البلاد وحيثما وجدت، ما أصبح يهدد استدامة الزراعة المروية نفسها.
3- هل تحلية مياه البحر خطوة كافية لتوفير مياه الشرب للمغاربة، في ظل استمرار موجة الجفاف وقلة التساقطات؟
من وجهة نظري، يمكن لتحلية المياه أن تغطي كافة متطلبات البلاد من مياه الشرب وكذا المياه المستعملة في الصناعة، نظرا لدمج هذين القطاعين خلال التخطيط المائي وتنفيذه.
لكن، من الصعب جدا تنزيل هذه النظرية على أرض الواقع، بالنظر إلى الكلفة العالية المتعلقة بنقل المياه إلى المناطق الداخلية، التي تبعد عن محطات التحلية بمسافات كبيرة، وكذا تكلفة رفع المياه أفقيا إلى المناطق الجبلية التي تعلو بمئات، وحتى ألفين أو ثلاثة آلاف، الأمتار فوق مستوى البحر.
إن الجمع بين تكلفة التحلية وتكلفة النقل يجعل التكلفة الإجمالية جد مرتفعة لا يمكن للكثير من الناس تحملها. وهنا تكمن أهمية الحفاظ على مخزون المياه الجوفية المتواجدة في تلك المناطق، بهدف اللجوء إليها عند الحاجة، خلال فترات الجفاف مثلا.
وفي حال استمرار الجفاف وعدم وجود مياه جوفية كافية وذات جودة مناسبة في المناطق الداخلية النائية عن البحر؛ فإن ذلك الوضع يؤدي إلى هجرة ساكنة المناطق المعنية نحو المناطق الساحلية. وحتى في حال توفر مياه الشرب بأثمنة مناسبة، فإن الساكنة تفضل الهجرة لأن متطلبات الحياة لا تقتصر فقط على توفر مياه الشرب.
إن الاعتماد على المياه المحلاة كمصدر وحيد للمياه في البلاد بأكملها لا يتواجد إلا في بلد واحد حسب معرفتي، وهو بلد غني بالبترول ويسكنه أقل من أربع ملايين ونصف نسمة؛ بينما هناك عدد من البلدان التي تعتمد أساسا أو جزئيا على المياه المحلاة، بالإضافة الى مصادر أخرى للمياه، بما فيها المياه الجوفية ومياه الصرف الصحي المعالجة، التي تستعمل في تغذية المياه الجوفية والمياه التي يتم حصادها من الأمطار؛ بل وحتى من الضباب والهواء أحيانا.
وفي هذا الصدد؛ يلاحظ في المغرب أن المسؤولين يعولون كثيرا على تحلية مياه البحر كحل لندرة المياه، وفي هذا خطأ حسب رأيي، لأنه يعطي الانطباع بأن الإجهاد المائي أمر بسيط يمكن حله بسهولة عبر التحلية، بينما هو رأي غير صحيح.
إن التحلية لن تخلف أبدا ما ضاع من الموارد للأسباب التي ذكرنا سابقا، لكنها تشكل ما أسميه أنا "الضرر الضروري"، نظرا لتكلفتها العالية وآثارها على البيئة، من جهة، وللحاجة إليها من أجل التزويد بمياه الشرب أساسا، بالإضافة إلى ري المحاصيل ذات القيمة المضافة العالية جدا في المناطق التي يكون فيها المزارعون قادرين على دفع تكلفة المياه المحلاة، من جهة أخرى.
إن متطلبات مياه الشرب وحدها تصل إلى حوالي مليار وثلاثمائة أو أربعمائة ألف متر مكعب في السنة، ومن المرتقب أن تصل إلى مليارين متر مكعب أو أكثر في أفق 2050، وتزويد هذه الكمية من التحلية على طول السواحل يتطلب عددا هائلا من المحطات بكل تبعاتها؛ وهي حالة نتمنى ألا نصل إلى الحاجة إليها، ويجب أن نعمل جادين من أجل تفاديها، لأنها تعني التصحر لكل أنحاء البلاد.
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: التساقطات المطریة تحلیة میاه البحر المیاه الجوفیة المیاه المحلاة ندرة المیاه بمیاه الشرب على المیاه میاه الشرب فی المغرب المیاه فی الطلب على بما فیها متر مکعب تصل إلى من جهة
إقرأ أيضاً:
ما حكم الجلوس مع شارب الخمر دون الشرب معه؟.. أمين الفتوى يجيب
أكد الدكتور عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن اختيار الصاحب والرفيق له تأثير كبير على حياة الإنسان، مشيرًا إلى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله".
وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال تصريح له، أن حديث المرء على دين خليله، يُبين خطورة مجالسة الإنسان غير الصالح أو الشخص الذي يتعاطى المخدرات أو يشرب الخمور.
وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من صحبة الفاسدين، وأن الإنسان قد يُسحب إلى طريق الفساد إذا تواجد في مجالس هؤلاء، قائلًا: "الإنسان يصبح مثل صديقه، وإذا كانت مجالسه مع أصحاب السوء، فإنه قد يُجرّ إلى طريق الشر".
وقال: "الكثير من الناس يظنون أنهم يستطيعون أن يغيروا من سلوك أصدقائهم السيئين، ويقولون: 'أنا سأجلس معهم حتى أنصحهم وأقودهم إلى الخير'.. لكن هذا في الواقع ليس صحيحًا، لأنه قد يتحول إلى فتنة لا يُؤمن الشخص على نفسه منها.. بل قد ينقلب الحال ويجد الشخص نفسه وقد وقع في نفس المعاصي التي كان ينوي تجنبها".
وأضاف: "نحن نرى كثيرًا من الأشخاص الذين أرادوا إصلاح الآخرين، لكنهم انتهوا بأن أصبحوا مثلهم، لأنهم استسلموا للبيئة التي يتواجدون فيها. لذلك يجب على الإنسان أن يختار بعناية من يجلس معهم، فالصاحب ساحب".