على هامش إتفاق حمدوك – حميدتي .. ماذا يريد السودانيون؟
تاريخ النشر: 5th, January 2024 GMT
فقط من خلال وحدة مدنية واسعة وصلبة يمكن حماية هذا الاتفاق وتطويره.
*محمد سليمان عبدالرحيم
تناولت العديد من الجهات والأقلام بالنقد والتحليل والتشريح، إعلان أديس أبابا الصادر في الثاني من يناير الجاري عن اتفاق تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) مع قوات الدعم السريع على إعلان مباديء وخارطة طريق لإيقاف الحرب وإحلال السلام في السودان.
أبدأ فأقول أنني، ورغم علمي بأن الاتفاق فيه بعض النقائص وشيء من الضعف في بعض الجوانب ورغم اتفاقي مع بعض النقاط التي أثيرت في نقده، إلا أن ذلك لا يمنعني على الإطلاق من الإشادة به إشادة تامة وتأييده بقوة وبلا أي تحفظ، وأفعل هذا لعدة أسباب هي:
أولاً: لإن شعبنا، ومنذ 15 أبريل 2023 لم يتلق إلا أنباء القتل والدمار والقصف والنهب والاغتصابات والجرائم والهروب والنزوح واللجوء والمطاردة والهزائم واليأس والإحباط. هذه أول مرة، منذ تسعة أشهر، يسمع شعبنا نبأً فيه بصيص أمل، ويرى ضوءاً خافتاً في نهاية النفق. أعتقد أن شعبنا يستحق هذه الهدنة ولو لبرهة قليلة.
ثانياً: لقد وطنت نفسي منذ 15 أبريل المنصرم على أننا في السودان قد دخلنا زمن الخيارات السيئة. لقد أعادتنا هذه الحرب الدنيئة، بممارساتها البشعة والمنحطة أخلاقياً والتي تدوس على أبسط قيم الحرب ذاتها، أعادتنا قروناً إلى الوراء بحيث أصبح المستقبل ذاته أطلالاً وذكريات. نحن بين خيارات أفضلها خيار سيء وهذا الاتفاق هو، في تقديري، أفضل تلك الخيارات.
ثالثاً: لأن معظم الناس يكتفون، كما هو الحال في صدد هذا الاتفاق، بالنقد فقط دون تقديم البدائل الممكنة، وأنا عموماً لم أعد أعبأ بأي انتقادات يقدمها أصحابها دون أن ترافقها مقترحات بديلة واقعية وعملية.
رابعاً: لقناعتي التامة بأنه لا يمكن لاتفاق يأتي نتيجة لتفاوض مع الخصوم أن يأتي ملبياً لجميع طلبات أي من الطرفين. هذه هي طبيعة التفاوض وهذه هي سنة الحلول التفاوضية، ولا نملك لها تغييراً.
علينا أن نكون واضحين مع شعبنا، وأن نكف عن خداعه بأن في الإمكان تحقيق المستحيل. لقد اخترنا التفاوض وسيلة لإيقاف الحرب لإنه الوسيلة الأكثر عقلانية والأقل تكلفة والمعمول بها في كل أنحاء العالم لحل النزاعات. الوسيلة الأخرى هي الحل العسكري، وأي عاقل يدرك أن المخاطر المرتبطة بمثل هذا الحل، حتى لوكانت هناك إمكانية عملية لتحقيقه، هي مخاطر باهظة قد تنتهي بتفتت البلاد وضياعها تماماً. طالما اخترنا التفاوض، فعلينا الاستعداد لتقديم التنازلات، أما أي تنازلات وإلى أي مدى تكون تلك التنازلات فهذا يعتمد على أمور كثيرة أهمها موازين القوى بين الأطراف وأدوات الضغط التي يملكها كل منهم، ولكن في كل الأحوال لابد من قبول تقديم التنازلات وإلا فلن تكون هناك مفاوضات. من لا يريد تقديم أي تنازلات يتوجب عليه العمل بالوسيلة الأخرى لهزيمة خصمه هزيمة ساحقة وانتزاع مطالبه منه راغماً، بعد أن يوقع ذلك الخصم على وثيقة استسلامه في "خيمة صفوان".
المزايدات السياسية لا تقدم للشعب شيئاً سوى الأوهام، والشعب هو الذي يدفع ثمن هذه الأوهام في نهاية الأمر. إن كل يوم يمر في هذه الحرب يعني العشرات من الضحايا الأبرياء، يعني العشرات من الأسر التي تفقد معيليها وأحبتها، يعني الآلاف الذين يفقدون آخر ما امتلكوا من متاع ويتحولون إلى التسول، يعني الآلاف الذين يبيتون الطوى على أرصفة الملاجيء وفي متاهات الصحاري، يعني المزيد من الدمار والنهب والإجرام. على سبيل المثال، من ضمن هذه المزايدات مطالبة طرفي الحرب بإيقافها في ذات الوقت الذي نهددهم فيه بالمحاكمات وننصب لهم المشانق عقاباً على الانتهاكات والجرائم التي ارتكبوها. لا أحد يغالط في مشروعية عدم الإفلات من العقاب وضرورة محاكمة المجرمين، ولكن هل من الحكمة أو من الواقعية تهديد من تطالبهم بوقف الحرب بإعدامهم عند وقفها؟ هل سيؤدي ذلك إلى وقف الحرب أم إلى إطالة أمدها؟
بسبب عقود من السياسات الخاطئة وثلاثين سنة من طغيان الإنقاذ وفسادها الأسطوري، فقد تراكمت مظالمنا وتزايدت وتعاظمت مطالبنا في كل جوانب الحياة، فهل من الممكن محو كل تلك المظالم وتحقيق كل تلك المطالب، رغم إلحاحها وصحتها ومشروعيتها، في خطوة واحدة أو في وقت واحد؟ هناك مطالب يسهل نسبياً تنفيذها مقارنة بمطالب أخرى، وهناك مطالب ذات أولوية واضحة وأخرى يمكن تأجيلها لبعض الوقت، وهكذا، ولكن المزايدات السياسية تستفيد من إلحاح الحاجة لتدفع الناس دفعاً في اتجاه تحقيق كل شيء أو لاشيء، مما يؤدي إلى عدم تحقيق أي شيء. اتفاق حمدوك – حميدتي يحقق بعض الأشياء ولا يحقق كل شيء، وإذا حاولنا دفعه دفعاً ودون روية وتبصر في ذلك الاتجاه، فلن يتحقق أي شيء.
وبعد، هل يعني كل ما تقدم أنه يجب علينا تأييد الاتفاق فقط وتجاهل سلبياته تماماً؟ ذلك أيضاً ليس صحيحاً. تأييد الاتفاق بلا تحفظ لا يعني على الإطلاق السكوت التام عن أخطائه، وإنما يعني أنه يمكننا أن نعالجها بطرق أخرى. هذا الاتفاق يمثل بداية الطريق، وليس نهايته، لذلك فإن هناك إمكانية كبيرة لتحسينه وتطويره من خلال الالتفاف الشعبي الواسع حوله. هذا الالتفاف الواسع يحتاج جهوداً مضاعفة من كل الأطراف العاملة بجدية لإيقاف الحرب، بما فيهم (تقدم) ذاتها. إذا أرادت (تقدم) لهذا الاتفاق أن ينجح وأن يتطور في الاتجاه الصحيح فعليها أولاً أن تجعله ملكاً عاماً لكل القوى المدنية الوطنية والديمقراطية الواقفة بقوة في معسكر إيقاف الحرب، ومن ثم يجلس الجميع للتفاكر الهاديء والموضوعي حول معالجة نقاط الضعف فيه والبناء على جوانبه الإيجابية.. ذلك هو الطريق.
abuhisham51@outlook.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هذا الاتفاق
إقرأ أيضاً:
وقف الحرب في لبنان.. فرص الاتفاق قبل دخول ترامب البيت الأبيض
لبنان هو الأمل الأخير للإدارة الأميركية الحالية، بتحقيق إنجاز دبلوماسي للرئيس الديمقراطي، جو بايدن قبل مغادرة البيت الأبيض.
لأشهر حاولت إدارة بايدن وقف الحرب في غزة ولم تساعدها الظروف، ومنذ فترة سعت لعدم توسع الصراع إلى لبنان، ومرات عدة حاولت تجنب المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل لكن الصواريخ والغارات طالت البلدين ومرشحة للتكرار.
برنامج عاصمة القرار الذي يقدمه ميشال غندور وتبثه قناة "الحرة"، بحث في حلقته الأسبوعية هذا الملف، وما إذا كانت إدارة بايدن قادرة على عقد صفقة توقف الحرب بين إسرائيل وحزب الله، قبل مغادرته للبيت الأبيض؟، وما إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب ستستمر بدعم هذه الجهود؟
نائب رئيس مركز الأمن الأميركي، فريد فلايتز قال إنه من "المشجع أن نرى حزب الله يبرم اتفاقية سلام"، مشيرا إلى أنه "لا يرى أي سبب يمنع إدارة ترامب الجديدة من قبولها، على افتراض أنها مقبولة لدى إسرائيل".
بايدن وترامب يريدان وقف إطلاق النار في لبنانوأضاف في حديث لقناة "الحرة" أن إسرائيل "لديها متطلبات معينة تريد تحقيقها، مثل الالتزام بالتسوية المتفق عليها في 2006، ونقل الأصول العسكرية لحزب الله إلى شمال الليطاني".
مديرة برنامج تسوية النزاعات في معهد الشرق الأوسط، رندا سليم، قالت إن أي اتفاق يحصل خلال الفترة الحالية سيكون باتفاق بين "بايدن وترامب".
هوكستين في إسرائيل.. وحديث عن اجتماع "بنّاء" بشأن هدنة لبنان عقد المبعوث الأميركي الخاص، آموس هوكستين، فور وصوله لإسرائيل اجتماعا مع وزير الشؤون الاستراتيجية رون درمر، ووصفه بأنه "بناء".ولفتت إلى أن ترامب عبر صراحة خلال اجتماعه الأخير مع بايدن يفضل تحقيق اتفاق في لبنان على وقف إطلاق النار.
وزادت سليم أن ما قد نواجهه "الضمانات التي تريدها إسرائيل من الإدارة الأميركية، وهل ستلتزم الإدارة الأميركية المقبلة بعهد ترامب في هذه الضمانات".
ما الذي تريده إسرائيل؟المستشار السابق للشؤون العربية في وزارة الأمن الإسرائيلية، ألون أفيتار قال لقناة "الحرة" إن إسرائيل تريد ضمانات أميركية ترتبط بالمساندة والدعم لعمليات الرد ضد انتهاكات حزب الله.
ويرى أن إسرائيل تسير بمسارين: الأول، باستمرار الضغط العسكري على حزب الله، والثاني، الاستمرار بالمسار السياسي والدبلوماسي.
بايدن وماكرون بحثا الجهود الرامية إلى وقف الحرب في لبنان أعلن البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن تحدث لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، وبحثا الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط.وتحاول واشنطن وقف النار بين إسرائيل وحزب الله وضمان تنفيذ القرار 1701 بشكل جدي وإبعاد حزب الله عن الحدود.
الداخل اللبنانيالباحث السياسي اللبناني، أسعد بشارة يقول إنه في الداخل اللبناني "هناك يقين أن تعطيل انتخاب رئيس جمهورية للبلاد، بهدف أن يمسك رئيس المجلس النيابي، وهو جزء من ثنائي أمل-حزب الله بعملية التفاوض".
ويرى في حديثه لقناة "الحرة" أن هذا من شأنه "تغييب المؤسسات الدستورية"، مشيرا إلى أن مثل هذا الأمر سيلقى معارضة كبيرة من باقي المكونات اللبنانية، التي ستنظر إلى مثل هذا الأمر على يخالف مبادئ "الشراكة والدستور".
نديم الجميّل: حزب الله انتهى عسكريا قال عضو مجلس النواب اللبناني عن حزب الكتائب، نديب الجميل، إن الصراع الحقيقي الآن ليس بين لبنان وإسرائيل، وإنما بين إسرائيل وحزب الله وإيران.وأكد بشارة أن أي عملية تفاوض يجب أن تكون بيد "رئيس الجمهورية وحكومة مشكلة، وليست حكومة تصريف أعمال، ومن غير المقبول أن تكون إيران وإسرائيل تتحاوران على المصلحة اللبنانية".
ودعا إلى ضرورة "انتخاب رئيس للجمهورية، كأولوية أولى تسبق الحوار".
هل تصبح لبنان جزءا من صفقات التطبيع؟مديرة برنامج الحوار في مؤسسة الشرق الأوسط، سليم أكدت أن لبنان لا مشكلة أو اعتراض لديه في الدخول باتفاقات مباشرة مع إسرائيل، كما حصل في عام 2022 بالملف المتعلق بترسيم الحدود البحرية.
وأضافت أن ما يتعلق "الاتفاق المقبل بين لبنان وإسرائيل حول وقف إطلاق النار"، وربما في فترة لاحقة ما يتعلق بترسيم الحدود البرية بين البلدين قد يكون من خلال "اتفاقات غير مباشرة".
وعزت سليم ذلك إلى أن الخارطة السياسية في لبنان لا تسمح بأن يكون جزءا من "استراتيجية السلام" المبنية على اتفاقات إبراهيم، ولكنها قد تكون جزءا من استراتيجية "خفض التصعيد" في المنطقة.
لبنان يريد "دولة عربية".. لماذا تشكّل "آلية المراقبة" عقبة أمام الهدنة؟ أفاد تقرير لهيئة البث الإسرائيلية، الخميس، أن هناك خلافات في مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان حول آلية مراقبة الاتفاق، وخاصةً فيما يتعلق بالعضوية في فريق المراقبة الدولي.نائب رئيس مركز الأمن الأميركي، فلايتز يرجح بدوره أن إدارة ترامب المقبلة ستتجه لاستراتيجية إقليمية واسعة النطاق لتعزيز الاستقرار وإيقاف الحروب.
ولا يعتقد أن لبنان ستكون جزءا "اتفاقات إبراهيم في المستقبل القريب"، لكن إدارة ترامب ستسعى لتعزيز الاستقرار في لبنان، وخفض التوترات بينها وبين لبنان.
وتشير الأنباء إلى أن مسودة اتفاق وقف النار تتضمن مجموعة من النقاط من بينها: وقف لإطلاق النار لمدة ستين يوما ينسحب خلالها حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، على أن يبقى فقط الجيش اللبناني وقوات الـ "يونيفيل" في جنوب لبنان، وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي بعد ذلك في حال استمرار سريان مفعول وقف إطلاق النار.
أما النقاط الخلافية، تتركز في الحرية الممنوحة لقوات الجيش الإسرائيلي للقيام بعمليات ضد حزب الله في جنوب لبنان، وتركيبة لجنة المراقبة المكلفة بالسهر على تطبيق القرار الأممي 1701 ورفض حزب الله مشاركة بريطانيا وألمانيا فيها، بحسب الأنباء المتداولة.